مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“بدون مصالحة مع الذات لا يمكن تحقيق الصلح مع الآخرين”

بريجيت كيرير مؤلفة كتاب "فنيات الصراعات وكيفية مواجهة ذلك ببرودة أعصاب" swissinfo.ch

بعد مرورها بتجربة عاينت من خلالها فظاعة النزاعات المسلحة في سياق عملها كمبعوثة للصليب الأحمر وفي مهام أممية، سخرت بريجيت كيرير خبرتها الميدانية لمحاولة تطوير قنوات الحوار من أجل فض النزاعات. وضمنتها كتابا أصدرته مؤخرا تحت عنوان "فنيات الصراعات وكيفية مواجهة ذلك ببرودة أعصاب".

قبل التخصص في فض النزاعات بالطرق السلمية، تنقلت بريجيت كيرير، التي تخرجت من كلية الآداب، بين العديد من بؤر التوتر والصراعات المسلحة في إفريقيا و آسيا إما لحساب الأمم المتحدة أو كمبعوثة للجنة الدولية للصليب الأحمر.

هذه التجربة دفعتها الى العودة الى متابعة الدراسة للتخصص في القانون الدولي وفي فنيات فض النزاعات بالطرق السلمية سواء في بريطانيا أو في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه التجربة وهذه الخبرة هي التي تشاطرها مع القارئ في كتاب من 180 صفحة صدر عن دار جانوس بوبليشينغ كومباني بلندن في عام 2009 تحت عنوان “فنيات الصراعات وكيفية مواجهة ذلك ببرودة أعصاب”.

في الحوار التالي الذي خصت به سويس إنفو، تتحدث الكاتبة عن رغبتها في مشاطرة القارئ بعض الحلول التي قد يستفيد منها ليس في فض الصراعات الكبرى فحسب بل في إيجاد حلول معقولة لمشاكل ونزاعات الحياة اليومية.

swissinfo.ch: لماذا اخترت عنوان “فنيات الصراعات وكيفية مواجهة ذلك ببرودة”؟

بريجيت كيرير: ما شعرتَ به من تناقض في هذا العنوان، هو الهدف الذي رغبت في أن يثار لدى القارئ لكي يدفعه للتساؤل عن السبب في هذا التناقض في اختيار عبارة “فنيات” التي عادة ما تطلق على أشياء جميلة وسلمية وليس عن صراعات وحروب وعنف.

لكنني رغبت في اختيار عبارة ” فنيات الصراعات” لأنك عندما تدرك أساليب الحروب والصراعات تكتشف أيضا بأنه بإمكانك أن تطور أساليب حوار وقنوات اتصال بإمكانها أن تعمل على تهدئة الوضع ونزع فتيله. وما أعني بعبارة “فنيات الصراعات” هو ” فنيات كيفية التدخل بطريقة ديناميكية في صراع من الصراعات. وهو تعبير عن الجرأة في القيام بهذا التدخل.

عندما نتحدث عن الصراعات، أية صراعات نعني؟

بريجيت كيرير: هذا تساؤل محوري ومركزي. والدافع الذي شجعني على تأليف هذا الكتاب هو اقتناعي بمدى صحة مقولة (داعية اللاعنف) المهاتما غاندي التي يقول فيها: “إذا أردتم التكفل بحل صراع على المستوى الدولي يجب التكفل أولا وقبل كل شيء بحل الصراعات الشخصية والداخلية”. وما اكتسبتُه في خبرتي الميدانية إما في ميدان التعاون الدولي أو كمبعوثة إنسانية للصليب الأحمر، أو كصحفية او كمشرفة على برامج تعزيز السلم ، هو أن الأشخاص الذين يجتمعون حول مائدة المفاوضات يأتون وهم في وضعية غضب عارمة وفي وضع صراع حتى مع ذاتهم.

وللرد على سؤالكم ، هذا الكتاب هو عبارة عن توضيح بأن وسائل فض النزاعات الدولية لا تختلف كثيرا عن تلك التي يستعملها كل منا من أجل حل النزاعات الشخصية أو الداخلية. وعندما نذهب بالتفكير الى أبعد، يمكن القول أنه ما لم تجدوا مصالحة مع ذاتكم لا يمكنكم تحقيق الصلح مع الغير أو مع العالم الخارجي. والخلاصة هي إذا رغبتم في تحقيق السلم في العالم فعليكم أولا وقبل شيء التكفل بتحقيق السلم الداخلي مع هويتكم ومع فوارقكم وقيمكم واحتياجاتكم.

وهذا ما حاولت تقديمه للقارئ بسرد مختلف تقنيات التفاوض والحوار التي تعلمتُها سواء أثناء عملي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو من خلال عملي لدى الكنفدرالية السويسرية أو الأمم المتحدة او العديد من المنظمات غير الحكومية، ومن خلال دراستي في بريطانيا للتخصص في مجال الوساطة.

وهذه النصائح المقدمة على شكل أطباق صينية متعددة، يمكن للقارئ أن ينتقي منها ما يلائمه وفقا لما يراه مساعدا على حل الصراع الذي يرغب في حله، ووفقا لثقافته وعاداته.

هل كان لتجربتك في بعض الصراعات سواء في افريقيا أو في آسيا تأثير وتأثر بالثقافات المحلية عند تصورك لهذه الأساليب لفض النزعات بالطرق السلمية؟

بريجيت كيرير: بالطبع فقد سبق لي أن كتبت أول كتاب عن الصراع في رواندا. ويمكن القول أن ما غيَّر مجرى حياتي هي السنوات الأربعة التي قضيتها في رواندا بعد مجازر الإبادة. لقد كان ذلك بمثابة تكوين لمعرفة مدى ما يمكن للبشر أن يقوموا به من بشاعة فيما بينهم، ومحاولة تطوير أساليب تسمح لهذا المجتمع بالعودة الى التعايش والتسامح والصلح.

كما أن نشأتي في سويسرا من أب من الألزاس ووالدة من باريس كان له نصيبه من الصراعات بحكم هذا التعدد الثقافي، ولكن أيضا فرصة للعيش في بلد يتميز بالبحث عن الحلول الوسطى وعن التوافق والذي أتمنى أن يظل كذلك رغم الهزات التي يعرفها حاليا بسبب حملات التخويف التي تقودها بعض الأوساط تارة باسم محاربة والإرهاب او الجريمة وتارة أخرى بسبب المآذن وما إلى ذلك.

وإذا ما عدنا إلى الموضوع الذي يهمنا وحاولنا تطبيق المعايير التي أنصح بها في هذا الكتاب فيما يتعلق بهذه المخاوف التي أثيرت أثناء حملة حظر بناء المآذن، فإن مجرد الدخول في حوار مع الآخر سيعمل لا محالة على تبديد هذه المخاوف وسحب البساط من تحت أقدام المتاجرين بحملات التخويف. وبمحاربة كل منا للمخاوف التي بداخله يمكن أن نسدي خدمة كبرى للآخرين.

تعددت في الآونة الأخيرة حملات المصالحة بعد أزمات إنسانية كبرى، نذكر منها التجربة الجنوب افريقية، وتجربة كل من المغرب والجزائر. ما حكمك على هذه التجارب؟

بريجيت كيرير: ما أعرفه جيدا هي التجربة الجنوب افريقية، لكن مع ذلك اعتبرها جميعا خارقة للعادة. والخارق للعادة في تجربة ” الحقيقة والمصالحة” في جنوب إفريقيا التي حضرْتُ جلستين أو ثلاثة منها، أنها بفضل تجند نلسن مانديلا والقس ديسموند توتو كانت عملية مصالحة رمزية تنظر للمستقبل قبل النظر للماضي، وليست جلسات حساب وعقاب على طريقة المافيا.

ما هي النصائح التي يحتوي عليها الكتاب والتي يمكن للقارئ أن يستفيد منها في حل الصراعات؟

بريجيت كيرير: هناك عدة نصائح. ففي مجال الحوار واللاعنف، استفدت كثيرا من نظريات مارشال روزنبيرغ، وفي مجال بناء أسس السلام استفدت كثيرا من نظريات غالتون وكل الذين سهروا على تكويني في مجال المفاوضات السلمية والذين فتحوا ذهني لتفهم نظرة الآخر ومعتقداته ومحاولة البحث عن الكلمة العجيبة التي تفتح باب الاتصال بالآخر.

وسواء تعلق الأمر بصراع بين زوجين أو بصراع بين دولتين ما يجب تفاديه باي ثمن هو الدخول في متاهات تقييم الآخر. فلو أردت الحديث عن دول المغرب العربي مع أحد أبناء تلك الدول وبدأت بالقول ” إن بلدان المغرب العربي في نظري هي كذا وكذا”، لما اهتديت الى وسيلة حوار ناجعة. ولكن لو ابدأ حديثي بمساءلة مخاطبي عن نظرته لبلدان المغرب العربي ونظرته لتطور تلك البلدان لكان ذلك مفتاح الدخول في حوار مع الآخر.

وبما أنني متخصصة في الآداب فإنني أقدر الكلمات حق تقديرها. وتجدون في الكتاب عدة مداخل خصوصا تلك التي تساعد على التفاوض الدبلوماسي ليس بغرض الفوز على الآخر ولكن بغرض التوصل الى صيغة تسمح للطرفين بحفظ ماء الوجه.

وهذا الكتاب موجه لأي جمهور؟ هل الجمهور المختص بفض النزاعات أم لعامة الناس؟

بريجيت كيرير: إنه كتاب موجه للجميع، ولو أنه يخاطب بالدرجة الأولى المختصين والعاملين في مجال فض النزاعات والمفاوضات الدولية وبرامج إقرار السلام ومجال التعاون الدولي. وهذه المجموعة الدولية التي كثيرا ما تتحدث عن الرغبة في إقرار السلام على كل فرد فيها أن يقر السلام مع نفسه وعندها فقط يكون بإمكانه أن يقره مع الآخرين. وهذا ما أثبته أناس من قبلي، من أمثال غاندي و نلسون مانديلا و مارشال روزبيرغ وغيرهم، و لكنني فقط حاولت التعبير عن ذلك بكلماتي وبأسلوبي.

وقد حاولت أن أتجنب أن يكون كتابا موجها بالدرجة الأولى للنساء، ولو أنني فخورة بأن يكن من بين القراء، ولكنه موجه أيضا للدبلوماسيين والصحفيين وكل العاملين في مجال إقرار السلام.

جاء الكتاب باللغة الإنجليزية رغم أنك فرنسية الثقافة، فهل تطمحين لرؤيته يترجم الى اللغة العربية نظرا لما فيه من فائدة لمنطقة تعاني من الصراعات على مختلف الأصعدة؟

بريجيت كيرير: من بين المتناقضات كوني أصدر كتابا بالانجليزية رغم ثقافتي الفرنسية. وكما يقول المثل ” لا أحد بإمكانه أن يصبح رسولا في بلده”. يضاف إلى ذلك أن الاهتمام بموضوع الربط بين الصراع الشخصي والصراع الدولي كبير في البلدان الأنجلو ساكسونية وإلى أنني متخرجة من معهد فض النزاعات بلندن، كانت تلك كلها عوامل دفعتني الى تفضيل الكتابة بالانجليزية.

ولكن لدي حلم في رؤية الكتاب يُترجم الى اللغة العربية نظرا للإقبال الذي حظي به من طرف القراء الانجليز.

swissinfo.ch – محمد شريف – جنيف

بما أن منطقة الشرق الأوسط تعرف صراعا مزمنا هل فكرت بريجيت كيرير في تطبيق التوصيات والحلول المقترحة في هذا الكتاب على الصراع العربي الإسرائيلي؟

تجيب مؤلفة الكتاب قائلة: “أعتقد أن صراع الشرق الأوسط يعد من أكثر الصراعات تعقيدا وتعفنا. ومن يجرؤ على التدخل في وساطة في هذا الصراع عليه ان يتحلى بكثير من التواضع، وبمعرفة معمقة بالمنطقة وبالتاريخ وبالتحديات.

ويمكن القول أنه بالفعل يمكن تطبيق بعض الآليات المقترحة في الكتاب من قبل كل من يحاول القيام بوساطة في صراع الشرق الأوسط. ولكن فيما يتعلقي بي شخصيا أود أن اقول بكل تواضع أنني افضل أن يقوم بذلك من هم متخصصون أحسن مني شريطة أن ينتهجوا وسيلة حوار قل عنفا. وأعرف جيدا أن هناك من هم أوفر حظا من غيرهم.

ولكن أرى كباقي كبار الصحفيين بأن السلام في العالم لن يتحقق ما لم يتم وضع حد لصراع الشرق الأوسط. ويسعدني لو يستفيد بعض الوسطاء من بعض الآليات التي أقترحها في هذا الكتاب.”

تخرجت كجامعية من كلية الآداب في شعبة الآداب المقارن، والفلسفة واللسانيات. ومارست مهنة الصحافة لعدة سنوات بتولي الإشراف على الصفحة الأدبية بصحيفة لاتريبون دي جنيف.

سمحت لها تجربتها الميدانية سواء مع الأمم المتحدة أو مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمعايشة العديد من الصراعات المسلحة عن كثب سواء في افريقيا أو في آسيا. وقد عانت شخصيا من ويلات هذه الصراعات بتعرضها لعملية اختطاف عندما كانت تشتغل لحساب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

رغبتها في التدخل للحد من ويلات تلك الصراعات المتكررة والمزمنة دفعتها للعودة للدراسة والتخصص في القانون الدولي وفي فن التفاوض وفض النزاعات في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

تقيم حاليا في جنيف كمستشارة للأمم المتحدة في مجال إقرار السلم في البلدان التي مرت بصراعات مسلحة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية