مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحياة اليومية في مخيم للاجئين الروهينغا في بنغلاديش

عصي الخيزران لبناء بيت منها
سباق مع الزمن: أسرة من الروهينغا تقوم بتعزيز هيكل كوخها الصغير بِعِصي من الخيزران، في إطار الاستعداد لموسم الرياح الموسمية الذي سيحل قريباً وما يصاحبه من عواصف عنيفة. Patrick Rohr

كيف تبدو الحياة في أكبر مخيم للاجئين في العالم؟ يعيش نحو 1,1 مليون من الروهينغا في أكبر معسكر للاجئين في العالم في بنغلاديش، عقب فرارهم من أعمال العُنف في ميانمار (بورما سابقا) في عام 2017. من جانبها، تقوم أليكسا ميكونين الموظفة في منظمة "هيلفيتاس" (Helvetas) السويسرية التنموية المستقلة بتقديم يد العون، لجعل الحياة اليومية لهؤلاء أكثر احتمالاً بعض الشيء.

الروهينغا هي أقلية مسلمة تعيش في ولاية أراكان (ﺭﺍﺧﻴﻦ)، ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﻴﺎﻧﻤﺎﺭ (ﺑﻮﺭﻣﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ) ذات الاغلبية البوذية، حيث لا يُعترف بهم كمجموعة عرقية منفصلة، كما أنهم محرومون من أبسط حقوق الإنسان، بما فيه حقهم بالمواطنة. وقبل اندلاع موجة العنف الأخيرة ضدهم في أغسطس 2017، كان عدد الروهينغيا الذين يعيشون في ميانمار يقارب المليون شخص. لكن هؤلاء اضطروا إلى الفرار بعد تدمير قراهم من قبل الجيش البورمي، وتعرض الآلاف من النساء والرجال للاغتصاب والتعذيب والقتل، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

“بالطبع يمكنني أن أعيش حياة أبسَط من هذه، لكن هل أريد ذلك حقاً”؟ تقول اليكسا ميكونين ضاحكة، وتجيب على سؤالها بالنفي. تبدأ الموظفة في برنامج المساعدات التي تبلغ الواحدة والثلاثين من العمر بتسلق أحد التلال، الذي يتواجد عليه المخيم الفرعي 8E لأكبر مخيم للاجئين في العالم. درجة الحرارة تصل إلى 35 درجة مائوية، ونسبة الرطوبة مرتفعة، كما هو الحال دائماً قبل حلول فترة رياح “المونسون” الموسمية (من يونيو وحتى سبتمبر) وما يصاحبها من أمطار غزيرة.

صورة لألكسا
ألكسا ميكونين تتحدث مع امرأة من الروهينغا: “إن ما يحدث هنا هو مأساة وكارثة إنسانية”، كما تقول. Patrick Rohr

يعيش قرابة مليون لاجئ من أقلية الروهينغا في مخيمات وملاجئ مؤقتة في مناطق نائية من شبه جزيرة كوكس بازار، الوجهة السياحية الأكثر شعبية في بنغلاديش، حيث يتوزعون على 34 مخيماً فرعياً مكتظاً بالسكان. وكان حوالي 220,000 شخص من الروهينغا قد فروا إلى هنا من السبعينيات إلى التسعينيات، عندما تم طردهم بصورة منهجية لأول مرة من موطنهم الأصلي في ميانمار. ومنذ شهر أغسطس 2017، فر أكثر 740,000 شخصاً عبر الحدود القريبة.

“هذا العدد الكبير من الناس أصابني بالصدمة”

اليوم يعيش الروهينغا هنا في منازل بسيطة جداً مُشيَّدة من عصي الخيزران والأغطية البلاستيكية، يصطف الواحد بجانب الآخر على مساحة 26 كيلومتراً مربعاً. “لقد أصبت بالصدمة عندما جئت إلى هنا للمرة الأولى”، تقول أليكسا ميكونين، وهذا كان في أبريل 2018. “كان أول ما خطر ببالي هو: ما هذا العدد الهائل من الاشخاص”! لقد كانوا يفتقرون إلى كل شيء: الطعام والماء والكهرباء، وأي نوع من البُنى التحتية التي تجعل الحياة في هذه المدينة البدائية الكبيرة مُحتَمَلة بعض الشيء. وقد شعرت ميكونين بالسعادة عندما أصبح لديها شيئاً تقوم به على وجه السرعة.

في إحدى مراحل العمل الأولى، وبعد وصول أول دفعة من اللاجئين مُباشرة، قامت منظمة “هيلفيتاسرابط خارجي” بتوزيع مجموعة من الأدوات لحالات الطوارئ، تضمنت الصابون وعبوات الماء ضمن مواد أخرى.

وبعد مضي ستة أشهر، بدأت المنظمة التنموية السويسرية بِدَعم الروهينغا عن طريق تدابير تتجاوز المساعدات الطارئة قصيرة الأمد، حيث قامت بإنشاء 320 مرحاضاً يتصل بخزانات كبيرة يتم جمع البراز فيها خلال الأسابيع القليلة الأولى من وجود ميكونين في المخيم. وفي هذه الخزانات يُنتج الغاز الحيوي.

شاب امام مبنى للمنظمة
كان أول ما قامت منظمة “هيلفيتاس” الإنمائية هو إنشاء مراحيض آمنة ونظيفة لمنع تفشي الأمراض الخطيرة. Patrick Rohr

غاز حيوي من المراحيض

هذا الغاز الحيوي يُستَخدم كوقودٍ للطهي في12 مطبخاً مُشتركاً قامت “هيلفيتاس” ببنائها مع منظمة شريكة محلية. وبالمُجمَل، تعود هذه المرافق بالنفع على حوالي 20,000 لاجيء. “هذا النظام يحل العديد من المشاكل”، تقول أليكسا ميكونين، موضحة إن الناس لن يكونوا مُضطرين لقضاء حاجتهم في الخارج، كما أنهم، وبفضل الغاز، لَمْ يعودوا مُعتمدين على الأخشاب التي لم تعد متوفرة هنا”.

فما حدث في الواقع، هو أن الروهينغيا عقب وصولهم إلى هنا، كانوا مُضطَرّين تقريباً لإزالة الغابات المتواجدة على التلال المحيطة بمدينة كوكس بازار الساحلية، بسبب حاجتهم إلى المساحة والخشب لبناء أكواخهم وإشعال النار. واليوم، لم يَبْقَ هناك من شيء يعمل على تماسك التربة ومَنع انجرافها. “كانت هذه هي المشكلة الكبيرة التالية عندما وَصَلْتُ إلى هنا. فمع نهاية شهر مايو، وبحلول شهر يونيو، تبدأ الرياح الموسمية [أو رياح المنسون]، وما يرافقها من تساقط كثيف من الأمطار، مما يُعَرض الأكواخ المشيدة على المنحدرات لمخاطر الانهيارات الأرضية”.

كوخ يميل الى الانزلاق
هذه المنحدرات مُعرضة لخطر انجراف التربة، الأمر الذي قد يؤدي إلى انزلاق الأكواخ في موسم الأمطار. Patrick Rohr

ما زاد الأمر سوءاً، هو اضطرار الروهينغيا إلى بناء أكواخهم من الخيزران والقماش المشمع، إذ لا تسمح حكومة بنغلاديش لهم باستخدام الطوب أو الحجارة، أو حتى بناء أسس من الإسمنت المسلح لمنازلهم، لأنها تريد ان يعود الروهينغا إلى ميانمار في أقرب وقت ممكن. لكن هذا لَم يعُد خياراً لهذه الأقلية المسلمة بعد الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها، بالإضافة إلى عدم وجود أي أشارات جادة من قبل حكومة ميانمار لمنحهم حياة حُرة وآمنة في وطنهم.

التواصل بالإشارات

تَعتَبِر بنغلادش لاجئي الروهينغا “أشخاصاً مقبولين مؤقتًا” فقط، الأمر الذي يفاقم من صعوبة وضعهم. وكما توضح أليكسا ميكونين، فإن آلاف الأطفال المولودين هنا عديمو الجنسية، ولا يُسمح لهم رسمياً بالذهاب إلى المدرسة بسبب عدم اعتراف بنغلادش بالغالبية العظمى من الروهينغيا كلاجئين”.

ألكسيا تعانق الناس
أليكسا ميكونين تشتري بعض الخضروات الطازجة في سوق للروهينجا. وكما تقول، فإن هذه الأسواق تعيد ما يشبه الحياة الطبيعية للناس الذين يعيشون هنا.” Patrick Rohr

في عضون ذلك، وصلنا الى اعلى التل، حيث تُحاط ميكونين بمجموعة من الأطفال على الفور. ورغم أنها لا تتحدث لغة الروهنغيا، لكن موظفة شؤون البرامج في منظمة “هيلفيتاس” تستطيع التواصل معهم من خلال الإشارات والإيماءات وبمساعدة المترجم. وهي تتوجه إلى جميع الناس بصدر رحب، وتسألهم عن أحوالهم وتستمع إلى همومهم. وهي تعلق على ذلك بالقول: “لقد كنت هكذا دائماً”.

عندما كانت ميكونين شابة، عملت في مركز إحدى الأحياء السكنية في جنيف. عقب ذلك، انتقلت إلى خارج سويسرا. وأثناء دراستها، أمضت بعض الوقت في مخيم للاجئين في لبنان، كما سافرت إلى ناميبيا لإجراء دراسة ميدانية. وبعد إكمال دراستها، ذهبت إلى تنزانيا للتدريب، حيث كان عليها التعامل مع قضايا المساواة بين الجنسين في إطار مشروع زراعي لمنظمة “هيلفيتاس”.

أليكسا تتمعن بالخطط
مع اهتمام عشرات المنظمات من جميع أنحاء العالم بمليون شخص من الروهينغيا في بنغلاديش، يتطلب الأمر الكثير من التنسيق. في الصورة، اليكسا ميكونين أثناء اجتماع تخطيطي مع موظفة في منظمة محلية للتخطيط. Patrick Rohr

لكن من أين تأتي هذه الرغبة في السفر إلى الخارج؟ “ربما يتعلق ذلك بخلفيتي العائلية”، تجيب ميكونين، التي كان والدها، وهو نصف إثيوبي ونصف إريتري، يعمل لصالح شركة تجارية دولية في جنيف. أما والدتها السويسرية الألمانية، فكانت تعمل كمظيفة أرضية لإحدى شركات الطيران في مطار جنيف.

“لقد مكن ذلك أسرتنا من السفر بسعر مخفض جداً”.كما تقول. وهكذا تفاعلت أليكسا وشقيقها الأكبر منذ سن مبكرة جداً مع عدد من الثقافات الأخرى، مثل الهند والصين وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا وسنغافورة وإثيوبيا وإريتريا. “أعتقد ان وجودي هنا اليوم لم يكن من قبيل الصدفة”، كما تضيف

خضروات خاصة على الأقل

في الأثناء، واصلنا تقدمنا قليلاً في معسكر الروهينغا. نحن الآن في السوق، حيث يقدم الروهينغيا الخضروات والمواد الغذائية وغيرها من لوازم الحياة اليومية. “بهذا الشكل، يتم تداول بعض الأموال، وهو ما يمنح الناس في المخيم بعض الاستقلالية”، كما تساهم هذه الأسواق أيضاً في عودة ما يشبه الحياة الطبيعية إلى حياة الروهينغا.

في حديقة الخضروات
بسبب محدودية المكان في مخيم اللاجئين، تقوم منظمة “هيلفيتاس” بمساعدة الأسر على إنشاء حدائق على أسطح منازلهم، حتى يتمكن الروهنغيا من تزويد أنفسهم بالخضروات الطازجة. Patrick Rohr

في نهاية المطاف، تقوم أليكسا ميكونين بزيارة إحدة الأسر في منطقة منخفضة خلف السوق. وهذه الأسرة هي جزء من أحدث مشروع لـ “هيلفيتاس”، حيث تقوم المنظمة التنموية السويسرية وبدعم من منظمة “شوشيلان” (Shushilan) الشريكة المحلية، بتدريب النساء على زراعة الخضروات، وتعلمهن كيفية إنشاء حدائق متسلقة حول المساحة الصغيرة المحيطة بمنازلهن. وبهذه الطريقة، تستطيع الأسر تناول طعام صحي أكثر .

حتى الآن، عاشت هذه الأسر على الأطعمة الأساسية التي تم توزيعها هنا منذ وصول الروهينغا، مثل الرز والعدس والزيت. كما أن باستطاعتها بيع ما تنتج من خضروات في السوق، الأمر الذي يوفر لها دخلاً بسيطًا يمكنها من شراء السمك أو اللحوم على سبيل المثال.

“الخطر القائم يكمن في نسيان مصير الروهينغا، لكن هؤلاء الناس سوف يحتاجون إلى مساعدتنا في المستقبل أيضاً، لأن وضعهم لن يتغير”، تقول أليكسا ميكونين وهي تنظر إلى سارة بيغوم ذات العشرين عاماً التي تعد الطعام لاسرتها داخل كوخها الصغير. “أنا سعيدة لأن عملي يتيح لي على الأقل مساعدة هؤلاء الأشخاص على عيش حياة أكثر كرامة بعض الشيء”.

طفلان من الروهينجا يطلان على أكبر مخيم للاجئين في العالم.
طفلان من الروهينجا يطلان على أكبر مخيم للاجئين في العالم. وفي الخلفية، تلال وطنهم ميانمارالذي طُردوا منه. Patrick Rohr

بالنظر إلى ممارسة منظمة التنمية السويسرية “هيلفيتاس” لنشاطها في بنغلاديش منذ 19 عاماً، فقد كان بمقدورها مساعدة لاجئي الروهينغا الفارين من ميانمار في الحصول المساعدات الطارئة بسرعة وسهولة. كذلك تم تمويل المشاريع طويلة الأجل المذكورة في التقرير من خلال تبرعات من مؤسسة “سلسلة السعادةرابط خارجي” (Glückskette) السويسرية، التي تقوم بتنظيم وتنسيق التبرعات في حالات الكوارث.

تقوم “هيلفيتاس” أيضاً، وإلى جانب منظمات أوروبية شريكة مثل منظمة الأشخاص المحتاجين People in Need (التي تعرف اختصاراً بـ pin))، ووكالة التعاون والتنمية Agency for Technical Cooperation and Development (التي تعرف اختصاراً بـ ACTED)، وهي جميعها جزء من لشبكة تحالف 2015، بتحمل مسؤولية تحسين الوضع الأمني في أربعة مخيمات فرعية.

يتم إطلاع سكان المخيم على المعلومات المتعلقة بملاعب الأطفال، أو مراكز التعلم، أو المستشفيات، أو أي أخطار وشيكة الحدوث كالأعاصير أو الأمطار الغزيرة، كما يمكن للروهينغيا التقدم للقيام بأعمال تطوعية لخدمة الصالح العام. وعلى سبيل المثال، قامت مجموعة نسائية بتحسين الطريق المؤدي إلى المراحيض، كما تكفلت مجموعة من الشباب بضمان إضاءة المراحيض ليلاً.

قام المصور الصحفي المستقل باتريك روررابط خارجي باعداد هذا التقرير لصالح swissinfo.ch خلال تواجده مع منظمة “هيلفيتاس”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية