مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

معركة برلمانية في الأفق بشأن سلامة مستخدمي الدراجات

إذا كان معظم الشبان السويسريين يرتدون خوذات الدراجات بمحض إرادتهم. فهل هناك ضرورة لسن قانون يفرض ذلك على الجميع! Keystone

من المنتظر أن تثير الدعوة إلى إلزام سائقي الدراجات ما دون 17 عاما، بارتداء الخوذات الواقية من أجل سلامتهم، جدلا واسعا تحت قبة البرلمان، لكن الخبراء يستمرون في الضغط من أجل تحقيق ذلك. ويقول معارضو هذه الدعوة، إن الإجراء يوهم بأن ركوب الدراجات أكثر خطورة مما هو عليه في الواقع، ويؤدي إلى تراجع عدد مستخدمي هذه الوسيلة الصديقة للبيئة.

وقال ريتو بابست، رئيس قسم جراحة الحوادث بمستشفى كانتون لوتسرن في حديث إلى swissinfo.ch: “أدعم إلزامية ارتداء خوذات السلامة بالنسبة لجميع مستخدمي الدراجات. لقد شاهدت الكثير من الحوادث بواسطة الدراجات – بما في ذلك الدراجات العادية، وليس فقط الدراجات الكهربائية، التي لا يستخدم راكبيها الخوذات الواقية خلال الحوادث”.

وكل عام يُصاب ما يُناهز 900 شخص من راكبي الدراجات في سويسرا بجروح خطيرة، حوالي نصف هذه الإصابات تحصل على مستوى الرأس. وتوفي 36 درّاجا العام الماضي عقب حوادث مرورية. وقال بابست: “الخوذة هي أوّل نقطة تتلقى الصدمة. وإذا لم يكن الراكب مرتديا لها، تتلقى الجمجمة الضربة بدلا منها، وبالتالي، تخفف الخوذة أثر الصدمة وتمتصّ الرجّة، وهذا مهمّ للحماية ضد الإصابات الخطيرة التي يكون الدماغ عرضة لها”.

يتفق معظم الناس ويشجعون ارتداء الخوذة، خاصة بالنسبة للأطفال، ولكن هل سيكون راكبو الدراجات في وضع جيّد إذا لم يتخذوا الخطوات اللازمة لحماية أنفسهم، فهذه قضية منفصلة وتثير انقساما حادا في الأراء.

 توفي 339 شخصا في حوادث مرورية بسويسرا في عام 2012، أي بزيادة 19 حالة عن عام 2011. بالإضافة إلى ذلك، أصيب 4.202 شخصا بجروح خطيرة و18.016 بجروح طفيفة.

انخفض مجموع وفيات حوادث الطرقات تدريجيا على مدى العقود الثلاث الماضية. (الزيادة المسجلة عام 2012 نجمت عن حادث اصطدام حافلة، قتل فيه 28 شخصا). قتل عام 1980 قرابة 1.246 نسمة مقابل 954 في عام 1990 و592 في عام 2000.

  

نجد من ضمن الوفيات 339 المسجلة في عام 2012، سقوط 104 منهم في حوادث سيارات و74 نسمة على دراجات نارية و75 كانوا من المترجلين (20 شخصا قتلوا أثناء عبورهم الطريق مستخدمين خطوط المارة).

أصيب 2.193 من مستخدمي الدراجات بجروح خفيفة (منهم 166 على دراجات كهربائية) و840 إصاباتهم خطيرة (منهم 78 على دراجات كهربائية).

 (المصدر: المكتب الفدرالي للطرقات)

“نتائج عكسية”

تظل أستراليا ونيوزيلندا حاليا، البلدان الوحيدان اللذان يفرضان ارتداء الخوذات الواقية على جميع راكبي الدراجات. وتوجد في مناطق أخرى عديدة (بما في ذلك حوالي نصف مناطق الولايات المتحدة) قوانين تقتصر على الأطفال في هذا الجانب. 

وأوضح كريستوف ميركلي، رئيس مجموعة الضغط (Pro Velo) الداعمة لإستخدام الدراجات، متحدثا إلى swissinfo.ch: “نحن نرفض من حيث المبدأ فرض لباس الخوذات، بما في ذلك بالنسبة للأطفال والمراهقين”.

  

وبالنسبة له: “سوف يؤدي فرض هذا الإجراء، إلى زيادة في عدد أصحاب الدراجات المرتدين للخوذات، في المقابل سوف يتراجع عدد الدراجين أنفسهم. وهذا الأمر غير مرغوب فيه، لا من الناحية الصحية ولا من ناحية السلامة، لكونه بقدر ما يزيد عدد الدراجين في الطرقات، بقدر ما تكون درجات سلامتهم أفضل.  

وتشير المؤسسة الدولية للبحوث بِشأن خوذات الدراجات إلى أن “ركوب الدراجات هو نشاط آمن جدا وصحي، وتكمن فيه إمكانيات كبيرة لمعالجة أمراض عديدة، مثل السمنة وأمراض القلب، وهما من الأسباب الرئيسية في الوفيات المبكرة في البلدان الغربية”. وفي سويسرا، يصاب 30.000 شخص بنوبات قلبية كل عام، وهو ما يعادل ألف مرة عدد الوفيات بسبب ركوب الدراجات.

  

ووفقا للإتحاد الأوروبي للدراجين: “حيثما اعتمدت قوانين بشأن ارتداء الخوذات، تكاد الشوارع تخلو من الدراجين. على سبيل المثال، انخفضت ساعات ركوب الدراجات بنسبة 55% في نيوزيلندا منذ عام 1989/90. كما تراجع عدد مستخدمي الدراجات في أستراليا بنسبة 37.5% ما بين 1985 و2011، كل ذلك مع عدم تسجيل أي تحسّن على مستوى السلامة في الطرقات”.

المزيد

رفض الحكومة

توصي مجموعة Pro Velo بالحفاظ على الطابع الإختياري الطوعي فيما يتعلّق بلبس الخوذات، وهو الأمر المعتمد عمليا الآن من قرابة ثلثيْ الأطفال السويسريين لما دون 14 عاما (مقابل الثلث فقط لمن هم ما بين 15 و29 عاما). وقد حاول مجلس الشيوخ والحكومة إجبار الثلث المتبقي على ارتدائها، لكن مجلس النواب رفض هذا المسعى بشدة في يونيو 2012، مفضّلا إلقاء المسؤولية على عاتق الآباء وعلى الشباب المستخدمين للدراجات أنفسهم.

وتمّ تمرير حزمة من القوانين عبر سيكورا (Sicura ) من دون أن تتضمّن أي إشارة لإلزامية الخوذات، على الرغم من أن هناك حاجة ملحّة إليها بالنسبة لمستخدمي الدراجات الكهربائية، التي يمكن أن تتجاوز سرعتها 25 كيلومترا.  

وحرصت دوريس لويتهارد دون نجاح، على الخوض في هذه القضية الشائكة من منطلق أبويّ قانوني، مؤكدة على أن “الناس ليسوا دائما أكفاء وبارعين”. وبالنسبة إليها، لا يمكن المراهنة على الشعور بالمسؤولية عندما يتعلّق الأمر بالأطفال.

محتويات خارجية

قوانين الخوذات عبر العالم

“إجراء غير متكافئ”

يعتبر فريدي فون غوتن، مدير مؤسسة سويسرا للتنقّل (Switzerland Mobility Foundation) إلزامية ارتداء الخوذة “إجراء غير متكافئ”. وقال إنه نظرا لكون 70% من الشباب يرتدون بالفعل الآن هذه الخوذات، فإن سنّ قانون بهذا الشأن، لن تكون له سوى فوائد هامشية مقابل تكاليف باهضة.

  

وتنظّم هذه المؤسسة حملات لركوب الدراجات مجانا في جميع أنحاء البلاد. وقد حذّر منظمون لتظاهرة “الدراجة للذهاب إلى العمل” والتنقلات الخيرية في بلدان أخرى، من أن فرض إلزامية الخوذات قد يحد من الإقبال على استعمال الدراجات.

من جهته، قال المجلس السويسري للوقاية من الحوادث، على لسان ناطقه الرسمي دانيال مينّا، إنه كان قد دعا إلى إلزامية استخدام الخوذات بالنسبة للأطفال الذين هم دون 17 عاما، نظرا لأن مثل هذا الإجراء لن يؤدّي إلى تراجع عدد المستخدمين، باعتبار أن “هذه الفئة العمرية ليس بإمكانها اللجوء إلى وسائل نقل بديلة عن الدراجات”.

وأضاف في حديث إلى swissinfo.ch: “الأطفال هم أكثر عرضة من البالغين إلى الحوادث ويحتاجون إلى حماية خاصة. وكذلك قدراتهم المعرفية محدودة، وليس في إمكانهم دائما تقييم كل خطر بشكل سليم”.

  

ويعترف المجلس بأن سلامة راكبي الدراجات “لا تتوقّف فقط على ارتداء الخوذات”، ويوصي بمجموعة من التدابير الإضافية، من بينها الحد من السرعة في المناطق الحضرية والتخطيط الجيّد للشوارع وتنظيم حملات، كحملة “حب ركوب الدراجات”. (أنظر الرابط).

في دراسة استقصائية أجريت في شهريْ أبريل ومايو 2013، ارتدى 46% من مستخدمي الدراجات بسويسرا خوذات. وكان الاختلاف بين الفئات العمرية جليا للنظر.

يلبس 0.1% فقط من الهولنديين الدراجين الخوذات مقابل 15% في السويد و38% في الولايات المتحدة، وذلك وفقا للمنظمة البريطانية للدراجات. ويشير تقرير The Allianz Suisse إلى أن 33% من النمساويين و11% من الألمان يستخدمون الخوذات.

تفرض القوانين على سائقي السيارات في سويسرا، شدّ حزام الأمان، على الرغم من أن الجميع لا يلتزم بذلك. في عام 2011، كان عدد الملتزمين بشد أحزمة الأمان من السائقين ومن يجلس في المقاعد الامامية، أقلّ بقليل من 90%، ويتراجع هذا الرقم إلى 80% عندما يتعلّق الأمر بركاب المقاعد الخلفية.

سائقو الدراجات النارية ملزمون بارتداء الخوذات.

راكبو الدراجات الكهربائية ملزمون بارتداء الخوذات إذا كانت سرعة دراجاتهم تتجاوز 25 كلم/س.

المتزلجون، والمتزلجون بتستخدام الالواح الثلجية، غير ملزمين بارتداء خوذات، على الرغم من أن 84% منهم قد فعلوا ذلك العام الماضي (97% من هؤلاء كانوا دون 18 عاما).

“ما أنجز إلى حد الآن غير كاف”

 فهل  سويسرا إذن صديقة للدراجات، فهي التي لديها أربعة ملايين دراجة لشعب لا يتجاوز تعداده ثماني مليون نسمة (تحتل سويسرا المرتبة الثامنة عالميا من حيث كثافة الدراجات مقارنة بعدد السكان) (أنظر الرابط).

ولكن من ناحية أخرى، ووفقا لتقرير Alliance Suisse، يشكل المترجلون وراكبو الدراجات 33% من ضحايا حوادث الطرقات في سويسرا، في حين أن المعدّل الأوروبي هو 27%.

كذلك، لا نجد حضورا لأي مدينة سويسرية ضمن قائمة المدن الأولى بحسب مؤشر Copenhagenize الذي يقارن بين 150 مدينة من جميع أنحاء العالم، بحسب مقياس الصداقة والتعلّق بالدراجات.

ويقول مايكل كولفيل – أندرسن، خبير في النقل الحضري والمدير التنفيذي المصمم لمؤشر Copenhagenize: “بينما نجد مدنا سويسرية في الطليعة، من حيث اعتبار الدراجات كأحد الوسائل الجدية في مجال النقل. وتحضرني هنا مدينتا برن وبازل، فإنه لا توجد أي مدينة سويسرية في المقابل قادرة على منافسة قائمة العشرين المنشورة في المؤشر في نسخته الحالية”.

ويضيف أندرسن: “ما أنجز إلى حد الآن ببساطة، غير كاف. فمهندسو الحركة المرورية في سويسرا، لا يزالون يعتبرون السيارات وسيلة النقل المركزية، في حين أن التخطيط الحضري يهتم على نحو متزايد بإفساح المجال للدراجات على حساب السيارات وإعادة إدماج الدراجات في المشهد الحضري”.

وبالنسبة إليه: “تميل المدن السويسرية إلى أن تكون من الطراز الكلاسيكي في هذا المستوى، وأنها ليست مواكبة للإتجاهات الجديدة في تخطيط وتحديث المدن، كافراد الدراجات بمسالك في شوارعها”.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية