مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإستفتاء الذي يثير قلق وانزعاج الأجانب المقيمين في سويسرا

نزل الكثيرون في مظاهرات عبر المدن السويسرية للتعبير عن رفضهم لنتيجة استفتاء الأحد 28 نوفمبر 2010 Keystone

صوت 52.9% من الناخبين السويسريين في استفتاء عام أجري يوم الأحد 28 نوفمبر 2010 لفائدة مبادرة حزب الشعب اليميني (شعبوي محافظ) الداعية إلى الطرد الآلي للمجرمين الأجانب. هذه النتيجة تسببت في موجة من الغضب والقلق في صفوف الأجانب المقيمين في سويسرا.

وأشار بيان أصدرته جمعية «Second@s Plus» الممثلة للمهاجرين من الجيل الثاني والثالث إلى أن السويسريين، ومن خلال قبولهم بمبادرة حزب الشعب، قد أرسلوا إشارة واضحة مفادها أن الأجانب في سويسرا غير مرغوب فيهم، وهم موضع اتهام. وقالت إيفيكا بتروسيك، رئيسة هذه الجمعية: “إنها إشارة أخرى على أن الأجانب متسامح معهم، لكنهم لا يحظون بالإحترام”.

أما آلان بيطار، مدير المكتبة العربية بجنيف، فيرى أن الخوف من هذه النتيجة هو أنها “تعني أننا دخلنا في موجة جديدة بسويسرا تذكّر بمبادرة هانس شفارتسنباخ (سياسي يميني أطلق أوّل مبادرة للحد من نسبة الأجانب في سويسرا في السبعينات من القرن الماضي)”، وبالنسبة إليه: “ما قام به التصويت على المآذن أو على طرد المجرمين الأجانب هو انه أضفى الشرعية على سلوك عنصري موجود لأنه لا المبادرة الأولى، ولا الثانية يمكن أن تقدم حلولا لموضوعات جدية، كل ما يقومان به هو أنهما يقضيان على قيم التعايش السلمي، وعلى التعدد داخل المجتمع، ويسمان الأجانب، ويغذّيان الأفكار المسبقة تجاههم”.

وتأتي مبادرة طرد المجرمين الأجانب، دائما بحسب بيطار، لأسباب انتخابية بحتة ويقول: “لقد أراد حزب الشعب تنشيط آلته الدعائية، وإثبات هيمنته قبل سنة من الانتخابات العامة المرتقبة”.

ومن مفارقات هذه المبادرة الأخيرة بحسب مدير المكتبة العربية بجنيف هو أن “حزب الشعب قد استغل أجواء الخوف والانزعاج التي يثيرها انتشار الجرائم الصغرى التي يرتكبها مهاجرون غير شرعيين لوضع قانون يهدف إلى طرد الأجانب الذين يرتكبون جرائم خطيرة بغض النظر عن مدّة إقامتهم في البلاد”.

وقد ردد حزب الشعب كثيرا خلال حملته القول بأن المهاجرين مسؤولون عن النسبة الغالبة من الجرائم بالمقارنة مع السكان الأصليين، لكن الإحصاءات التي استند إليها الحزب اليميني كثيرا ما كانت موضع شك، وتنقصها الدقة.

الخوف من المستقبل

تخصّ المبادرة التي تم إقرارها يوم الأحد 28 نوفمبر 2010 الجيل الثاني والثالث من المهاجرين أيضا، وذلك لأن هؤلاء لا يحصلون آليا على الجنسية في سويسرا. وسيفتح القانون الجديد الباب لإمكانية طرد هؤلاء إلى بلدان لم يسبق لهم معرفتها أو حتى زيارتها. ووفقا لنص المبادرة يقضي المجرمون مدة عقوبتهم في سويسرا، قبل أن يرحّلوا آليا إلى خارجها.

وفي معرض انتقادها للوضع الذي يخلقه هذا النوع من القوانين المعادية للأجانب، تقول إيفيكا بيتروسيك: “نضع أكثر فأكثر قوانين تقسّم السّكان إلى مجموعات متمايزة. وننتهك بذلك دستورنا، الذي ينص على أننا جميعا متساوون أمام القانون. إنها نهاية أسطورة الإندماج”.

ويشار بالمناسبة إلى أن الجناح المتشدد من حزب الشعب اليميني الذي أطلق مبادرة طرد المجرمين الأجانب، هو نفسه الذي ساهم بعض عناصره في إطلاق مبادرة حظر بناء المزيد من المآذن التي أقرها الناخبون السويسريون يوم 29 نوفمبر 2009.

ولا تخفي إفيكا بيتروسيك قلقها الشديد مما يخبؤه حزب الشعب للمستقبل: “هذه الإستراتيجية الموظفة للخوف تخدم جيدا مصلحة هذا الحزب. وإذا ما تواصل هذا التوجه سوف ينتهي الأمر إلى ما لا يُحمد عقباه”.

وعقب تصويت الأحد الماضي، عبّر الأجانب في سويسرا عن ردود فعلهم من خلال شبكة الإنترنت، وجاء على صفحات فايسبوك المخصصة لحملة “لا للمبادرة، لا للمشروع المضاد” مثلا أن “هذه النتيجة المحزنة تبيّن أن الخوف من الأجانب الذي يقضّ مضاجع السويسريين أقوى بكثير من حسن النية تجاههم”، كما نشر عليها أيضا “هذه النتيجة كانت منتظرة، لكنها غير مأمولة”، أو كذلك: “مثل هذه المبادرات تشيع الكراهية بين فئات المجتمع لكنها لن تؤدي إلى أي نتيجة”.

اقتراع عاطفي

يشير خوزيه إنشوا مانداس، أمين عام إحدى المؤسسات التي تعنى بشؤون المهاجرين الإسبان ويوجد مقرها ببرن، إلى وجود قلق كبير بين صفوف الشبان المهاجرين من أصل إسباني، الذين ولدوا في سويسرا، وقضوا مجمل حياتهم هنا من دون أن يطلبوا الجنسية السويسرية: “إن ما حدث خطير جدا. الديمقراطية المباشرة أسلوب ونظام رائع. لكن في السنوات الأخيرة، اعتمد الناخبون في اختيارهم على الغريزة، وليس على أحكام العقل. هذا الأمر ليس طبيعيا”.

كذلك يبدى باولو داكوستا، رئيس لجان “دي زوريغو”، وهي منظمة تموّلها الحكومة الإيطالية وتعنى بشؤون الإيطاليين المقيمين بالخارج، نفس القلق ويقول: “لقد تأثرنا كثيرا بنتيجة هذا الاقتراع. ونتفهّم ما يسعى إليه السويسريون، لكن هذا ليس الحل الأمثل”.

أما آلان بيطار فيذهب إلى أبعد من ذلك، ويتّهم الحكومة السويسرية بارتكاب خطإ فادح عندما سمحت بتنظيم استفتاء عام لحظر المآذن، وآخر لطرد المجرمين الأجانب، وبالنسبة للمثقف والناشط الجمعوي في جنيف “هناك قضايا لا يمكن ترك التيارات اليمينية الشعبوية توظفها كما تريد. فلو طلب رأي السويسريين عندما طرحت قضية أموال اليهود المودعة في البنوك السويسرية زمن المحرقة، لصوتت غالبيتهم لفائدة عدم إرجاع تلك الأموال التي قدرت بثلاثة مليارات فرنك، ولأصبحت سويسرا مضرب الأمثال في معاداة السامية”.

جدل حول الاندماج

لا يختلف كثيرا موقف تيديان دييوار، رئيس منتدى الأجانب بلوزان، الذي يشير إلى أن أعضاء من الجمعيات المنضوية تحت هذا المنتدى (52 جمعية) قد عبّروا عن “استنكارهم”، وعن “عدم تفهّمهم” أمام هذه النتيجة التي تمثل “تهديدا للسلم الاجتماعي”.

ويقول دييوار: “يمثل الأجانب في سويسرا 20% من مجموع السكان، وهم مندمجون إلى حد بعيد. متى سوف تتوقف هذه الآلة؟” ويشير إلى ضرورة قيام الأحزاب السياسية ومجموعات الأجانب، قبل أي انتخابات في المستقبل، بحملة واسعة لدى الناخبين لشرح القضايا المطروحة للتصويت، والرهانات المرتبطة بها.

ويأمل آلان بيطار أن تنتبه أحزاب يمين الوسط، والأحزاب اليسارية إلى خطورة ما يحدث حاليا في سويسرا ويقول: “لقد فشلت هذه الأحزاب خلال العقد الأخير في التعامل بجدية مع هذا التيار المعادي للأجانب، وقبل سنوات كان الساسة السويسريون يهزئون ويسخرون من خطاب يورغ هايدر في النمسا، لكن سويسرا بصدد التحوّل تدريجيا إلى رمز للتيارات اليمينية والشعبوية، وهذا أمر لا يتوافق أبدا مع واقع سويسرا وتاريخها”.

أما باشكيم إحساني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة لوزان، فيقول إن نتيجة استفتاء 28 نوفمبر 2010 “مؤسفة”، ويشير إلى عجز بقية الأحزاب السياسية عن مقارعة خطط حزب الشعب “المعادية للأجانب”، والتي تبدو مُربحة بالنسبة له. ويعترف إحساني، الذي ولد بمقدونيا، لأبويْن كوسوفييْن: “نعم هناك مشكلة اندماج، لكن اتهام الأجانب الذين ارتكبوا مخالفات، بالمسؤولية عن ذلك، هو مسعى خاطئ”.

في المقابل، أسعدت النتيجة التي أسفر عنها اقتراع 28 نوفمبر في سويسرا، البعض الآخر، وهذا ما أكده فرحات آيدين، مسؤول الجمعية التركية بمدينة مونتاي بكانتون فالي، والذي يقول: “كنت سأصوّت بنفس الطريقة. على الأجانب ان يتكيّفوا مع الواقع في سويسرا إلى أبعد الحدود. هذا أفضل شيء يمكن ان يقدموه في نفس الوقت لسويسرا، ولبلدهم الاصلي. أما الأشخاص الذين لا يبذلون جهودا من اجل الإندماج، أو الذين يسقطون في العنف والجريمة، فلابد أن يعاقبوا”.

الغموض عند التنفيذ

السؤال الذي يظل حتى الآن من دون جواب، هو الطريقة التي سوف تتبعها الحكومة لترجمة إرادة الناخبين في الواقع العملي.

وفي هذا السياق، قالت إيفيكا بيتروسيك، في حديث إلى إذاعة سويسرية عمومية: “نأمل أن يتم خلال تحويل نص المبادرة إلى قانون قابل للتنفيذ، وأن يبذلوا ما في الوسع حتى لا تكون عملية الطرد آلية، خصوصا بالنسبة لأبناء الجيل الثاني والثالث الذين لم يعرفوا بلدا آخر غير سويسرا. ونأمل كذلك أن يراعوا نوعا من التناسب بين الحكم والمخالفة المرتكبة”.

أما قهرمان تونابويلي، رئيس جمعية الصداقة السويسرية التركية فلا ينتابه أي قلق في هذا المستوى ويقول: “لا أرى أن هذا الإقتراع يمثل مشكلة. والنصف الثاني من السكان الذين صوتوا ضد المبادرة لم ترضهم هذه النتيجة. أما الذين أطلقوا المبادرة، فقد استغلوا مشاعر الخوف لدى السكان. أعتقد أن سيمونيتا سوماروغا، وزيرة العدل والشرطة (التي تولت المنصب يوم 1 نوفمبر 2010) سوف تجد مخرجا سليما لهذا الأمر”.

حزب الشعب: أطلق مبادرة “من اجل طرد المجرمين الأجانب” حزب الشعب (يمين متشدد وحزب مشارك في الحكومة).

الجرائم: تهدف المبادرة إلى سحب رخص الإقامة وطرد الأجانب الذين يدانون لأسباب مختلفة خاصة جرائم القتل والاغتصاب والسطو المسلح والاتجار في المخدرات، والاحتيال على القانون من أجل الحصول على الإعانات والتأمينات الاجتماعية.

الطرد: هؤلاء الأشخاص سوف يطردون إلى خارج البلاد بغض النظر عن وضعهم القانوني . هؤلاء سوف يحرمون من دخول البلاد ما بين 5 إلى 15 سنة. وقد يصل إلى 20 سنة في حالة تكرار الجرم.

مخالف لمبدأ التناسب: تنص المبادرة على أنه لا يجب دراسة أي حالة بحالة، ولا يجب التأكد من تناسب الأحكام مع الأفعال.

المشروع البديل: المشروع البديل يضيف إلى قائمة الجرائم التي من الممكن أن تعاقب بالطرد مسالة الاحتيال ذات الطابع الاقتصادي.

الحقوق الأساسية: النص الذي اقترحته الحكومة والبرلمان يهدف إلى ضمان احترام مبادئ الدستور والحقوق الأساسية والقانون الدولي، وخاصة مبدأ التناسب.

الإندماج: ينص المشروع البديل أيضا على واجب الحكومة من اجل تشجيع الإندماج.

حصلت مبادرة “من أجل طرد المجرمين الأجانب” على 52.9% من أصوات الناخبين السويسريين.

فقط خمسة كانتونات رفضت المبادرة هي جنيف، وفو، ونوشاتيل، والجورا، وبازل المدينة.

المشروع البديل: رفض هذا المشروع بنسبة 54.2% من أصوات الناخبين، بالإضافة إلى رفض كل الكانتونات.

طبقا لمعطيات المكتب الفدرالي للإحصاء والمكتب الفدرالي للشرطة، بلغ عدد الجرائم التي ارتكبت سنة 2009 ما يقارب 676.309 حالة.

أما المخالفات المرفقة بأعمال عنف فتمثل 9% من مجموع المخالفات. وكان من بينها 51 جريمة قتل، و185 محاولة قتل، و524 إصابات جسدية خطيرة و666 عملية اغتصاب.

52 % من الجرائم ارتكبها مواطنون سويسريون، و29% من طرف مقيمين أجانب، و4.4% من طرف طالبي اللجوء، والبقية من طرف مقيمين غير شرعيين.

حوالي 36% من المدانين بانتهاك القانون الجنائي من أصول أجنبية في الوقت الذي لا يمثل الأجانب سوى 22% من مجموع السكان في سويسرا.

(بالتعاون مع جيسكا داسي، وجوليا شلاتر، وعبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية