مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سماء التوقعات المناخية تتلبّد بسُحب داكنة

Reuters

تستعد "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" IPCC لنشر تقريرها الجديد حول المناخ في العالم. ومن المؤكد أن رسم صورة للأوضاع التي ستكون عليها الكرة الأرضية بعد قرن أو قرنين، تبقى من المهام الأكثر صعوبة بالنسبة للعلماء، خصوصا وأن بعض الظواهر تظل غير قابلة للتوقع مُسبقا.

من نافلة القول أن النماذج المناخية التي يتوصل إليها المختصون، تأتي دائما مُجانبة للصواب، إذ أنها لا تنجح – كما هو الحال في كل نظرية علمية – في إعادة إنتاج الواقع تماما وبكل تفاصيله. هذا الكلام لا يصدر عن بعض المختصين في علوم المناخ من ذوي النظرة التشاؤمية، بل من الباحثين الذين يهتمون تحديدا ببلورة التكهنات حول مستقبل المناخ وإعدادها. وعلى عكس ما يظن البعض، لا يُوجد أي تناقض بين الأمرين، مثلما يؤكد الخبراء.

في إحدى المطبوعات الصادرة عن “المنتدى السويسري حول المناخ والتحولات الشاملة”  Proclim، يمكن للمرء أن يطالع ما يلي: “إن النتائج المترتبة عن نمْذجة مناخية توفر معطيات مهمة، تساعد على فهم ومُحاكاة بعض الأوجه والعمليات”، إلا أن المهم – حسب نفس المصدر – يتمثل في معرفة أين توجد حدودها وما هي النتائج الجديرة بالثقة. وفي كل الأحوال، يظل التكهن بالمناخ “تمرينا مفتوحا على كل الإحتمالات”، مثلما يعترف بذلك ستيفان غويات، الخبير في شؤون المناخ بجامعة جنيف.

المزيد

المزيد

“نحن مَن يُحدّد كيف سيبدو المناخ في غضون 50 عاماً”

تم نشر هذا المحتوى على بالنسبة لتوماس شتوكر، رئيس الفريق العامل الأول للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ، الذي يضْطَلِع بتقييم الجوانب العِلمية للنظام المناخي وتغيّر المناخ ووَضع الأسس العلمية للتقرير الخامس المعني بتغيير المناخ، فإن المعركة ضد التغيرات المناخية ليست خاسرة حتى الآن، ولكن الأمور سوف تزداد صعوبة مع كل عام ينقضي، بدون التوصل إلى تحقيق تخفيض في انبعاثات الغازات…

طالع المزيد“نحن مَن يُحدّد كيف سيبدو المناخ في غضون 50 عاماً”

كم ستكون كمية الأمطار في عام 2100؟

في موفى شهر سبتمبر الجاري، ستنشر “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” IPCC الجزء الأول من تقريرها التقييمي الجديد، وهو الخامس من نوعه. وحسب بعض التسريبات، فإن مسؤولية الإنسان عن ارتفاع درجة الحرارة فوق سطح الأرض، تأكدت بنسبة 95% (كانت النسبة 90% في التقرير السابق الذي نُشر عام 2007). وبالإضافة إلى تجميع آخر المعطيات المتعلقة بارتفاع درجات الحرارة وذوبان الثلوج أو ارتفاع مستوى المحيطات، يشتمل تقرير الهيئة على توقعات تتعلق بالقرنين القادمين.

ولكن، كيف يمكن توصيف المناخ الذي سيسود الكرة الأرضية في غضون 50 أو 100 عام، في حين أننا لا ندري كيف سيكون الطقس بعد أسبوع واحد؟ يُجيب ريتو كنوتّي، الأستاذ في معهد الأبحاث حول الغلاف الجوي والمناخ في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ والمشارك في تأليف تقرير هيئة IPCC: “يتعلق الأمر بمظهرين مختلفين.. فمن خلال التكهنات الجوية، يُراد معرفة كيف ستكون الوضعية في يوم محدد. على العكس من ذلك، لا تهتم المُحاكاة المناخية بالحالة التي سيكون عليها المناخ يوم 31 ديسمبر 2100، بل يتمثل هدفها في التكهن على سبيل المثال، بمتوسط عدد الأيام المشمسة أو المُمطرة في موفى القرن”.

توقعات صحيحة رغم البركان

بدوره، أفاد ستيفان غويات أنه – ومن أجل التثبت من صلوحية محاكاة ما – يُطلب من الأنموذج احتساب (أو بلورة) المناخ الحالي، انطلاقا من معطيات الماضي. فإذا ما جاءت النتائج المتحصل عليها متطابقة مع الواقع، يُعتبر الأنموذج المعتمد موثوقا ويمكن الإستناد عليه. في المقابل، توجد طريقة أخرى تعتمد على تحليل ما إذا كانت التوقعات القديمة تحققت بالفعل أم لا.

بعض الباحثين اختاروا القيام بإجراء هذا التمرين، بالعودة إلى التقرير الأول الصادر عن “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”. فقد توقعت الوثيقة التي نُشرت عام 1990، أن متوسط درجات حرارة الأرض سيرتفع بحوالي 1.1 درجة مئوية بحلول عام 2030 (أي بما يناهز 0.55 درجة مئوية في عام 2010).

المزيد

في هذا السياق، توصّل دافيد فرايم من جامعة فيكتوريا في ويلينغتون (نيوزيلاند) ودايثي ستون من مختبر لورانس بيركلي الوطني في كاليفورنيا (الولايات المتحدة)، إلى أن الإرتفاع المسجل في درجات الحرارة ما بين عامي 1990 و2010 تراوح ما بين 0.35 و0.39 درجة مئوية. في المقابل، عزا الباحثان الفارق المسجل بين الرقم التقديري (0.55 درجة مئوية) والأرقام المسجلة فعليا إلى تقلبات طبيعية.

وإذا ما أخذنا في الحسبان أن النماذج المعلوماتية في تلك الفترة، كان أكثر بساطة من النماذج الحالية، فإن “دقة توقعات عام 1990 جديرة بالذكر”، مثلما أشار إلى ذلك معدّو الدراسة المنشورة في ديسمبر 2012، بل أضافوا أن التقديرات، مثيرة لقدر أكبر من الإندهاش، إذا ما اعتبرنا أنه لم يكن بإمكان العلماء التكهن مُسبقا بالأحداث الكبرى التي يُمكن أن تكون أثرت بدورها على المناخ. ومن بينها، ثوران بركان “بيناتوبو” بالفلبين سنة 1991 والإنهيار الصناعي للإتحاد السوفييتي والنمو الإقتصادي للصين.

هنا يُشير الباحثان دافيد فرايم ودايثي ستون إلى أن التغييرات قصيرة الأمد (كالأحداث المذكورة أعلاه) لها تأثيرات محدودة نسبيا على الإرتفاع الجُملي لدرجات الحرارة فوق الأرض. أما العامل الحاسم، فيظل التراكم المستمر لغاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ انطلاق الثورة الصناعية.

دراسة أخرى نُشرت في موفى 2012 أيضا، توصلت إلى نتيجة مماثلة، إذ أكد باحثون في ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا أن درجة الحرارة العالمية ونسبة تركز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، استمرت في الإرتفاع مثلما ورد في توقعات “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”.

في المقابل، اتضح أن ارتفاع مستوى المحيطات، كان أسرع مما جاء في التكهنات. ويُلاحظ ستيفان غويات أنه “من المشجّع أن نلاحظ أن النتائج الرئيسية للتقرير الأول الصادر عن الهيئة، جاءت متماشية مع الخلاصات الواردة في تقرير 2007”.

مع ذلك، يرى إدواردو زوريتا، الباحث بمعهد البحوث الساحلية في غيزتاخت (ألمانيا)، أنه من المبالغة القول بأن توقعات عام 1990 كانت “دقيقة”، ويشير الخبير في شؤون المناخ الذي شارك مؤخرا في دورة 2013 للمدرسة الصيفية السويسرية حول المناخ، إلى أنه “من الأفضل القول ببساطة أنها كانت في الإتجاه الصحيح، إذ أن فاصلا زمنيا بعشرين عاما لا يكفي للخروج باستنتاجات”.

الغيوم.. ذلك المجهول

خلال الملتقى الدولي الذي انتظم في بداية سبتمبر 2013 في غريندلفالد (ريف برن الجبلي) وتمحور حول إعادة تشكيل المناخ والتكهن به، تم تحديد النتائج المترتبة عما يُصطلح على تسميته بـ “تأثير الفراشة”، حيث اتضح أنه يكفي حصول تغييرات طفيفة في الظروف الأصلية، للحصول في نهاية المحاكاة المناخية على نتائج مناقضة تماما.

وفي هذا الصدد، يُشير إدواردو زوريتا إلى أن “علم المناخ لا يزال يُواجه العديد من الألغاز”، ومع إقراره بأن “النماذج الحالية تتسم بقدر أكبر من التطور وتتوفر على دقة أعلى، إلا أنه من المثير للإحباط أن يُلاحظ المرء أن الشكوك ظلت على حالها”.

في الواقع، توفر النماذج المناخية عموما معطيات جيدة عن بعض الجوانب، مثل تطور درجات الحرارة العالمية على المدى الطويل أو التغييرات التي ستشهدها التساقطات المطرية، مثلما يُلاحظ ريتو كنوتّي، إلا أنها “تعجز في مقابل ذلك على إعادة إنتاج صحيح للدورة الكاملة للماء أو التحولات التي تطرأ على بنية التيارات الهوائية في الغلاف الجوي”، على حد قوله.

في الأثناء، لا زالت تفاصيل التفاعلات القائمة بين الغلاف الجوي والمحيطات وأديم الأرض أو الغطاء النباتي، غير معلومة بالقدر الكافي.

من جهة أخرى، يشير ريتو كنوتّي إلى أن عملية تشكل الغيوم والتحولات التي تطرأ عليها، تعتبر من التحديات الرئيسية التي تواجه عملية النمذجة، ويقول: “إن تركيبتها تتسم بالتعقيد الشديد وكل غيمة لها خصوصياتها. يكفي النظر من النافذة”. ومع أن للغيوم تأثير كبير على درجة الحرارة، مثلما يقول، إلا أن “لكل غيمة تأثير مختلف على حصيلة الإشعاع. لذلك فإن محاكاة تصرفاتها من خلال نموذج رقمي ومعلوماتي أمر شديد الصعوبة”.

رغم الشكوك وعدم اليقين، فإن القيام بتكهنات، يظل أمرا معقولا حسب تأكيد إدواردو زوريتا الذي يضيف أنه “يتعيّن تحسين النماذج المناخية (الحالية).. هناك إمكانية لتطوير إضافي. لقد رأينا ذلك في الأرصاد الجوية. فقبل عشرين عاما، كانت هناك تكهنات دقيقة ليومين، أما اليوم فبإمكاننا “الرؤية ” لستة أيام”.

أعدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التي تضم في صفوفها عددا من الباحثين السويسريين تقريرها الخامس لتقييم أوضاع المناخ. وسيتم نشر الوثيقة على عدة مراحل.

الجزء الأول يتعلق بـ “القواعد العلمية للتغيرات المناخية” وسيُعرض من 23 إلى 26 سبتمبر 2013 في ستوكهولم. فيما يهتم الثاني بـ “الإنعكاسات والتأقلم والهشاشة” فسينشر من 25 إلى 29 مارس 2014. أما الثالث فيُخصّص لـ “التخفيف من أثر التغيرات المناخية” ويُعرض على الجمهور من 7 إلى 11 أبريل 2014.

من 27 إلى 31 أكتوبر 2013، سيتم عرض الخلاصة النهائية للتقرير في كوبنهاغن.

الوثائق التي تقوم هيئة IPCC بإعدادها دوريا هي بالأساس توليفة لأحدث المعارف العلمية المتعلقة بالمناخ. ومع أنها ليست ذات صبغة إلزامية، إلا أن الأوساط السياسية والإقتصادية تعتمد عليها كمراجع لدى قيامها ببلورة استراتيجيات بعيدة المدى.

المكتب الفدرالي للأرصاد الجوية وعلوم المناخ (MeteoSuisse) هي الجهة المسؤولة عن بلورة نماذج مناخية لسويسرا بالتعاون مع المؤسسات الجامعية المختصة.

بحلول منتصف القرن الحالي، تتوقعMeteoSuisse  ارتفاع متوسط درجات الحرارة في معظم جهات سويسرا وفي جميع فصول السنة.

تبعا للسيناريوهات المُتعلقة بحجم انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، يتراوح ارتفاع درجات الحرارة ما بين 0،5 و3،6 درجة مائوية بحلول عام 2060.

في المناطق السفلى من الهضبة السويسرية، سيرتفع عدد الأيام الصيفية (أي التي لا تقل فيها درجة الحرارة عن 25 درجة مائوية) من 50 إلى 65 – 80 يوم في العام. أما فترة الموسم الزراعي فسوف تزداد بما بين 30 إلى 50 يوما.

في فصل الصيف، يُتوقع أن ينخفض معدل التساقطات في كافة أنحاء سويسرا. وفيما ستزداد فترات الحرارة طولا، ينتظر أن تكون موجات الحرّ أشدّ وأقوى.

(ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية