مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إلهام مانع: “أية إرادة تلك التي تقول لك إن جسدك نجس وعار”

الهام مانع
إلهام مانع أستاذة العلوم السياسية بجامعة زيورخ "الأصوليون يتحدثون عن الحرية ولكنها تسير بالنسبة لهم في اتجاه واحد. الحرية في أن تلبس الحجاب أو النقاب، لا خلعه". Andy Ngo

إلهام مانع أستاذة العلوم السياسية بجامعة زيورخ وهي أول سيدة تؤم صلاة مشتركة من الرجال والنساء في إطار مبادرة المسجد الشامل في بيت الأديان في مدينة برن السويسرية عام 2016. أثارت هذه الواقعة ردود فعل متباينة وانطلقت دعوات بتكفيرها. ورفضت إلهام حكم عدم جواز إمامة المرأة للصلاة بالقول " إن الفقهاء، وكلهم ذكور، اجمعوا على أن المرأة لايجوز لها أن تقود صلاة برجال، فما بالك بصلاة الجمعة" ورأت أن "هذا الحكم يستند إلى حديث ضعيف".

 “حظر تغطية الوجه يُساوي بين المرأة والرجل”

إلهام مانع هي أيضاً من أبرز المدافعات عن حظر إخفاء الوجه في الفضاء العام وترى أن البرقع مرتبط بخطاب الإسلام السياسي، الذي يعتبر النقاب زياً رسمياً يفصل المرأة عن المجتمع ويبعث عبر الحجاب والنقاب رسائل سياسية: “لا يمكن عزل النقاب عن الإيديولوجية التي تروج له. النقاب لا يتعلق بثلاثين امرأة تبنّين الإسلام السلفي، ولكن بإيدلوجية شمولية، تطالب بطمس هوية المرأة كي تكون مقبولة في المجتمع وهي نفس الإيديولوجية التي تسمح بزواج القاصرات وتحلل سبي النساء”.

وتؤكد مانع أن النقاب ليس فرضاً أو رمزاً دينياً، فحتى شيخ الأزهر المحافظ يرى أنها عادة وتنوه الباحثة في العلوم السياسية في جامعة زيورخ أن الأمر لا يتعلق بالحرية الشخصية، في لبس المرأة ما تشاء “هذه الإيديولوجية الأصولية في تناقض صارخ مع الحريات. رأينا في بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وجنوب إفريقيا كيف يمكن أن تنتشر هذه الظاهرة. الأصوليون يتحدثون عن الحرية ولكنها تسير بالنسبة لهم في اتجاه واحد. الحرية في أن تلبس الحجاب أو النقاب، لا خلعه”.

 وحول الجدل الدائر حول إشكالية التقاء اليمين مع بعض الحركات النسوية في تفسير رمزية النقاب ودلالاته، تؤكد إلهام مانع أنها مدركة تماما أن الاستفتاء جاءت به جماعة يمينية لا تؤمن بحقوق المرأة وأن هذا التيار السياسي كان يضع دائما العقبات أمام تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ولكنها ترى أن الاستفتاء يتعلق بتغطية الوجه بالنسبة للرجل والمرأة بدون تمييز وأن صياغة الاستفتاء نفسه سليمة لا تستهدف أقلية دينية معينة “فحتى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان دعمت حظر النقاب في فرنسا وبلجيكا، لأنه يخدم المصلحة العامة، فهناك قواعد تحكم المجال العام ويجب على الجميع احترامها”.

 بالنسبة لإلهام مانع فإن ما يهمها في قضية حظر إخفاء الوجه هو أنه يستهدف الإسلام السياسي الآخذ في الصعود في أوروبا، كما تقول: “سويسرا ليست جزيرة معزولة، وكباحثة سياسية رأيت صعود حركات أصولية في دول مختلفة وكيف توسّع نفوذها في المجتمعات، بعد 7 مارس أتمنى أن نبدأ نقاشاً يبحث عن حلول للإسلام السياسي وكيفية مواجهته”.

Gruppe am Beten
في سابقة، قامت إلهام مانع بإمامة صلاة مشتركة بين الرجال والنساء وإلقاء الخطبة في في بيت الأديان في مدينة يرن يوم 27 مايو 2016. Sean Gallup / Getty Images

ارتديت الحجاب في اليمن بعد انضمامي لجماعة إخوانية_سلفية تأثرا بخطاب يحول جسد المرأة إلى عورة في إطار ثقافة ذكورية سائدة تعامل مع المرأة على أنها ناقصة وتحتاج إلى وصاية. كنت أبحث خلال المراهقة عن هوية.  كان تديناً إخوانيا سلفياً، يقوم على رؤية أيديولوجية متطرفة، لا تعترف بالإنسان هوية، ولا تحترم الاختلاف في الإنسان، في دينه أو فكره، بل تصر على هوية دينية إقصائية.
هوية لا تؤمن بمفهوم المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين، الجنس، أو الفكر، ثم تقهر المرأة بدعوى أن الله يُريد ذلك القهر. مع الوقت أدركت أن حسن البنا ومحمد عبد الوهاب، ورجال الأزهر ممن يمثلون هذين التيارين من بعدهما، هم من يريدون. الله لا علاقة له بتغطية شعري.
قيل لي حينها، إن جسدي يجب أن يُغطى كي أحمي الرجل، ذاك المسكين، الذي لا يستطيع أن يتحكم في غرائزه، كل ما في يثيره، صوتي، شعري، جسدي.
مسكين ذاك المسعور
وعندما أحمي الرجل من انوثتي، فأني احمي مجتمعنا من الظلام.
قيل لي حينها إن جهنم تَعُج بالنِساء، يُعلقن من شعورهن، تلك التي تغوي ذاك المهووس.

غطاء الرأس ذاك خنقني
كنت أكرهه، وارتديه وأنا أقول لنفسي، أليس هذا ثمناً رخيصاً لحبك للرحمن؟
أفقت من غيبوبتي الإخوانية السلفية بعد سبعة أشهر وعدت إلى الحياة والفرح.
الحمد لله أني أفقت
ولا زلت أحبّ الرحمن. لكن شعري لا علاقة له بالموضوع..

وبعد سنوات عدت إلى اليمن كمعيدة في الجامعة واضطررت إلى ارتداء الحجاب مرة أخرى في محاولة للتأقلم مع المحيط وتجنب لفت الانتباه، ورغم ذلك كنت أتحدى فرض الحجاب بارتداء ألوان فرحة كالأحمر والبنفسجي.  

شعري الطويل ظل يتوق إلى الحرية، يبحث عن الهواء يتنفسه، وذاك الغطاء يصر على خنقه قمعاً
مسكين ايها الجميل.

لكني قلت لنفسي، “تأقلمي، حتى تعملي دون إزعاج أو تحرش”.
في الواقع لم يساعد ذلك القرار كثيرا في موضوع التحرش،
بحجاب او بدونه تتعرض المرأة لدينا في كل مجتمعاتنا العربية إلى التحرش
ولذا حبذا لو قلتم للرجل أن يكف عن التصرف كالحيوان.

قلت لنفسي مراراً، تفعلين ذلك بإرادتك.
ترتدين ذلك الغطاء، ذلك البالطو بإرادتك، احتراما لتقاليد بلدك
لكن الغصة ظلت عالقة في حلقي.
أية إرادة تلك التي تغصبك على ارتداء ما لا تريد؟ وتعتبر جسدك عاراً ونجس؟

سنوات ثلاث ارتديت فيها ذلك الحجاب، والبالطو الأسود معه
خنقتني، بعدها تقدمت إلى منحة فولبرايت لدراسة الماجستير في الولايات المتحدة.
 
ثم حان وقت السفر

كان ذلك عام 1993.
آخر عهدي معهما في اليمن.
الطائرة حلقت في المساء ووجدت نفسي في الصباح في مطار فرانكفورت بألمانيا
ترانزيت، خرجت من الطائرة، مازلت ارتدي غطاء الرأس والبالطو،
دخلت المطار ومشيت مصممة
كنت أعرف ما سأفعله
بحثت عن اول حمام كي ادخل فيه
لم أعبأ للنساء الموجودات في الحمام، تلك تغسل يدها، وأخرى تنتظر دورها
لم أعبأ
نظرت إلى نفسي في المرآة الكبيرة
حدقت في صورتي
فتاة ترتدي حجاباً وبالطو
وجهها متجهم

نزعت الحجاب. أمسكت بشعري، فتحت العقدة المربوطة على رأسي، وتركت شعري يزغرد في تموجه
تحولت إلى البالطو، يدي تفتح ازراره بسرعة، بعجلة
خلعته ووقفت بدونه، بقميص وبنطلون جينز.


أمسكت بالحجاب، والبالطو، وضَممتهما معاً، ككرة كبيرة، ونظرت إلى سلة القمامة، وبقوة صارمة، بغضب حارق لم أعرف أنه موجود إلا في تلك اللحظة، رميت بهِما معاً في سلة القمامة. لو بيدي لحَرقتهما معاً في تلك اللحظة
رميت بهِما معاً في سلة القمامة.

وتنفست بقوة
وجهي الآن كان يبتسم

لم استغرب مما فعلته
لكني انتبهت إلى غضبي
وأدركت أن “قراري بارتداء الحجاب” لم يكن قراراً حراً.
أية إرادة تلك التي تغصبك على ارتداء ما لا تريد؟
تقول لك إن جسدك نجس وعار؟

خرجت من الحمام في مطار فرانكفورت،

فتاة بدون حجاب، بدون بالطو
شعرها يتنفس حراً، كما يريد”

إلهام مانع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية