مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يؤدي تشديد نظام العقوبات إلى تراجع نسب الجريمة في سويسرا؟

في سويسرا، لا يودع في السجن من صدر بحقه حكم يقل عن ستة اشهر نافذة Keystone

في إشارة واضحة إلى عزمه المضي في تشديد نظام العقوبات وتعزيز جهود مكافحة الجريمة، أقر مجلس النواب السويسري يوم الأربعاء 3 يونيو 2009، سلسلة من الإجراءات، من بينها اقتراح لحزب الشعب يطالب بطرد الأجانب الذين يرفضون الاندماج، وتعديل نظام التعويضات المالية بدل العقوبات السالبة للحرية.

هذه المقترحات الهادفة إلى تعديل نظام العقوبات لكي تصبح أكثر ردعا، ستعرض على مجلس الشيوخ يوم 9 يونيو الجاري، ليقول بدوره كلمته فيها.

وبدا من خلال النقاش أن حزب الشعب السويسري هو الأكثر عنفا وتشددا في المطالبة بهذه التعديلات، وبالنسبة لألفراد هيير، النائب اليميني المتشدد من زيورخ، فإن “الذين يرتكبون الجرائم في سويسرا اليوم هم الأجانب بالأساس، والقضاء السويسري متسامح جدا معهم”. ولفت لوسي شتام، من نفس الحزب، أنظار زملائه النواب إلى أن “الأجنبي الذي يرتكب جرائم، عندما يُودع السجن في سويسرا، يشعر وكأنه في حالة استراحة وإستجمام”.

وتشير كل الدلائل إلى أن السجال الذي يشهده البرلمان السويسري حاليا ستكون له انعكاسات هامة في المستقبل على المستويين الإجتماعي والقانوني، وإن ظل الغرض الأساسي منه – حسب تأكيد معظم السياسيين – توفير أفضل السبل لإعادة إدماج مرتكبي المخالفات غير الخطيرة، وتجنيبهم الوقوع من جديد في مستنقع الجريمة.

كذلك يحظى هذا النقاش بأهمية قصوى نظرا لتزايد تذمّر المواطنين السويسريين في الفترة الأخيرة من ارتفاع نسب الجريمة والإتجار في المخدرات، وأعمال العنف والنهب والنشل والسرقة، في العديد من المدن خاصة المحاذية منها للمناطق الحدودية كجنيف وبازل وزيورخ.

ومن ناحية أخرى لأنه يمثل نقطة تصادم بين رؤيتيْن شديدتيْ التباين: فمن جهة هناك يسارٌ يأمل من خلال نظام العقوبات المتساهل الحؤول دون الوقوع في التهميش الإجتماعي، أو تعزيز ميول الإنحراف لدى مرتكبي المخالفات غير الخطيرة، وفي المقابل، يمينٌ يطالب بتشديد القوانين حتى تؤدي وظيفتها الزجرية في مكافحة الجريمة والإقلاع النهائي عنها.

اتفاق على الشعار، واختلاف على المضمون

مع ذلك، تقر أغلب الأحزاب السويسرية بضرورة إعادة النظر في نظام العقوبات الساري العمل به، خاصة النظام الذي يسمح بدفع تعويضات مالية تتحدد بحسب دخل المعني بالأمر مقابل عدم إيداعه السجن. ويتفق اليمين واليسار على حد السواء بان هذا النظام يفتقد إلى الطابع الزجري، وبالتالي فهو يتصف بالقصور في مجال مكافحة الجريمة.

لكن هذا الاتفاق المبدئي، سرعان ما يتبدد ليترك مكانه للصراع التقليدي بين الأطروحات اليسارية والرؤى اليمينية، وحتى اليمينية المتشددة. وتتمحور أوّل نقاط الإختلاف حول المغزى من نظام العقوبات نفسه.

وخلال ندوة صحفية عقدها يوم 3 يونيو، أوضح حزب الشعب (يمين متشدد) مشروعه في هذا المجال ويتلخص في ثلاث مطالب رئيسية: العودة إلى نظام العقوبات القديم الذي تتميّز أحكامه بالردع، وتشديد نظام العقوبات لكي يقوم بدوره الزجري في معاقبة مرتكبي الجرائم ومنعهم من تكرار انتهاك القوانين السارية، وتأييد وتنفيذ المبادرة الداعية إلى طرد الأجانب الذين “يغتصبون ويقتلون، ويستفيدون من المساعدات الإجتماعية بغير حق”، على حد العبارات الواردة في بيان الحزب.

أما أحزاب يمين الوسط، كالديمقراطي المسيحي والراديكالي الليبرالي، فقد أيدت عموما مطالب حزب الشعب السويسري، وإن اتصفت مواقفها بالإعتدال والدعوة إلى التعقل وعدم التسرّع.

وخلال مداخلته يوم 3 يونيو، دعا نوربارت هوشروتنر، النائب من الحزب الديمقراطي المسيحي إلى “عدم التساهل في إجراءات وقف تنفيذ الأحكام، وتشديد العقوبات تجاه الإعتداءات ضد الحرمة الجسدية”. وفي سياق متصل أطلق الرديكاليون الليبراليون إلتماسا على شبكة الإنترنت يحثون فيه البرلمان على “سرعة تعديل نظام العقوبات”.

في العجلة الندامة

لا يعترض حزبا الخضر والإشتراكي بدورهما على الدعوة إلى اتخاذ خطوات مستعجلة في مجالات محددة، وإن تمسكا “بنهج العلاج اللين”، خوفا من أن يؤدي التسرّع إلى “بذر الاختلال وعدم التوازن في نظام العقوبات”، على حد قول النائبة الاشتراكية أنيتا ثاناي، من كانتون زيورخ.

ووجه النائب الاشتراكي كارلو سوماروغا حديثه إلى زملائه من الأحزاب الاخرى قائلا: “لا يمكننا مراجعة نظام العقوبات وفقا للأحداث الهامشية التي تتناقلها الصحف الشعبية”، وفي هذا السياق، وبدل الدعوة إلى تشديد نظام العقوبات، يهتم معسكر اليسار بالوقاية بدل الردع، ومن ذلك المساعدة على الإندماج، والتكوين، ومساعدة الضحايا المهمّشين.

وبشكل صريح، اتهم النائب الإشتراكي دانيال زوسيتش حزب الشعب السويسري بالتلاعب، وبـ “السعي إلى تشديد النظام العقابي، فقط في المجال الذي يخدم مصالحه”، وتساءل قائلا: “لماذا يصمت حزب الشعب عن الجرائم التي ترتكب في المجال الإقتصادي؟”.

وفي ختام نقاش برلماني حاد، تداول فيه على أخذ الكلمة أكثر من ثمانين نائبا، عبّر دانيال فيشّر، النائب عن حزب الخضر بزيورخ عن استيائه من مضمون تلك التدخلات وقال: “أشعر وكاننا لا نزال في عام 1935، وأننا الآن بصدد إعادة كتابة نظام العقوبات بشكل كامل”، وأضاف مقللا من أهمية اي خطوة لتشديد مدوّنة العقوبات: “لقد قمنا بذلك في السنوات الأخيرة، كإقرار حكم السجن مدى الحياة الغير قابل للنقض، فماذا كانت النتيجة؟!”.

swissinfo.ch مع الوكالات

1987: إطلاق مبادرة لتعديل نظام العقوبات السويسري الذي يعود تاريخ اعتماده إلى سنة 1942.

2002: بعد مفاوضات ونقاشات مطوّلة، البرلمان يقر تعديلات جزئية في نظام العقوبات السويسري.

2007: النظام المعدّل يدخل حيز النفاذ في فاتح يناير 2007.

2010: من المنتظر أن أن تنتهي عملية الإصلاح، مع دخول نظام الإجراءات العقابية حيز النفاذ، الذي سيعوّض الانظمة المتعددة المعتمدة في الكانتونات الستة والعشرين، كما سيعوّض المدونات العقابية الفدرالية الثلاث وهي: نظام العقوبات الشامل، والقانون الإداري والقانون العسكري.

كشفت دراسة أصدرها حديثا المكتب الفدرالي للإحصاء حول نسبة الإنتكاسية أو تكرار ارتكاب الجرم بين صفوف الإشخاص الذين عوقبوا بين عاميْ 1987 و2003 بسبب السياقة في حالة سكر، أنه لا وجود لفرق شاسع بين الكانتونات المعروفة “بتشددها”، والكانتونات المشهورة “بتغاضيها وتساهلها”.

وبرغم أن الأحكام تختلف اختلافا كبيرا بين هذه الكانتونات، حيث نجد نسبة العقوبات بالسجن النافذ السالب للحرية وبدون أي فرصة لوقف التنفيذ في مناطق مثل شافهاوزن وكانتون أرغاو تبلغ 90% من مجموع الأحكام الصادرة، في المقابل، تبلغ نسبة هذا الصنف من العقوبات في كل من جنيف والتيتشينو، 50% فقط. ولكن في الحالتيْن تظل نسبة الإنتكاسية أو تكرار الجرم نفس الشيء تقريبا، أي ما يناهز حوالي 14% في مجموع الكانتونات.

هذه الدراسة تكشف إذن بحسب المكتب الفدرالي للإحصاء أنه لا صنف العقوبات، ولا حجم وقيمة التعويضات المالية، تمتلك تاثيرا بالغا وحاسما في ما يتعلق بظاهرة الإنتكاسة أوالعودة لإرتكاب المخالفات بعد العقوبة.

ما يبدو أنه يؤثر فعلا في هذه النسبة، هو الخوف من الوقوع في قبضة العدالة في حالة تلبّس مكشوفة، أو أيضا طبيعة النظرة التي ينظر بها المجتمع لنوع المخالفة.

ويؤكد القائمون على حظوظ هذه الدراسة أن هذه الإستنتاجات صحيحة أيضا في ما يتعلق بانواع أخرى من المخالفات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية