مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أصداء سويسرية لتسريبات الجزيرة عن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية

مظاهرة نظمها أنصار حماس في غزة يوم 27 يناير 2011 بعد نشر قناة الجزيرة الفضائية لوثائق سرية تكشف عن دور المفاوضين الفلسطينيين مع الطرف الإسرائيلي وموقفهم من بعض الثوابت الفلسطينيية Keystone

على مدى الأيام الأخيرة، خصصت الصحف السويسرية على اختلاف لغاتها حيزا وافرا للحديث عن إقدام قناة الجزيرة القطرية بالاشتراك مع صحيفة الغارديان البريطانية على نشر المئات من الوثائق السرية المتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.

ولئن حاولت العديد من اليوميات السويسرية في بداية الأمر شرح ما جاء في الوثائق لجمهور قرائها الذي لم تتح له في معظم الأحيان فرصة الإطلاع عليها مباشرة، فإنها سرعان ما عادت خلال الأيام الموالية لمحاولة فهم تأثيراته وأبعاده على مسار عملية السلام ومحاولة استكشاف مدى استفادة هذا الجانب أو ذاك من تداعياته.

ضعف فلسطيني

فقد تطرقت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في زيورخ) للموضوع تحت عنوان “إحباط لامتناهي للفلسطينيين”. وفي المقال تطرق مارتين فوكر لشرح الإملاءات التي فرضتها إسرائيل منذ بداية مسار السلام في أوسلو، من تضييق وعزل لقطاع غزة ومراقبة للطرق الحيوية وتوسيع للمستوطنات، والتي انتهت كما كتبت الجريدة إلى “فرض مراقبة شاملة”. وأضافت الصحيفة “وكأن هذه التعقيدات لم تكن لتكفي لوحدها أضيفت لها منذ نهاية الأسبوع التسريبات عن وثائق المفاوضات التي تترك انطباعا عن استعداد للتواطئ من قبل المفاوضين الفلسطينيين”، وهو ما “سيعمل على تعقيد مفاوضات السلام في مسار ليست فيه موازين القوى متكافئة”، حسب الصحيفة.

تحت عنوان “أتعس ما كان ليحدث لمحمود عباس”، كتبت صحيفة تاغس انتسايغر (تصدر بألألمانية في زيورخ) بقلم توماس افيناريوس أن “الإسلاميين الذين رفضوا مفاوضات السلام مع إسرائيل سيجدون في نشر الوثائق الفلسطينية تأكيدا لموقفهم”، واعتبرت أن “محمود عباس ومعه قيادة فتح القديمة التي تحكم في الضفة الغربية سيجدون أنفسهم اليوم أمام الحائط”. بل ذهبت أيضا إلى أن ما يحدث يعتبر أتعس حتى بالنسبة  الوزير الأول سلام فياض الذي يحظى بقبول  كبير في الغرب. وما تستخلصه الصحيفة هو ” أن ما قدمته قيادة فتح  من تنازلات في المفاوضات … سوف لن يثير اهتمام الشعب … ولكن ما قد يستقطب اهتمام  الفلسطينين ممن طردوا من ديارهم من طرف قوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين اليهود في القدس الشرقية هو كون كل ذاك تم بموافقة القيادة الفلسطينية في رام الله”.

شكوك حول دحلان

صحيفة بازلر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في بازل) تطرقت للموضوع تحت عنوان “فلسطينيون متساهلون” معتبرة أن نشر هذه الوثائق السرية “أظهر عدم التكافؤ في الموازين في مفاوضات الشرق الأوسط”. وأثارت كاتبة المقال إينغي غونتر التساؤلات الدائرة حول مصدر هذا التسريب، موردة ما يتردد من أن ذلك قد يكون من صنع “محمد دحلان  الرجل القوي في حركة فتح والذي تعرض للإبعاد مؤخرا من قبل الرئيس محمود عباس بسبب المناورات”.

هذه المسألة خصصت لها صحيفة “سانت غاللن تاغبلاط” (تصدر بالألمانية في سانت غالن) عنوانا جانبيا “الشكوك في اتجاه محمد دحلان” أشارت فيه سوزان كناول بالاعتماد على أقوال محللين فلسطينيين إلى أن “المهم ليس معرفة المصدر بل ما تحتوي عليه هذه الوثائق من مادة”. وتنتهي – استنادا إلى اقوال المحلل السياسي الفلسطيني عبد الستار قاسم – إلى أن “عملية النشر سوف لن تؤثر على الصراع الداخلي في حركة فتح … لأن سلطة الحكم الذاتي استطاعت أن تصمد في وجه العديد من  الفضائح وستصمد في وجه هذه الفضيحة ايضا”.

بعض الصحف السويسرية الناطقة بالألمانية تطرقت إلى التداعيات المحتملة لنشر هذه التسريبات على حركة حماس، وفي مقال نشرته كلوديا كونر في صحيفة تاغس انتسايغر تحت عنوان “حماس تنفض يديها”، أشارت إلى أن المسار السلامي بصورته الحالية “قد تم دفنه، وأن الفلسطينيين ينتظرون صراعا على السلطة، وحركة حماس تنفض يديها، وهذا كله قد يصب في صالح إسرائيل”.

في مقابل ذلك، تستخلص الصحيفة من هذه التسريبات “الدور غير النزيه الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم نفسها على أنها وسيط نزيه، في الوقت الذي تمارس فيه الضغوط على الجانب الفلسطيني الضعيف”. وتنتهي تاغس أنتسايغر إلى أن “بعض المعلقين يأملون في أن يعي الأمريكيون ضرورة البحث عن دور جديد”، لكنها سرعان ما تجيب على ذلك بالتشكيك بالنظر إلى أن “أرضية آمال مماثلة هشة في الوقت الحالي”، بل تذهب إلى حد التحذير من “اندلاع أعمال عنف جديدة ناهيك عن العواقب المتوقعة على المدى الطويل”.

وفي صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ،  كتب يورغ بيشوف تحت عنوان يقول “تخفيضات لبيع القدس الشرقية إلى إسرائيل” أن “الجزيرة عملت – بنشرها لهذه الوثائق – على إيصال هذه التنازلات الى معرفة الرأي العام وهو ما سيؤدي إلى إثارة الكثير من المقاومة وجعل الموضوع يصبح غير قابل للإبتلاع حتى من قبل دول موالية للولايات المتحدة مثل العربية السعودية أو مصر”.

بلبلة واتهامات

الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية اهتمت أيضا بموضوع تسريبات الجزيرة القطرية والغارديان البريطانية، وقالت صحيفة لوتون (تصدر في جنيف) إنها “قد تعمل على إثارة البلبلة”، وكتب جون بيار بيران “حتى ولو كان حكم التنازلات مفاجئا فإن تاثيرات ذلك على السلطة سوف لن تكون قوية نظرا لأن المواطنين الفلسطينيين يعيشون حالة ضياع كبرى ولا يعيرون أية مصداقية للقيادة الفلسطينية باستثناء سلام فياض ربما”.

وتطرقت الصحيفة للإتهامات الموجهة لقناة الجزيرة من قبيل “محاولة القيام بحملة ضد السلطة الفلسطينية”، وأوردت تصريحات بعض القادة الفلسطينيين مثل ياسر عبد ربه الذي يرى أن القناة قامت بذلك “بضوء أخضر من الأمير” الذي يحكم دولة قطر.

وفي صحيفة لوتون أيضا، بعث سيرج ديمون من تل ابيب بمقال يحلل فيه تاثيرات هذه التسريبات تحت عنوان “الجزيرة تضع محمود عباس في موقف مرتبك” وأشار فيه إلى تصريحات الرئيس الفلسطيني المتكررة التي اتهم فيها الجزيرة بـ “تحريف الحقيقة ومحاولة النيل منا”، أو أقوال ياسر عبد ربه من أن “كل ما قيل خاطئ بالمرة.. انه عبارة عن مناورة تهدف لتحطيم محمود عباس”، ولكن كاتب المقال يصل إلى خاتمة أن “هذه التسريبات تقلق الرئاسة الفلسطينية  وحركة فتح  الذين بدوا على أنهم قد خانوا التطلعات الفلسطينية”.

وترى الصحيفة استنادا للخبير الإسرائيلي آفي ايساخاروف أن ” حركة حماس ستجد في ذلك فرصة سانحة… لتعزيز موقعها لدى الرأي العام  ولتبرير تعنتها”.

مجلة L’Hebdo الأسبوعية (تصدر في جنيف) تطرقت في عددها الجديد للموضوع تحت عنوان “ويكيليكس من نوع آخر” إلى ما كتبته صحف دولية عن هذه التسريبات. وأشارت إلى أن صحيفة هاآريتس الإسرائيلية  اعتبرت أنه “يفند المقولة التي رددها إيهود باراك وناتانياهو والقائلة بأنه لا يوجد شريك للسلام على الطرف الآخر”. أما صحيفة التايمز البريطانية فاعتبرت أن التسريبات تشكل “آخر مسمار في نعش مسار السلام.. وهو ما يبرهن على أن الفلسطينيين لم يبق لديهم اليوم ما يقدمونه مما يعتبر القادة الإسرائيليون أنهم في أشد الحاجة إليه اليوم”.

نظرة مستقبلية

أخيرا، أوردت له صحيفة “بليك” الشعبية مقالا تحليليا بقلم أحد أقدم المراسلين السويسريين في الشرق الأوسط والعارفين بتقلبات المنطقة الصحفي آرنولد هوتنغر تؤكد خلاصته على أن “الفلسطينيين الذين يبحثون عن طريق جديد  لتحقيق تطلعاتهم، يجدون أمامهم محمود عباس ومن حوله ممن يحاولون  تفعيل مسار السلام ولكن بدون جدوى”.

وأضافت الصحيفة “وما دام عباس متورطا في مواجهاته مع حماس لحد عدم القدرة على المصالحة في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى تعاون الجميع، فإن الجيل الفلسطيني الصاعد يرى أن المواجهة القادمة مع إسرائيل يجب أن تكون على مستوى العصيان المدني، ويأملون في إقناع حماس بالعدول عن مقاومتها غير المجدية”.

وفي الختام، تساءل أرنولد هوتينغر: “هل سيكون البرنامج الجديد متمثلا في الإطاحة بعباس، والمصالحة مع حماس والعمل مع جناحها المدني وليس العسكري على بداية مشوار مقاومة ضد إسرائيل بطرق غير عنيفة؟” ، لكنه لم يقدم أي جواب عن تساؤلاته المهمة.           

أطلقت شبكة الجزيرة القطرية موقعا جديدا سمته “كشاف الجزيرة” يتضمن نحو 1600 وثيقة تتألف من أكثر من ستة آلاف صفحة تسجل تفاصيل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية خلال العشر سنوات الأخيرة. 

يهدف الموقع الى إطلاع المهتمين على ما يدور بين السياسيين خلف الأبواب المغلقة أو ما يتاح من أسرار حول قصص الفساد ومواضيع انتهاك حقوق الإنسان، وغير ذلك. 

بدأت الشبكة يوم الأحد 23 يناير 2011 بكشف سجلات التفاوض بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وبقية الأطراف والدول المنخرطة في هذه المفاوضات. 

وخصصت اليوم الأول من التغطية لقضية القدس، واليوم الثاني لملف اللاجئين ثم التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وبعد ذلك تناولت التغطية الأسرار المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على غزة في موفى 2008، وتأجيل تقرير غولدستون ومواضيع أخرى مهمة. 

وفي الوقت الحاضر، يمكن للمتصفحين الإطلاع على الوثائق الأصلية، التي تم نشرها تباعا على موقع “كشاف الجزيرة”.

في تصريحات خاصة بـ swissinfo.ch، يرى جون جاك جوريس، الدبلوماسي السويسري السابق الذي كان يشرف على مكتب ممثلية سويسرا في رام الله في تسريبات الجزيرة لوثائق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أنها “محرجة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، لأنها تظهر جليا مدى ضعفها لحد أنها لم تحصل لا على دعم الولايات المتحدة الأمريكية أو الأوروبيين بل اكتفت بتصريحاتهم الشفوية”.

وفي معرض تعليقه عن التحليلات التي أوردتها صحيفة هاآرتس الإسرائيلية من أن هذه التسريبات قد تعزز موقف الفلسطينيين في نظر الغرب عندما قالت: “إذا كانت إسرائيل تنوي، من خلال مواصلة بناء المستوطنات غير الشرعية، تعزيز الصورة التي تريد إعطائها عن أنها دولة يهودية وديمقراطية، فإنها ستعمل على فقدان آخر شريك فلسطيني في المفاوضات والذي بإمكانه تجنيب إسرائيل من الظهور على الساحة الدولية  بمظهر دولة الميز العنصري”، يرى الدبلوماسي السويسري السابق أن “المؤسف بخصوص هذا الموقف أنه غير واضح بما فيه الكفاية لا لدى الحكومة الإسرائيلية ولا لدى الدول الغربية. فالدول الغربية كانت تعرف منذ سنوات أن الفلسطينيين يرغبون في الإقتراب من إسرائيل ولكن المؤسف هو أن لا الأوروبيين ولا الأمريكيين مستعدون لتحميل إسرائيل مسؤولية أعمالها”.

وعلى النقيض مما صرح به مسؤولون فلسطينيون بخصوص “وجود مناورة وراء توقيت هذا النشر اليوم”، يرى الدبلوماسي السويسري السابق أنه “من المحتمل أن الجزيرة لم ترغب في أن يسبقها منافس آخر لنشر هذه الوثائق لذلك سارعت بنشرها”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية