مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مشروع رائد لإنتاج الطاقة الكهربائية من “أنابيب” قابلة للنفخ

فيليكس تيفنباخر، الرئيس التنفيذي لشركة "هيليوفيس" أمام موقع إختبار أنبوب مُكَثِف الطاقة الشمسية "هيليوتوب" في منطقة دورنروهر Dürnrohr شمال شرق النمسا. swissinfo.ch

في هذه الأوقات التي تَشهد تَغييرات مناخية كبيرة، أصبح إستخدام الطاقة الشمسية أكثر أهمّية من أيّ وقت مضى. وفي العاصمة النمساوية فيينا، يَعكف إثنان من رواد الطاقة من مدينة بازل السويسرية على تنفيذ فكرة تجميع حرارة الشمس بواسطة "نقانق عملاقة" قابلة للنفخ. ومن المُتَوَقَّع أن يُطرح هذا المشروع الرائد في الأسواق في عام 2016.

ويكفي إلقاء نظرة على المحطة التجريبية لإثارة الإعجاب بهذا المشروع. حيث يمكن رؤية ما يشبة السجقة المستقيمة المنفوخة على إمتداد 35 متراً، وبقطرٍ يصل الى المترين.

وعلى رصيف محطة دورنروهر الحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية في بلدية تسفينتيندورف الواقعة في ولاية النمسا السفلى (شمال شرق النمسا)، حظي العاملون على تطوير هذا المشروع بِحَق الضيافة لِمِرفَقِهما الإختباري منذ شهر مارس 2011.

و في مقابلة معه، عبر فيليكس تيفنباخر مدير شركة “هيليوفيس” Heliovis المسؤولة عن تنفيذ هذا المشروع الرائد عن سروره وغَضَبه في آنٍ واحد. فمن ناحية، تكلَّلَ إختبار عملية لَحْم خطوط الدَرز بواسطة الأشعة السينية الذي أجراه مفتشو رابطة المراقبة والفحص التقني الألمانية TÜV (التي يعمل فيها إستشاريون مستقلّون يقومون بالتحقق من سلامة المُنتجات بجميع انواعها من أجل حماية البشر والبيئة من الأخطار) بالنجاح. ولكن عَطَلَ أحد المرحلات (المفاتيح الكهربائية) تسبب من ناحية أخرى بِنَقص الضغط الكافي في أحد الهياكل الأنبوبية مما أدى الى ترهل هيكله الخارجي، وإصابته بالتالي ببعض الخدوش نتيجة هبوب رياح قوية.

وفي أثناء إنهماك مهندسو الشركة بالعمل على تصليح هذه المفاتيح وإعادتها للعمل بكفاءة مرّة ثانية، أوضح تيفنباخر المُختص في الفيزياء الكَمّية والذي نشأ في مدينة بازل كيفية عمل الأنبوب الذي أطلِقَت عليه تسمية “هيليوتوب” بالضبط، وطريقة تحويله لضوء الشمس إلى طاقة.

ومن الناحية العملية، يَتَسم المبدأ ببساطته الشديدة: حيث يتكون الأنبوب الذي يعمل على تجميع الطاقة الشمسية من رقائق مختلفة تم لَحْمها على هيئة أنبوب شفاف من طرفه العلوي وصلب من أطرافه الجانبية والسفلى، ومعقود بواسطة صفائح عاكسة من جهته الداخلية. ومن خلال حُجرة هوائية ثانية تقع أسفل الأنبوب الأصلي، تقوم هذا الصفائح، وبِفَضل إختلاف الضغط بين الجانبين، بِعَكس ضوء الشمس الواصل إليها مباشرة إلى أنبوب أسود صغير يَمُر على امتداد السطح العلوي الداخلي للأنبوب الأصلي “هيليوتوب” والذي يقوم بإمتصاص هذا الضوء.

ويشرح تيفنباخر العملية بالقول: “يعمل هذا الأنبوب الأسود، على إمتصاص الضوء وتحويله إلى حرارة”، ويضيف “يُضَخُ في هذا الأنبوب سائل كالماء مثلاً، الذي يسخن بفعل الحرارة ويتحول بالتالي الى بخارٍ تُغذّى به التوربينات، التي تحوله بدورها إلى طاقة كهربائية”.

فكرة تجارية عظيمة

وكان تيفنباخر قد إلتقى بالنمساوي يوهان هوفلر الذي كان يعمل في الجامعة التقنية بمدينة فيينا، حيث أخبره الأخير عن فكرته. ولم يَستَغرق الأمر أكثر من 20 ثانية ليتضح لتيفنباخر بأن مبدأ هذه الفكرة “يلبي جميع معايير فكرة تجارية عظيمة، ذلك أنها تملك سوقاً كبيرة جداً، بالإضافة الى سهولة شرحها و إنتاجها”.

ولم يمضِ سوى عام واحد، حتى بدأ تيفنباخر بالفعل في تنفيذ براءة إختراع هذه الفكرة التكنولوجية داخل جدران مكتب صغير. وفي عام 2009، تم تأسيس شركة “هيليوفيس” في أحد الكراجات (مرآب). ومنذ عام 2010، يقع مقر هذه الشركة في مبنى يضم مكاتب الشركة بالإضافة الى ورش العمل في المنطقة الصناعية لبلدة فيَنر نويدورف Wiener Neudorf الواقعة جنوب العاصمة النمساوية.

وفي الوقت الحاضر، يعمل 18 شخص في هذا المشروع بالفعل، بِضِمنهم الفيزيائي صامويل كوتَّر العضو الثاني في الفريق القادم من مدينة بازل، والذي يشغل منصب المديرٍ العام للشركة. وكان قد سبق لكوتَّر أن إكتسب خبرة جيدة في مجال الطاقة من خلال عمله في شركة E.ON الألمانية العملاقة لإنتاج الطاقة.

متطلبات عالية

وفي هذه الأثناء، وفي ساحة تقع أمام مبنى الشركة في بلدة فينر نويدورف، كان بعض الفنيين مشغولين بضَخِ الهواء في أنبوب آخر لإجراء الفحوص الضرورية. وما تزال التجارب مُستَمِرّة للتوصول الى المادة المثالية لِصُنع الرقائق المُختلفة. وكما يقول تيفنباخر: “ما نزال نكافح بعض الشيء حالياً مع مشاكل تتعلَّق بالمواد”.

ويعود السبب في ذلك إلى المُتَطَلَّبات العالية لهذه الرقائق الثلاثة، إذ إنَّ عليها جميعاً مقاومة الأشعة فوق البنفسجية الصادرة من الشمس، بالأضافة الى مقاومتها للخدوش، وعوامل الطقس والرطوبة، كما يجب أن تكون سهلة التنظيف.

ومن المُقَرَّر أن يكون بالإمكان إنتاج هذه الرقائق الثلاثة مركزياً في جهاز واحد، وأن يُمكن تسليمها بصورة ملفوفة مُسبقاً. ويبدو جليا أن إنجاز جميع هذه التطورات ليس مُمكناً في فترة وجيزة،  ولهذا لا تُخطط الشركة للدخول إلى السوق قبل عام 2016.

تصميم يلائم الجنوب

ويُخَطَط عند الإنتهاء من إنشاء أنبوب كهذا أن يبلغ طوله 200 متر وبِقُطر 12 متر. كما لن تُشغل هذه الأنابيب بشكلً فردي. ومن الواضح بأنَّ فكرة أنبوب “هيليوتوب” غير مُصَمَّمة للوضع في الحديقة المنزلية. ولهذا السبب، سيكون الزبائن عبارة عن شركات كبيرة لإنتاج الطاقة.

وحَسب تيفنباخر فإنه “لن يتم نَصب محطات كبيرة كهذه في وحدات صغيرة، وإنَّما في مناطق واسعة جداً فقط”، ويضيف: ” تولّد هذه المحطات طاقة كهربائية تتراوح من 50 الى 100 ميغاواط، وهي تُعتبر كبيرة بالنسبة لمحطة توليد طاقة كهربائية تستخدم الطاقة المُتجددة، ولكنها ما تزال صغيرة بالمُقارنة مع محطة لِتوليد الطاقة النووية ذات قدرة غيغاواط كامل”.

وحَسب عالم الفيزياء، لن تنشأ هذه الأنابيب الضخمة في مناطق دوائر العرض الشمالية لسويسرا أو النمسا مثلاً، حيث يقول :” كل واحدة من مكثفات الطاقة الشمسية هذه هي عبارة عن نظام بصري، يتم تركيز (تجميع) الضوء من خلاله. وهذا يتطلب وجود قُرص الشمس في السماء. ولن تفي سماءٌ تغطيها السُحُب بهذا الغرض”.

ويضيف موضحا: “هذا يعني بأنَّ هذه المكثفات سوف تُنشأ في مناطق تشرق فيها الشمس معظم الأوقات، وينخفض فيها عدد السكان جداً، وهو ما نجده عادة في جنوب إسبانيا أو في الصحراء الإفريقية”.

يُمكن استخدام الضوء الصادر من الشمس بأساليب مختلفة حيث تعتبر الخلايا الشمسية (أو الخلايا الفولتية الضوئية) الوسيلة الأكثر شهرة لإستخدام أشعة الشمس وتحويلها إلى كهرباء مباشرة عن طريق استخدام أشباه الموصلات كالسيليكون الذي يُستخرج من الرمل النقي.

وتعتبر طاقتها شكلاً من أشكال الطاقة المُتجددة والنظيفة، حيث لا يُسفِر تشغيلها عن نفايات مُلوِثة أو ضوضاء أو إشعاعات، كما أنّها لا تحتاج الى وقود. و تعمل الخلايا الشمسية في الإضاءة الخافتة أيضاً، ويعتمد شدة تيارها على شدة أشعة الشمس، وكذلك على كفاءة الخلية الضوئية نفسها في تحويل الطاقة الشمسية الى طاقة كهربائية.

كذلك يمكن استخدام الطاقة الشمسية في توليد الحرارة التي يتم تحويلها إلى كهرباء. وهذا يشمل أيضاً نظام أنبوب “هيليوتوب” الذي يعمل بناءً على فكرة وجود مرآة القطع المكافئ البيضوية التي تقوم بتجميع الطاقة الشمسية، واستخدامها بالتالي لإنتاج الطاقة الكهربائية. وفي كل الحالات، تحتاج ألواح تجميع الطاقة الشمسية إلى أشعة الشمس المُباشرة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية