مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

منتدى كران مونتانا في الداخلة… إيجابيات وسجالات

رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران يُلقي كلمة في افتتاح أشغال الدورة 25 لمنتدى كران مونتانا في مدينة الداخلة يوم 14 مارس 2015. swissinfo.ch

وسط غبار النزاع الصحراوي، ضاعت أهمية الدورة الخامسة والعشرين لمنتدى كران مونتانا السويسري التي التأمت في منتصف شهر مارس الجاري بمدينة الداخلة، جنوب المغرب الأقصى. وفيما اهتم المشاركون فيه بما تمخض عن المناقشات التي كان مسرحا لها، انشغل خارج محيط "المخيم/ المركز" الذي احتضن الأيام الثلاثة للمنتدى، بأسماء وصفات من حضر من المدعُوّين ومن غاب منهم وعلاقة ذلك بالنزاع وما هو مقبل عليها سياسيا مع قرب بدء مجلس الأمن الدولي مناقشاته السنوية لهذا الملف المزمن.

يُعتبر منتدى كران مونتانارابط خارجي الذي عقد دورته الأخيرة من 13 إلى 15 مارس 2015 في المملكة المغربية تجمّعا سويسريا ذا طابع اقتصادي يطمح القائمون عليه أن يُماثل يوما ما المنتدى الإقتصادي العالميرابط خارجي (الذي يلتئم سنويا في منتجع دافوس شرق سويسرا). وعلى غرار هذا الأخير، ارتبط اسم المنتدى بالمنتجع السويسري (كران مونتانا بكانتون فالي) الذي احتضن جميع دوراته السابقة، باستثاء دورة يتيمة عقدها بموناكو (التي تحتضن الآن إدارته) لم تثر ضجيجا يُذكر. في المقابل، أدى اختياره مدينة الداخلة، إلى جعل اسم المنتدى في ملفات كل المعنيين بالنزاع الصحراوي المتفجر منذ منتصف سبعينات القرن الماضي بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، باعتبار أن الداخلة هي المدينة الثانية بالمنطقة المتنازع عليها وعاصمة لاقليم وادي الذهب.

حضور واسع وغيابات…

دورة الداخلة تمحورت حول القارة الافريقية وأزمتها والتعاون بين دولها في إطار تعاون جنوب – جنوب تحت عنوان «إفريقيا والتعاون الإقليمي والتعاون جنوب – جنوب»، وشهدت مشاركة 800 شخصية من ضمنهم رؤساء دول وحكومات ووزراء ورؤساء برلمانات يمثلون 115 دولة (36 بلدا أفريقيا و30 بلدا أسيويا و31 دولة أوروبية و15 دولة من أمريكا اللاتينية)، فضلا عن أكثر من 20 منظمة إقليمية ودولية.

بالمقابل، غابت عن حضور المنتدى المنظمات الإقليمية والدولية ذات التاثير الحقيقي بمستقل النزاع الصحراوي وتطوراته. فالإتحاد الافريقي، ليس فقط معنيا بالنزاع، بل هو طرف مراقب (وفق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة)، ويُشكل أيضا الإطار القاري المعني على مستوى القارة السمراء، لكنه ذهب بعيدا، إذ لم يكتف بالغياب بل دعا إلى “عدم تنظيم المنتدى بمدينة الداخلة”، وحث على “مقاطعته”. أما الإتحاد الأوروبي، ذو التأثير الواسع على تطورات النزاع الصحراوي والنفوذ الكبير على أطرافه، فقد غيب حضوره بسلسلة تصريحات لمسؤولين أوروبيين. في المقابل، أعلنت الأمانة العامة للأمم المتحدة رسميا عن عدم حضورها، خصوصا وأنها الجهة المكلفة باعداد تقرير مجلس الأمن الدولي حول النزاع، وهو (أي التقرير) الذي يُشكل أرضيه للقرار الذي سيصدر عنه في موفى شهر أبريل القادم.

مدينة الداخلة

تشكل هذه المدينة الواقعة في أقصى الجنوب المغربي، لسانا بريّا في مياه المحيط الأطلسي.

اختار منتدى كرانس مونتانا مدينة الداخلة ليعقد فيها اجتماعه السنوي لسنة 2015 لأنها «تُعد بطبيعتها نموذجا لمستقبل المغرب وأفريقيا وتحظى بموقع استراتيجي متميز كهمزة وصل على المستويين الإقتصادي والتجاري»، كما جاء على لسان رئيسه جون بول كارتيرون.

تُعرف الصحراء الغربية، التي كانت حتى 1976 خاضعة للإحتلال الاسباني، بالساقية الحمراء بالشمال (وعاصمتها مدينة العيون) ووادي الذهب (وعاصمتها مدينة الداخلة)، وهي المنطقة الجنوبية من الصحراء والتي ظلت من عام 1976 وحتى سنة 1979 تحت الإدارة الموريتانية وفق “اتفاقية مدريد” التي وزعت إدارة المنطقة بين المغرب وموريتانيا.

أدى الإنقلاب الذي قام بها الجيش الموريتاني على الرئيس مختار ولد دادا في عام 1978 إلى انسحاب موريتانيا من وادي الذهب. وإثر ذلك، أعلن المغرب سيطرته عليها في 14 اغسطس 1978 لتشكل حسب الخارطة الرسمية للمملكة المغربية جزءا من الأراضي المغربية.

اقتصاديا، تعتمد مدينة الداخلة وإقليم وادي الذهب على رعي الإبل والصيد البحري، كما تستقطب شواطئها والصحراء المترامية الأطراف آلاف السياح سنويا بالإضافة إلى احتضانها لمهرجان سنوي يحمل عنوان “الصحراء والبحر”. 

هذه الغيابات كانت ستمر مرور الكرام لولا ردود الفعل التي حصلت على مشاركة شخصيات وازنة في منتدى الداخلة، مثل رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، خوسي ثاباتيرو ورئيس الوزراء الغيني محمد سعيد فوفانا، ورئيس الوزراء المالي موديبو كيتا والوزير الفرنسي السابق فيليب دوست بلازي ومستشار الامين العام للامم المتحدة ورئيس الحكومة الفرنسية الأسبق دومينيك دوفيلبان، ورئيس مقدونيا جوجي إيفانوف، ورؤساء سابقون لكل من بلغاريا (بيتر ستويانوف) وكرواتيا (إيفو يوسيبوفيتش) وجزر القمر (عبد الله سامبي) وإستونيا (أرنولد روتيل) والشيلي (ريكاردو لاغوس) ورئيسة لجنة الخارجية في «المؤتمر الوطني الأفريقي» الحزب الحاكم في جنُوب أفريقيا، والمستشار السابق لدى حكومتها وهو الحضور الذي اعتبره الرئيس المؤسس لمنتدى «كرانس مونتانا»، جون بول كارترون “اعترافا بالإحترام والتقدير الكبيرين اللذين يحظى بهما المنتدى والمغرب”، لتسجل الرباط نقطة قوية تُساعده في تأمين دعم دولي معنوي للحفاظ على مغربية الصحراء المتنازع عليها.

حملات ومواقف

جبهة البوليساريو، التي تنازع المغرب على الصحراء الغربية، ومنذ الإعلان عن تنظيم المنتدى بمدينة الداخلة، شنت حملة لافشاله والضغط على إدارته لاستبدال الداخلة بمدينة أخرى، حتى وإن كانت مغربية، لكن شريطة أن تكون خارج المنطقة المتنازع عليها. وأجرت قواتها مناورت عسكرية وهددت بشن هجمات واستصدرت قرارا من القمة الإفريقية يدعو للمقاطعة. لكن وبعد فشلها في الحصول على ما تريد، وعدم تمكنها حتى من إخراج تظاهرة لمؤيديها بالمدينة، قررت أن تذهب بعيدا، برفع دعوى قضائية، لدى محكمة «لاهاي» الدولية، ضد منتدى كرانس مونتانا.

الأكثر اثارة، كان رد فعل إسبانيا الرسمية على مشاركة رئيس حكومتها الأسبق خوسي لويس رودريغيث ثابتيرو، حيث انتقدت مدريد هذه المشاركة، فيما أشار الحزب الإشتراكي المعارض (الذي كان ثابيتيرو يتزعمه) إلى أن “قرار المشاركة هو شخصي لثابتيرو ويُحترم”، أما الحزب “فلم يُغيّر من موقفه” في نزاع الصحراء.

في المقابل، قال وزير الخارجية الإسباني مانويل غارسيا مارغايو إن «حضور ثابتيرو في المنتدى هو قرار يستوجب توضيحا من الذين قاموا بالزيارة ومن طرف الذين رخصوا بها»، وذكّـر بأن إسبانيا تدافع في نزاع الصحراء عن “حل عادل ودائم ومقبول من الطرفيْن يكفل حرية تقرير مصير الصحراويين في إطار قرارات الأمم المتحدة” وتماشيا مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، و«عليه فثابتيرو يُسافر بصفته الشخصية ولا يمثل الموقف الرسمي الإسباني» على حد قوله.

ومن جهته، قال استيفان دوغريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في إشارة إلى فيليب دوست بلازي: “إن الأمين العام أو أي من مساعديه لم يُشاركوا في مؤتمر كران مونتانا” وانتقد في بيان رسمي وصف مدينة الداخلة في الأوراق الصادرة عن المنتدى بأنها مدينة مغربية لأن «الوضع النهائي للصحراء الغربية هو موضوع لعملية تفاوض تجري تحت رعاية الأمم المتحدة، ووفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة» وأضاف «لقد لاحظنا تقارير صحفية مفادها أن الأمم المتحدة تشارك في منتدى كران مونتانا بالداخلة، لكن الأمين العام بان كي مون لم يفوض دوست بلازي، وهو يشغل منصب المستشار الخاص للأمين العام بشأن التمويل المبتكر، أو أي أحد آخر بالحضور» وقال «إن حضور فيليب دوست بلازي أعمال المؤتمر يتم بشكل حصري بصفته الشخصية فقط».

وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار وصف التشويش الذي تعرض له منتدى «كران مونتانا» الذي اتهم به الجزائر بـ «المؤسف» وأشار إلى أنها “لم تجن من وراء كل عجرفتها سوى الشفقة بعدما باءت محاولتها في تأليب المجتمع الدولي ضد الحدث بالفشل”، على حد قوله.

نقاشات وجوائز  

ناقشت الدورة الخامسة والعشرون لمنتدى كران مونتانا السويسري التي التأمت بمدينة الداخلة أيام 13 الى 15 مارس 2015 قضايا التنمية الإقتصادية في أفريقيا وتعزيز التعاون جنوب – جنوب، وسياسة المغرب في مجال التعاون الأفريقي والتدبير الجيّد للموارد الطبيعية في أفريقيا وتحديات الثورة الرقمية في العالم وفي أفريقيا وتنمية الصناعات البحرية في إفريقيا والأمراض والأوبئة العابرة للحدود ومخاطرها على الصحة العمومية وتطوير الصناعات الزراعية والغذائية والصيد البحري في أفريقيا وتطوير القطاع المالي والبنكي في إفريقيا والنهوض بالصناعات السياحية في إفريقيا والعناية بالطاقات المتجددة في أفريقيا وتعزيز الحوار بين إفريقيا ودول المغرب العربي وأوروبا وقضايا التربية والشغل والشباب في إفريقيا.

شهدت الجلسة الختامية تسليم جائزة 2015 للمنتدى للرئيس السابق لإستونيا (2004-2011)، أرنولد روتيل، ورئيس الحكومة الإسبانية السابق، خوزي لويس رودريغيس ثاباتيرو (2004-2011)، ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة، فيليب دوست بلازي، ووزير البيئة والتنمية المستدامة والتخطيط الفرنسي (2007-2010)، جون لوي بورلو، ورئيسة المجلس الإقتصادي وافجتماعي والبيئي في السينغال، أميناتا تال.

مسألة حقوق الإنسان

رغم كل شيء، لا يبدو أن الضجيج الذي أحاط بانعقاد المنتدى في مدينة الداخلة سيحرم المغرب من ورقة سياسية يحتاجها خلال الأيام القادمة أثناء مناقشات مجلس الأمن الدولي لتطورات النزاع الصحراوي وإصدار قرار تمديد ولاية قوات “المينورسو” التابعة للأمم المتحدة المنتشرة بالمنطقة المتنازع عليها وارتباط التمديد مع محاولات جبهة البوليساريو توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة والتقرير بها إلى مجلس الأمن وهو ما يرفضه المغرب ويعتبره خروجا عن الإتفاقية الموقعة معه بشان هذه القوات ومسا بسيادته على المنطقة، وهي المحاولة التي كادت أن تنجح في عامي 2013 و2014 لولا الضغط الفرنسي والروسي والتهديد باستخدام حق النقض (الفيتو).

للتذكير، تعتمد جبهة البوليساريو ومؤيدوها في مساعيهم الرامية إلى توسيع صلاحيات المينورسيو لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الانسان وما تتحدث عنه من “انتهاكات ترتكبها السلطات المغربية بالمنطقة بحق الناشطين والسكان”، إلا أن مئات الشخصيات أمضوا أربعة أيام بلياليها في مدينة الداخلة الهادئة بطبيعتها، فيما كانت أمواج المحيط الاطلسي تلامس شواطئها دون صخب، وجالوا بالمدينة ولم يلاحظوا أي إرباك بالأمن أو استنفارا واضح المعالم لأجهزة الشرطة. ويرى مؤيّدون للرباط أن شهادات هؤلاء المشاركين إضافة للعشرات من الصحافيين الذين مثلوا منابر إعلامية وزانة وما عرفه المغرب من اصلاحات في هذا الميدان، ستصب لصالح الرباط في نهاية المطاف وأن مجلس الأمن سيلحظها في قراره القادم رغم ما سيُسجله – ربما – من نقد لتنظيم منتدى كران مونتانا في مدينة الداخلة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية