مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإمتيازات الضريبية لصالح الأثرياء الأجانب تواجه انتقادات حادة

صورة جوية لبيت مايكل شوماخر الفخم في بلدة "غلون" Gland الواقعة بين لوزان وجنيف. هذا الرياضي السابق أحد المشاهير المستفيدين من الإمتيازات الضريبية التي توفرها سويسرا للأثرياء الأجانب. Getty Images

سوف يقرر الناخبون السويسريون يوم 30 نوفمبر 2014 إذا كانوا يريدون فعلا إلغاء الامتيازات الضريبية المصممة على مقاس دافعي الضرائب الأثرياء الأجانب. وترى أحزاب اليسار، مطلقة هذه المبادرة، أن هذا الإمتيازات غير عادلة وتفتقر إلى الشفافية. أما أحزاب اليمين، فتخشى أن يؤدي نجاح المبادرة إلى خسارة كبيرة على مستوى جاذبية سويسرا للإستثمارات ولرؤوس الأموال الأجنبية.

كثيرة هي أسماء الاثرياء الاجانب المتهربين من دفع الضرائب والتي ترددت أصداؤها في عناوين الصحف في السنوات الأخيرة، وما نجم الروك الفرنسي جوني هاليداي، أو مؤسس مركز بيع الأثاث المنزلي، إيكيا Ikea، إنغفار كامبراد، أو الملياردير الروسي، فيكتور فيكسيلبورغ، إلا أمثلة على ذلك. جميعهم استفادوا من امتيازات ضريبية، وهي رسوم تسمح لأكثر من 5600 أجنبي لا يُمارسون أيّ نشاط ربحي في سويسرا بألا يكونوا مُلزمين إلا بدفع رسوم على نفقاتهم فحسب وتُعفى من ذلك مداخيلهم أو ثرواتهم الحقيقية.

الإمتيازات الضريبية: ما الذي تعنيه بالضبط؟

يستند نظام الامتيازات الضريبية إلى نمط الحياة ونفقات المكلّف بدفع الضرائب في سويسرا وليس بحسب المداخيل الحقيقية وحجم ثروات الشخص المستفيد منها. وهو نظام لا ينطبق إلا على الأجانب الذين لا يمارسون نشاطاربحيا في سويسرا. ويستفيد منه كذلك الرياضيون والفنانون.

في عام 2012، قرّر البرلمان السويسري تشديد شروط منح هذه الامتيازات. فالحد الأدنى من الإنفاق الذي يؤخذ في الإعتبار في إطار الضرائب الكانتونية والفدرالية بات عند مستوى سبع مرّات قيمة الإيجار او القيمة الإيجارية للمساكن، والأشخاص الوحيدون الذين بإمكانهم الإستفادة في المستقبل من هذا الإمتياز الضريبي هم الذين لا يقل دخلهم السنوي عن 400.000 فرنك وذلك في ما يتعلّق بالضريبة الفدرالية المباشرة.

على وجه التحديد، أي أجنبي يشتري شقة في سويسرا تبلغ قيمتها الإيجارية الشهرية 500 فرنك سوف تخضع للضريبة، بنفس النسبة المفروضة على بقية دافعي الضرائب، أي على دخل قدره 420.000 فرنك (5000 ضارب 12 ضارب 7). بالإضافة إلى ذلك تنضاف نفقات أخرى محتملة مثل السيّارات أو الطائرات الخاصة.

القاعدة المعمول بها بالنسبة للضرائب على الثروة هي على الأقل عشر مرات أعلى من مقدار الدخل المعلن، أي 4.200.000 فرنك في المثال المذكور هنا. 

ولكن هذا النظام الضريبي، والذي حقق ما يقرب من 700 مليون فرنك كرسوم ضريبية لصالح خزينة الحكومة الفدرالية، والكانتونات، والبلديات، في عام 2012، يُواجه منذ فترة العديد من العراقيل. فعلى إثر ضغط الرأي العام، قررت خمسة كانتونات ناطقة بالألمانية حذفه، وهي زيورخ، وبازل – المدينة، وريف بازل، وشافهاوزن، وأبنّزل – رودس الخارجية.
في بعض الكانتونات الأخرى (مثل سانت – غالن، وتورغاو، ولوتسرن، ونيدفالد، وبرن)، صوّت الناخبون ضد إلغاء هذه الإمتيازات، في حين تمّ تشديد شروط الحصول عليها. وسيكون يوم 30 نوفمبر القادم أمام الناخبين السويسريين فرصة الحسم في هذه الاداة التي أنشأت في نهاية القرن التاسع عشر لاجتذاب الأثرياء البريطانيين الذين يفضلون قضاء فترة التقاعد على شاطئ “الريفيرا” بكانتون فو.

المبادرة التي تحمل شعار “أوقفوا الإمتيازات الضريبية التي يتمتّع بها أصحاب الملايين (إلغاء الإمتيازات الضريبي)” التي أطلقها اليسار، ويدعمها معسكر يتكوّن من الحزب الإشتراكي وحزب الخضر بالإضافة إلى النقابات، الذين يرون أن هذا النظام اعتباطي، ومخالف للمبدأ الدستوري الداعي إلى الحقوق المتساوية. وفي السياق، يشير كريستيان لوفرا، عضو مجلس الشيوخ، ورئيس الحزب الإشتراكي إلى أن “هذه الإمتيازات الضريبية تشيع مناخا قبيحا في سويسرا. وليس من المقبول أن مواطنا من الطبقة الوسطى يدفع أكثر ضرائب من ملياردير اجنبي يسكن على بعد بضعة كيلومترات من مقر سكناه”.

ممارسة في المناطق اللاتينية وفي مناطق جبال الألب

ترفض أحزاب اليمين وأحزاب الوسط هذه المبادرة جملة وتفصيلا. ويردّ جون – رينييه فورنييه، النائب بمجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي المسيحي من كانتون فالي على أصحاب المبادرة قائلا: “الرسوم بحسب الإنفاق أداة ضريبية مثالية مناسبة لاستخلاص ضرائب الأشخاص الذين ليس لهم دخل في سويسرا. ومن الخطأ أن نتحدّث هنا عن انعدام العدل في المعاملة، لأن هؤلاء الافراد يدفعون ضرائبهم بالفعل من خلال الخصم من المصدر في الخارج”.

وتعدّ الكانتونات اللاتينية (أي المتحدثة بالفرنسية والإيطالية) والجبلية الأكثر اعتمادا لهذا النظام الضريبي المثير للجدل في السنوات الاخيرة. ويأتي كانتون فو الذي يبلغ عدد المستفيدين فيه من هذه الإمتيازات (1396 حالة) على رأس القائمة متقدّما على كانتون فالي (1274 حالة)، والتيتشينو (877 حالة)، يليه جنيف (710 حالة)، وغراوبوندن (268 حالة)، ثم برن (211 حالة).

في نظر المعارضين، تمثّل هذه المبادرة هجوما غير مقبول على النظام الفدرالي، وعلى السيادة الضربيبة التي هي من صلاحيات الكانتونات. ويتساءل جون –رينييه فورنييه قائلا: “كل كانتون يجب أن يُتاح له اختيار أنسب الأنظمة الضريبية بالنسبة له، وأن يكيّفه مع وضعه الخاص. هناك كانتونات أخرى عملت خلال عدة عقود على جذب شركات اجنبية متعددة الجنسيات من خلال توفير امتيازات ضريبية. فهل هذا الموقف أخلاقي أكثر من الموقف الآخر؟”.

المزيد

من جهته، يندّد اليسار بما يرى أنه منافسة بين الكانتونات والتي هي اقرب إلى الإغراق، والضبابية الكبيرة التي تميّز الطريقة التي تنفّذ بها الكانتونات هذا النظام، والذي يشبه التهرّب الضريبي، لأن عددا من المستفيدين منه يمارسون أنشطة ربحية في سويسرا.

ويشير كريستيان لوفرا كذلك إلى الآثار السلبية لوجود هؤلاء الأثرياء الاجانب في بعض المنتجعات السياحية في جبال الألب. ويتساءل “ما الفائدة التي تجنيها غشتاد من هذه الشاليهات الفاخرة التي تظل فارغة لمدة طويلة خلال السنة؟ هؤلاء الاثرياء لا ينفقون شيئا تقريبا، وكل ما يقومون به هو أنهم يساهمون في رفع أسعار الإيجارات على نطاق واسع ما يلحق الضرر بالسكان المحليين، الذين يدفعون ثمنا باهضا لهذا النمو اللاعقلاني”. 

تجربة زيورخ المثيرة للجدل

خلال المناقشات داخل البرلمان، انتقد عدد من نواب اليمين ما اعتبروه مطاردة وتصيّد اليسار للأثرياء. كما شدّدوا ايضا على أهمية هذه الإمتيازات الضريبية للإبقاء على الجاذبية الإقتصادية لسويسرا، معربين عن قلقهم من رؤية هؤلاء الأثرياء الاجانب، يحزمون حقائبهم ويغادرون سويسرا بأعداد كبيرة. ويقول جون – رينييه فورنييه: “كل بلد له طريقته في جذب الأثرياء الكبار. وبلدان مثل فرنسا والبرتغال وإسبانيا يمارسون هذا النوع من النظام الضريبي على نطاق اوسع بكثير منه في سويسرا. من خلال هذه المبادرة، نقوم بتسديد هدف في مرمانا”.

ويشير عضو مجلس الشيوخ من كانتون فالي إلى مثال زيورخ، حيث اضطرّ نصف الأجانب المستفيدين من الإمتيازات الضريبية إلى مغادرة الكانتون سنتيْن فقط بعد إلغاء هذا الإمتياز في عام 2009″. ثم يضيف: “والذين لم يغادروا هم يدفعون الآن ضرائب أقلّ من ذي قبل. في هذه الحالة على دافعي الضرائب السويسريين سدّ ذلك النقص”.

أما اليسار فيقدّم قراءة مختلفة جدا لما جرى في زيورخ: العائدات الضريبية لم تنخفض إلا بنسبة ضئيلة جدا. ولم يغادر إلا دافع ضرائب أجنبي واحد من جملة ستة دافعين، وكان الوضع سيكون مغاير لو ألغيت هذه الإمتيازات في كل مناطق البلاد في آن واحد. ويؤكّد كريستيان لوفرا: “في معظم البلدان التي لديها مستوى معيشة ومرافق مماثلة، معدّلات الضريبية فيها أعلى من النسب الموجودة في سويسرا”.

ثم إن الضرائب ليست المحدد في كل شيء بحسب رئيس الحزب الإشتراكي: “هؤلاء الاجانب اختاروا المجيء للأقامة في سويسرا بسبب الهدوء الموجود فيها، وبسبب الإستقرار، ونظامها المعيشي، وبيئتها المناسبة للقيام بالأعمال. وهذا يتطلّب منهم الحد الأدنى من المساهمة في الجهد المشترك”. 

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية