مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المبادرات المناهضة للهجرة.. تقليد قديم في سويسرا

صورة لأربعة من العمال الإيطاليين كانوا يُقيمون في عام 1971 في فضاء لا تتجاوز مساحته 4 أمتار مربعة. ومنذ ذلك الحين، كان بعض السويسريين يشعرون أنهم "مُجتاحون" من طرف المهاجرين الوافدين. RDB

وافق الناخبون السويسريون يوم الأحد 9 فبراير 2014 للمرة الأولى على مبادرة شعبية تهدف للحد من هجرة العمالة الأجنبية، وهو موضوع كثيرا ما تردد على الساحة السياسية السويسرية طوال نصف القرن الماضي. ومنذ عمليات التصويت الأولى التي عرفتها بداية سبعينات القرن الماضي، تعرضت الكنفدرالية بانتظام لانتقادات قوية واتهامات بمعاداة الأجانب.

تعود أولى المحاولات الهادفة للحد من ارتفاع عدد العمال الأجانب إلى فترة الطفرة الإقتصادية التي تلت الحرب العالمية الثانية، عندما كانت سويسرا تواجه أكبر موجة هجرة في تاريخها. فقد جلب النمو السريع للإقتصاد الوطني، وبالأخص في القطاع الصناعي مئات الآلاف من العمال من جنوب أوروبا، قدموا أساسا من إيطاليا وإسبانيا.

في بادئ الأمر، حاولت الحكومة الفدرالية كبح جماح عملية التوظيف المكثفة من خلال اعتماد نظام الحصص في المؤسسات (في عام 1963)، ثم على المستوى الوطني (في عام 1970)، لكن ذلك لم يحقق النجاح المطلوب. فقد ارتفع عدد القاطنين الأجانب في المدن السويسرية ما بين عامي 1950 و 1973 بنسبة تتراوح ما بين 6 و 17%.

في الأثناء، أدى تنامي المشاعر المعادية للأجانب إلى تأسيس حزبين صغيرين يمينيين يجمعان في صفوفهما المدافعين عن الهوية الوطنية وهما “العمل الوطني” (الديموقراطيون السويسريون حاليا)، و”الحركة الجمهورية”. لكن دور هذين الحزبين بقي محدودا على الساحة السياسية الوطنية، رغم تمكنهما من تقديم أربع مبادرات شعبية تم التصويت عليها على المستوى الفدرالي ضد “ارتفاع نسبة العمال الأجانب”، وتحصلت على دعم شعبي يتعدى الحجم الحقيقي للقاعدة الإنتخابية للحزبين.

صدى كبير في أوروبا

المبادرة الأولى المعروفة باسم “مبادرة شفارتسنباخ” نسبة الى زعيم الحركة الوطنية في تلك الفترة، والتي تطالب بتحديد مستوى العمال الأجانب بـ 10% من مجموع السكان، تم طرحها للتصويت الشعبي في عام 1970 وحصلت على 46% من الأصوات واقترنت بنسبة مشاركة مرتفعة بلغت 74% وهو ما أعطاها أصداء واسعة في جميع أنحاء أوروبا.

هذه النتائج شجعت “العمل الوطني” و”الحركة الجمهورية” على تكرار العملية وإطلاق مبادرتين مشابهتين لكنهما لم تحصُلا إلا على 34.2% من أصوات الناخبين (في عام 1974) وعلى 29.5% (في عام 1977) بعد أن تجند جميع المعارضين للمبادرتين (من أحزاب سياسية رئيسية ومثقفين) في أعقاب الهزة التي تعرضوا لها بسبب نتائج التصويت الأول. من جهة أخرى، أدى الكساد الإقتصادي الذي شهدته سويسرا ما بين عامي 1974 و 1976 إلى مغادرة أكثر من 300 ألف عامل أجنبي للبلاد.

بدوره، لم يحقق “العمل الوطني” نجاحا كبير في مبادرته الأخيرة التي أطلقها ضد العمالة الأجنبية المهاجرة إذ لم تحصل إلا على 32.7% من أصوات الناخبين، وهي نتيجة مشابهة جدا لما تحصل عليه اقتراح آخر تقدم به في عام ألفين فيليب موللر، الرئيس الحالي للحزب الليبرالي الراديكالي طالب فيه بأن لا تتجاوز نسبة العمال الأجانب في سويسرا 18% من إجمالي عدد السكان (تحصل على موافقة 36.2% من الناخبين).

على الرغم من النتائج الواضحة لهذه الإقتراعات، أثارت المبادرات الرامية للحد من اليد العاملة الأجنبية انتقادات شتى، وخاصة في الدول المجاورة للكنفدرالية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا). وفي معظم الأحيان، صنّفت وسائل الإعلام والأعمال السينمائية والمسرحية والكتب الأدبية فيها سويسرا على أنها بلد توجد فيه مشاعر تتّسم بالعداء للأجانب.

  1968: سحبُ أول مبادرة شعبية ضد الزيادة السكانية.

1970: تحصلت مبادرة “مناهضة الهيمنة الأجنبية” على 46% من الأصوات.

1974: تحصلت مبادرة “مناهضة الهيمنة الأجنبية والزيادة السكانية في سويسرا” على 34.2% من الأصوات.

1977: تحصلت المبادرة الرابعة لـ “مناهضة الهيمنة الأجنبية” على 29.5% من الأصوات.

1984: تحصلت مبادرة “مناهضة بيع التراب الوطني” على 48.9% من الأصوات.

1987: لم تتمكن مبادرة تنادي بـ “مناهضة الهيمنة الأجنبية” من جمع النصاب القانوني من التوقيعات الضرورية.

1988: تحصلت مبادرة “الحد من الهجرة” على 32.7% من الأصوات.

1996: تحصلت مبادرة” مناهضة الهجرة السرية” على 46.3% من الأصوات.

1997: لم تتمكن مبادرة “التحفظ في مجال الهجرة” من الحصول على النصاب القانوني من التوقيعات الضرورية.

2000: تحصلت مبادرة “الهجرة المنظمة” على 36.2% من الأصوات.

2014: تحصلت مبادرة “ضد الهجرة المكثفة” على 50.3% من أصوات الناخبين.

صعود حزب الشعب   

شهدت سويسرا خلال العشريتين المنقضيتين نقاشا واسعا حول الأجانب كان المحرك الرئيسي فيه حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، الذي كان يركز بالدرجة الأولى على سياسة اللجوء مقترحا جملة من التشديدات القانونية، وعلى سياسة الاندماج الأوروبي محاربا أي تقارب لسويسرا مع الإتحاد الأوروبي. وقد أسهمت هذه المواضيع بلا ريب في إعطاء حزب الشعب الدفع الضروري لتحقيق نمو سريع سمح له بالترفيع في قاعدته الإنتخابية بحوالي ثلاثة أضعاف منذ بداية تسعينات القرن الماضي.

هذا الحزب اليميني المحافظ تحول إلى أول حزب في البلاد (لجهة عدد الناخبين الذين صوتوا لفائدته)، لكنه لم يتمكن حتى الآن (أي ما قبل 9 فبراير 2014) من الفوز في عمليات التصويت المتعلقة بالإتفاقات الثنائية مع الإتحاد الأوروبي، أو المرتبطة بمسألة حرية تنقل الأفراد. في مقابل ذلك، تمكن الحزب من الوقوف بمفرده خلال السنوات الأخيرة بوجه كافة الأحزاب الأخرى وحقق نتائج إيجابية في اقتراعين من خلال المبادرة الداعية إلى “حظر بناء مزيد من المآذن” التي وافق عليها الشعب في عام 2009، والمبادرة التي دعت إلى “طرد المجرمين الأجانب” التي حظيت بالقبول من طرف الناخبين سنة 2010.

هذان الإنتصاران، وكذلك تكاثر توافد العمال القادمين من دول الإتحاد الأوروبي (بعد بدء العمل بالإتفاقية الخاصة بحرية تنقل الأشخاص بين برن وبروكسل)، دفعا حزب الشعب السويسري في عام 2011 الى إطلاق مبادرته الأولى المتعلقة بالحد من توافد اليد العاملة الأجنبية، التي وافق عليها الشعب السويسري بأغلبية ضئيلة يوم 9 فبراير 2014. ويعتبر نص المبادرة بمثابة خط يتماشى مع النظرة التقليدية والمحافظة على الهوية التي طورها الحزب طيلة العشرين عاما الماضية، رغم أنه اعتبر سابقا أن الإقتراحات التي طُرحت في سبعينيات القرن الماضي “غير مقبولة من الناحيتين الإنسانية والاقتصادية”، بل عبّر عن ارتياحه لأن الشعب السويسري رفضها آنذاك بشكل واضح.

وفي المستقبل القريب، سيتعيّن على الشعب السويسري أن يُبدي رأيه حول مُبادرة أخرى تهدف للحد من الهجرة وتحمل عنوان “المبادرة الفدرالية للحد من الزيادة السكانية والمحافظة المستدامة على الموارد الطبيعية”، وهي قائمة على أسس تحرص على مراعاة البيئة وحماية المحيط، وتتضمن اقتراحا بالحد من الزيادة السكانية للأجانب المقيمين في الكنفدرالية كي لا تتجاوز 0.2% في السنة لفترة تستمر ثلاثة أعوام. وفي صورة موافقة الناخبين عليها، فلن يكون بإمكان الكنفدرالية إبرام أية اتفاقيات دولية متعارضة مع هذه الإجراءات.   

(نقله الى العربية وعالجه: محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية