مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“نوفّـر البنية الأساسية والمعايير العلمية للباحثين في الخليج”

Reuters

أنشئ مركز بروكينغز في الدوحة في عام 2008 وهو يسعى لإرساء تقاليد البحث العلمي في منطقة الخليج بمواصفات عالمية من خلال توفير أبحاثه للعموم بالعربية والأنجليزية وإشراك الباحثين العرب في عمله سواء كانوا من الشباب المتدربين أو من الباحثين الزائرين.

في الحوار التالي الذي خص به swissinfo.ch في العاصمة القطرية، يشرح نائب رئيس المركز الدكتور ابراهيم شرقية، الحائز على الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية، الرؤية التي يعمل المركز من خلالها من أجل إيجاد بيئة مناسبة لتطوير البحث العلمي في منطقة الخليج.

swissinfo.ch: يعمل مركز بروكينغز في بلد عربي، هل من تعريف بخصائص هذه التجربة غير المألوفة؟

الدكتور إبراهيم شرقية: يقوم مركز بروكينغز بمهمتين أساسيتين أولهما إنتاج الأبحاث المستقلة في المجالات السياسية والإقتصادية والتعليمية والتي تغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أساسا، والمجال الثاني هو إقامة الندوات التي تساهم في إغناء المعرفة في المجالات المذكورة، وهي تقام بشكل شهري وتستضيف نخبة من رجال السياسة والأكاديميين ورجال الأعمال من العرب والأجانب، وكان من ضمنهم الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور أكمل الدين أوغلو والسيدة كاثرين أشتون مسؤولة العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي وديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني السابق والدكتور صائب عريقات وسواهم، وكذلك رجال فكر أمثال رامي خوري…

في الجانب البحثي نركز على عدة جوانب يتولاها باحثون متفرغون، كما نقوم باستضافة باحثين من جامعات ومؤسسات تعليمية مرموقة في إطار برامج منها “الباحث الزائر” وتستمر الزيارة تسعة أشهر يقوم خلالها الباحث بدراسة جانب من جوانب بحثه، فنوفر له المكان والإمكانات والدعم المالي كي يستطيع إنجاز بحثه، كما نؤمّن له بعد ذلك النشر.

من يُحدّد موضوع البحث؟

الدكتور إبراهيم شرقية: هو يحدد موضوع بحثه ويُفترض أن يكون بحثا علميا ميدانيا وليس بناء على مصادر ثانوية، فالمركز يؤمّن له المكتب والسفر إلى المنطقة المعنية حيث يُجري المقابلات اللازمة ويتصل بالباحثين ثم يعود إلى مكتبه. وعند الإنتهاء من البحث نتولى نحن نشره بالعربية والأنكليزية ونجعله في متناول الباحثين.

كيف تضمنون استقلالية البحث؟

الدكتور إبراهيم شرقية: الباحث هو الذي يختار موضوع بحثه ويكون مسؤولا عن محتواه مسؤولية كاملة، فالمركز لا يتدخل في أي جانب من جوانب المحتوى، ولكنه يحرص فقط على مطابقة البحث للمعايير العلمية مثل مراجعة ما نشر حول الموضوع وتوثيق اية معلومة يتضمنها البحث وضمان حيادية البحث… كذلك يتم النشر باللغتين وهو أيضا جزء من الاستقلالية إذ يتم توفير المعرفة للجمهورين الناطقين بالعربية والأنكليزية للتمكن من مراجعة الأبحاث.

كما قمنا بتطوير برنامج “الباحث الزائر” بالتعاون مع مؤسسات تعليمية أخرى أهمها جامعة قطر، بالاضافة لجامعات أميركية مثل جامعة ستانفورد وجامعة جورج تاون. ويقوم برنامج التعاون مع جامعة قطر باستضافة الباحث الزائر لمدة ستة أشهر، ويقوم هناك بتدريس مساق أو مساقين ويقوم في الوقت نفسه ببحث لبروكينغز، مما يكرس التعاون بين المركز وجامعة قطر. هذه التجربة انطلقت ووصلت الآن إلى سنتها الثانية إذ استضفنا ثلاثة باحثين من جامعات أميركية مرموقة في إطار هذا البرنامج.

أما المحور الثالث فيتمثل في التعاقد مع باحثين مستقلين سواء كباحثين مقيمين أو زوارا لإجراء أبحاث في مواضيع تهم المركز وتساهم في إلقاء الضوء على البحث العلمي المستقل في المنطقة، فيقوم الباحث ببحثه في المجال الذي يختاره، وعند الانتهاء منه ننشره ونوفره للقراء باللغتين.

ومن أهم نشاطات المركز أيضا أننا بدأنا إقامة مؤتمرات علمية في قطاعات تهم المنطقة، منها مؤتمر سنوي كبير عُقد في السنة الماضية وركز على قطاع الطاقة وعلاقة ذلك بشرق آسيا (اليابان والصين والهند)، وسيكون المؤتمر الثاني في 2013 ويتطرق إلى جوانب أخرى من موضوع الطاقة.

ذكرت عدة مرات عبارة “مجالات البحث”.. ما هي هذه المجالات؟

الدكتور ابراهيم شرقية: يتطرق المركز لعدة محاور أولها “التحول الديموقراطي” الجاري في المنطقة، وثانيها الصراعات وآفاق السلام في المنطقة، وثالثها القوى الناشئة وعلاقة ذلك بشرق آسيا. وبالإضافة إلى ذلك يتحدث المركز إلى وسائل الإعلام العربية والعالمية ويزوّدها بالتحليل السياسي العلمي المستقل حول التطورات الحاصلة هنا وهناك، فنحن نتحدث مثلا إلى سي أن أن وواشنطن بوست ونيويورك تايمز والجزيرة والعربية وفرنسا 24 ونكتب أيضا في ديلي ستار (بيروت) وغولف نيوز (الدوحة) والسفير والجزيرة نت الخ…

ما هو المقياس المُعتمد لاختيار الباحثين؟

الدكتور إبراهيم شرقية: ما يُميّز عمل مركز بروكينغز هو أنه بيت خبرة أو Think Tank فهو يقوم بتزويد صُنّاع السياسات العامة في المنطقة بالتحاليل. فالمُحدد هنا هو ما يهتم به صانع القرار لكي نزوده بالمعرفة والمعلومة بناء على أبحاث علمية. المنطقة تتطور بشكل مستمر ونحن نقوم بإجراء أبحاث لنوفر المعلومة لصانع القرار.

ألا تخشون من أن يُضعف الإهتمام بحاجات صاحب القرار من استقلالية المركز؟

الدكتور ابراهيم شرقية: هذا لا يمسّ من استقلاليته فهي أمر نحرص عليه بشكل صارم. دورنا أن نوفر المعلومة للإستهلاك العام بنسبة مائة بالمائة، فالمركز لا يقوم بأبحاث حصرية لصاحب القرار، بل كل إنتاجه مُشاع. وعليه فتوفيره للمعلومة وقيامه بنشرها للجميع باللغتين وليس فقط للحكومة أو صاحب القرار يدلان على مستوى الشفافية والإستقلالية.

إلى أي مدى يساهم المركز ومراكز البحث المماثلة في تطوير البحث العلمي في منطقة الخليج؟

الدكتور ابراهيم شرقية: من المآخذ عادة على مراكز الأبحاث ارتباطها بالحكومة أو بقوى سياسية في بلد معين، فإذا كانت بعض المراكز تتلقى الدعم من جهات حكومية أو هي مرتبطة بها فإن البعض الآخر يكون مرتبطا بأحزاب وهي تقوم بنشر ما يتواءم مع مواقفها. أما ما يميز مركز بروكينغز فهو محافظته على الإستقلالية في جميع المجالات، فهو غير مدعوم من هيئة حزبية  أو حكومية، وهذا ما يجعله يساهم في تطوير البحث العلمي. كما أنه من المهم الإشارة إلى أن ما يُنشر يُربط باسم الباحث وليس بالمركز، فالباحث هو في النهاية المسؤول عن البحث والمعني بالدفاع عن نظريته وليس المركز، لكن دور المركز يتمثل في أنه أعد البنية الأساسية ووفر المعايير العلمية للباحث كي يُسيّر البحث بشكل مستقل ويتمكن من الدفاع عن النتائج التي توصل لها، وبهذا المعنى يمكن القول إنه ساهم في تطوير البحث العلمي.

كما أن اعتماد المعايير البحثية العالمية ساهم في إيجاد نوع من التقارب بين العالمين الغربي والاسلامي إذ باتت هناك معلومة بحثية واحدة يقرأها الباحثون في هذين العالمين ويرجعون إليها. وهذا أمر لم يكن موجودا من قبل، إذ كانت هناك مراكز أبحاث غربية تنتج المعرفة لصاحب القرار وللباحث الغربي من جهة ومراكز أبحاث عربية من جهة أخرى تنتج لصناع القرار والباحثين العرب. المركز أوجد معلومة موجهة للطرفين معا، وصار ممكنا الإشارة إلى معلومة من نفس المصدر في الجانبين وهذا يساعد على تحقيق التقارب والتفاهم بين العرب والغرب.

وهل يشارك في برامجكم البحثية باحثون من المنطقة؟

الدكتور ابراهيم شرقية: يتم ذلك في ما نسميه برامج تدريبية intership program الذي نستضيف في إطاره باحثين متدربين من الجامعات في المنطقة، وهم يقتصرون حاليا على طلاب من الجامعة القطرية لأسباب لوجستية، وكذلك من الجامعات الأخرى في قطر ومنها جامعة جورجتاون في الدوحة وتتم الإستضافة لمدة أربعة أشهر، فهم يعملون مع باحثين في المركز يقومون بتدريبهم على إجراء الأبحاث، مما يساهم في بناء الكادر البحثي (الكفاءات) في قطر. والجانب الثاني هو إتاحة الفرصة للباحثين لإجراء أبحاثهم التي تتم مراجعتها وتدقيقها والتأكد من مصداقيتها ومطابقتها للمعايير العالمية. أما الجانب الثالث من مساهمة المركز فتتمثل في جعل الأبحاث في متناول جميع الباحثين في المنطقة والمقارنة بين الأبحاث المنتجة في المركز والأبحاث الأخرى في المنطقة.

طبعا لا ندعي أن المادة البحثية عندنا أفضل من الآخرين، لكن القصد أن يتم توفير بحث علمي في المنطقة يجري تدقيقه وضمان مطابقته للمعايير العالمية للمقارنة بحيث تساهم المقارنة في تطوير أرضية البحث العلمي مع التركيز على المبدإ الأول للمركز وهو استقلالية البحث العلمي.

“مركز بروكينغز ليس له موقف من أية قضية، فالباحثون يختلفون وهذا ما نتميّز به عن مراكز بحثية أخرى، فهو مثل الجامعة التي ليس لها موقف من أية قضية كجامعة”

“المركز يُوفر البنية التحتية والتمويل والمعايير فقط وهو ما يكرّس الإستقلالية. والمركز لا يدافع عن أيّ مسألة مهما كانت، بل الباحث هو الذي يتوجه إلى وسائل الإعلام للدفاع عن بحثه أو موقفه”

“أعتقد أن هذا النموذج هو الذي يساهم في إغناء البيئة البحثية كي يتمكن الباحث من إجراء بحثه بشكل مستقل ولا يُسوّق مواقف حزب أو حكومة، وهذا ما تحتاجه المنطقة، أي أن يقوم الباحثون بأبحاثهم من دون التأثير عليهم ماديا أو أدبيا”

“أتمنى أن أرى هذا النموذج وقد تبنته مؤسسات بحثية عربية بشكل واسع لأنه هو ما يؤهّـل الباحث للإنتاج والإبداع بعيدا عن الإبتزاز بحيث يقوم ببحثه العلمي في كنف الاستقلالية الكاملة

(الدكتور ابراهيم شرقية، نائب رئيس مركز بروكينغز في الدوحة)

تجابه دول مجلس التعاون الخليجي (الكويت والسعودية وقطر والبحرين والامارات وعُمان) صعوبات جمة لبلورة استراتيجية مُوحدة للبحث العلمي، على رغم تبنيها هدفا مشتركا يتمثل في إقامة اقتصادات معرفة أسوة بالبلدان الآسيوية المتقدمة.

وبحسب أحدث دراسة عن هذا الموضوع يشكل “غياب مصادر تمويل واضحة” للبحث العلمي أبرز عقبة أمام تنمية العلوم والبحوث في هذه المنطقة التي مازالت مترددة في بناء وحدة سياسية بينها.

أكدت دراسة بعنوان “المشهد الصناعي في بلدان الخليج” أعدتها منظمة المهندسين في البلدان الخليجية، أن غياب استراتيجيات مشتركة في مجال البحث والتنمية يقوم حجر عثرة أمام فرص تحويل اقتصادات بعض هذه البلدان إلى اقتصادات معرفة. وحضت الدراسة على إصلاح العيوب الرئيسية في أنظمة البحث الحالية أولا، ومن ثم إحلال التشابك والتنسيق بينها في مرحلة لاحقة.

في المقابل، ميزت الدراسة بين صنفين من البلدان فهناك ثلاثة تسير على الطريق التي يمكن أن توصل إلى إرساء منظومة بحث علمي مقبولة تفضي إلى إرساء اقتصاد معرفة في أفق سنة ألفين وعشرين، وهي السعودية وقطر والإمارات، بينما تبدو الكويت وعُمان والبحرين بعيدة عن هذا الهدف، وهي تحتاج إلى وقت أطول لإقامة اقتصاد معرفة من خلال تطوير مراكز بحثها وتحسين مستوى البحث العلمي فيها.

الدراسة قدّرت مخصصات البحث العلمي في قطر بـ 2.8 في المائة من الناتج الداخلي الخام منذ سنة 2009، وقالت إن تلك الإمارة الصغيرة تخطت بذلك مستوى بعض الدول الصناعية التي لا تتجاوز النسبة لديها 2.5 في المائة. واعتبرت أن قطر بصدد التحول إلى قطب إقليمي للبحث التنموي، وهي تُسهم في الحد من هجرة الأدمغة العربية والآسيوية بعدد العلماء والباحثين الذين تستقطبهم سنويا.

في هذا السياق، تحتضن الدوحة قريبا الدورة السنوية لمؤتمر العلماء العرب المغتربين. وقال محمد السويدي مسؤول البحث والتنمية في “مؤسسة قطر” التي ترعاها الشيخة موزة المسند زوجة أمير قطر، لـswissinfo.ch: “إن الملتقى سيقام على هامش مؤتمر أكبر يتطرق للبحث العلمي والتنمية. ويتولى العالم الأمريكي من أصل مصري فاروق الباز المقيم في بوسطن الإشراف سنويا على إعداد هذا المؤتمر وضمان حضور رفيع المستوى في جلساته”.

من جهته، رأى زكي المصطفى، المدير المساعد للمركز الوطني للأبحاث الفضائية في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا في الرياض أن “انتقال دول مجلس التعاون من وضعها الحالي إلى الوحدة السياسية سيساهم بدرجة كبيرة في إعطاء دفعة للبحث والتنمية، واستطرادا سيسهل عقد شراكات استراتيجية مع مراكز أبحاث دولية وتفادي التوازي والتكرار في أعمال المراكز الحالية”، غير أن الإعلامي وليد الشوبكي أنجز تحقيقا أثبت من خلاله أن “غالبية مشاريع البحث في دول الخليج لم تحقق أهدافها“، أما فاروق الباز فقد اعتبر أن “حالة البحث العلمي في المنطقة مازالت مُزرية“.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية