مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جنيف تشهد “إنجازا” مفاجئا في مؤتمر دوربان الاستعراضي

إبتسامة المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي أثناء الإعلان للصحافة عن اعتماد بيان المؤتمر الاستعراضي لمناهضة العنصرية Keystone

في خطوة وُصفت بـ "الإنجاز الكبير"، أسرع مؤتمر مناهضة العنصرية الاستعراضي المنعقد بجنيف، قبل اختتام أعماله، باعتماد مشروع الإعلان النهائي تفاديا لتفاقم الجدل والمقاطعة اللـّذين خيما على أجوائه. ولعل أكبر ما أنجز هو تأكيد التمسك بقرارات المؤتمر الأول الذي استضافته دوربان بجنوب إفريقيا عام 2001.

رغم الجدل الذي رافق مؤتمر استعراض نتائج مؤتمر مناهضة العنصرية، أو ما سـُمي في العرف الصحفي بـ “دوربان 2″، ورغم كل ما رافق خطاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام المؤتمر المنعقد في جنيف من تظاهرات مناصرة ومعادية بلغت ذروتها لدى انسحاب ممثلي البلدان الأوروبية من المؤتمر، احتجاجا على مهاجمته لإسرائيل، تمكنت الدول المجتمعة في جنيف، وبالإجماع، من اعتماد مشروع الإعلان النهائي للمؤتمر.

حدوث هذا الاتفاق بإجماع البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة، باستثناء الدول التسع التي قاطعت المؤتمر، بعد يوم من الزوبعة التي كادت تعصف بجهود محاربة العنصرية، اعتبرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان والعديد من الدول “إنجازا كبيرا”.

لكن مخاطر انزلاق المؤتمر الاستعراضي نحو جدل جديد وإعادة النظر في النص المتفق حوله، دفعت الساهرين على المؤتمر إلى التسريع باعتماده في اليوم الثاني من المؤتمر بدل انتظار اليوم الأخير من الأسبوع، كما كان متوقعا.

وهذا “الانجاز الكبير” نستعرضه فيما يلي:

عدم التراجع عن قرارات دوربان 1

ربما أن الجدل الكبير الذي عرفته عملية التحضير لمراجعة نتائج مؤتمر دوربان، وفي نفس الوقت الإنجاز الكبير، أو بالأحرى تفادي وقوع تراجع مـُضر، تمثل في كيفية إعادة تأكيد التمسك بقرارات المؤتمر الأول الذي انعقد في جنوب إفريقيا في عام 2001.

فقد رغبت دول غربية في تفادي الإشارة بالتفصيل إلى إعلان دوربان 1 وبرنامج العمل الصادر عنه في مقدمة ديباجة مشروع بيان مؤتمر دوربان2. وهذا يعني، في نظر هذه الدول، معارضة التذكير بفقرات ترى أنها كانت مثار جدل في مؤتمر دوربان الأول، وخصوصا الإشارة إلى موضوع الشرق الأوسط والاحتلال وما إلى ذلك.

وهناك من المراقبين من رأى أنه في حال عدم إشارة مؤتمر دوربان الاستعراضي إلى تأكيد التمسك بإعلان دوربان الأول وبرنامج العمل، لكان ذلك بمثابة إعادة النظر في كافة قرارات مؤتمر دوربان 1.

لكن الفقرة الأولى من البيان المعتمد يوم الثلاثاء 21 أبريل أشارت حرفيا إلى “إعادة تأكيد التمسك بإعلان دوربان وبرنامج العمل، مثلما تم اعتمادهما في المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية والتفرقة العنصرية والمعاداة للأجانب وعدم التسامح المرتبط بذلك لعام 2001”.

تاكيد ضمني لطرح موضوع الشرق الأوسط

هذه الإشارة للتمسك بإعلان دوربان الأول وبرنامج العمل اعتبرها الجانب الفلسطيني كافية للتذكير بأن الموضوع الفلسطيني مطروح ومعترف به ضمن مؤتمر مناهضة العنصرية لأن إعلان دوربان الأول وبرنامج العمل خصصا عدة فقرات للموضوع؛ وهذا ما دفع الوفد الفلسطيني إلى سحب الموضوع من النقاش الذي أثارته بعض الدول الغربية وتذرعت به للتهديد بمقاطعة المؤتمر.

ويرى وزير الخارجية الفلسطيني أن سحب طرح الموضوع الفلسطيني من جديد بعد الجدل الذي اشتد بخصوص تجنب الإشارة إلى دولة بمفردها “فضح مواقف العديد من الدول الغربية، ودفع المفوضة السامية والأمين العام والعديد من الدول إلى الإثناء على الليونة التي سمحت بالتوصل إلى إجماع” حول النص المقترح.

وقد يجد الجانب الفلسطيني عزاءا أيضا في الفقرة 5 التي أشارت إلى “ضرورة معالجة، بمزيد من العزم والإرادة السياسية، كافة مظاهر التمييز والتفرقة العنصرية والمعاداة للأجانب في كل مناحي الحياة وفي كل أنحاء العالم، بما في ذلك من يرزحون تحت الاحتلال”؛ لأن مجرد الإشارة للاحتلال يكفي لإبقاء الموضوع الفلسطيني مطروحا مع باقي قضايا الشعوب التي تعاني من الاحتلال.

لكن النص المتفق عليه خصص فقرة بحالها لإعادة تأكيد ” أن المحرقة يجب ألا يتم تناسيها وحث كل الدول على تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تقر ذلك”.

حماية الأشخاص بدل الأديان

النقطة الأخرى التي أثارت الكثير من الجدل هي مشروع منظمة المؤتمر الإسلامي الرامي إلى جلب الانتباه إلى المساس بالأديان، والذي كان في البداية قد قدم في شكل نص “يعترف بقلق عميق بالتمييز السلبي الممارس ضد الأديان والتي يتمخض عنه المساس بحقوق الأشخاص المنتمين لتلك الأديان (…)”.

لكن النص النهائي الذي تم اعتماده حذف الإشارة “المساس بالأديان” لكي يكتفي بالتعبير عن “الأسف لتعاظم عدد الحوادث المترتبة عن العنف وعدم التسامح الديني والعرقي، بما في ذلك المعاداة للإسلام والسامية والمسيحية والعرب، والتي تتجسد من خلال استهداف أشخاص على أساس الانتماء الديني أو المعتقد (…)”.

اعتراف طوعي بدون تعويض

أما ما أورده بيان مؤتمر دوربان الاستعراضي في جنيف من جديد في مجال أحد المواضيع الأساسية في مجال محاربة العنصرية والتمييز، وخصوصا ما ارتكب في الماضي من استرقاق وتجارة بالعبيد، فتمثل فاكتفاء النص المعتمد بالتذكير بـ “ضرورة عدم نسيان، إلى الأبد، ممارسات الرق، والتجارة بالعبيد، بما في ذلك المتاجرة بالعبيد العابرة للمحيطات، ونظام التمييز العنصري، والاستعمار، وحروب الإبادة، والترحيب في هذا المجال بالخطوات المتخذة لتكريم أرواح الضحايا”.

ولم يذهب الإعلان إلى أبعد من مجرد حث الدول التي لم تعترف بأخطاء الماضي على القيام بذلك بالإشارة إلى “تسجيل الخطوات التي قامت بها دول في إطار الاعتراف بمآسي الماضي، وعبرت عن الندم، وقدمت اعتذاراتها، وأقامت آليات مثل لجان الحقيقة والمصالحة، أو أعادت ممتلكات ثقافية منذ إعلان دوربان وبرنامج العمل، ودعوة الدول التي لم تقم لحد اليوم بإعادة الكرامة للضحايا إلى البحث عن السبل الملائمة للقيام بذلك”.

ويشار إلى أن الدول، وبالأخص التي لها علاقة بالاستعمار والرق والعبودية، عارضت الإشارة التي كانت في النص الأولي والتي كانت تتحدث عن ضرورة المطالبة بالتعويضات عن مآسي الماضي.

سويس انفو – محمد شريف – جنيف

إذا كانت سويسرا من الدول الغربية القلائل التي قررت مواصلة المشاركة في مؤتمر دوربان الاستعراضي بجنيف حول مناهضة العنصرية، بوفد يرأسه سفير، فإن بعض الانتقادات وجهت لوزيرة الخارجية ميشلين كالمي-ري التي ترددت في حضور المؤتمر، خصوصا وأن هذا المؤتمر يتم على أرض سويسرية.

لكن السيدة كالمي-ري حلت بالمؤتمر على حين غفلة بعد ظهر الثلاثاء 21 أبريل للمشاركة في الاحتفال باعتماد الإعلان النهائي.

وقد رحبت الوزيرة السويسرية بـ “مصادقة البلدان الأعضاء بالإجماع على هذا النص النهائي”، بعد إشادتها باشتمال النص المعتمد على “المبادئ الكبرى التي نتعلق بها مثل حرية التعبير وحقوق المرأة، كما يذكر بالمحرقة وبمآسي الماضي التي يجب أن تكون عبرة للمستقبل، وينبذ الرق والاستعمار، ولا يشكك في الانجازات والمعايير المعتمدة في المعاهدة الدولية الخاصة بمناهضة كافة أوجه التمييز العنصري، ويعالج بطريقة متوازنة كل المواضيع المتعلقة بالعنصرية، وليس عبارة عن منصة للتشهير بوضعية منفردة”.

وهذا ما ترى فيه “نجاحا لموقف الدول التي ترغب في تكاثف جهود المجموعة الدولية من أجل محاربة العنصرية والتمييز العرقي والمعاداة للأجانب”.

وفي إشارة إلى خطاب الرئيس الإيراني أمام المؤتمر، قالت الوزيرة السويسرية “إنه إشارة قوية في اتجاه المجموعة الدولية، وبالاخص في اتجاه ضحايا التمييز العنصري بعد الخطاب غير المقبول الذي ألقي بالأمس”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية