مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جلسات نقاش في “كــُو” تبحث سُبل التعايش السلمي في ظل الاختلاف

إحدى جلسات ملتقى "كو" حول موضوع المجتمعات المتعددة الثقافات ودور الجاليات في إحلال السلام والتعايش مؤسسة كو للمبادرات من أجل التغيير

نظمت مؤسسة "كو" للمبادرات من أجل التغيير في سويسرا أياما دراسية حول موضوع "تجربة التعايش في مجتمعات متعددة الثقافات"، لإبراز "دور الجاليات الأجنبية في دعم التعايُـش السِّـلمي في المجتمعات الأوروبية".

تنظيم هذه الأيام الدراسية في منتجع كو الخلاب في أعالي جبال الألب ما بين 26 و31 يوليو، جاء عقب أحداث النرويج المروِّعة، التي يدعي مرتكبها أنه أقدم عليها بسبب التخوّف من تكاثر الهجرة المسلمة إلى المجتمعات الغربية، وهذا ما يعطي هذا الاجتماع الذي حضره أكثر من 380 شابا وشابة من مختلف الدول الأوربية، ومن ضمنهم عدد كبير من ممثلي الجاليات المسلمة في أوروبا، أهمية بالغة جعلت بعض السياسيين يتابعون عن كثب وقائع النقاش وتساؤلات الشباب وما يقترحونه لتحقيق فكرة المشاركة من أجل إقرار السِّـلم والتعايش.

يقول السيد أنرو ستاليبراس، منظم الملتقى بمؤسسة “كو”: “إن ما حدث في النرويج يعتبر جرس إنذار بالنسبة لنا جميعا يخطرنا بوجود قوى بيننا لا ترغب في رؤية الواقع، وهو أننا كلنا ننتمي إلى أقليات وأننا حصيلة اختلاط بشري، وهذا ما على النرويجيين الأصيليين تذكره. فغزوات الفيكينغ كانت دوما تنتهي بتزاوج واختلاط مع شعوب أخرى، وهم حصيلة هذا الاختلاط، وهو ما ينطبق على باقي الأوروبيين البيض أيضا، والذين يرغبون في إبراز فكرة الجنس النقي”.

أسمى السلطاني، شابة فرنسية من أصل تونسي، علّلت مشاركتها في هذا النقاش باهتمامها بـ “موضوع السلام” الذي تعتبره “خطابا لا يبرز بشكل كبير مقابل الحديث عن العنف أو الحديث عن كره الآخر”. وتنظر إلى حضورها في كو كـ “محاولة لمعرفة كيف يمكن الإسهام في إقرار السلم في بلدي الأصلي تونس”.  كما تعتقد أن مشاركة الشابات والشبان من مختلف الدول الأوربية سمحت بـ “معرفة أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وهو ما يشجعنا على المضي قدما في مسعانا، وفي محاولة الترويج لهذا الخطاب الداعي للتعايش والسلم بين مختلف مكونات المجتمع متعدد الثقافات”.

المـُشاركة الثانية التي حاورتها swissinfo.ch قدمت من بريطانيا، وهي السيدة الزهراء حسن المنحدرة من أصول صومالية، والتي تدير جمعية نساء القرن الإفــريقي. وقد شاركت في مُلتقى كو كمحاضرة حول أهمية الحوار بين الأجيال ضمن أفراد الجالية.

السيدة حسن أوضحت أن ما دفعها إلى المشاركة في هذه المناقشات هو “إيمانها بمدى أهمية الحوار بين الأجيال، وانطلاقا مما عايشته كعضو في الجالية الصومالية في بريطانيا من مشاكل الانتماء والهوية بسبب عدم توفر حوار بين الأجيال”. وتــرى مديرة جمعية نساء القرن الإفريقي أنه يتعين على الجاليات الأجنبية أن تشرع أولا في مراجعة نفسها قبل فتح حوار مع الآخر. وما تعتبره ضروريا في هذا الحوار بين الأجيال داخل الجالية المسلمة هو “ضرورة توضيح الخطاب القائم بين الأجيال وتقديم الشروح الكافية عند الحديث عن تعاليم الإسلام وليس الاكتفاء بترديد أن هذا حرام وذلك حلال”.      

الاندماج أم التعددية الثقافية؟

وخلافا لبعض السياسيين المشككين في إمكانية نجاح تجربة المجتمعات متعدِّدة الثقافات، وفي مقدمتهم المستشارة الألمانية الحالية أنجيلا ميركل، يؤمن المشاركون في ملتقى “كو” بأنه لا مفر من وجود مجتمعات متعددة الثقافات في أوروبا.

وفي مقدمة هؤلاء، المسؤول عن هذا الملتقى بمؤسسة “كو” أندروا ستاليبراس، الذي استشهد بمداخلة أحد ممثلي الجالية السريلانكية في سويسرا حول موضوع الإندماج الذي قال عنه: “إنه حصيلة ألــف زائد باء، والذي يعطينا إما ألف زائد باء (طوائف غير مندمجة وتعيش جنبا إلى جنب) أو ألف (أي عليكم أن تندمجوا في المجتمع لتصبحوا مثلنا (مثل موقف الرافضين للمجتمع متعدد الثقافات) أو أن تكون النتيجة جيم (أي عنصر جديد يجمع خصائص ألِـف وباء (دعاة المجتمع متعدد الثقافات)، وهذه النتيجة الثالثة هي التي يميل إليها السيد ستاليبراس كـ “حل منطقي لما تعرفه المجتمعات اليوم من ديناميكية تعدد الثقافات والمكونات”.

وتدعم هذه الفكرة المشاركة الصومالية الزهراء حسن، مديرة جمعية نساء القرن الإفريقي، التي تذكر بأن “المجتمعات متعددة الثقافات في أوروبا قائمة منذ أربعين عاما خلت ولا تراجع عنها اليوم “. وتشعر السيدة الزهراء حسن التي قضت أكثر من 20 عاما في بريطانيا بأنها “نصف بريطانية ونصف صومالية”، ولكن ابنها الذي ولِـد في بريطانيا قبل 15 عاما، فتقول عنه إنه “يشعر بأنه بريطاني وأوروبي 100%”.

أما أسمى السلطاني، فترفض فكرة اتساع رقعة رافضي فكرة المجتمع متعدد الثقافات اليوم، إذ تقول “إن المشكلة تكمن في عدم تسليط الضوء على عمل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المهتمة بموضوع التعددية الثقافية في المجتمعات الغربية منذ عشرين أو ثلاثين سنة، والتي بدأت تحقق بعض النتائج”.

وتأسف الشابة الفرنسية التونسية الأصل لـ “عدم مراعاة السياسيين (لتلك الجهود)، إما لحسابات انتخابية أو لأن هناك عمليات سبر آراء تسير في اتجاه معيَّـن وبغرض تحقيق أهداف حزبية معينة. كما أعربت عن استيائها “لكون وسائل الإعلام تهتمّ أكثر بالتصريحات الرافضة المثيرة، ولا تولي أهمية لعمل دؤوب في مجال التعددية الثقافية  منذ عشرات السنين”، وهذا ما جعل الشبان ينطلقون في نقاشهم مما يعيشونه في مجتمعاتهم الأوروبية. 

وهنا اتضح لهم أن المفاهيم التي يرتكز عليها مبدأ نجاح التعايش داخل المجتمع متعدد الثقافات، تختلف باختلاف السياسة المتبعة في البلد تجاه إدماج الجاليات الأجنبية. وتشير أسمى السلطاني ضمن هذا السياق إلى أن “التجربة البريطانية سمحت للجاليات المسلمة بتنظيم نفسها بشكل أفضل، لأن السلطات تدعم التعددية الثقافية، ونفس التجربة تمت في السويد، حيث تدعم السلطات والعديد من الأحزاب سياسية التعددية الثقافية. ولكن في فرنسا، لا نجد هذا الدعم للتعددية الثقافية بقدر ما نجد تركيزا على عملية إدماج العنصر الأجنبي وصهره في المجتمع”.

وقــعُ المــكان .. وتطلعات المُستقبل

تنظيم هذا اللقاء لهؤلاء الشباب في مقر مؤسسة “مبادرات من أجل التغيير” في كو، كان له أيضا وقع خاص على المشاركين، نظرا للتاريخ العريق الذي يتميز به هذا المكان في فضّ النزاعات أو لما يتمتع به هذا الموقع الجغرافي من سِـحر جذّاب في أعالي جبال الألب المُـطلة على بحيرة ليمان.

وترى أسمى السلطاني أن تنظيم الملتقى في كــو “له دلالة خاصة لما لهذا المكان من أهمية، نظرا لمساهماته المتكررة في حل الخلافات الدولية، وهذا ما حاولت التعمق فيه من خلال هذه المشاركة للإسهام في تعميق السلم  وحل الخلافات”.  

وعن الانطباعات التي ستغادر بها بعد هذه لمشاركة، تقول هذه الشابة: “إن النظرة التي سأعود بها، هي حلم رؤية المجتمعات الأوروبية في يوم من الأيام مجتمعات منفتحة تضم كل مواطنيها، بغض النظر عن معتقداتهم وثقافاتهم، ومجتمعات تلعب فيها الأديان، على اختلافها، دور العنصر الملهم للاهتداء للحلول بغرض بناء مجتمع أفضل”.

وقد تكون الفائدة المباشرة التي تخرج بها أسمى من أيام كو الدراسية، هي كما تقول: “تلك اللقاءات التي سمحت لي بالتعرف على شبان وشابات من باقي الدول الأوروبية، سيتم التواصل معهم فيما بعد لخلق شبكات تواصل ستعمل على محاولة تجسيد ما تعرفنا عليه هنا في “كو” بشكل جماعي، لمحاولة تطبيقه محليا بشكل يتماشى ومتطلبات المجتمع الذي نعيش فيه”.

من جانبه، يعتقد منظم الملتقى أندرو ستاليبراس أنه لا يزال مُبكرا الحديث عن حصيلة النقاش اليوم، ولكنه نوه إلى أن النقاش يحث الفرد على التساؤل “ما الذي يمكنني الخروج به كفرد من وسائل تسمح لي بالإقناع بضرورة وحتمية المجتمع متعدِّد الثقافات، ليس فقط أمام المشاركين في نقاش كو الذين يشاطرون فكرة المجتمع متعدد الثقافات، بل أيضا عند الحديث الى فئة المواطنين التي لديها تخوّف من التعددية الثقافية ومن الآخر عموما ومن الاختلاط”.   

خصص الساهرون على ملتقيات “كو”، فترة تدريبية لشباب الجالية المسلمة الذي يعيش في المجتمعات الأوروبية، والتي شارك فيها 45 شابا وشابة من تسعة بلدان أوروبية.

أوضحت أسمى السلطاني، الفرنسية من أصل تونسي، أن هذه الفترة التدريبية تناولت موضوع “الصورة المعطاة عن الإسلام في المجتمعات الغربية ومن خلال وسائل الإعلام والتي تختلف كليا عما يرغب الشباب المسلم في إظهاره عن دينه، وكيف يمكن التأثير في ذلك”.

منظم الملتقى أندرو ستاليبراس يعتقد أن الفائدة من هذا الملتقى الجانبي، الذي نظم لشبان الجالية المسلمة، كان الهدف منه “السماح لأبناء الجاليات المسلمة بالحصول على آليات تسمح لهم بفهم المشاكل التي دفعتهم إلى الهجرة من مجتمعاتهم الأصلية (الصومال وغيرها)، والتي عادة ما تجد ترسيخا لها بين أفراد الجالية في المجتمع  المستقبل، والتي تضاف لها نظرة المجتمع المــُستقبل وعدم فهمه لواقع الإسلام أو حكمه على أفراد الجالية المسلمة من خلال تصرفات أقلية مسلمة”.

وعما استنتجه المشاركون بالدرجة الأولى، بحكم مشاركة شبان من فرنسا وبلجيكا وألمانيا والنمسا  وسويسرا وبريطانيا والسويد وكوسوفو، وغيرها من البلدان، تقول أسمى السلطاني: “أولا، كل هؤلاء الشبان الذين لهم قاعدة مشتركة هي الإسلام يعيشون نفس المشاكل على اختلاف المجتمعات التي يعيشون فيها. ثانيا، تعلم الآليات التي تسمح بالتأثير إيجابيا في تصحيح الصورة المعطاة، وإتقان كيفية التخاطب ما بين أفراد الجالية وفي اتجاه باقي مكونات المجتمع، وتعزيز الانفتاح على الآخر بدل التقوقع على النفس”.

وضمن نفس السياق، قال منظم الملتقى أندرو ستاليبراس أن هذا اللقاء “سمح لهم بالتعبير عن رفضهم لتلك الأعمال التي تتم باسم الإسلام  وتمكنيهم من التوفر على الوسائل التي تسمح لهم بإبراز إسلامهم، إسلام التسامح والتعايش”.         

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية