مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في تونس.. “بيتي” سقفٌ يحمي النساء من الإقصاء الإجتماعي

فناء مدرسة عتيقة تحولت إلى مركز لإيواء النساء المعنفات في مدينة تونس
صورة داخلية لفناء البيت القديم الذي حولته مؤسسة "بيتي" في العاصمة التونسية إلى مأوى يوفر ملجأ للنساء اللائي يعشن في ظروف هشة أو يتعرضن للضرب على أيدي أزواجهن، أو للإقصاء من الدورة الإقتصادية. swissinfo.ch

انطلق مشروع  "بيتي" في تونس من خلال ملاحظة تدهور أوضاع النساء اللائي يعشن في ظروف هشة أو يتعرضن للضرب على أيدي أزواجهن، أو للإقصاء من الدورة الإقتصادية. ويرمي المشروع إلى تأمين مكان لائق يكون ملجأ لهن ويُقدم لهن المساعدة والدعم لاستعادة حقوقهن. 

في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، تقول الأكاديمية سناء بن عاشور، رئيسة الجمعية إن أجواء الصراع مع الإرهاب طغت على السنة الأولى من المشروع (2012 – 2013)، أما السنة الثانية فكانت أكثر ملاءمة للإقبال على مركز الإيواء. ومنذ افتتاحه، احتضن المركز 661 سيدة بينهن 212 في سنة 2017 فقط.

منذ تأسيسها في 18 مايو 2013، رسمت جمعية “بيتي” هدفا لها يتمثل في المساهمة في القضاء على أنواع التمييز التي تتعرض لها النساء بسبب جنسهن، وما يترافق مع ذلك من عنف متعدد الأشكال. وسلكت إلى تحقيق هدفها ذاك طريقا يتمثل في إقامة ثلاث وحدات عملياتية للتدخل المُتضامن كالتالي:

* وحدة للإستقبال والإعلام والتوجيه والمرافقة باشرت العمل منذ سنة 2013، وقد استقبلت حتى الآن 661 سيدة.

* فضاء للإقامة في قلب مدينة تونس القديمة تم تدشينه في أكتوبر 2016 وتبلغ طاقة استقباله 30 سريرا وهو يوفر كل أنواع التبني، وقد استقبل حتى الآن 36 سيدة و 22 طفلا.

* مركز للإستقبال النهاري مختص في التكوين المهني يُدعى “بيت سواء” الذي يُتوقع أن يفتح أبوابه في يوليو 2018. تُركز الفضاءات الثلاثة على إنقاذ النساء من الإسترقاق، بما في ذلك الإسترقاق بسبب ديون والزواج القهري والحمل الإضطراري والإستغلال الجنسي والشغل العقابي والعنف الجسدي والمعنوي والإغتصاب والعلاقة الجنسية بين الأقرباء، كما باتت أعمال العنف الإقتصادية والسياسية تُعتبر مخالفات وجرائم.

وفي عام 2017، اتصلت 212 سيدة بالجمعية، وارتفع بذلك العدد كما أسلفنا إلى 661 سيدة موزعات على فصول السنة على النحو التالي:

محتويات خارجية

سناء بن عاشور عزت الإقبال الكثيف المُلاحظ في السنة الثانية من عمر المشروع  إلى بروز صورة “بيتي” في مجال العمل الإجتماعي وإلى إحكام التنسيق بين الجمعية والمتدخلين الإجتماعيين، العموميين منهم والجمعياتيين على حد السواء، وكذلك إلى تزايد الفقر في الوسط الحضري، وهي ظاهرة متفاقمة لا تُعيرها الدراسات اهتماما كبيرا. 

في السياق، تُلاحظ رئيسة الجمعية أن التوافد يبلغ ذروته بصفة دورية في شهر أكتوبر الذي يُعتبر فترة العود المدرسي للأطفال، بما يترتب عن ذلك من نفقات لشراء الأدوات المدرسية والملابس والتسجيل في الدروس الخصوصية.

عُنفٌ… عُنفٌ

ما يستوقف في وضع الوافدات على الجمعية أنهن تعرضن لأصناف مختلفة من العنف قبل مجيئهن إلى هذا المركز. فمن أصل 212 فتاة وسيدة أقبلن على “بيتي” تعرضت 180 منهن (85%) إلى شكل من أشكال العنف الجسدي أو المعنوي أو الإقتصادي أو الجنسي. هذه النسبة تتطابق مع نتائج الإحصاءات التي قامت بها المؤسسات الرسمية حول انتشار العنف الذي يستهدف المرأة بأشكال مختلفة. 

يبدو أن تعدّد الاعتداءات التي تتعرض لها المرأة جعلت أكثر من جمعية وهيأة تنشئ هياكل للإحاطة والتوجيه والدفاع عنهن، منها “مركز الإدماج ومركز الدفاع الإجتماعي” وجمعية “أمل من أجل الأم والطفل” وفضاء “تمكين” الذي أنشأته “جمعية النساء التونسيات الجامعيات والباحثات في التنمية”، وفضاء 13 أغسطس (تاريخ صدور قانون الأحوال الشخصية في سنة 1956) والمعهد الوطني لحماية الطفولة و”السبيل” وغيرها. 

لدى سؤالها عن الإنعكاسات المحتملة لتعدد المتدخلين، ردت سناء بن عاشور بأن “المطلوب أكثر بكثير مما هو مُتاح”، ما يعني أن هناك مكانا لعشرات المتدخلين بسبب اتساع الإنتهاكات وتعدد أشكالها ومجالاتها.

دعم سويسري

تُقدر مساهمة سويسرا في تمويل هذا المشروع بأكثر من 536 ألف دينار (الفرنك يساوي 2.5 دينارا) أي 58 في المائة من الكلفة الإجمالية للمشروع، وقد امتد الإلتزام السويسري على مدى ثلاث سنوات (2015 – 2017). ولا يُعرف إن كان التمويل سيتجدد أم لا لأن هذا القرار مُتوقف على مدى بلوغ المشروع الأهداف المحددة له. أما الدولة التونسية فتبرعت بمبنى هو عبارة عن مدرسة قديمة من طابقين تم ترميمها وتجديدها، وهي تحتوي على جميع المرافق. والأرجح أن تمويل المشروع سيتجدد بالنظر إلى أن “بيتي” قدم مساعدة ملموسة لنحو 300 سيدة وفتاة كن في أوضاع هشة وحرجة.

لكن كيف تعلم السيدات بوجود المركز وتقررن اللجوء إليه؟ أظهرت الاحصاءات أن غالبية النساء الوافدات في سنة 2017 (212 سيدة) جئن بناء على نصيحة من صديق أو صديقة، وعدد هؤلاء 82 سيدة، وفي الرتبة الثانية جئن بناء على نصيحة من إحدى المستفيدات (29) وفي الرتبة الثالثة بناء على توجيه من جمعيات أهلية (48) أو من منظمات دولية غير حكومية (15). أما الباقيات فجئن بتشجيع من دوائر الدولة والمؤسسات العمومية الواقعة تحت أنظار وزارتي المرأة والأسرة والطفولة والشؤون الإجتماعية (40). واللافت للنظر أن بعضهن تم توجيههن من مكتب التوظيف أو قناة تليفزيونية أو حزب سياسي أو سفارة أجنبية أو مدير مدرسة…

سألتُها عن مدى تجاوب المجتمع مع مثل هذه المبادرات؟ ابتسمت سناء وبدت على ملامحها علامات الرضا المشوبة بشيء من الفخر قبل أن تواصل حديثها مُلاحظة أن “هذا المشهد العام يُظهر أن ممارسات الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني أنشأت نسيجا حقيقيا للتضامن وأوجدت بشكل عملي مسارا واسعا لتبني النساء، على نحو سبق أن جاء به القانون الجديد بشأن ردع العنف على المرأة”. وأضافت في الخلاصة أن “قيمة تلك الشراكات والخدمات النوعية المُقدمة للضحايا تفرض مأسستها وتعميمها في أقرب وقت ممكن”.

تُرافق جمعية “بيتي” فتيات ونساء من جميع الأعمار بدءا من الثامنة عشر، وأحيانا حتى من سن أبكر، وشكلت اللائي يقل سنهن عن الثلاثين حوالي 37 في المائة من الوافدات، لكن النسبة الأكبر مؤلفة من اللائي يتراوح سنهن بين الثلاثين والأربعين (52 في المائة في 2016 و47 في المائة في 2017). أما عن الوضع الاجتماعي فإن الغالبية بلا عمل، إذ بلغت نسبتهن 74 في المئة في 2016 وأكثر من 96 في المائة في 2017. كما أن أكثر الوافدات لا يتمتعن بأي نوع من أنواع التغطية الإجتماعية.

منظومة معطلة

هل تغيّرت الأوضاع بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق قبل سبعة أعوام؟ على الرغم من التحسينات التي سُجلت على صعيد التغطية الإجتماعية بعد الثورة، فإن المنظومة مازالت عاجزة ومعطلة بسبب المحاباة والزبونية. لم تكتف “بيتي” بتقديم الخدمات كي تكون الحضن الدافئ للنساء المستضعفات، بل هي تعمل على دفع تونس إلى المصادقة على الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. وفي هذا السياق، وقعت الجمعية في عام 2017 على اتفاقية شراكة وتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة.

وبحسب الخبير الإقتصادي الدكتور عزام محجوب، فإن الحواجز الحقيقية التي يمكن أن تقلل من الفقر والهشاشة وجميع أشكال العنف، إنما تكمن في العمل الكريم والمعاملة المتساوية والتغطية الإجتماعية الحقيقية عبر أنظمة تأمين تعتمد على الحق وليس على المنة.

من بنغلاديش وهولندا

تُظهر الإحصاءات أن عدد الأجنبيات المستفيدات من خدمات “بيتي” مازال ضئيلا إذ أنه لا يتجاوز 10 بالمائة من العدد الإجمالي، لكنه في نمو وتزايد، فبعدما كان عدد اللاجئات 12 سيدة أجنبية في 2016 (من سوريا وليبيا والجزائر وبلدان إفريقية) ارتفع العدد إلى 20 سيدة معظمهن من دول الساحل والصحراء، لكن بعضهن من بنغلاديش و… هولندا. وقد تعرضن إلى عنف جسدي أو معنوي وسط أوضاع هشة لا تمكنهن من الدفاع عن كرامتهن بسبب الحمل أو المرض أو الفقر المدقع.

مدرسة مُرمّمة

لدى زيارتنا للفضاء المُخصص لـ “لاستقبال النساء ضحايا العنف والإقصاء الإقتصادي والإجتماعي”، شرحت لنا مديرته السيدة وفاء فراوس أن القاطنات في الفضاء يتوزعن على أربعة أصناف: “ضحايا العنف” اللائي يتمتعن بسكن استعجالي مدته 45 يوما، وثانيا “الوضع الإنتقالي” الذي ينطبق على الأجنبيات والنساء التونسيات اللائي يرغبن بالعودة إلى مدنهن الداخلية، و”سكن الإستقرار” الذي تنتفع به الطالبات اللائي لم يحصلن على سكن جامعي وكذلك النساء الشابات، ويُمكن لهن أن يُقمن عاما كاملا في الفضاء. وهناك أيضا خدمة تتعلق بـ “إعادة الإدماج” وهي تستهدف ضحايا العنف اللائي ينتقلن إلى سكن شبه دائم في الفضاء بعدما يقضين فيه 45 يوما. أضافت المديرة في حوارها مع swissinfo.ch بينما كان أطفال يلهون في باحة الفضاء وهم يرتدون زيا موحدا، “نأخذ الأطفال على عاتقنا من دون تحديد للسن ونعمل على اندماجهم، ونخصص لهم منشطة تهتم بهم، ثم نرسلهم إلى المدرسة عندما يكبرون، كما نأخذ الرضع على عاتقنا عندما تذهب أمهاتهم إلى الشغل”.

الأكل والشرب في الفضاء مجاني، مع أن المقيمات يدفعن مبلغا رمزيا حين يكون لديهن عمل، وتُحتسب تلك المساهمة نوعا من التوفير بما يُتيح لهن الحصول على مبلغ عند المغادرة النهائية للفضاء. يتألف الطاقم المسير للفضاء من مديرة ومديرة مساعدة، وكذلك مديرة مسؤولة عن المطبخ ومساعدة طباخة، ومسؤولة عن النظافة ومساعدة تنظيف، بالاضافة لثلاث مراقبات ليلا، علما أن التوقيت في الفضاء صارم، إذ تقفل الأبواب اعتبارا من الثامنة مساء. 

المديرة أوضحت أيضا أن “الفتيات اللائي مررن بمراكز إيواء حكومية سابقا، يتصورن أننا في خدمتهن، وبعد المران يُدركن أننا نؤازرُهن لاستعادة حقوقهن الإقتصادية والإجتماعية مثل الكرامة والحق في العمل”. وتابعت “لهذا السبب شكلنا مجموعات نقاش ونختار في كل مرة محورا جديدا، مع الإستعانة بخبراء متخصصين، مثلا حول العنف المُسلط على الأطفال أو التضامن النسوي أو الحب، أو نعرض فيلما ونناقشه مثل فيلم “على كف عفريت” في الأسبوع الماضي، والآن سنناقش قانون العنف الجديد”.  

بعد المران تُدرك المقيمات في المركز أننا نؤازرُهن لاستعادة حقوقهن الإقتصادية والإجتماعية مثل الكرامة والحق في العمل
وفاء فراوس، مديرة المركز

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية