مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ملايين الهواتف القديمة في سويسرا.. كنز ثمين لا يخلو من أخطار!

15% فقط من الهواتف النقالة المُستعملة تنهي مشوارها في مراكز إعادة التدوير بسويسرا مقابل 85% بالنسبة للحواسب، حسب أرقام الجهات المختصة Keystone

سبعُ سنوات هو متوسط حياة الهواتف المحمولة، لكن السويسريين لا ينتظرون أكثر من عام أو 18 شهرا قبل اقتناء آخر صيحات هذه الأجهزة التي تزداد تطورا وتتقلص حجما ووزنا.. والنتيجة: باتت أدراج منازلهم تعجّ بـ 8 مليون هاتف مُستعمل حسب "سويكو ريسايكلين" التي تُنوه إلى خطورة المواد السامة والملوثات التي تحتوي عليها هذه الأجهزة إذا ما لم يتم التخلص منها بطريقة سليمة.

هذه المنظمة التي تشرف على إعادة تدوير المعدات الإلكترونية في سويسرا، دعت السكان إلى تسليم هواتفهم القديمة خلال عملية تجميع وطنية ستتواصل يومي 15 و16 مايو تحت شعار “البحث عن الكنز” بهدف توعية الجمهور أيضا بالمكاسب البيئة الهامة من إعادة كل هاتف قديم.

ماذا يفعلون في سويسرا بهاتفهم النقال الذي أكـل عليه الدّهر وشرب، أو ربما أصبح يبدو أقل “شبابا” و”ذكاء” من آخر جيل لأجهزة تـُبهرنا أكثر فأكثر بإمكانياتها التكنولوجية الفائقة رغم حجمها الصغير؟

الشابة ماتيلد التي تعمل في متجر بمدينة فوفي (كانتون فو) تـُجيب بعفوية: “أُعطيه لشخص آخر أو احتفظ به لاستعماله إذا ما تعطـّل هاتفي الجديد”. أما صديقها غـريغ فيحرص على إزالة البطاريات من هاتفه القديم لوضعها في الحاويات المُخصصة لها قبل أن يـُلقي بالبقية في صندوق القمامـة العادي.

ربـَّة البيت نافيي، المقيمة في فريبورغ، تقول “لا أعلم لـمَ أحتفظ بهاتفي القديم في البيت”، لكن سرعان ما تتذكـّر أنها وزوجها أهديا خلال السنوات القليلة الماضية خمسة هواتف نقالة مُستعملة لأفراد أسرتهما في إقليم كوسوفو.

شارل، مُتقاعد مُتزوج من سيدة ليبيرية ويقيم في مدينة برن. يزوران مرارا العاصمة الليبيرية مونروفيا حيث يَهديان للأقارب والأصدقاء هواتف نقالة مازالت صالحة للاستعمال، وهما سعيدان بـ “تقديم المساعدة لسكان تلك المدينة التي تفتقر لشبكة الاتصالات الهاتفية العادية والكهرباء والماء منذ اندلاع الحرب قبل 18 عاما، فالجميع هناك يعتمد على الهواتف النقالة للاتصال بالعالم الخارجي”.

مارجوري، الأم لطفلين والمقيمة في مدينة بيين/بيل (كانتون برن) تقول بلهجة مرحة: “أعطيهم أو أحتفظ بهم في البيت ولا أعرف لم أحتفظ بهم أصلا ولا أعلم ما يجب أن أفعل بهم”، قبل أن تستنتج بفزع “لدي أكثر من هاتفين في الدرج، فأنا أُغيـِّر هاتفي كل سنة لأن لدي اشتراك يسمح لي بتغييره كلما جدَّدْتُ العقد (مع شركة الاتصال) وبالحصول مجانا على نموذج جديد أفضل من السابق”. ثم تتذكر مارجوري أن إحدى صديقاتها من رواندا طلبت منها الاحتفاظ بالهواتف القديمة لإرسالها إلى إفريقيا.. ولا مانع لديها في ذلك.

النوايا طيبة .. ولــكن

محاورونا الستة يُمثلون “عينة” صغيرة للغاية (لا تخضع لقواعد الإحصاء العلمية) لسلوك أصحاب الهواتف النقالة في سويسرا عموما: الاحتفاظ بالجهاز – أو الأجهزة أحيانا – ثم إسعـادُ الآخرين بها، علما أن أولئك “المحظوظين” غالبا ما يتواجدون في بلدان نامية.

لكن هذا الكرم الصادق ليس تصرفا محمودا في رأي ماركو بوليتي، من المكتب الفدرالي للبيئة الذي قال في تصريح لوكالة الأنباء السويسرية بمناسبة الإعلان (في نهاية شهر أبريل الماضي بزيورخ) عن تنظيم اليومين الوطنيين لتجميع الهواتف القديمة، إن إرسال الهواتف النقالة المُستعملة والحواسب القديمة إلى البلدان النامية ليس حلا لأن تلك البلدان لا تتوفر في الغالب على أنظمة إعادة التدوير المناسبة. ونوه في هذا السياق إلى أن سويسرا تحظر تصدير النفايات الإلـكترونية إلى تلك المناطق من العالـم.

من جانبه، أكد مدير “سويكو ريسايكلين”، بول براندلي، أمام وسائل الإعلام في زيورخ بنفس المناسبة أن “إعادة تدوير الهواتف النقالة في سويسرا يجب أن يُصبح (أمرا) طبيعيا مثل الحواسب المستعملة تماما، مشيرا إلى أن 15% من أصل 2,8 مليون من الهواتف المحمولة التي تباع سنويا في سويسرا تنتهي في مراكز إعادة التدوير مقابل 85% بالنسبة للحواسب. بينما ترقد في الأدراج بقية الهواتف التي يُقدر عددها بـ 8 مليون جهاز، وتمثل زهاء 1000 طن من المواد التي تُفلت من إعادة التصنيع.

وشدد السيد براندلي على أن إعادة المواطنين لهواتفهم القديمة يومي 15 و16 مايو الجاري (وسائر الأيام أيضا) يعني القيام بخطوة لصالح البيئة لأن تلك الأجهزة لا تحتوي فقط على معادن ثمينة قابلة لإعادة الاستخدام (مثل الذهب والفضة والنحاس..)، بل توجد بداخلها أيضا مُلوثات ينبغي القضاء عليها نهائيا بأسلوب آمن.

وأوضح في هذا الصدد أنه يمكن إعادة بيع 40% من مُكونات الهواتف، وحرق 50% من العناصر بشكل يساهم في إنتاج الطاقة، وأخيرا التخلص بطريقة سليمة من نسبة 10% من المواد المتبقة الضارة، وعلى رأسها البطاريات المُستخدمة التي تسبب مشاكل حقيقية، إذ تحتوي على مواد سامة تنتشر في الجو لدى عملية حرقها، وتمثل مخاطر محتملة عالية بالنسبة للبيئة والإنسان والحيوانات.

أعد لنا هاتفك وتفضل جائزتك!

فهل كان محاورونا الستة على علم بهذه الأخطار؟ ثلاثة فقط منهم كانوا قد سمعوا سابقا عن تلك المواد السامة، وخاصة البطاريات التي أكد غريغ أنه يحرص على التخلص منها وفقا لتعاليم السلامة قبل رمي أي هاتف نقال.

مارجوري كانت على علم بجزء من الأخطار إذ قالت: “أضع هواتفي المُستعملة في مكان آمن لكي لا يلعب طفلي بالبطاريات، لكنني كنت أجهل بوجود مواد سامة أخرى”.

“لم نسمع أبدا بهذه الأخطار”، أجاب شارل مُضيفا: “كنت أعتقد أننا لن نعرف أبدا ما يتواجد بداخل الهاتف. من جهة أخرى، نلاحظ في سويسرا وجود هوائيات لتشغيل الهواتف النقالة كل كيلومتر أو اثنين، وربما أن إشعاعها ليس قويا، لكن في إفريقيا، عليك قطع كيلومترات طويلة قبل مصادفة الهوائي المقبل، وهذا يعني أن درجة الإشعاع قد تكون قوية جدا، وأتساءل عن احتمالات تأثيراتها على صحة الإنسان في المستقبل”.

شارل وزوجته الإفريقية عقدا العزم على إبلاغ ذويهم في القارة السمراء بهذه الأخطار ويعتزمان المشاركة في يومي “البحث عن الكنز” التي تـُنظمها المؤسسة السويسرية للممارسة البيئية “Push” للمرة الخامسة بهدف توعية الجمهور بأسلم الطرق لمعالجة النفايات والمواد الخام مع تحمل كل فرد لمسؤولياته في هذا المجال، ومع التركيز هذا العام على الهواتف المحمولة العاطلة أو القديمة التي دُعي السكان إلى إعادتها إلى أماكن تجميع خاصة في حوالي 300 مدينة وبلدية ومدرسة وجمعية وشركة في كافة أنحاء سويسرا.

وعندما يعيد المواطـن هاتفه النقال الـقديم، يُجازى بهاتف نقال لذيذ.. مصنوع من الشوكولاتة!

إصلاح بخات، swissinfo.ch

من أصل 2.8 مليون من أجهزة الهواتف النقالة التي تباع كل سنة في سويسرا، تُعاد فقط 15% منها إلى مراكز التجميع (المكلفة بعمليات إعادة التدوير والتخلص السليم من النفايات السامة)، ولا يتجاوز المعدل على الصعيد العالمي نسبة 3%.

التقديرات تشير إلى أن البيوت السويسرية تحتفظ بما يقرب من 8 ملايين من أجهزة الهواتف النقالة المُستعملة والتي لم تعد تُستخدم بعد؟ وحسب سبر آراء قامت به شركة “نوكيا”، توضع 44% من تلك الهواتف في أحد الأدراج، وينُقل 25% منها إلى أفراد العائلة أو الأصدقاء، بينما يباع زهاء 16% بصفة شخصية.

ثلثا سكان سويسرا تقريبا لا يعلمون أنه يمكن إعادة الهاتف المُستعمل أثناء شراء جهاز جديد؟ لأنهم يدفعون رسوم مسُبقة على عملية إعادة التدوير بالنسبة للهواتف النقالة، كما هو الحال بالنسبة للأجهزة الإلكترونية الأخرى.

يمكن التخلص من الهواتف النقالة في المراكز الـ 500 للتسليم الرسمي التابعة للجمعية الاقتصادية السويسرية للبيروقراطية والحوسبة والاتصالات المعلوماتية والتنظيم (SWICO) في مختلف أنحاء سويسرا؟

يمكن إعادة تدوير 40% من مُكونات الهواتف النقالة؟ حسب تحاليل أجريت مؤخرا على عمليات التفكيك، تُوزع المكونات على النحو التالي: 56% من البلاستيك (العلبة الخارجية للهاتف، ولوحة المفاتيح ولوحات الدوائر المطبوعة)، و25% من المعادن (المسارات الموصلة، المكونات الإلكترونية والميكانيكية)، 16% من الزجاج والسيراميك (الشاشة، وأجزاء السيراميك)، بينما تمثل مواد أخرى نسبة 3% (بلورات سائلة، مثبطات اللهب).

تحتوي الهواتف النقالة على تركيزات عالية من المعادن النفيسة التي يعاد استخدامها، مثل النحاس والألومنيوم والحديد والفضة والذهب؟

هي لجنة مُستقلة ليست لها أهداف ربحية، وهي تابعة للجمعية الاقتصادية السويسرية للبيروقراطية والحوسبة والاتصالات المعلوماتية والتنظيم (SWICO).

حددت لنفسها كهدف القضاء نهائيا على نفايات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية في احترام تام للبيئة وبأكبر قدر ممكن من الفعالية في كل من سويسرا وإمارة ليختنشتاين المُجاورة.

تعتمد للقيام بعملها على شبكة من مراكز التجميع والتجار والشركاء في مجال إعادة التدوير.

إعادة الهاتف المُستعمل لهذه الشبكة مجاني لأن عملية إعادة التدوير تمول برسوم إعادة التدوير التي يدفعها المُستهلك مُسبقا لدى شراء الجهاز.

يشارك زهاء 630 عضوا في هذا النظام، وفي عام 2008، أعادت “سويكو ريسايكلينغ” تدوير 50753 طنا من الأجهزة القديمة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية