مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التجربة بدأت في تونس.. لكن المشوار لا يزال طويلا!

مجموعة من نساء تونس يخرجن في مظاهرة يوم 13 أغسطس 2012 رافعات لشعار "لا مستقبل لتونس من دون المساواة بين المرأة والرجل" Keystone

كان التناصف مطلبا طموحا، طالما رددته الحركة النسوية في تونس باعتباره حلما صعب المنال، ولهذا كانت تلوح به كحد أقصى لتحصل في المقابل على نسبة أعلى ومضمونة من مواقع البرلمان أو الحقائب الوزارية، وذلك وفق مبدأ التمييز الإيجابي.

لكن بعد أن اندلعت الثورة، وتم الشروع في مناقشة القانون الانتخابي لاختيار أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، دافعت النسويات بقوة على مبدأ التناصف عند تشكيل القائمات الإنتخابية المترشحة.

هذا الموقف أثار جدلا واسعا بين مكونات الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي، إلا أن النقاشات انتهت بتمرير المشروع، فكانت تونس أول دولة عربية تحقق هذا المطلب النموذجي، ومع ذلك لم تخل النتيجة من مفاجآت.

تعزيز الحضور النسوي

عندما تم طرح مسألة التناصف، كان هناك هاجسان يقفان وراء ذلك. يتعلق الهاجس الأول بالخوف من أن تسفر أول انتخابات ديمقراطية تنظم في البلاد عن مجلس تأسيسي يكون خاليا من العنصر النسائي، أو في أحسن الأحوال يكون حضور المرأة باهتا وضعيفا.

ويعود هذا الهاجس إلى قلة عدد النساء المنشغلات بالعمل السياسي أو بالشأن العام، وذلك بسبب الظروف السياسية القمعية التي كانت تمنع الجميع من ممارسة حقوقهم السياسية. فالمفارقة المتواصلة في تونس أن نسب حضور المرأة مرتفع في عديد القطاعات المهنية والاجتماعية، لكن نسبة مشاركتها في مواقع صنع القرار لا تزال ضعيفة.

فمثلا تبلغ نسب النساء 29%من القضاة،31%من المحامين، 42% في مهنة الطب، 72% من الصيادلة، 34% من الصحفيين،21% في القطاع العام،40 % من أساتذة التعليم العالي.

 وللتخفيف من حدة الفجوة، لجأ الحزب الحاكم السابق إلى تعيين النساء المواليات للحكم في مواقع مختلفة، وذلك بهدف توظيفهن سياسيا، وتلميع صورته في المحافل الدولية للظهور في مظهر الدولة الحديثة. كما أن السلطة لم تتوان في ضبط كوتا نسائية مكنت من وصول59 امرأة للبرلمان أي بنسبة 27.59% وذلك خلال آخر انتخابات نظمت في عهد الرئيس بن علي عام 2009.

احراج حركة النهضة

أما الهاجس الثاني الذي كان وراء اعتماد صيغة المناصفة في القانون الانتخابي هو محاولة إحراج حركة النهضة، التي كان يخشى من أن تتجه نحو تهميش دور المرأة في مرحلة ما بعد الثورة، وإن كانت الحركة النسوية قد قصدت أيضا إلزام كل الأحزاب بتشريك أعلى نسبة من النساء في قائماتها الانتخابية، وهو ما من شأنه أن يجعل الناخبين في القرى والمدن الداخلية التي لا تزال التقاليد والعقليات السائدة لا تحترم الأنثى، وتعاملها معاملة دونية رغم الثورة التشريعية والاجتماعية التي قام بها بورقيبة من استقلال البلاد.

خلافا لما توقعه البعض، رحبت حركة النهضة الإسلامية التوجه بالاقتراح، ودافعت عنه، واعتبره بعض قادتها بمثابة “الثورة الثانية”، مما عكس حالة من النضج في صفوف الحركة الإسلامية التونسية. وكانت المفاجئة أن أغلبية النساء اللاتي فزن بعضوية المجلس الوطني التأسيسي وعددهن 49 عضوة هن من حركة النهضة أو فزن على قائماتها. وهو حدث يسجل لأول مرة في تاريخ البلاد التونسية.

كان ذلك انتصارا لمبدأ المناصفة، حيث أجبرت كل الجهات المرشحة من أحزاب ومستقلين على اللجوء إلى النساء، لأن أية قائمة لا يكون ترتيبها رجل امرأة أو العكس تسقط قانونيا ولا تمر. لكن هذه التجربة خلفت وراءها نتيجتين متعاكستين.

كانت النتيجة الأولى أن عديد الأطراف انتقدت هذه الصيغة، واعتبروها قد أربكت جميع الأطراف، التي اضطرها القانون الانتخابي إلى البحث عن عناصر نسائية من أجل تمرير قائماتها بطريقة شكلية، بقطع النظر عن مدى مستوى المرشحات من حيث نضجهن السياسي والثقافي. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى ضعف أداء الكثير من العضوات داخل المجلس، حيث لا يتجاوز دور العديد منهن على رفع الأيدي عند التصويت لدعم الكتلة التي ينتمين إليهن. ومن هنا عاد الجدل من جديد حول مسألة الكوتا أو المناصفة، حيث يرى البعض بأن ذلك يتناقض مع مبدأ المساواة بين الجنسين.

العدوى تنتقل إلى هيئات المجتمع المدني

في المقابل، أفضت التجربة إلى نتيجة أخرى، حيث انتقلت العدوى إلى أحزاب ومنظمات مدنية يجري داخلها نقاش حول كيفية تجسيد مبدأ المناصفة داخل هياكل هذه الأطراف. ففي منتصف نوفمبر 2012، نظم الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر تجمع نقابي في تونس، ندوة عربية ومتوسطية جمعت عددا من النقابيين والنقابيات من جنسيات مختلفة.

كان ملفتا أن مسألة المناصفة هيمنت على جزء هام من هذه الندوة، حيث رفعت إحدى النقابيات التونسيات صوتها عاليا للمطالبة بتشكيل لوبي نسائي نقابي من أجل تحقيق المناصفة داخل هياكل الاتحاد، داعية رفقاءها من الرجال إلى دعم هذه الحملة والانتصار إليها. وقد أيدها في ذلك جميع النساء المشاركات في هذا اللقاء، وبالخصوص القادمات من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وغير من الدول الأوروبية. وهو ما كشف عن أن مسألة المناصفة تتجه نحو أن تصبح من بين المطالب ذات الأولوية في صفوف النساء على ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

بدوره، يشير رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى أن هذا النقاش مطروح أيضا داخل هذه الجمعية التي تعتبر من أقدم الجمعيات الحقوقية في العالم العربي. وقد شهد مؤتمر الأخير تعزيزا ملحوظا لعدد النساء اللاتي انتخبن داخل هيئتها المديرة، حيث نجحت كل المرشحات، وبلغ عددهن خمسة عناصر قيادية.

مع ذلك، تواجه الرابطة صعوبة كبيرة لتأمين وجود عناصر نسائية فاعلة في مستوى الجهات الداخلية التونسية، حيث لا تزال الثقافة التقليدية تشكل حاجزا قويا إلى جانب الفقر والتهميش تحول دون أن تحتل النساء مكانة بارزة في المجتمع الريفي.

التجربة في العالم العربي

هذا الدفع نحو تفعيل حضور النساء على الركح السياسي، والعمل عن طريق التشريعات المنحازة للتمييز الإيجابي لتعزيز مشاركة المرأة في مراكز القرار ليس ظاهرة تونسية معزولة عن محيطها العربي. إذ بالرغم من أن تونس تعتبر رائدة في مجال النهوض بالنساء، إلا أن معظم أقطار العالم العربي قد شهدت خلال السنوات الأخيرة كما هائلا من الإجراءات المعززة من حيث الكم لعدد النساء في مختلف المواقع القيادية والمناصب السياسية.

ففي موريتانيا على سبيل المثال، ارتفعت الكوتا (أو الحصة) المخصصة للمرأة في البرلمان وفي البلديات إلى ما لا يقل عن 20 بالمائة حسب القانون الانتخابي. وفي المغرب، بلغ عدد العضوات في البرلمان، وذلك لأول مرة، ستين سيدة في أعقاب الانتخابات التي جرت في شهر نوفمبر 2011. وقد رفعت جميع البرلمانيات لافتات احتجاج في وجه رئيس الحكومة السيد بنكيران بسبب اقتصار الحكومة عن سيدة وحيدة، وقد انضمت إلى الاحتجاج الوزيرة المعينة التي تنتمي إلى حزب العدالة والتنمية. أما في الجزائر، فقد تم إقرار “نظام الحصص في أفريل2011، وذلك بإلزام الأحزاب السياسية الجزائرية تقديم قوائم حزبية تحتل فيها النساء ما نسبته 30 % على الأقل وإلا ترفض القائمــــة” وتمنع من المشاركة في الحملة الإنتخابية.

لا شك في أن الثورات العربية قد وفرت مناخا لتصاعد خطابات ذات مضمون محافظ، قد يهدد مكاسب حصلت عليها النساء في عديد الدول العربية، لكن في المقابل شهدت هذه الثورات مشاركة فعالة لعدد واسع من النساء، وهو ما يجعل قدراتهن على المقاومة والدفاع عن حقهن في المشاركة السياسية أكبر بكثير مما كان عليه الأمر من قبل في مراحل الإستبداد. وقد بات واضحا أن نزوع النساء نحو افتكاك مواقع قيادية في شتى المجالات أمر سوف يطبع معارك المستقبل في المنطقة العربية.

مع تحول الإحتجاجات السلمية في سوريا إلى حرب شاملة كان على النساء البحث عن أدوار جديدة في الصراع الذي يهدف للاطاحة بالرئيس بشار الأسد.

وتقضي أم حسن التي انحنى ظهرها وملأت التجاعيد وجهها نهارها بمنزلها الخرساني الصغير في طهي الأرز والعدس لأبنائها ورفاقهم الذين يقاتلون في شمال سوريا لطرد القوات الحكومية من المنطقة الحدودية.

وتقول المرأة البالغة من العمر 65 عاما وهي تبتسم “أنا ثورية ملتزمة. اعتدت المشاركة في كل الاحتجاجات مع أبنائي في العام الماضي” مشيرة إلى المظاهرات في بداية الانتفاضة ضد الأسد.

وأضافت “لكن الاحتجاجات لا يمكن أن تفعل الكثير بمجرد اندلاع القتال. الآن دوري هو الطهي .. والقلق.”

إنها تمزح لكن كلماتها في غاية الجدية. ففي الوقت الذي يحارب فيه الرجال القوات الحكومية الآن على خط المواجهة فان الأمهات والأخوات والبنات هن من يحملن هم إطعام الأسر أو إخفاء الأطفال من الغارات الجوية اليومية.

وسعت نساء أخريات للقيام بدور مباشر بشكل اكبر في الانتفاضة المسلحة. وكانت آية (18 عاما) وهي متطوعة تقوم باعمال التمريض في السجن عندما دخل المعارضون المسلحون بلدتها حلب قبل نحو ثلاثة أشهر. كانت مسجونة لمدة 40 يوما بسبب تعليق علم المعارضة على قلعة المدينة الاثرية.

وتقول “عرفت في مرحلة ما انه سيتعين علي القيام بشيء أكثر اهمية. بعد ان تحولت الثورة لمواجهات عسكرية خططت لتقديم الإسعافات الأولية على الجبهة.”

ولكونها نقطة تجمع للمعارضين المسلحين تمثل العيادة هدفا لنيران الجيش. وتنتشر الحفر حول بعض مستشفيات المعارضة بسبب الصواريخ التي تسقط على مقربة منها.

ويمكن ان يجد المرء الشجاعة في أماكن غير متوقعة هنا. فزميلة آية وتدعى جومانة (28 عاما) خريجة الحقوق الخجولة التي كانت تخشى الإبر في السابق تقضي أيامها الآن في خياطة الجروح واستخراج الشظايا من اجساد المقاتلين.

وتقول بينما كانت قذيفة مورتر تمر من فوقها “ندرك أننا في خطر هنا حتى عندما تبدو الأمور هادئة. في أي لحظة يمكن أن تأتي طائرة حاملة قنبلة. هذا في الواقع يقلل الخوف .. إنه يكسر حاجز الخوف. أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن نموت.”

كانت آية وجومانة ترغبان في أن تكونا قريبتين من خط المواجهة بقدر الامكان. لكن المستشفيات الميدانية تنطوي على تحديات أكبر مما كانتا تتوقعانه. فقد اعتادتا على القنابل والدم والجروح لكن ليس هذا كل شيء.

وتقول اية “يمكننا علاج خمسة أشخاص فقط في وقت واحد ولذلك عندما تسقط قنبلة يتعين ان ينتظر الكثيرون وهم ينزفون على الرصيف في الخارج. لكن ليست الإصابات هي التي تعلق في ذاكرتك.

وحتى لو لم تكن النساء من النشطاء فقد أجبرتهن الانتفاضة على القيام بأدوار جديدة. فأم ماجد لم تعتد مغادرة المنزل من قبل لكنها تتحلى بالشجاعة الآن باستمرار للمرور عبر نقاط التفتيش في مدينة ادلب القريبة التي يسيطر عليها الجيش.

لكن لا يمكن لأي درجة من التقوى أو الايمان بالقضية أن تمحو ألمها فتتجاهل تشجيعهم وتنهمر الدموع على وجهها وهي تضرب الصورة برفق قائلة “يا ابني.. يا قلبي. آسفة”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 نوفمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية