مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دبي.. الوجه الآخـر للثورة المعمارية وللنجاحات الإستثمارية!

برج خليفة في دبي، أعلى عمارة في العالم في الوقت الحالي بعلو 828 متر Reuters

صدر مؤخرا عن دار النشر "Amalthée" كتاب "دبي، ثمن النجاح" للمصرفي السويسري من أصل مصري نبيل مالك، الذي يستعرض فيه نقاط النجاح والإخفاق في إعمار دبي.

ويعتبر الكتاب الصادر بالفرنسية والممنوع في دبي حاليا، الذي سيترجم للعربية قريبا محاولة للوقوف عن سلبيات هذا الإعمار السريع وعن إيجابياته.

بعد قضاء أكثر من خمسة عشر عاما في دبي، ومعاينة التطور الذي شهده إعمار هذه الإمارة، وتحولها الى قطب تجاري ومالي وخدماتي متميز على المستوى العالمي، يرى نبيل مالك أن من واجبه استعراض هذه التجربة  في كتابه “دبي، ثمن النجاح” وذلك بإيجابياتها وسلبياتها. وهذا ما يشرحه في لقاء خص به swissinfo.ch في جنيف.

swissinfo.ch: نبيل عبد المالك كنت من أوائل المصرفيين السويسريين الذين استقروا في دبي في بداية تسعينات القرن الماضي وعايشت تطور هذه المدينة بكل تناقضاتها. ما الذي دفعك لإصدار هذا الكتاب؟

نبيل مالك: عايشت عن كثب من خلال عملي كمصرفي، عملية إعمار دبي الخارقة للعادة. وقد أخترت  إصدار هذا الكتاب لأنني أشعر بأن لدي الكثير مما أقوله عن هذا البلد الذي حقق قفزة هائلة بعد أن كان قبل 20 او 25 عاما عبارة عن صحراء مقفرة. وللحديث عن تجربة هذه  الإمارة التي حققت المعجزات على نقيض ما هو حاصل في البلدان العربية الأخرى. واستخدم عبارة معجزة لأنها التعبير اللائق بدبي لأن دبي لم تكن تملك قدرات تكنولوجية، ولم تكن لديها قدرات بشرية ولا أرصدة مالية، وحتى ظروفها المناخية ليست بالمثالية ولا المرافق السياحية القادرة على جلب السياح مثلما هو الحال في مصر او لبنان وغيرها. لكنهم في دبي استطاعوا جلب أموال وخبرات الغير لبناء كل هذا.

لكن في المقابل، لم تتم مرافقة هذا التطور العمراني بتنمية فعلية، وبتطور للقوانين والحقوق. هناك أمير يدير الإمارة كمدير عام بإحدى الشركات، والذي أكن له كل التقدير والاعجاب، والذي استطاع الاستفادة من مشاكل الجيران لتحقيق هذا النمو.

ولكن هذا الاعجاب، لا يمنعني من إبداء بعض الإنتقادات، لأن حبك لأطفالك لا يمنعك من انتقادهم ومعاتبتهم. وانتقادي لما تم في دبي نابع من اقتناعي من أننا بعد 20  أو 30 عاما من الآن سنتساءل كيف تم قبول أن تنجز الأمور بهذا الشكل. ولا أرغب  في أن أُتهم بانني كنت شاهدا على ذلك، والتزمت الصمت بخصوص بعض المظاهر المقرفة. وأكتفي بالإشارة إلى بعض القطاعات مثل: انتشار الدعارة بشكل غير مقبول. كيف يمكن قبول استقدام شابات لم يتجاوزن الخامسة عشرة او السادسة عشرة لإرغامهن على ممارسة الجنس. فأنا كشخص منفتح وعلماني لا يرغب في تنصيب نفسه كحكم، أجد أن هناك مبالغة في هذا المجال لحد تحويل دبي الى مرقص ضخم بتزكية من إدارة السياحة بحكومة دبي، وهذا موثق على تذكرة الدخول ( مثلما استطعت التأكد من ذلك).

 والنقطة الثانية هي وضعية العمال الأجانب الذين يعيشون ظروف عمل قاسية وخطيرة، في الوقت الذي يتم فيه بناء نظام اقتصادي ليبرالي. لقد كلف بناء عمارة برج  خليفة وحده وفاة 800 عامل. وهذا أمر غير طبيعي واعتقد أنه يجب أن يوضع حد له.

كما أن هناك قضية الكفيل المحلي الذي بإمكانه أن يجردك من كل أملاكك إذا صادفك سوء الحظ في اختيار الكفيل.

أشرتم في الكتاب لموضوع غسيل الأموال، كخبير في المجال المالي عمل لعدة سنوات في دبي كيف تتعامل السلطات مع هذه الظاهرة التي كثيرا ما تثار عند الحديث عن دبي؟

نبيل مالك: ما أعرفه هو أن السلطات شرعت منذ مدة في اتخاذ إجراءات للحد من استقبال أية اموال ليست نظيفة. لكن كيف يمكن التأكد من نظافة الأموال الوافدة. حتى سويسرا التي بها قوانين هل تأكدت بما فيه الكفاية عندما توافدت أموال من أجل شراء نادي سيرفيت لكرة القدم  في جنيف وعندما يتم شراء المباني الفاخرة على بحيرة ليمان؟

 ما نعرفه هو أن أموال القاعدة مرت عبر دبي. كما لا يمكن تناسي بأن دبي كانت ملجأ لعدد من كبار قادة الإجرام  الدولي وفي مقدمتهم المجرم الهندي الذي اختبأ هناك لمدة. ولا ننسى أنها كانت تسمى شاطئ القراصنة.

لكن ما نعرفه اليوم هو أن السلطات  اتخذت إجراءات متشددة لقبول الأموال، وأن البنوك شرعت منذ تسعينات القرن الماضي في مراقبة مصادر الأموال. ولكن عندما يقولون أنهم يتأكدون من مصادر الأموال اليوم، هل عندما يقدم شخص على شراء فيلا سكنية بأكثر من 40 مليون دولار ويقدم الثمن نقدا، هل يلتزم المقاولون العقاريون بما فيه الكفاية للتأكد من أن الأموال نظيفة؟

اخترت عرض هذه التجربة من خلال قصص قصيرة عايشتها، وحتى ولو تعمدت تغيير أسماء الأشخاص والأماكن فإنها قصص تعكس بالدرجة الأولى  إما أوضاع مسؤولي البلاد او الأجانب الذين توافدوا بغرض  التجارة او تقديم الخدمات والاستفادة من رفاهية دبي. لكن ما يجلب الانتباه هو غياب الحديث عن وضعية المواطن في دبي؟

نبيل مالك: عند الحديث عن المواطن في دبي، فإننا نتحدث عن 150  الى 200 الف مواطن محلي من بين 2 مليون ساكن. وهؤلاء لم يكن هذا التطور الكبير لدبي نعمة بالنسبة لجميعهم. فعلى سبيل المثال نجد في الجامعات أن حوالي 80% من الخرجين من النساء، لأن الرجال لا يجدون مصلحة في التعليم العالي إذ يكتفي باختيار تولي مهمة كفيل شركة هندية او إيرانية ترغب في القيام بنشاط تجاري في دبي. وهذا ما يسمح له بتحقيق ربح بدون عناء.  وحتى الشيخ محمد، حاكم دبي، حاول تسجيع الرجال على تغيير تصرفاتهم، و قال في اجتماعات حضرتها “إن مستقبل دبي بين ايدي نسائها”. ويكفي أن ننظر الى الدور الذي تقوم به الشيخة لبنى…

لقد تم تحويل هذا البلد ذي التقاليد الإسلامية الى خليط من ميامي، ولوس انجلس، ومونتي كارلو. وأصبح فيه المال هو كل شيء. فكيف يمكن تربية النشء الصاعد عندما ترى أن من حولك أناسا يكدسون ثروات بدون تعليم، أو باللجوء الى أعمال غير أخلاقية. هذا ما يفسر عزوف الرجال  الإماراتيين عن متابعة التعليم. 

بعد تجربة الأزمة العقارية في دبي، وبعد تجربة أزمة الديون، هل تم استيعاب الدروس لتصحيح المسار؟

نبيل مالك: لا أعتقد بأن دبي تعرف أزمة في الوقت الحالي. أكيد أنها مرت بأزمة عقار لأن هناك أكثر من 300 الف منزل زائدة عن حاجة الطلب في الوقت الحالي. ولكن دبي لها مستقبل وإلا لما كتبت الكتاب. فدبي تستطيع دوما الابتعاث من رمادها. فهي اليوم تعرف تشييد  أحسن مطار في منطقة الشرق الأوسط والذي  بمقدوره استقبال ثلاث طائرات بوينغ 747 في نفس الوقت وهو ما لا يتوفر حتى في مطار جنيف.

وتمتلك دبي اليوم بمشروع النخيل، وباقي الجزر الاصطناعية، شواطئ تفوق في طولها الشواطئ المصرية. كما أن دبي تملك اليوم طرقا سريعة ب 16 ممرا ثمانية في كل اتجاه، وقطار ميترو طول سكته 47 كيلومتر. وقد استقطبت دبي أحسن المعاهد الطبية والعلمية العالمية.

ويوجد على رأس دبي حكومة يديرها أناس منفتحون استطاعوا استقطاب الاستثمارات من كل الجهات. وهم بصدد انهاء مشروع اتفاق مع سويسرا لمنع الإزدواج الضريبي. فإذن دبي بصدد تحقيق تقدم خارق للعادة، والخروج من بلد صحراوي الى البلد الذي يأوي الفندق الوحيد بسبعة نجوم والعمارة الأكثر علوا في العالم برج خليفة، وأكبر الجزر الاصطناعية في العالم. وهذا إنجاز كبير بالنسبة لبلد لم يكن يملك شيئا في ستينات القرن الماضي. وهذا أمر يزيدني فخرا كعربي. وفخري بالإنجازات لا يمنعني من انتقاد ما هو سلبي. لقد تحدثت مع المسؤولين عن مشروع الكتاب وزودوني بالمعلومات. ولكن كما قلت في البداية الهدف من الكتاب هو للتشجيع على  رؤية الأشياء كما هي. 

كيف كان رد السلطات في دبي على إصدار الكتاب؟

نبيل مالك: إنه تساؤل لطالما طرحته على نفسي. لكن يبدو ان السلطات حاولت في البداية تجاهل الكتاب لما أرسلت لهم النسخة الأولى… وما أتمناه هو أن يطلعوا على الكتاب، لأن كل العرب الذين قرأوا الكتاب قالوا أن ما أوردته يعكس الحقيقة، ومن المستحسن أن يطلع الجميع على تلك الحقيقة بغرض دفعهم لتصحيح ما يجب تصحيحه، لأنه بالنقد يمكن إحراز التقدم. لكن المشكلة في دبي أن لا أحد يجرؤ على التكلم لا مباشرة ولا عبر وسائل الإعلام.

وأعتقد أنها المرة الأولى التي تقدم فيها انتقادات هامة مثل انتقاد نظام التعليم … وحوادث المرور المرتفعة بأكثر بعشرين مرة مما يحدث في سويسرا.

هذا الكتاب الصادر باللغة الفرنسية هل تنوون إصدار ترجمة عربية له ومتى؟، وما هو وضعه في دبي؟

نبيل مالك: ما وصلني هو أن الكتاب  بطبعته الفرنسية ممنوع في دبي، ولست أدري ما الدافع لهذا المنع؟ وما هي الجهة التي فرضت المنع؟. فهم بعد التجاهل كما قلت في البداية نظرا لكونه كتابا صادرا بالفرنسية، وأن هناك قلة ممن يتحدثون الفرنسية هناك، أقدموا على منعه بعد ظهور المقالات الصحفية  على الرغم من أن ما بيع منه لا يتجاوز 2500 نسخة. أما بالنسبة للترجمة بالعربية فهي حاليا قيد الانجاز في لبنان  كما أن بيع الكتاب في طبعته الفرنسية يلقى إقبالا، لأن الناس يعتبرون أن دبي تدفع ثمنا غاليا لهذا التقدم الذي أحرزته، وما قلته في هذا الكتاب ليس كله سلبي.

نبيل عبد المالك، سويسري من أصل مصري كان من أوائل من سهر على إقامة  فروع لمصارف سويسرية في دبي في بداية  تسعينات القرن الماضي.

كتابه الذي صدر في عام 2011 تحت عنوان”دبي، ثمن النجاح” Dubai, la rançon du succès، هو ثاني كتاب  يصدر عن دار النشر Amalthée، بعد “رحلة النيل صعودا، او عودة للأصل اليهودي العربي”.

الكتاب عبارة عن 35 قصة قصيرة تعكس في 400 صفحة الوضع المعاش في بعض الدوائر في دبي، وتكشف عن تفاصيل عالم غير متجانس، عامله المشترك الربح والمال.

لكن كما جاء في مقدمة الكتاب “هذا النجاح الذي حول منطقة صحراوية الى نموذج النجاح الاقتصادي على المستوى العالمي جلب المستثمرين ورجال الأعمال والمهندسين والعمال، ولكنه جلب ايضا كل ما هو إجرامي . كما ان السياسة الليبرالية التي تعتمدها حكومة دبي، لا تقوى على مواجهة ظاهرة الدعارة، والمخدرات، وغسيل الأموال”.

وتنتهي  هذه المقدمة الى خاتمة “ثمن هذا النجاح”، والذي يمثل الوجه القاتم لدبي، هو التواجد جنبا الى جنب، بين أناس هم ضحايا الظلم الاجتماعي، وحالات الإخفاق، والذين عليهم تقديم الكثير من التضحيات، وآخرين يمثلون النجاح الاقتصادي  في مدينة أصبح فيها المال بمثابة الإله الذي تقدم له كل  التضحيات”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية