مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من “برج السجون” في برن.. ثلاث فتيات يصفن واقع ملايين البنات

يمكن للزائرات الصغيرات لمعرض "لأنني فتاة" الذي يتواصل من 26 يناير إلى 26 مايو 2012 تجربة القيام بالمهام اليومية الشاقة المفروضة على نظيراتهن، مثل دق الدخن، في مناطق أخرى من العالم Plan Schweiz

دجينيبو من مالي، وآشا من الهند، وجوسلين من الإكوادور. قصص حياتهن اليومية ليست من وحي الخيال، بل هي واقع معيش لملايين البــنات في البلدان النامية. شقاء وعناء وختان وتمييز وحرمان وعنف يصل إلى حد القتل قبل الولادة .. "لأنهن فتيات".

من خلال الصوت والصورة وديكورات محلية، يحتك الزوار بذلك الواقع في معرض “لأنني فتاة” الذي يقدمه الفرع السويسري لمنظمة “بلان” لمساعدة الطفولة، في مقر المنتدى السياسي للكنفدرالية ببرن.

في قلب العاصمة السويسرية، وعلى بعد عشرات الأمتار فقط من البرلمان الفدرالي ومن قصر الحكومة، ينتصب على ارتفاع 49 مترا “برج السجون” العتيق الذي تحول على مدى السنين من حصن (1256)، إلى سجن (1897)،  قبل أن يحتضن مقر المنتدى السياسي للكنفدرالية (منذ 1999).

بين الجدران الحجرية السميكة لهذا المبنى المُفعم بـعبق التاريخ، والمتكون من خمسة طوابق وعُلية، يتعرف الزائر، وهو يصعد درجات السلم الحلزوني الـ 106…، على عوالم الفتيات الثلاث. صورهــُن تبتسم في وجهك، وأصواتهن تحكي لك يومياتهن، ومطبخهن وأدواتهن وأزياءهن تجعلك تدرك الفرق الشاسع بين واقعهن في بلادهن وواقع الفتيات في سويسرا والبلدان المشابهة لها.

الطابق الأول يسافر بك إلى الهند، والثاني إلى مالي، والثالث إلى إيكوادور. وفي كل طابق، يمكن للزوار أن يعيشوا، ولو لوهلة، فصلا من حياتهن اليومية. قد يكون ممتعا نوعا ما، مثل رسم وشوم الحناء وارتداء الأزياء على الطريقة الهندية، أو شاقا مثل دق الدخن وحمل دلو الماء على الرأس على الطريقة الإفريقية، أو مُتعبا مثل غزل الصوف وتنظيف المطبخ على الطريقة الإكوادورية.

بين التفاعل التعليمي والاكتشافات الصادمة

يقول ميكاييل فريتشي، المدير المشارك للمنتدى السياسي للكنفدرالية “إنه معرض يتيح لمس الأشياء وهذا جانب مهم جدا ومفيد للزوار. ونحن اخترنا احتضانــه لأننا نعتقد بأن موضوع التمييز إزاء الفتيات حول العالم أمر يجب أن يُعرف في سويسرا، وهي فرصة لنا لدعوة فتيات صغيرات جدا إلى (برج السجون)”.

هذا الجانب التفاعلي هو القيمة المضافة التي شجعت مدير الفرع السويسري لمنظمة “بلان”، أندرياس هربست، لجلب المعرض من ألمانيا التي صُمّم فيها من قبل الفرع الألماني لـلمنظمة، وحيث لقي “نجاحا كبيرا”، على حد تقديره.

وقد نوه ميكاييل فريتشي، الذي عمل لمدة سنوات في إفريقيا لحساب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، إلى أن الزائرات الصغيرات سرعان ما يدركن وجود “تمييز منهجي إزاء البنات خاصة عندما يكتشفن أن الفتاة تُجبر على الزواج في سن الخامسة عشرة في بلدان أخرى”.

وتكتشف الزائرات والزوار بعد أول خطوة في المعرض مآسي الفتيات في مناطق من الهند حيث تدفع أسر البنات المهر لعائلة الزوج، ويعتمد مبلغ المهر على تكوين ومهنة الرجل، وهو “أمر خطير” مثلما يقول أندرياس شيلتر، المدير المشارك للمنتدى السياسي للكنفدرالية، “لأن هنالك مناطق في الهند تُقتل فيها البنات قبل إنجابهن لأن أسرهن تعلم أن عليها دفع المال الكثير لزواجهن، وتفضل بالتالي قتلهن”.

ويتناول المعرض أيضا مواضيع حساسة أخرى مثل عادة ختان البنات في إفريقيا، والعنف إزاء النساء في جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية. ولكن هذه القضايا تطرح في غرف معزولة ومنفصلة لتفادي إثارة صدمة الزوار غير الراغبين في مشاهدتها عن قرب، وخاصة الصغار منهم.

ويقشعر البدن بالفعل لدى فتح الستار الأسود الذي يحجب محتوى الغرفة المظلمة الخاصة بختان البنات في الطابق العلوي، والتي كــُسيت جدرانها بصور وجوه مئات ضحايا الختان إن لم تكن الآلاف، واللاتي يدلي بعض منهن بشهاداتهن الصوتية عبر سماعات تتدلى من السقف. وسرعان ما تقع العين على واجهة زجاجية تُعرض فيها مجموعة من الأدوات البشعة التي تستخدم لإجراء عملية الختان، ومنها أغطية المعلبات المعدنية المتصدئة، وشفرات الحلاقة، وحطام الزجاج… وإلى جانبها مُجسّم خشبي يظهر آثار عملية بتر البظر…

“حملة لتغيير الواقع وليس القوانين فحسب”

يندرج معرض “لأنني فتاة” التفاعلي في إطار الحملة الدولية التي تحمل نفس الإسم والتي بدأت الإستعدادات لإطلاقها منذ عام 2007 من قبل منظمة “بلان الدولية” لتسليط الضوء على الأوضاع الصعبة للفتيات في البلدان النامية ومعاناتهن من الـعنف والفقر والتمييز. وستنطلق الحملة فعليا في شهر أكتوبر من عام 2012.

وتركز حملة “لأنني فتاة” على أن مصير الفتاة في العديد من البلدان هو المرض لأن “خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب “إيدز” مرتفع من ثلاثة إلى ستة أضعاف في أوساط الفتيات مقارنة مع الفتيان، ومصيرها أيضا هو الفقر لأن “عمل النساء يمثل قرابة 52% من المردود العالمي لكن ثلثهن فقط يتلقون مقابلا على إسهامهن”؛ ومصيرها كذلك هو السذاجة لأن “62 مليون امرأة في العالم لا تذهب إلى المدرسة الابتدائية، ومصيرها هو الجوع “لأن 70% من الاشخاص الذين يعانون من سوء التغذية المزمن على المستوى العالمي نساء”، كما أن مصيرها يمكن أن يكون الموت “لأن ملايين الفتيات لا يرين النور لأنه يتم التخلص منهن وهن أجنة، وبعضهن يُقتلن بعد وضعهن مباشرة لأن الفتاة إذا ما عاشت وأصبحت في سن الزواج، ستكون أسرتها مضطرة إلى دفع مهر الأسرة ويجب أن تدفع مهرا غاليا لزوجها في المستقبل”.

ويشدد أندرياس هيربست على أن أهمية معرض “لأنني فتاة”، المرفق بسلسلة من الفعاليات الثقافية وجلسات النقاش، تتمثل في التوعية بهذه المعطيات والتركيز على تجارب شخصية وعرضها على الزائر ليقارن بين حياته الخاصة ومصائر البنات في تلك القارات الثلاث.  

مدير “بلان – سويسرا” الذي اكتسب تجربة طويلة في مجال العمل الإنساني وسبق له أن عمل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أوضح أن اتخاذ منظمة “بلان” لهذا الموقف المدافع عن حقوق الفتيات أمر هام، ولكنه “غير كاف، لأن هذه الدعوات قد تغير القوانين والسلوك والتأثيرات الحكومية في هذه البلدان، ولكنها لا تغير واقع الأطفال. ولهذا أقوم بهذا العمل”.

ويظل أندرياس هيربست على قناعة بأن تغيير الواقع يتطلب برامج محددة خاصة بالأطفال، قائلا: “إن تحضير فئة جديدة من المشاريع النوعية (…) يستغرق وقتا طويلا، ونحن اليوم بصدد إنجاز مشاريع وبرامج للفتيات في السلفادور، على سبيل المثال”.

السيد هيربسبت، الذي أدلى بتصريحاته لـ swissinfo.ch غداة عودته من مهمة في السلفادور وعشية توجهه لإنجاز مهمة أخرى في الهند، شدد على أن “بلان-سويسرا” تحرص على إقران إنجاز تلك المشاريع باحترام شروط مُعينة “لتكون المساعدات في صالح الفتيات بالفعل”.

ونوه في هذا الصدد إلى أن حماية البنات تبدأ بـ “إجراءات بسيطة” تبدو بديهية في بلدان الشمال، ولكنها ليست أمرا مفروغا منه في كافة بلدان الجنوب. ويوضح قائلا: “سنعيد بناء قرى في السلفادور، ولكن شرط أن تضبط ملكية الأرض التي سنبني فيها المنازل، وأن نتأكد من أنها ستبقى للجيل القادم، وأن الأسر ستعيش في منازل فيها غرف منفصلة، وليس أكواخ، وإن كان بناؤها سيكلف أكثر، فأول خطوة لحماية الأطفال، وخاصة البنات، هي أن نوفر لهن غرفا منفصلة وإمكانية قفل المرحاض!”…

تحتفل في عام 2012 منظمة Plan-International التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، بالذكرى الـ 75 على تأسيسها.

تعد من أقدم وأكبر المنظمات المعنية بتعزيز حقوق الطفل ومساعدته على الخروج من الفقر، وتعرف نفسها على أنها مُستقلة، بدون انتماء ديني أو سياسي، أو حكومي.

يعود الفضل في إنشائها للصحفي البريطاني جون لانغدون-ديفيس الذي كان قد تأثـر بمآسي الأطفال خلال الحرب الأهلية في إسبانيا.

تنشط حاليا في حوالي 50 بلدا ناميا في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ولها شراكة مع 17 بلدا.

ويعمل لحسابها 8000 مأجور و60000 متطوع.

في سويسرا، فتح مكتب “بلان” أبوابه في زيورخ عام 2006. يتوفر على ميزانية 4 مليون فرنك، وينشط في ستة بلدان: هايتي، والسالفادور، وبوركينا فاسو، ومالي، ونيبال، وفييتنام.

دُشن المنتدى السياسي للكنفدرالية في “برج السجون” في العاصمة السويسرية برن، في خريف 1999.  

هي مؤسسة تابعة للمستشارية والبرلمان الفدراليين اللذين استجابا، من خلال هذه الخطوة، لرغبة المواطنين النشطين في المجال السياسي الذين كانوا قد طالبوا في مناسبات عديدة التمكن من تناول قضايا سياسية بمقربة من الحكومة الفدرالية والبرلمان.

ينظم المنتدى معارض وفعاليات تعالج مواضيع سياسية وتطلق النقاش حولها. ويضع رهن إشارة المواطنين والجمعيات بالمجان قاعة لتنظيم الفعاليات السياسية، كما يدير مركز معلومات يمكن لأي زائر الحصول فيه على أبرز الإصدارات المجانية للكنفدرالية.

المنتدى، الذي تبلغ ميزانية السنوية 100000 فرنك، ويعمل فيه 5 أشخاص، قدم منذ إنشائه أكثر من 30 معرضا حول قضايا سياسية ونظم مئات الفعاليات المختلفة. من جهتهم، نظم السكان والجمعيات المعنية بالشؤون السياسية أكثر من 5000 من الفعاليات في المنتدى الذي يزوره كل سنة ويستفيد من عروضه زهاء 30000 شخص.

لدى استقبالهما لـ swissinfo.ch، أوضح المديران المشاركان للمنتدى، ميكاييل فريتشي وأندرياس شيلتر، أن تنظيم معرض “لأنني فتاة” في المنتدى السياسي للكنفدرالية يضيف له وزنا سياسيا هاما لأن الأمر يختلف عن تنظيمه مثلا في مركز ثقافي لا علاقة له بالأجندة السياسية.

  

وينوه زميله فريتشي إلى أن المنتدى بدأ صغيرا قبل 13 عاما، وتغيرت الأمور قبل بضعة أعوام حيث أصبح معروفا لدى السياسيين وصانعي القرار في برن، كما يستقطب العديد من الجمعيات والمنظمات النشيطة في المجال السياسي، سواء داخل سويسرا أو خارجها. وشدد على أن ما يميز المنتدى أنه مفتوح حتى للمنظمات الوطنية أو الأجنبية، التي لها مواقف معارضة للكنفدرالية السويسرية.

وقال بفخر وحماسة: “إننا مؤسسة تابعة للكنفدرالية ولكن عندما تأتون هنا فأنتم لستم مراقبين بتاتا، لا كاميرا ولا شيء، مكتبنا مفتوح، يمكن الالتقاء بالإدارة مباشرة، الأشخاص العاملون هنا ليسوا من الأمن، ولكنهم هنا لتزويد الزوار بالمعلومات. (…) هذه هي الحرية، نحن ندعو الآخر الذي لديه رأي آخر مختلف تماما في قلب برن للتعبير عنه وهذا ربما فريد من نوعه في العالم”.

(المصدر: المنتدى السياسي للكنفدرالية)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية