مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حبذا أن يكون التسريحُ جماعيا.. وقبل سن الخامسة والخمسين

Keystone

ما هو مصير موظفي الشركات والمصانع الذين يتم تسريحهم بشكل جماعي؟ تُـشير دراسة جديدة أجرتها جامعة لوزان، ولم تنشرها بعدُ، إلى أن معظمهم يجدون عملا آخر بشكل سريع، إلا أن كبار السن منهم يبقون مدّة طويلة تعتصرهم الآلام، قبل أن يُوَفَّـقوا في الحصول على عمل جديد.

وما أمر شركات مثل “ميرك سيرونو Merck Serono” و”لونزا Lonza” و”غريتباخ ميديكال Greatbach Medical” ببعيد، وتتسع القائمة لأمثلة كثيرة من العهد القريب. فعلى الرغم من أن لدى الكنفدرالية أقل معدّل بطالة على المستوى الأوروبي – 2,9٪ بالنسبة لكامل عام 2012 – إلا أنها لم تنجُ من إغلاق كامل للعديد من المصانع والشركات أو تحويل قسم التصنيع والإنتاج فيها إلى بلدان أخرى، حيث شهدت السنة المنقضية عمليات تسريح جماعي لنحو 10 آلاف عامل وموظف في سويسرا.

وفي محاولة لتتبّع وفهم بانوراما المسارات الوظيفية لهؤلاء الأشخاص الذين وَجدوا أنفسهم فجأة خارج وظائفهم، قام دانيال أوش وإيزابيل باومان، الباحثان في جامعة لوزان، بناءً على تكليف من كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، باستجواب نحو 750 موظفا سابقا ممّن جرى فصلهم في عام 2010 من قبل خمس شركات صناعية، وقد خصّ دانيال أوش swissinfo.ch بكشف النتائج الأولية لهذه الدراسة.

قائمة بأهم عمليات التسريح الجماعي للعاملين، التي تميّز بها عام 2012 في سويسرا

مصرف “يو بي اس UBS” (اتحاد البنوك السويسرية): شطب 2500 فرصة عمل

شركة “ميرك سيرونو Merck Serono” (صناعات كيماوية): 500

شركة “لونزا Lonza” (صناعات كيماوية): 400

سويسكوم (اتصالات هاتفية): 400

مصرف كريدي سويس: 300

شركة “هيوليت باكارد Hewlett-Packard” (كمبيوتر): 232

شركة “تورنوس Tornos” (ماكينات وأدوات): 225

شركة “غريتباخ ميديكال Greatbach Medical” (تجهيزات طبية): 180

مستشفى جامعة جنيف (صحة): 112

شركة ستراومان Straumann” (زراعة أسنان): 50

صحيفة لوتون (إعلام وصحافة): 18

swissinfo.ch: لن تُنشَر نتائج دراستكم إلا بعد أشهر، فهل لكم أن تطلعونا، على كل حال، على بعض ما في النتائج الأولية من مفاجآت؟

دانيال أوش: يُشار إلى أن ثلثي ضحايا التسريح من العمل في عام 2010، العام الذي شكّل صعوبة للصناعة المُعتمِدة على التصدير [نظرا لغلاء سعر صرف الفرنك السويسري مقابل اليورو]، قد وجدوا وظائف جديدة في غضون سنتين من توقيفهم عن العمل، ولم نكن نتوقع هكذا معدّل إعادة إدماج، ثم إن نحو 17٪ لا يزالون عاطلين عن العمل، بينما استفاد حوالي 11٪ من استحقاق الإحالة المبكرة على المعاش، وكانت المفاجأة الكبرى بالنسبة لنا، من كون أكثر من 70٪ من الرجال و60٪ من النساء، الذين تمّ استجوابهم قد وجدوا عملا جديدا في القطاع الصناعي تحديدا، في حين كنا نتوقع أن يكون انتقالهم بشكل أكبر نحو قطاع الخدمات.

أضف إلى ذلك، أن أكثر من 80٪ من الأشخاص الذين وجدوا وظائف جديدة، أبرموا عقود عمل غير محددة المدة، وفي أغلب الأحيان، براتب يعادل الراتب القديم أو أعلى منه، وهذه النتائج راجعة في المقام الأول إلى كون الصناعة السويسرية تسير بخُطى سليمة، مما يجعلها قادرة على استحداث وظائف جديدة في الوقت الذي يتعرّض فيه القطاع الصناعي في البلدان الغرببية لعملية تراجع وئيدة.

swissinfo.ch: هل نفهم من هذا أن الأشخاص الذين يُفصلون من وظائفهم بشكل جماعي، يمكنهم إيجاد عمل بسهولة أكبر من أولئك الذين يفصلون بشكل فردي؟

دانيال أوش: يجد ضحايا الطرد الجماعي أنفسهم عاطلين عن العمل، بين عشية وضحاها، دون انتقاص من كفاءتهم المهنية ولا مكانتهم الإجتماعية، فبالتالي، من المؤكد أن تكون الإقالة الجماعية أقل شُبهة من الفردية وأن تحظى لدى الشركات بارتياح أكبر.

وعندما تغلق شركة ما، مثل “ميرك سيرونو” في جنيف أبوابها، فإن من شأن ذلك أن يسمح للشركات المنافِسة في المجال، بتدعيم طواقمها الوظيفية بأشخاص من أصحاب الكفاءة والخبرة، سنحت الفرصة، بين يوم وليلة، بوجودهم في سوق العمل. وفي بعض الأحيان، ينتقل فريق عمل صغير بالكامل ومعه الآلات التي كان يشتغل عليها، ذلك أن الخبرة والكفاءة التي لدى هؤلاء الأشخاص تظلان موضع تقدير واعتبار.

swissinfo.ch: نفهم من هذا الكلام، أن هناك مبالغة في بعض الأحيان بشأن التسريح الجماعي وآثاره على الموظفين؟

دانيال أوش: عمليات تسريح العمال هي جزء من طبيعة التغيرات الهيكلية لسوق العمل، حيث تختفي سنويا حوالي 20٪ من مجموع الوظائف في دول منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، ويتم إنشاء نسبة مماثلة في أماكن أخرى، لكن هذه ليست هي المشكلة الحقيقية، بل إن الموظف الذي قدّم روحه وجسده لمدة عشر أو عشرين سنة، خدمة للشركة التي يعمل فيها، ثم يجد نفسه يُرمى كما يُلقى بالمنديل، وعلى الغالب، دون سابق إنذار، فإنه يشعر بالخيانة.

وفعلا، فإن معظم الموظفين المفصولين، يعثرون على وظيفة جديدة، كما تشهد بذلك الدراسة التي قمنا بها، لكنهم يمكثون شهورا في حالة كارثية ووضع نفسي مضطرب، قد تكون له عواقبه الوخيمة على أوضاعهم الصحية ككل، ولا ينبغي أن ننسى كذلك الأقلية الباقية من الأشخاص الذين لا يوفقون في إيجاد عمل آخر وليس لديهم، في غالب الأحيان، الحق في تعويض بدل البطالة.

swissinfo.ch: ما طبيعة الأشخاص المعرّضين أكثر من غيرهم لأن يكونوا ضمن هذه الأقلية التي يُرثى لحالها؟  

دانيال أوش: أكبر مفاجأة كانت بالنسبة لنا، أن نكتشف بأن عامل العمر هو السبب الأكبر وأنه يتفوق على مسألة عدم وجود مُؤهّل وعلى وضعية الهجرة، وأكثر من 30٪ من الأشخاص من الفئة العمرية فوق 55 عاما لا يزالون دون عمل بعد مرور سنتين من تاريخ تسريحهم. ومن المفارقة، أن الشركات يعمل لديها الكثير من كبار السن، وفي معظم الأحيان، هم محل رضا وترحاب، ولكن بمجرد أن يُفصل من العمل، فإنه يصبح كالمنبوذ، ذلك أن نظام الترقّي في السلم الوظيفي داخل الشركات، الذي يتم بموجبه منح العلاوات التشجيعية والترقيات الوظيفية، لا يخدم مطلقا هذه الفئة من العاطلين عن العمل.

هذا هو عنوان الدراسة التي اشترك في إنجازها دانيال أوش وإيزابيل باومان، الباحثان في معهد العلوم الاجتماعية في جامعة لوزان، بغرض التحقيق في الآثار الإجتماعية والإقتصادية، المترتبة على إغلاق خمس شركات صناعية كبيرة في سويسرا، على حياة العمال المعنيين.

أجاب 750 شخصا على الإستبيان الذي تم ارساله إلى 1200 موظف كانوا يعملون لدى الشركات الخمس التي أغلقت أبوابها في عام 2010. علما بأن هذه الشركات كانت تعمل في مجال الآلات والمعادن والصناعات الكيماوية والبلاستيك والطباعة. وكانت مقراتها موجودة في كل من كانتون برن وجنيف وسولوتورن، وكانت كل منها تضم ما بين 170 و550 موظفا.

swissinfo.ch: ما هي الدروس التي يمكن استفادتها من ذلك؟

دانيال أوش: منذ سنوات والرغبة في زيادة سن التقاعد تهيمن على السياسة الإجتماعية في سويسرا، بينما في الواقع، يفرض سوق العمل الكثير من المعاناة على كبار السن، الذين ما أن يفقد أحدهم عمله حتى يبقى لسنوات يبحث دون جدوى عن عمل جديد، وسيُضطر من ليس لديه تأمين معاش إضافي (يُعرف في سويسرا بـ “العماد 2”) جيد إلى استهلاك مدخراته المالية أو الإعتماد على العون الاجتماعي، ومع الوقت، قد تتفاقم المشكلة.

ونحن نأمل أن يتم أخذ نتائج هذه الدراسة بعين الاعتبار وأن يكون لها دور في تصحيح بعض مسارات السياسات العامة وأن تعمل على سبيل المثال، على تشجيع وتعزيز فرص التقاعد المبكّر وتجعله أكثر مرونة، كما ينبغي لهذه الحقائق أن تكون ماثلة أمام أعيُـن الشركات التي تقوم بعمليات التسريح الجماعي. فعندما أغلقت شركة ميرك سيرونو أبوابها في جنيف، عمدت نقابة العمال “اونيا UNIA” إلى التفاوض بشأن برنامج اجتماعي يحدد عتبة التقاعد المبكر عند سن 56 سنة، ومن خلال النتائج التي توصلنا إليها، يتبين بأن هذا القرار كان حكيما.

في الأساس، لا تحظر سويسرا عمليات التسريح الجماعي للموظفين وتتلخّص التشريعات ذات الصلة في أربعة بنود من قانون الموجبات، وهي غير كافية في توفير الحماية اللازمة.

ومن الناحية النظرية، يجب على صاحب العمل الانطلاق بعملية تشاور بشأن الموظفين المرشحين للفصل والذين يمثلون 10٪ من طاقم القوى العاملة، غير أن القانون لا يحدد مدة لهذه المتشاورات.

وبحسب قانون الموجبات، ينبغي على صاحب العمل أن يمنح المرشحين للفصل، على الأقل، الفرصة لتقديم مقترحات يمكن أن تجنبهم الفصل أو تحد من عددهم أو تخفف من الآثار والعواقب التي قد تنجرّ عليهم، ووفقا لما هو متعارف عليه، يحق للموظفين كذلك، الاطلاع على الوضع المالي للشركة.

ويجب على صاحب العمل أن يخطر، بموجب كتاب رسمي، مكتب العمل في الكانتون بخصوص الفصل الجماعي المزمع وإرسال نسخة إلى كل العمال والموظفين المعنيين بالقرار، مع الإشارة إلى أن قرار إنهاء العقد يبقى نافذا حتى وإن لم يتم التقيّد بهذا الإجراء.

(المصدر: وكالة الأنباء السويسرية)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية