مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المكتب الفدرالي للإحصاء: 150 عاما في خدمة الدولة والسويسريين

صورة من الماضي (عام 1960): كانت تُرسل استبيانات التِّـعداد السكاني لكل أسْـرة كل عشر سنوات. RDB

يحتفل المكتب الفدرالي للإحصاء هذا العام بعِـيد ميلاده الـ 150. وبعد أن كان كادره الوظيفي لا يزيد عن أربعة موظفين ولم تكُـن ميزانيته السنوية تتجاوز 20 ألف فرنك سويسري، أصبح يعتمِـد اليوم على نحو 760 موظفا ويتوفر على ميزانية تبلغ نحو 160 مليون فرنك سويسري.

وفي حين كانت انطلاقة المكتب الفدرالي للإحصاء منذ 150 عاما من زاوية من زوايا مكتبة البرلمان في العاصمة برن، أضحى منذ عام 1999 يُـزاول نشاطه في مقرّه الزجاجي العتيد، الذي يمثل تحفة معمارية فوق مرتفعات مدينة نوشاتيل، وعلى بُعد خطوتيْـن من محطة القطارات الرئيسية.

ويعتني المكتب بإصدار وتوزيع ما يقرب من 400 نشرة سنويا ويقوم بمعالجة البيانات المتعلِّـقة بنحو 21 ميدانا، من التِّـعداد السكاني إلى الإقتصاد إلى السياسة إلى الجريمة والهجرة وهلُـمّ جَـرّا.

وسيلة حضارية

وخلال الحفل الذي أقيم يوم الثلاثاء 26 أكتوبر 2010 في مدينة نوشاتيل، أشاد ديديي بوركالتر، وزير الشؤون الداخلية (تشمل الصحة والتعليم والبحث العلمي والمسائل الإجتماعية) بالجهود التي بذلها ستيفانو فرانشيني، عضو الحكومة الفدرالية من الحزب الليبرالي الراديكالي عن كانتون تيتشينو، جنوب سويسرا، في تأسيس المكتب الفدرالي للإحصاء عام 1860 وبالدوْر الذي لعبه المكتب في الأخذ بيَـد سويسرا على طريق الحضارة والتقدّم.

وأضاف بوركاتر قائلا: “يُـمكِـنكم أن تتخيَّـلوا كيف سيكون حالنا، لو لم تتوفّـر لقادتِـنا منذ ذلك الحين حتى اليوم، البيانات حول كامل أطراف البلاد”، ناهيك أن بلدا فتيا مثل سويسرا، التي أصبحت دولة فدرالية في عام 1848، اتَّـسمت وما زالت بشعور الإنتماء إلى الكانتون، الأمر الذي اقتضى أن يكون للإحصاء دور في “تحديد فضاء جديد، كمرجعية وكإدراك، تتوافق حدوده مع حدود الأمة السويسرية الجديدة”. وعلى حد قول بوركالتر، فإن المسح السكاني الأول “أرسى دعائم الهوية الوطنية الجديدة في الوجْـدان وبث في القلوب الشعور بالإنتماء إلى سويسرا الوطن”.

وللأمانة التاريخية، فإن الحكومة الفدرالية يومئذٍ لم تكُـن تنتظر الكثير من العملية الأولى للإحصاء السكاني التي أجريت في عام 1860، حيث اقتصر الغرض منها في الأساس، “ضمان التوزيع العادل للمقاعد في المجلس الوطني” ومعرفة “كَـمْ هو عدد الجنود الذين يمكن تعبئتهم وكَـم هو عدد البنادق المتوفِّـرة لدى الأسَـر السويسرية”، على حدّ قول يورغ مارتي، مدير المكتب الفدرالي للإحصاء.

تحديات جديدة

وجدير بالذكر، أن لا علاقة بين الإحصاء في الوقت الحاضر وبين ممارسات الرعيل الأول من الإحصائيين، رغم أن الكثير من البيانات المُـستخدَمة (السكان والمواليد والوفيات…) بقيت هي ذاتها.

وأشار مارتي إلى أن “الإحصاء كان في البداية محصورا بكَـمٍّ من الأرقام المُـفتقِـرة إلى التنسيق، بينما يغطِّـي اليوم كامل مجالات الحياة ويُـجري ترتيب المُـعطيات، وِفقا لأدقّ التفاصيل”.

وعلى حدِّ وصف ديديي بوركالتر بأن الإحصاء “مِـرآة أرقام للحياة”، إلا أنه ليس عِـلما متحجِّـرا، ذلك أن وسائله تتطوّر وتتحسّـن وتزداد إتْـقانا بشكل مستمِـرّ، كما أن مكتب الإحصاء الفدرالي لا يسعه أن يبقى حبيس الموروث، لاسيما وأن الحاجة إلى المعلومات تزداد يوما بعد يوم، والمسائل تزداد تعقيدا وإلحاحا.

ولمواجهة هذه التحديات، يعتزِم المكتب الفدرالي للإحصاء أن يجعل اعتماده بالدرجة الأولى على السجلات. والحاصل، أن إجراء المسح السكاني الجديد لعام 2010 في سويسرا يتِـم بالاستناد إلى سجلات المُـقيمين في البلديات والكانتونات وإلى سجلات المباني والمساكن، وليس عن طريق الإستبيان التقليدي الموجَّـه إلى كل أسْـرة.

وأكد يورغ مارتي لـ swissinfo.ch قائلا: “اليوم، أصبحنا نملِـك القُـدرة التقنية، التي تُـتيح لنا الإستعانة بالسجِّـلات بصورة أفضل، وهنالك مسألة أخرى تدخل ضِـمن أولوياتي، ألا وهي تحسين مُـحتوى المؤشِّـرات المتعلِّـقة بنوعية الحياة وبالنظام الصحي”.

الجودة أولا

وعلى أية حال، تبقى الجوْدة هي الشُّـغل الشَّـاغل بالنسبة للمكتب الفدرالي للإحصاء، باعتبارها الضمان الوحيد لكي يستمِـر الإحصاء في صُـلْـب خِـدمة القرارات السياسية، وهي خِـدمة، كما يراها هانز فولفغانغ براشينغر، رئيس اللجنة الفدرالية للإحصاء “باتت ضرورية بالنظر إلى تراجُـع ثقة الجمهور بالبيانات الرسمية”.

ويوضِّـح براشينغر، أنه “استِـنادا إلى استطلاعات الرأي التي أجرِيَـت في بريطانيا وفرنسا، كشفَـت لجنة “ستيغليتز”، أن ثُـلث السكان فقط لا يزالون يثِـقون بالأرقام الرسمية”، وبناء على ذلك، حذّر براشينغر قائلا: “في حال ما ذهبت الثقة عند هؤلاء القلة، فلن تتحمَّـل مكاتب الإحصاء وحدها العواقب، وإنما كامل المؤسسات الديمقراطية قبْـل غيرها”.

ولِـحُـسن الحظ، لا تزال سويسرا بمنأىً عن هذه الانتِـكاسة، بحسب ديديي بوركالتر، وزير الداخلية الذي أفصح لـ swissinfo.ch قائلا: “الأمر مُـقلق جدا إن حصل هنا في سويسرا، ولكني أعتقد بأن النتائج تعكِـس في المقام الأول العلاقة بين المواطن والدولة، وهي كثيرا ما كانت مهزوزة في هذيْـن البلديْـن”.

وخلـُص الوزير إلى القول: “يجب علينا في سويسرا أن نأخذ الحِـيطة لتجنُّـب مثل هذه التطورات السلبية، وعلى السلطات أن تواصِـل العمل بشفافية كاملة وتكون على استعداد لتوضيح الحقائق وتقديم كافة المعلومات الضرورية، كما عليها أن تضمَـن للمكتب الفدرالي للإحصاء، بشكل خاص، مواصلة القيام بمهامِّـه باستقلالية تامة، ذلك أن الثقة بين المواطن والدولة كفيلة بمواجهة التحديات ودفع عجَـلة الإصلاح، أما إذا تصدَّعت هذه الثقة، فتصبح كل الأمور أكثر تعقيدا، لاسيما بالنسبة لنظام ديمقراطي تَـشارُكيّ كالذي عندنا”.

“الإحصاءات هي تجسيد لرغبات، تماما مثل الأحلام”. جان بودريار

“الإحصاء مثل البيكيني، يكشف ما هو مثير، ويُخفي ما هو أعظم”. آرون ليفينشتاين

“أنا لا أثق كثيرا بالإحصاءات، فتَـبعا لها، فإن حرارة الرجل الذي يوجد رأسه في فُـرن ساخن وقدماه في ثلاّجة.. معتدلة”. تشارلز بوكوفسكي

لا أثق في الإحصاءات، إلا تلك التي قُـمت بتزويرها بنفسي. ونستون تشرشل

يستخدم الناس الإحصاء كما يستخدم السّـكران مصابيح الشوارع: دعامة أكثر منها إنارة.مارك توين

الإحصاءات أطوع من الحقائق. لورانس بيتر

في سبتمبر 2009، قامت اللجنة التي طلب منها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وترأسها جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، إعداد تقرير يهدِف إلى توفير أدوات جديدة لقياس ثروة الأمم، بدلا من المقياس التقليدي المُـعتمد على الناتج المحلي الإجمالي.

والواقع، أن الناتج المحلّي الإجمالي، غالبا ما يكون مصدرا للإنحِـراف. فهو على سبيل المثال، يزيد في حالات الكوارث الطبيعية بسبب تكاليف إعادة الإعمار، في حين لا يتم حساب تكلفة الكارثة نفسها.

صاغت اللجنة 12 توصية، منها على سبيل المثال تقييم الرفاه المادّي من خلال الدخل والاستهلاك، بدلا من الإنتاج، ومنها أيضا توسيع مجال مؤشرات التقييم لتمتدّ إلى أنشطة ليس لها صلة مباشرة بالسوق، مثل تربية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية.

في السنوات الأخيرة، كثفت المؤسسات الإحصائية جهودها التنسيقية الخاصة بالمواءمة بين البيانات.

في 1 يناير 2007، دخل حيِّـز التنفيذ اتفاق التعاون الإحصائي بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، وهو اتفاق يسمح بإصدار بيانات مُوحَّـدة وقابِـلة للمقارنة، وخاصة فيما يتعلّق بالأسعار وسُـوق العمل وظروف المعيشة والنقل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية