مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد 20 عاما.. سويسريان يستذكران “الفوضى الرائعة” لسقوط جدار برلين

12 نوفمبر 1989: رئيس بلدية برلين الغربية والتر مومبير (إلى اليسار) يصافِـح عُـمدة برلين الشرقية إيرهارد كراك في ساحة بوتسدام Reuters

عشرون عاما مضَـت على سقوط جدار برلين، وهو الحدَث الذي تحول بامتياز إلى رمز لنهاية الحرب الباردة وحقبة الهيْـمنة الشيُـوعية في أوروبا الشرقية. وقد التقت swissinfo.ch مع اثنيْـن من المواطنيْـن السويسرييْـن كانا متواجدين في العاصمة الألمانية برلين يوم 9 نوفمبر عام 1989، وفي الليلة التي إرتبط فيها مجددا مواطنو ألمانيا الشرقية مع جيرانهم في الجزء الغربي من البلاد التي توحدت لاحقا.

وكان كلّ من ماركوس إيغلين وإستير فيلدي – ليبرهَر قد استقرّا على حدٍّ سواء في برلين الغربية قبل سقوط الجدار بِسنوات عِـدّة. وفيما كان إيغلين يعمل كمديرٍ إداري في قيادة قوات الحُلفاء، كانت إستير فيلدي – ليبَرهَر تشتغل في مُختبرٍ للأسنان.

وقد شِهِدَت فيلدي – ليبَرهَر هذه الأحداث التاريخية من الشارع المعروف باسم “كورفورستَندام” (وهو جادة رئيسية في برلين بطول 3 كيلومترات، تَصطف على جوانِـبه الفنادق والمحلات التجارية الفخمة لمشاهير المُصمِّـمين)، حيث تصِـف هذا الحدث قائِلة: “قام أحَدُهم بتسليمي باقَـةً من الزهور وأخبرني أن أقوم بتسليمها إلى “الأَوْسيس” (وهي التسمية التي كانت تُطلَـق على الألمان الشرقيين) القادمين من خلال الجِـدار”.

وكان طابورٌ طويلٌ من سيارات “ترابانت” Trabants (وهي سيارات كانت تُـصنع في ألمانيا الشرقية وتُـصدّر إلى الدول الشيوعية الأخرى، مُعتَمِدة في بيْـعها على كوْنها تتّـسع إلى أربعة ركّـابٍ مع أمتِـعتهم في هيكلٍ متين وخفيف. وقد اعتُـبرت هذه السيارة بأدئها المتواضع والدخّـان المُتصاعد من ماكِـنتها، ذات المُحرِّكين، رمزاً لفشل الشيُـوعية وألمانيا الشرقية السابقة، كما اعتبرها دُعاة الرأسمالية مِـثالاً على مساوِئ التّـخطيط المركزي). وقد وقفت فيلدي – ليبَرهَر لتُـسلِّـم كلّ سائقٍ زهرة.

وقد أخَذ هذا التحوّل المفاجِـئ في الأحداث السياسية إيغلين على حين غرّة حاله حال العديد من سكان برلين. ويستذكر الأحوال في ذلك الوقت قائلاً: “كانت هناك شائعات عن تَخفيض القُـيود المفروضة على السّـفر بالنسبة للألمان الشرقيين، ولكني لم اعتقد أبداً بأنَّ ذلك سيحدُث بهذه السرعة”.

هذا التّـغيير التاريخي انخفض في اليوم التالي، حيث يصِـف إيغلين حال برلين بالقول: “كان لدى المدينة، التي سيْـطر عليها الضجيج والرائحة الكريهة المُـنبعثة من سيارات “الترافانت”، دافعاً للتوقف”.

ويضيف: “لقد جاؤوا عَبْـر مَعبَر شونينفيلد Schönenfeld الحدودي، وكانوا جميعاً يُـريدون الوصول إلى جادة “كورفورستَندام “Kurfürstendamm”، وقد ساد برلين في الأيام القليلة التالية شعورٌ غريب – وكان هناك نوع من الفوضى الرائعة”.

مركزُ جذبٍ سياحي

وبالنسبة لماركوس إيغلين وإستير فيلدي – ليبَرهَر كان هذا الجِـدار جزءاً من المَـشهد الطبيعي لمدينة برلين، حتى أنه أصبح موقعَ جذبٍ سياحي للزوار والفضوليين.

وتقول إستير فيلدي – ليبَرهَر: “كان الجدار ينتمي الى المدينة، تماما مثل جادة “كورفورستَندام” وحديقة الحيوانات”، وتضيف: “عندما كان أصدقاؤنا يأتون لزيارتنا من سويسرا، كنّا نذهب بهم دائِماً لزيارة ساحة بوتسدام أو “بوتسدامر بلاتز”Potsdamer Platz (وهي ساحة مُهمّـة في وسط برلين، تبعُـد بكيلومترٍ واحد عن بوابة براندنبورغ ومبنى البرلمان الألماني “الرايخساغ”، وسُمّيت بهذا الاسم، نسبة لمدينة بوتسدام، وهي تمثل النقطة التي كان يمُرّ من خلالها الطريق القديم عبْـر جدار برلين في بوابة بوتسدام، وقد خُرِِّبَت أثناء الحرب العالمية الثانية وتُـركت مهجورة أثناء الحرب الباردة، حينما شَطَر جدار برلين الساحة نصفين، غير أنَّ المنطقة نهضت بسقوط الجدار وأصبحت قلب المدينة النابِـض).

وبالنسبة لإيغلين، الذي كان يعيش لسنواتٍ عدّة في حي كرويْـتسبرغ، القريب من الجدار، أصبح هذا البناء مجردَ شيء موجود في ذلك المكان. ويصف شعوره قائِلاً: “لم أفكِّـر في الجدار قَطّ على أساسٍ يومي” ويُضيف: “كان بالإمكان سَـماع صفارات الإنذار مرّتين أو ثلاث مرّات في الأسبوع، غير أنَّ ذلك يُمكن أن يكون بسبب شخصٍ ما يُـحاول الهرب أو قد يكون أرنباً حُـوصِر في الأسلاك الشائِكة”.

حياة مريحة

ويؤكِّـد إيغلين، الذي ينحدر من كانتون برن، بأنَّ الحياة لم تكُـن صعبة في برلين الغربية، ويقول: “في ثمانينات القرن الماضي، كانت برلين الغربية عِـبارة عن جزيرة، وقد كُنّا نتمتّـع بحياةٍ مُـريحة فيها وكان الزوار القادمون من سويسرا يُصابون بالدّهشة دائِما، بالنظر لاتِّـساع مساحة هذه المدينة، التي يبلغ طولها أكثر من 30 كيلومترا من الشمال إلى الجنوب”. وقد عايش كلٌّ من ماركوس إيغلين وإستير فيلدي – ليبَرهَر التغيّـر الذي حدث بعد سقوط هذا الجِـدار.

ويقول إيغلين: “لقد مشَـيْـت في إحدى ليالي رأس السَّـنة عبْـر بوابة براندنبورغ، وفي حوالي الساعة الثانية صباحاً، تشاطرت مع زوجين من برلين الشرقية زجاجة من النبيذ الفوار، ومنذ ذلك اليوم، ونحن ما نزال أصدقاء”.

ويستطرد قائِلاً: “وفي العام التالي، التقيْـت بزوجتي التي كانت هي الأخرى من برلين الشرقية، ومن وجهة النظر هذه، فأنا اعتبر نفسي مَحظوظاً”، غير أنَّ الحظّ لم يُحالِف إيغلين، مِهنيا. فمع نهاية الحرب الباردة، تم إغلاق قيادة الحُـلفاء، مما أفقد إيغلين عمله لبعض الوقت، وهو يعمل اليوم بدوامٍ جُـزئي لمدّة سنتيْـن، حتى يبلغ سِنَّ التقاعد.

عالَـمان مُـختلفان

وقد شهدت إستير فيلدي – ليبَرهَر بنفسها كيفية تحوّل الألمان الشرقيين، من الإقتصاد المُخطّـط له إلى اقتصاد السوق. وفي عام 1991، قام مُـختبر الأسنان، الذي كانت تعمل فيه، بإنشاء فرعٍ إضافي له غير بعيد عن برلين مع شركاء محليين.

وعندما بدأ هذا المُـختبر الجديد بإعادة تدريب فنيِّـين من ألمانيا الشرقية، لاحظت فيلدي – ليبَرهَر كيف كان هؤلاء يترُكون عمَـلهم ويندفعون إلى المتاجر، حينما تَتَبادر إلى أسماعهم أنباء حوْل وجود صفقة خاصة أو تنزيلات مغرية هناك.

وقد أوضحوا تصرّفهم هذا بمحاولةِ تفادِيهم للإنتظار في طوابير لساعات طويلة أو بفُـقدان صفقة جيِّـدة. وقد أدركوا في وقت لاحق فقط، بأنهم لم يكونوا مضطرِّين إلى الاستعجال بعد الآن.

وقالت إستير فيلدي – ليبَرهَر مُعَلِّـقة: “لقد كان صِداماً بين عالميْـن”، وأضافت: “كان على الناس في الغرب أن يُدْرِكوا كيْـف قامت ألمانيا الشرقية بتكييف مُـواطنيها”.

ومع الوقت، تحوّل المختبر الفرعي الجديد إلى مشروعٍ بِـدوامٍ كامل لفيلدي – ليبَرهر. وقد طلَـب منها مالك المختبر – الذي كان شريكها آنذاك – أن تقوم بالعِـناية بهذا الفرع، مما اضطرّها إلى تأجيل سفرةٍ كانت تعتزم القيام بها إلى سويسرا.

وعلى الرغم من أن المختبر الجديد قد أنجِـز في حينه، تؤكد فيلدي – ليبَرهر بأنها كانت “مُضطرّة للإشراف على كل شيء”، مضيفة “لم يكن عُمّـال البناء من ألمانيا الشرقية يتحمّـلون أيّة مسؤولية”. وماذا عن رحلتها إلى سويسرا؟ تُـجيب فيلدي – ليبَرهر بأنها لم تستطع تحقيقها إلى يوم الناس هذا.

باولا كاريغا – برلين – swissinfo.ch

في صيف عام 1989، قَرّرت هنغاريا (المجر) فتح حدودها، ممّـا أدّى إلى نزوح الآلاف من الألمان الشرقيين إلى ألمانيا الغربية عبْـر المجر.

وقد أدّت الأزمة السياسية، التي اعقبت أحداث هنغاريا، إلى تنظيم أول انتخابات حُرّة في 18 مارس 1990، كما أدت إلى إجراءِ مفاوضاتٍ بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، التي بلغت ذِروَتَها في معاهدة للتّـوحيد بينهما.

شُيِّـد جدار برلين من قِـبل ألمانيا الشرقية، حيث طـوّقت برلين الغربية بالكامل وفصلتها عن ألمانيا الشرقية.

وبعد عدّة أسابيع من الإضطرابات المدنية، أعلنت حكومة ألمانيا الشرقية في يوم 9 نوفمبر 1989، أنه باستطاعة جميع مُـواطني ألمانيا الشرقية زيارة ألمانيا الغربية وبرلين الغربية.

على مدى الأسابيع القليلة التالية، قامت الجماهير وصائدو التذكارات، بإزالة أجزاء من الجدار ثم استُخدِمت المُعِدّات الصناعية لاحقا لإزالة مُعظم ما تبقّـى من الجدار. وقد مَهّـد سقوط جدار برلين الطريق لإعادة التوحيد بين شطرَيْ ألمانيا، وهو المسار الذي اختُتِـم رسمياً يوم 3 أكتوبر 1990.

وإثر ذلك، بقيت ألمانيا الموحّـدة عضواً في المجموعة الأوروبية (الإتحاد الأوروبي لاحقا) وفي حلف شمال الأطلسي.

ChrisO, Wikimedia commons

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية