مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ماجستير «وساطة سلام» في المعهد التقني العالي الفدرالي في زيورخ

الواجهة الخارجية لمبنى مؤسسة جامعية
صورة التقطت يوم 6 نوفمبر 2017 لواجهة المبنى الرئيسي للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ الذي يُوفر حاليا أول دراسة تخصصية من نوعها في العالم تسمح بنيل شهادة ماجستير دراسات متقدمة في الوساطة الدبلوماسية من أجل السلام. Keystone

قبل سنتين، مرت مئتا عامٍ على «الحياد السويسري» الذي توافقت عليه الدول الأوروبية في مؤتمر ڤيينا (1814-1815) ثم جرى تثبيته في مؤتمر باريس الثاني للصلح نهاية العام 1815. منذ ذلك الحين، وعلى امتداد القرنين الماضيين، سعت وتسعى سويسرا للتخلص نهائيًّا من إرثها الحربي واستخدام خبرتها في خوض النزاعات، وذلك من أجل المساهمة في صنع وصيانة السلام العالمي والتخفيف من حدة الحروب والصراعات في شتى أنحاء العالم.

في هذا الإطار، وتعزيزاً لهذا المبدإ المنصوص عليه في الدستور السويسري، كأحد وأهم مبادئ السياسة الخارجية، ومن أجل المزيد من الفاعلية الدبلوماسية في حل النزاعات، انطلق في 17 نوفمبر 2017 في المعهد التقني العالي الفدرالي في زيورخ مسارٌ دراسي جديد، هو الأول من نوعه في العالم، وذلك لنيل شهادة ماجستير دراسات متقدمة في الوساطة الدبلوماسية من أجل السلام.

المزيد
Historische Aufnahme von Männern

المزيد

الحياد السويسري بوصفه أنموذجا ناجحا

تم نشر هذا المحتوى على منذ نحو قرنين من الزمن، لم تعد سويسرا تؤيّد أي طرف من الأطراف في أي حرب. وبفضل هذا الحياد، استطاعت الكنفدرالية أن تنأى بنفسها عن النزاعات لزمن طويل. واليوم تمارس سويسرا حيادا إيجابيا، من شأنه إثارة بعض التساؤلات من حين لآخر.

طالع المزيدالحياد السويسري بوصفه أنموذجا ناجحا

يقوم  هذا المسار الدراسي على تعاون وثيق بين المعهد المذكور ووزارة الخارجية السويسرية بالشراكة مع وزارات الخارجية في كل من ألمانيا وفنلندا والسويد وبدعمٍ من منظمات دولية كالأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون والأمن في أوروبا، وتبلغ تكاليفه 5.5 مليون فرنك سويسري تتحمل ثلثها الحكومة السويسرية، وقد تَقدم للمشاركة فيه مئة وخمسون متقدمًا لم يُقبل منهم سوى ثمانية عشر هم دبلوماسيون وخبراء عاملون في وزارات خارجية وممثلون لمنظمة الأمم المتحدة. 

وتتوزع انتماءات المشاركين على آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وكذلك أوروبا، ويستفاد من هذا التنوع «أن المشاركين يمتلكون بعض الخبرات في مجال الوساطة الدبلوماسية وهم مؤهلون لنقل تجاربهم واستخدام خلفياتهم الحضارية في مجرى الدراسة بشكلٍ نشط»، على حد قول البروفسور أندرياس ڤينغر، المشرف على المسار الدراسي الجديد، في حديثٍ أجرته معه الإذاعة العمومية السويسرية الناطقة بالألمانية.

جسر أكاديمي بين النظري والعملي

يتكون منهج التدريس من نموذجين؛ الأول يتطلب حضوراً مباشرا لمدة 15 أسبوعًا يتلقى خلالها المسشاركون 1800 ساعة محاضرات، أما الثاني فيتضمن معالجة ورقتي عمل على مدى عامين دراسيين يسمحان للمشاركين بالإستمرار في مهماتهم من أجل السلام في الوقت الذي يتلقون فيه خبرات جديدة في الوساطة؛ كتحليل الصراعات وتقنيات التواصل ونظريات التفاوض وإبرام عقود السلام. ومن المقرر أن يُشارك في التنفيذ وإلقاء المحاضرات أكاديميون ووسطاء ذوي خبرات عالية وخبراء من وزارة الخارجية السويسرية التي شاركت المعهد في تحديد مواد المنهج الدراسي. 

المزيد
رهائن مُحتجزون من طرف طلبة إيرانيين بعد اقتحام السفارة الأمريكية في طهران سنة 1979

المزيد

“كلما زادت السرية.. كلما كان ذلك أفضل”

تم نشر هذا المحتوى على كيف يمكن لعدويّن لدودين أن يظلا على اتصال؟ في إطار تفويضها لحماية المصالح، تساعد سويسرا المُحايدة على عدم انقطاع حبل المباحثات وتُسهم في الإبقاء على “شعرة مُعاوية” بين السعودية وإيران مثلا. حوار خاص مع تيم غولديمان عن هذه المهمة التي عاينها مباشرة خلال شغله منصب سفير للكنفدرالية في طهران من خلال لعب دور قناة اتصال بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيران الإسلامية.

طالع المزيد“كلما زادت السرية.. كلما كان ذلك أفضل”

إضافة إلى ذلك، سيتمرّن المشاركون على تأدية الأدوار في الأوضاع الصعبة وينفذون قبل نهاية المنهج مسار وساطة لعدة أيام في ظل ظروف واقعية. وفي هذا الصدد، يقول البروفسور أندرياس ڤينغر في حديثه لمندوب الإذاعة السويسرية: «نقوم ببناء جسر بين العلوم والنظريات والخبرات التخطيطية من جهة والخبرات العملية المكتسبة من مسارات الوساطة من جهة أخرى.»

من جهتها، صرحت مستشارة الوساطة في وزارة الخارجية السويسرية نيكول بروڤيدولي لمراسل الإذاعة: «إنه من مصلحة سويسرا أن يكون هنالك وسطاء متخصصون في كافة بقاع الأرض، فالتخصص المهني في الوساطة الدبلوماسية مهم جدّا بالنسبة لنا لأن سويسرا تريد لاتفاقات السلام أن تكون أكثر ديمومة وثباتًا»، وأضافت: «حاليًّا لا يوجد مثل هذا التخصص في أي مكان من العالم، الحكومة السويسرية ومعها المعهد التقني العالي الفدرالي في زيورخ يسدّان فراغًا في هذا المجال.»

وأشارت بروڤيدولي إلى مغزى أن تكون مثل هذه الدراسة في سويسرا مؤكدةً على الخبرة الكبيرة والسمعة الطيبة التي تتمتع بها البلاد في وساطات السلام: «نحن مُحايدون ولا نتبع سياسات القوة، وذلك ما يُكسبنا ثقة ومصداقية لدى الآخرين، وبالطبع لدينا خبراتنا الفريدة وتجاربنا في مجال السلام».

جدير بالذكر أن المعهد التقني العالي الفدرالي في زيورخ يضم الأكاديمية العسكرية السويسرية التي تأسست قبل 125 عامًا وتُعنى بالبحوث والعلوم والنظريات العسكرية إلى جانب اهتمامها بالتدريب الميداني لضباط الجيش الفدرالي السويسري، وأن البروفسور أندرياس ڤينغر يشرف أيضًا على دبلوم دراسات متقدمة في العلوم العسكرية وماجستير دراسات متقدمة في سياسات الأمن وإدارة الأزمات، مما يشير إلى أهمية التعاون بين المعهد ووزارة الخارجية السويسرية في إنجاز المسار الدراسي الجديد ويضفي عليه طابعًا هامًّا. يُضاف إلى ذلك أن سويسرا كانت حتى الآن حاضرةً في العشرات من عمليات السلام في أكثر من عشرين بلداً حول العالم.

“الحياد النشط” يتطلب وُسطاء متخصصين

في السياق، تعتبر مساهمة سويسرا ودورها في التوصل لاتفاقات إيڤيان في العام 1962 بين المستعمر الفرنسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، والتي أدت إلى نيل الجزائر استقلالها في 5 يوليو 1962 منهيةً 132 عامًا من الإستعمار الفرنسي وثماني سنوات من حرب التحرير، من أهم المعالم في تاريخ الدبلوماسية السويسرية، وقد وصف ماكس بوتي بيير، وزير الخارجية آنذاك هذه المساهمة بأنها جزءٌ من «سياسة الحياد النشطة» التي تنتهجها الكنفدرالية.

إلى ذلك، يُضاف العديد من النجاحات التي حققتها سويسرا في وساطاتها من أجل حل النزاعات الداخلية في السودان وكولومبيا وأوكرانيا وفي النزاعات بين تركيا وأرمينيا وبين روسيا وجورجيا. ووفقًا لما ينقل عن أوساط وزارة الخارجية السويسرية فإن سويسرا، ومنذ بداية الألفية الثالثة، تلعب دور الوساطة في حوالي ثلاثين نزاعًا معظمها غير معلن بسبب عدم رغبة أطراف الصراع في ذلك، وأن أدوراها غير المعلنة أكثر مما يظن المرء وهي تتعلق بالتدريب على قيادة المفاوضات والحقوق الدستورية والتفاصيل التقنية للإتفاقات والعقود. 

واستناداً إلى ما تقوله هايدي غراو، مديرة قسم الأمن الإنساني في وزارة الخارجية فإن «الطلب على هذه الخدمات في تزايد مستمر وإن سويسرا، حيث يمكنها، تريد الإستمرار في تقديمها، ولكن ما ينقصها هو الكادر البشري، لذلك، فإن التوجّه سيكون نحو بناء وتدريب وسطاء متخصصين، لأن تشجيع السلام يخدم الجميع، بما فيهم سويسرا». 

المزيد
رسم بياني

المزيد

مهامّ حميدة لسويسرا على مدى السنين

تم نشر هذا المحتوى على على مدى العشريات الست الأخيرة، ارتفع عدد مهام الوساطة الحميدة أو رعاية المصالح التي اشتركت فيها سويسرا جزئيا أو كليا أو تراجع تبعا لتطور الأوضاع الجغرافية – السياسية في شتى بقاع العالم.

طالع المزيدمهامّ حميدة لسويسرا على مدى السنين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية