مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جورج كرايس: “من الواجب علينا الوقوف بوجه العنصرية”

يوم 29 أكتوبر 2011، نظمت جمعية إسلامية سويسرية تظاهرة في الساحة الفدرالية في برن، للتنديد بالإسلاموفوبيا والعنصرية. Reuters

يستعد جورج كرايس لمغادرة اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية، بعد أن قضّـى ستة عشر عاما كاملة على رأسها.

ورغم الإنتقاد الذي تعرض له باستمرار من طرف اليمين المحافظ، يُـحذر المؤرخ من التوجّـه، الذي يعتبر أن الموقف المتصلِّـب ضد الآخرين، أمر جيِّـد أو مُحبّذ. وحسب رأيه، تتأكد الحاجة في سويسرا لتوفّـر شجاعة مدنية أكبر من أجل استبعاد التصرفات التمييزية المتنامية والحد منها.

swissinfo.ch: ترأّست على مدى 16 عاما اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية. ما هو أبرز نجاح حققته في هذه الفترة؟

جورج كرايس: منذ عام 1996، تُـواجه مسألة العنصرية بقدر أكبر من الجدية، حتى وإن اقتصر الأمر في بعض الأحيان على مستويات سطحية. فالناس تتساءل (اليوم) ما الذي يُـمكنني قوله؟ وما هو المدى الذي يُـمكنني أن أصل إليه لتجنُّـب العقوبات؟ في المقابل، يُـفترض أن يتم التركيز على كل ما يُـحسِّـن التعايش والإهتمام بإقامة علاقات سليمة مع الآخر.

من بين المهام الموكولة إلى اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية، مراقبة تصرفات المجتمع تُـجاه الأجانب. ما هو الوضع بهذا الخصوص حاليا؟

جورج كرايس: لا شك في أن الموقف تـُجاه الأجانب وتجاه الآخرين، قد ازداد سوءا. فالتعارض القائم بين “أنا والآخرين” وبين “نحن والآخرين” قد ازداد بروزا. وبطبيعة الحال، فإن تشويه سمعة الآخر يُـستخدم لتعزيز الهوية الذاتية ولإضفاء قيمة أكبر عليها.

سُـجِّـل ارتفاع في حالات التمييز العنصري التي تم الإبلاغ عنها، وهي حالات شمِـلت بالخصوص أشخاصا من أصول إفريقية أو من أتباع الديانات الإسلامية. هل ارتكبت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية خطأً ما؟

جورج كرايس: لا أستبعد ارتكابنا لبعض الأخطاء. لكن لا يُـمكن إصدار أحكام على السلطات المعنية بالوقاية ولا على الجهات التي تنشُـط في مجال قمْـع (هذه الظواهر) بالإستناد على هذه الأرقام. فنحن لا نعرف عدد الحالات التي كانت ستحدُث في غياب نشاطنا.

يُـضاف إلى ذلك أننا لا نتوفّـر على المعطيات المتعلِّـقة بحالات العنصرية في المجال الخاص. فهناك منطقة رمادية ضخمة تشتمِـل على عمليات التمييز العنصري تجاه من يبحث عن مسكن أو عن موقع للتدريب المهني أو عن وظيفة.

ولكن، لماذا ازدادت الوضعية تدهوُرا؟

جورج كرايس: أظل متشائما بخصوص جميع محاولات التفسير الأحادية الطابع. فالحديث يدور عن العولمة وعن نُـمو ظاهرة الهجرة وعن ضبابية المستقبل. لكن جميع هذه التفسيرات تنحو إلى تبرير العنصرية. لابد لنا من أن نتساءل قبل كل شيء: لماذا عاد الشعور القومي للظهور مجددا بمثل هذه القوة؟

فالتمييز تجاه الآخر، يتوقّـف بشكل ما على هذه العقلية القبلية العتيقة، المتشكِّـلة حول أصول خرافية. إنها عقلية تتواجد لدى قطاعات عريضة من السكان، بل حتى في صفوف تيار الوسط على الساحة السياسية.

هل من علاقة بين الأجواء السياسية في البلد وظواهر العنصرية؟

جورج كرايس: لا شك في أنه توجد علاقة ما (بينهما). ففي مجتمعنا أصبح من المقبول الإعلان بقوة عن الهوية الذاتية والتصرف بغلظة (أو تحدّ) تجاه الآخرين، وهو تصرُّف يُـعتبر فاضلا (أو جيدا) في بعض الحالات.

إنه تطوُّر ناجم عن جوِّ التنافس النيوليبرالي، الذي نعيش فيه. فالبقاء للأقوى ولا حاجة للمبالغة في أخذ الكثير من الإحتياطات. صحيح أنه قد توجد في بعض المسائل الهامشية مشاكل ذات علاقة بالتعريف (أو بتحديد) المفاهيم، لكن إحالة المشكلة برمّـتها إلى مجال الآراء الفردية، تصرُّف مثير للإنشغال.

ليس من واجبنا التأثير على آراء الأشخاص. صحيح أنه من الأفضل أن لا يكون المرء معاديا للسامية وأن لا يعتبر السكان الرحَّـل أشخاصا أقل مستوى منه، لكن الأهم بشكل خاص، هو أن لا يُـعبّـر علنا عن قناعاته العنصرية.

إذن، هناك حدود لحرية التعبير؟

جورج كرايس: بالتأكيد. فجميعنا تقريبا يعتبر أن حرية التعبير، وهي قيمة مترسِّـخة بقوة في العقلية الجماعية لسكان الكنفدرالية، تجد حدودا لها في التشهير بالأفراد. على العكس من ذلك، يبدو أنه من العسير الإقناع بالفكرة القائلة، بأن نفس المبدإ يجب أن يطبَّـق تجاه التشهير الموجَّـه إلى مجموعة من البشر، وهو تشهير يترك بدوره تأثيرات سلبية على الأفراد الذين ينتمون إليها. عندما يُـقال أن الأفارقة بخلاء وأنهم يفتقِـرون إلى أخلاقيات العمل، فإن النتائج تنعكس على الأفراد الذين ينتمون إلى تلك المجموعة.

هل تعتقد أن حملات حزب الشعب السويسري، التي تتميز بشعارات معادية لبعض فئات الأجانب (المسلمون على سبيل المثال)، مسؤولة أيضا عن أجواء كراهية الأجانب؟

جورج كرايس: نعم. لكن لا يجب تحميل حزب الشعب جميع الأخطاء. فالمسؤولية تُـلقى دائما على الأفراد. فلا يُمكنني القول بأن ملصقات (أو شعارات) حزب الشعب السويسري شجّـعتني على ارتكاب أعمال أو التعبير عن آراء عنصرية، حتى وإن كان واضحا أن الملصقات (أو الشعارات)، أعطت إشارة في ذلك الاتجاه، بالرغم من أنها لا تُـشكِّـل انتهاكا للفصل الخاص بمناهضة العنصرية في القانون الجنائي.

عبّـرت عن تأييدك للرأي القائل، بأنه توجد حاجة لمزيد من الشجاعة المدنية بوجه وضعيات تتّـسم بالتمييز العنصري. هل يعني ذلك أن مجتمعنا ليس حساسا بالقدر الكافي للمسألة؟ أم أن اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية لم تقُـم لما فيه الكفاية؟

جورج كرايس: قد يكون ذلك صحيحا. لكن ماذا يعني (التحسيس)؟ فمن واجب اللجنة أن تُـعطي إشارات وأن توجِّـه إنذارات، لكن أهدافها ليست ذات طابع تربوي. نحن لا توجد لدينا أهداف للهيمنة ولا نريد أن نكون مسؤولين على كل شيء.

نود أن يتحمل المجتمع المدني بدوره مسؤولياته. ففي بلادنا هناك عدد كبير من المنظمات غير الحكومية، التي تُـنجِـز أشياء رائعة بوسائل محدودة جدا، وأؤمِّـل أن يدعم المزيد من الأشخاص عمل هذه المنظمات.

تعرّضت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية إلى الكثير من النقد، وخاصة من جانب حزب الشعب السويسري، كما اتُّـهمت بأنك لست طرفا محايدا. ألا يُـفترض أن تكون اللجنة فوق الأحزاب؟

جورج كرايس: لا. يجب علينا أن نقِـف إلى جانب طرف ما. وهنا قد يكون السؤال: “إلى جانب أي طرف؟”. يجب علينا أن نتجنّـد لمكافحة العنصرية وللدفاع عن الحقوق  الإنسانية، ولا يتعلق الأمر بالوقوف في صفّ هذا الحزب السياسي أو ذاك.

هذا لا يُـلغي أن المواقف التي نعبِّـر عنها، يُـمكن أن تتعلق أيضا ببعض أوجُه سياسة الأحزاب، إلا أن هذه المسألة، ليست ضمن دائرة انشغالنا الرئيسي. وإذا أمكن ذلك، فنحن نفضِّـل اجتنابها. ففي حملتنا الأخيرة، التي حملت عنوان “من أجل روح رياضية في الحملة الانتخابية”، اخترنا تجنُّـب تسمية الأحزاب، لكن وسائل الإعلام ردّت الفعل وكتبت: “ولكن، قولوا أن المقصود هو حزب الشعب السويسري”.

في العُمق، أعتقد أن حزب الشعب السويسري ومجموعات أخرى، ليسوا مُـستائين كثيرا لوجودنا. فنحن عدوّ مثالي. فخلال النهار يُـكافحون ضدنا، وفي الليل يصلّـون من أجل بقائنا.

بدأ العمل في سويسرا بالمعاهدة الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، يوم 29 ديسمبر 1994. ومن أجل توفير كافة الشروط لانضمام سويسرا إلى المعاهدة، تم إقرار بُـند في القانون الجنائي مخصص لمكافحة العنصرية (الفصل 261 مكرر من القانون الجنائي).

انطلق نشاط اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في عام 1995، وهي تهتم بالمشاكل المرتبطة بالتمييز العنصري، كما تُـروِّج لتفاهم أفضل بين الأشخاص المنحدرين من أصول وانتماءات وطنية أو عرقية أو دينية مختلفة. كما تعارض أي شكل من أشكال التمييز العنصري، المباشر أو غير المباشر، وهي تمنح اهتماما خاصا للإجراءات والتدابير الوقائية.

في موفى 2011، سيغادر جورج كرايس، أول رئيس للجنة، منصبه. وقد اختيرت السيدة مارتين برونشفيغ – غراف، العضوة السابقة في مجلس النواب عن الحزب الراديكالي من جنيف، لخلافته.

وُلِـد عام 1943 في بازل وتابع دراساته في التاريخ واللغة الألمانية والفلسفة في مسقط رأسه وباريس وكامبريدج.

أشرف حتى عام 2009 على قسم التاريخ المعاصر في جامعة بازل وأدار حتى موفى 2011 “معهد أوروبا”، التابع لنفس الجامعة.

كان عضوا في لجنة بيرجيي، التي كُـلِّـفت في النصف الثاني من التسعينات من طرف الحكومة الفدرالية بالتحقيق في الدور الذي لعِـبته سويسرا أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو ينتمي إلى الحزب الليبرالي الراديكالي.

أشرف جورج كرايس على كتابة وإعداد العديد من الكُـتب والدراسات، من بينها “الحماية السياسية للدولة في سويسرا” (تأليف جماعي) و”النظام الفدرالي السويسري”، كما أشرف على تسيير البرنامج الوطني للبحث العِـلمي حول العلاقات بين سويسرا وجنوب إفريقيا في حِـقبة التمييز العنصري.

ترأّس كرايس اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية منذ تأسيسها سنة 1995 وسيُـغادرها في موفى عام 2011.

(ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية