مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“أيـــوبا”(*).. جنوب إفريقيــا تكســبُ الرهـان

رغم الإقصاء المبكر لمنتخبها في مونديال 2010، عاشت جنوب إفريقيا شهرا كاملا على إيقاعات أبواق الفوفوزيلا Keystone

بينما يستعد المنتخبان الإسباني والهولنــدي لخوض المقابلة النهائية يوم الأحد 11 يوليو لاختتام العرس الكروي الذي تواصل شهرا كاملا، حان الوقت لــجرد حصيلــة أول كأس للعالم تستضيفها القارة السمراء.

تنظيـــمٌ خال من العيوب، شعب مضياف وأخطاء بسيطة جدا: هذه من أبرز الإنطباعات الواردة من جنوب إفريقيا.

من الطــُّقوس الثابتة في نهاية كلِّ منافسة رياضية دولية إصدار الجهات المــعنية بتنظيم البطولة لسلسلة من الأرقــام… وزارة الداخلية في جنوب إفريقيا أوضحت أن البلاد استقبلت أكثر من مليون زائر في شهر يونيو الماضي، أي ما يعادل زيادة بنسبة 25% مُــقارنة مع العام السابق.

من جانبه، أعلن رئيس اللجنة المُنظمة داني جوردان، بفــخر أن عدد المُتفرجين في ملاعب جنوب إفريقيا بلغ 3 ملايين شخص، في إنجاز كذّب توقعات من كانوا يعتقدون أن نصف المُدرجات ستظل خالية أثناء المنافسة.

أما رئيس الجـمهورية، جاكوب زوما، فتحدّث عن نجاح اقتصادي، مُشيرا إلى أن مبلغ 33 مليار راند (ما يزيد 4,5 مليار فرنك سويسري) الذي أنـــْفـــِق على تنظيم المسابقة أدر “عائدا جيدا على مستوى الاستثمارات”، إذ يُتوقع أن تُولد تلك الاستثمارات تأثيرا إيجابيا قدره أربع نقاط على إجمالي الناتج الداخلي الوطني.

غير أن العديد من المحللين يشككون في التأثيرات الاقتصادية الحقيقية لــهذا الحدث الرياضي. وتعتقد منظمات غير حكومية كثيرة نشطة في مجال التنمية والتعاون أن المكاسب ستذهب فقط للفــئة الأفضل حالا في هذا البلد الذي يعتبر من أكثر الدول غير المتكافئة في العالم بحيث يعيش 43% من السكان تحت عتبــة الفقر.

استــقبال حـــار

لكنّ نجاح مثل هذا الحدث العالمي يــُقاس أيضا بالشعور الذي ستتركه مُجريات البطولة في نفوس الزوار وبالصورة التي ستحتفظ بها ذاكرتهم عن أولى كأس عالم إفريقية. وحول هذه النقطة، تتـفق مُجمل الآراء تقريبا.

إيف ديبونير، مُدرب المنتخب السويسري للشبان دون سن 16، تأثر بــ “لــُطف كل هؤلاء الأشخاص الذين عبــّروا عن رغبة حقيقية في التفاعل مع الزوار”.

زميلــه كلود ريف، مدرب الفريق الوطني لفئة دون 17 عاما، لم يكــن أقل مُجاملــة وثناء، قائلا: “لقد أثبت شعب جنوب إفريقيا بالفعل أنه كان سعيدا جدا باستضافة كأس العالم والحديث عن بلاده وتقديمه للعالم”.

ومن الذكريات التي ستظل راسخة في ذهن دانييل بوركهالتر، المبعوث الخاص لإذاعة وتلفزيون سويسرا RTS، ذلك الحدث الطريف الذي رافق متابعته للمباراة بين سويسرا والهوندوراس: “رسم مواطنون جنوب إفريقيون العلم السويسري على وجههم. أثار الأمر فضولي فذهبت لأستفسر منهم السبب، فأجابوني ببساطة أنهم يعشقون كرة القدم. وجدت هذه العقلية رائعة”.

وعلى غرار مــعظم زملائه، أعجب بوركهالتر بالهدوء الذي ساد حول الملاعب. واستعاد حدثا هاما قبل التحول إلى جنوب إفريقيا قائلا: “قبل المغادرة، تلقى الصحفيون قرص “دي في دي” يتضمن تحذيرات ضد الإجرام في جنوب إفريقيا. ولدى مشاهدته شعرتُ بقليل من الخوف. ولكن طيلة فترة إقامتي، لم أشعر قط بأدنـى قلق”.

وإذا تم بالفعل الإبلاغ عن وقوع بعض عمليات السرقة والاعتداءات، فـقد اتضح أن سلطات جنوب إفريــقيا، التي حشدت 40000 شرطي إضافي، قد رفعت التحدي وكسبت الرهان المتمثل في تنظــيم تظاهرة آمنة.

وبالفعل، لم توجه انتقــادات تذكر لعملية التنظيم، إذ قال بوركهالتر: “من الصعب بالتأكيد مقارنتها بالتنظيم الألماني قبل أربعة أعوام. سوف أقول أن هذه البطولة نـــُظمت على نحو تام، بالأسلوب الإفريقي. فطوابير الانتظار تبدو دائما أقصر بفضل الابتسامة وروح الدعابة. فلم ألحظ قط أدنى عصبية”.

بعيــدا عن ضواحي المــُدن

في المــُقابل، لا يُمــكن لأي لجنة مُنظـــِّمة التــحكم في كافة العوامل المُتغيرة؛ فالإقصاء المُبكر لمنتخب جنوب إفريقيا من المنافسة وحلول البرد القارس ليلا أثبطا عزيمة وحماسة المُشجعين الجنوب إفريقيين. “ولكن بمجرد إقصاء الـ “بافانا بافانا” (تسمية منتخب جنوب إفريقيا لكرة القدم، ويعني الأولاد الأولاد)، واصل جميع مواطني جنوب إفريقيا، بمن فيهم البيض، دعم كرة القدم الإفريقية، لا سيما غانا”، مثلما شدد على ذلك دانييل بوركهالتر.

من جهته، باسكال هوليغر، أصيل كانتون نوشاتيل ومؤسس منظمة “Imbewu” غير الحكومية المتخصصة في التنمية من خلال الرياضة في جنوب إفريقيا، واكب عن قرب مُجريات البطولة وأعرب عن الأسف لـوجود نوع من التعقيـــم حول الحدث رغم أجواء الإثارة والفوران التي سادت خلال الأسابيع الثلاثة الأولى.

وقال في هذا السياق: “كانت الاحتفالات جميلة في جوهانيسبورغ ودوربان وكيب تاون، لكن الوضع في مدن أخرى كان متأخرا قليلا. ففي بعض الأحيان، وجدت الأجواء “سريرية” بعض الشيء لأن الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) أرادت السيطرة على كل شيء. ولم تشهد كافة مناطق المشجعين نجاحا كبيرا لأنها ببساطة لم تُــقــم في ضواحي المدن “تاون شيبس” حيث ينبض قلب كرة القدم الجنوب إفريقية”.

ويدرك المراقبون بالفعل أن الشعور بنجاح هذه التظاهرة العالمية كان من نصيب قلة قليلة من أبناء جنوب إفريقيا. واستنتج كلود ريف في هذا الصدد قائلا: “لسوء الحظ، لم يتمكن الجميع من الوصول إلى الملاعب. لكن كافة السكان، بمن فيهم أبناء ضواحي المدن، شعروا بأنهم معنيون بهذا الحدث”.

الوحدة الوطنية

ويرى باسكال هوليغر أنه كان من الضروري عدم تهميش تماما هذا الوجه الآخر لجنوب إفريقيا، الأقل ظهورا للعيان، من مونديال 2010. فعلى هامش اللقاء الذي جمع منتخبي سويسرا والشيلي في مدينة بورت إيليزابيت، تمكن بعض قادة الجمعية السويسرية لكرة القدم والمدافع فيليبي سانديروس من زيارة مشاريع التنمية من خلال الرياضة في ضواحي المدن.

وقال بهذا الشأن: “كان من المهم أن يدركوا حقيقة السياق الذي تجري فيه كأس العالم. ففي جنوب إفريقيا، من السهل أن يغيب عنك هذا الواقع الذي يعيشه 70% من السكان. وأعتقد أنهم صـــــُدموا بما رأوه، على بعد 10 دقائق فقط بالسيارة من الفندق”.

وغداة نهاية العرس الكروي، كيف سيستيقظ سكان جنوب إفريقيا صبيحة الإثنين القادم؟ يتوقع باسكال هوليغر أن “كأس العالم ستغادر البلاد بنفس السرعة التي أوصلتها إليها. فالصحف (المحلية) بدأت تتحدث مُجددا عن الفساد والمحسوبية. لكن لمدة شهر، كانت هنالك وحدة وطنية حقيقية، فسواء كان أبيضا، أو أسودا، غنيا أو فقيرا، أراد كل مواطن أن يظهر للعالم أن أمة قوس قزح هاته (المتعددة الألوان والأطياف) تجيد تنظيم أحداث كبيرة وتتوفر على إمكانيات هائلة”.

من جانبه، يختتم كلود ريف قائلا: “مثلما هو الحال في كثير من الأحيان، لقد أخطأ المتشككون. تذكروا كأس العالم لعام 1990 في إيطاليا. أكد الكثيرون أن الملاعب لن تجهز في الوقت المـُحدد”. وهي نفس الأسطوانة التي بدأت تتردد بالفعل في البرازيل، المحطة المقبل لكأس العالم لكرة القدم في غضون أربعة أعوام.

* تعبير عن الفرح يمكن ترجمته بــ “رائع جدا”، ويستخدم في ضواحي مدن جنوب إفريقيا “تاون شيبس” وتحول إلى شعار ترويج لمونديال 2010.

سامويل يابرغ – swissinfo.ch

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

لا شك أن آلات النفخ البلاستيكية “فوفوتزيلا” التي تحدث ضجيجا رتيبا يصم الآذان ستظل من أبرز ما ميز مونديال 2010 بجنوب إفريقيا. فهذه الأبواق “نجحت” في إثارة نقاشات وجدالات كثيرة، حتى أن منعها أثير في بداية المنافسة. لكن سيب بلاتير، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، سرعان ما وضع حدا للتكهنات معربا عن دعمه لــ “التقاليد الموسيقية للمشجعين في بلادهم”.

أما الأخطبوط “بول” الذي يعيش في حوض “الحياة البحرية” بمدينة أوبرهاوسن الألمانية، فكان الظاهرة الأخرى الطريفة في هذا المونديال. فقد تكهن بكافة نتائج مباريات المنتخب الوطني الألماني وكان على صواب، بما في ذلك إقصاء الفريق في نصف النهاية أمام إسبانيا. وقد أثار أشهر أخطبوط في البلاد غضب العديد من الألمان الذين طالبوا بأن تنتهي مسيرته في طبق للاستهلاك. مما أجبر متحدثا باسم المركز المائي على التأكيد بأنه لن يحدث مكروه للأخطبوط “بول”!

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية