مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مكافحة الفساد بمصر.. تسمع “ضجيجًا” ولا تـرى “طحينًا”

يبدو النيل هادئا كعادته لكن الشارع المصري ومنظمات المجتمع المدني يمورون بالعديد من التفاعلات والتجاذبات حول ظاهرة الفساد المتفاقمة Keystone

مع اقتراب موعد إجراء الإنتخابات التشريعية في مصر المقررة ليوم 28 نوفمبر، تتصاعد شيئا فشيئا سخونة الحملة الإنتخابية والضغوط التي يتعرض لها المرشحون الإسلاميون والمعارضون.

وفيما رفض الحزب الحاكم دعوة واشنطن إلى مراقبة سير الإقتراع من طرف ملاحظين أجانب، اعتبرت مجموعات حقوق الانسان أن اعتقال نشطاء المعارضة وفرض قيود على الشركات التي تؤمن البث الفضائي لوسائل الإعلام الاجنبية، يحول دون تنظيم انتخابات نزيهة.

في الأثناء، قلل خبراء مصريون؛ متخصصون في الإعلام وشؤون القضاء والمنظمات الحقوقية، ولجان الشفافية والنزاهة؛ من جدية “الإعلان الحكومي بأن مكافحة الفساد على رأس أولويات الحزب الحاكم”، وأوضحوا أن اللجنتين اللتين أنشأتهما الحكومة “تخالفان أحكام المادة 5 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” التي تشترط “الإستقلالية”، إذ “كيف تراقب وتحاسب الحكومة نفسها؟”، موضحين أن “هناك فرق بين الشفافية والمحاسبة”، وأن “التحالف بين المال والسياسة أكبر مفسدة تعيشها مصر”.

واعتبر عدد من الخبراء في تصريحات خاصة لـ” swissinfo.ch”؛ أن “الحكومة هي رأس الفساد”؛ وأنه “لا أمل في الإصلاح إلا بحرب حقيقية على الفساد”، وأن “تداول السلطة هو الحل”، وشددوا على أن “المنظمات الحقوقية لا تعمل في أجواء من الحرية”، وإنما تعمل “تحت خط النار”، فضلا عن أنها “تعمل وسط اتهامات متكررة بتلقيها أموالا من الخارج” مشيرين إلى أن “أبرز صور الفساد والإفساد هو “سعي النظام لإفساد القضاء”، لأن “القاضي الشريف لا يمكن أن ينجو فاسد أو مفسد من تحت يده”، أما “القاضي الفاسد فهو حبيب النظام”، على حد قولهم.

وفي محاولة لتقييم جهود الحكومة المصرية في مكافحة الفساد ومدى جدية الخطوات التي اتخذتها أو أعلنت عنها عشية الإنتخابات البرلمانية، استطلعت swissinfo.ch آراء كل من الناشط الحقوقي؛ حافظ أبو سعدة؛ الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ومفوض الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان لدى جامعة الدول العربية، والكاتب الصحفي سعد هجرس؛ مدير تحرير جريدة “العالم اليوم”، عضو اللجنة التطوعية للشفافية والنزاهة، التابعة لإشراف وزارة الدولة للتنمية الإدارية، والمستشار محمود الخضيري؛ النائب السابق لرئيس محكمة النقض؛ ورئيس نادي قضاة الأسكندرية سابقًا والحاصل على وسام محارب الفساد بمصر لعام 2009، والخبير الإعلامي الدكتور محمود خليل؛ أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ووكيل كلية الإعلام والتكنولوجيا بجامعة 6 أكتوبر. فكان هذا التحقيق.

“الوطني” ومكافحة الفساد!

في البداية؛ أوضح الناشط الحقوقي؛ حافظ أبو سعدة؛ الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن حديث الحكومة المتكرر بأن “مكافحة الفساد من أولويات الحزب الحاكم”، هو “محاولة لصرف الأنظار عن تعزيز منظومة الفساد”؛ معتبرًا أن “هناك فرق بين الشفافية بمعنى إعلان وكشف الفساد والاعتراف بوجوده، وبين المحاسبة بمعنى محاسبة الفاسدين والضرب على أيديهم بقوة لنقضي على الفساد”.

وقال أبو سعدة؛ مفوض الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان لدى جامعة الدول العربية في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”: “المشكلة في مصر أن الحكومة لا تُحَاسَب، وليس لدينا آليات حقيقية لمكافحة الفساد، فنحن نواجه فسادا “بجحا” لدرجة أننا نطالب بحكومة عسكرية، خاصة مع إطلاق السلطة التقديرية للموظف الحكومي”؛ مشيرًا إلى أنه “لا أمل في الإصلاح إلا بحرب حقيقية على الفساد”.

متفقًا مع أبو سعدة؛ كشف هجرس عن أن “مصر بحاجة إلى أفعال وليس أقوالا، والأفعال تبدأ بمكافحة الفساد الكبير قبل الفساد الصغير، بدلا من التغني بمكافحة الفساد، فلا يوجد في مصر قانون لمحاسبة الوزراء وهم داخل السلطة، والآلية الوحيدة الموجودة في مصر لمكافحة الفساد هي إقرار الذمة المالية، فإذا كنا جادين في الإصلاح ومكافحة الفساد فلا بد من أن نشرع قانونًا لمحاسبة الوزراء”؛ موضحًا أن “تداول السلطة هو الحل، كما لا يمكن تصور محاربة الفساد بجدية إلا بوجود آليات حقيقية، ونفي تعارض المصالح”.

وبينما يرى الخضيري أن “الخلل يوجد في المنظومة ذاتها؛ لأن الحكومة هي رأس الفساد، فالسمكة تفسد من رأسها، كما أن معظم القيادات في الوقت الحالي لا تستطيع أن تخرج منها قيادة تطمئن إليها”؛ معتبرًا أن “مشكلة الفساد بمصر تتلخص في إصرار النظام على الاستمرار في الحكم حتى النهاية”، يؤكد خليل أن “الحكومة لا تتراخى أن تؤكد مبدأ الشفافية في معالجة كافة صور الفساد، وهي تتصور أنها بهذا قد بذلت ما عليها في مكافحة الفساد”.

رجال الأعمال والفساد!!

ولخص هجرس المشكلة في أن “رجال الأعمال انتشروا في السلطتين؛ التنفيذية والتشريعية؛ فمنهم من هم أعضاء بالحكومة، ومنهم من هم أعضاء بالمجالس النيابية التشريعية والمحلية”؛ وهو مايتفق معه فيه أبو سعدة بقوله: “رجال الأعمال استحوذوا على قدر كبير من السلطة، وعندما يكون عندك حكومة رجال أعمال، ولا يوجد قانون يمنع تضارب المصالح، فحتمًا سيكون هناك مزيد من الإحباط لدى الرأي العام”.

وأشار أبو سعدة إلى أن “الرشوة والمحسوبية من المظاهر الصغرى للفساد؛ أما المظاهر الكبرى فهي كثيرة؛ منها شراء رجال أعمال قرى سياحية بأكملها، وتملك آخرين آلاف الأفدنة بالمدن الجديدة بالـ”ملاليم” وقاموا بتسقيعها ليبيعونها بالـ”ملايين”، وتقاسم عدد من الحيتان (كبار رجال الأعمال) احتكار السلع الرئيسية في البلد؛ كالحديد والأسمنت، وغيرها”.

ومن جهته؛ يبين خليل أن “الإعلام بمصر؛ إما مملوك للحكومة أو لرجال أعمال تزوجتهم الحكومة؛ فالتحالف بين المال والسياسة أكبر مفسدة تعيشها مصر، والتجلي الأكبر لهذا التحالف يظهر أساسًا في وسائل الإعلام؛ التي أصبحت جزءًا من صناعة أكبر وهي صناعة التسلية”.

واستطرد خليل: “كل أصحاب الفضائيات الخاصة بمصر ممن يعملون في بيزنس التسلية والترفيه؛ فمالك قنوات دريم (الدكتور أحمد بهجت) من كبار المستثمرين في مجال القرى السياحية والملاهي؛ ومالك قناة المحور (الدكتور حسن راتب) من كبار المستثمرين في مجال القرى السياحية، إلى الحد الذي جعله يفكر في إطلاق اسم “سما” على قناة المحور؛ إشارة منه إلى قرية سما السياحية التي يمتلكها؛ وصاحب قناتي “أو. تي. في”، و”أون.تي.في” (نجيب ساويرس) هو من أكبر المستثمرين في مجال الهواتف المحمولة”..

لجان “حكومية” فاقدة الصلاحية!

وعلى الرغم من قيام الحكومة بإنشاء لجنتين لمكافحة الفساد؛ إحداهما تطوعية والأخرى رسمية، إلا أن هجرس يرى أن “اللجنتين التين يرأسهما وزير التنمية الإدارية، ووزير العدل، لا تتماشيان مع أحكام المادة 5 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وذلك لأن اللجنتين يوجد علي رأسهما وزير، وهذا الأمر يتنافي مع الإتفاقية التي تستوجب أن تكون اللجنة وطنية ومستقلة وليست حكومية”، معتبرًا أن “الأمر يستوجب استقلالية اللجان وتبعيتها للبرلمان ودخول أعضاء غير حكوميين فيها، فمن غير المنطقي أن تعمل الحكومة ضد الحكومة!”.

ويتفق أبو سعدة مع ما ذهب إليه هجرس ويقول: “اللجان التي أُنْشِئَت فاقدة الصلاحية، لأن اللجنة غير الحكومية يرأسها وزير التنمية الإدارية، وتقدم تقرير سنوي، واللجنة الرئيسية هي لجنة حكومية يرأسها وزير العدل”.

وعن دور المنظمات الحقوقية في مكافحة الفساد؛ يقول أبو سعدة: “المنظمات تؤدي دورها في حدود الإمكانيات المتاحة؛ فهي تتتبع الفساد وتكشفه، وتحاول قدر الجهد دعم المظلومين، لكن المشكلة أن المنظمات الحقوقية لا تعمل في أجواء من الحرية، وإنما تحت خط النار، ومن ثم فهي لا تعمل بأريحية”؛ مضيفًا “كما أنها تعمل وسط اتهامات متكررة بأنها تتقاضى أموالا من الخارج”.

“القاضي الفاسد حبيب النظام”!

ويعتبر المستشار الخضيري أن “من أبرز صور الفساد والإفساد بمصر؛ سعي النظام لإفساد القضاء، لأن القاضي الشريف لا يمكن أن ينجو فاسد أو مفسد من تحت يده، ولهذا فهم يحاولون إفساد القضاء منذ حكم الرئيس السابق أنور السادات، وللأسف فإن القضاء دخل فيه شراء الذمم، ولهذا تطالعنا الصحف من حين لآخر بحوادث مخلة بالشرف والمروءة مثل: ضبط قاض يحصل على رشوة، وإحالة قاض للتحقيق وعزل قاضٍ ..إلخ”.

وفي تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”؛ يشير المستشار محمود الخضيري؛ النائب السابق لمحكمة النقض؛ والحاصل على وسام محارب الفساد بمصر لعام 2009، إلى أن “الفساد موجود في القضاء، لكنه قليل، وإن كان النظام يحاول تعميقه، لأن القاضي الفاسد حبيب النظام، والنظام يسخره ليكون في قبضته، والقضاة يقاومون لكن هذه المقاومة تضعف يومًا بعد يوم”.

في السياق نفسه، يتساءل أبو سعدة: “ماذا تنتظر عندما يكون لديك سلطة تنفيذية تسيطر وتتغول على السلطة القضائية، وتتحكم في شكل وتكييف القضايا التي تصل للسلطة القضائية؟ والقضاء من ناحيته عندما تأتيه قضية يحقق فيها؛ لكن المشكلة أن القضايا تصله مكيفة ومجهزة سلفًا، والذي يتحمل القضية غالبًا لا يكون هو المتهم الحقيقي”؛ متعجبًا من أن “كل القضايا الأخيرة للفساد تم اكتشافها بالصدفة”. ويضيف أبو سعدة: “رغم أن المادة العاشرة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تقضي بحق المواطن في الحصول على المعلومات؛ لا يوجد بمصر نص قانوني يتيح تداول المعلومات”.

البرلمان ومكافحة الفساد

وحول دور البرلمان في مكافحة الفساد؛ يؤكد الخضيري أن “المشكلة أن كل الناس في مصر تعرف جيدًا أن مجلس الشعب القادم مُزور بالكامل، ولهذا فهم يحجمون عن الذهاب إلى اللجان، والمشاركة في نجاح عملية الإنتخاب”، معتبرًا أن “تزوير الانتخابات أهم صُور الفساد، وأن الحل يكمن في وجود برلمان وطني حر ونزيه، وهذا لن يحدث إلا إذا تمكن الشعب من فرض إرادته”.

متفقًا مع الخضيري؛ يشير أبو سعدة إلى أنه “المفروض أن لا يتاجر نائب البرلمان مع الدولة أو الحكومة، وأن لا يستغل منصبه في إبرام صفقات تجارية له أو لأقاربه، وأن لا يحصل على عقود تملك لأراضي الدولة، وهذا ما تنص عليه (المادة 158) من الدستور، ومع هذا فمعظمهم يتاجر ويستثمر، ويتملك بالمخالفة للقانون!”.

ويضيف أبو سعدة: “لدينا في مصر قوانين كثيرة لمحاربة الفساد، ولكنها مجرد حبر على ورق، وغير مفعلة على أرض الواقع؛ مما جعلها قوانين مع وقف التنفيذ؛ وربما يرجع هذا إلى أن أكثر من 70% من نواب البرلمان هم من الحزب الحاكم”؛ مشددًا على أن “مصر بحاجة إلى برلمان قوي، قادر على وضع أطر وقواعد واضحة ومحددة لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين”.

دور الإعلام في مكافحة الفساد!

وحول دور وسائل الإعلام في مكافحة الفساد؛ يشير الدكتور محمود خليل إلى أن “وسائل الإعلام بمصر تبذل دورا في مكافحة الفساد، لكن بمعادلة فاسدة (!)؛ ففساد وسائل الإعلام هو جزء من الفساد العام في المجتمع، وتراجع وسائل الإعلام وتراخيها في القيام بدورها في مكافحة الفساد يجعلها أداة من أجل تثبيت الأوضاع الفاسدة، وليس من أجل إصلاحها، ومن أجل حماية الحكومة لا من أجل إزالة خلايا الفساد، والتشكيلات العصابية الفاسدة التي تعتمد عليها”.

ويقول الدكتور خليل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ووكيل كلية الإعلام والتكنولوجيا بجامعة 6 أكتوبر في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”: “وسائل الإعلام تقوم بدور التنويم المغناطيسي للمتلقي، من خلال الإعلان عن الفساد والمفسدين، وبالتالي تحقيق المفهوم الذي تتبناه الحكومة؛ والذي يقوم على أن مبدأ الشفافية يعني الإعلان عن الفساد والإعتراف بوجوده دون مقاومته وإصلاحه”.

ويشير خليل إلى أن “الوسيلة الإعلامية التي تحاول أن تقوم بدور حقيقي في مكافحة الفساد يتم معاقبتها، والعقوبة في مصر انتقائية، فتغلق قنوات بدعوى أنها تروج للتطرف، ويترك غيرها مما يروج لتطرف أشد، وتوقف برامج حوارية لأنها تحاول الاجتهاد وتصحيح أوضاع مغلوطة في المجتمع، ويترك غيرها من البرامج التي “تمرهم” المواطن، وتخفف أوجاعه من الواقع الذي يعيش فيه بكل مفاسده”؛ مؤكدًا أن “الخطاب الإعلامي استطاع أن يحول جدّ الناس إلى هزل وهزلهم إلى جدّ”.

ورغم اتفاقه مع خليل فيما ذهب إليه؛ واعترافه بأن “دور الإعلام مهم لكنه مرتبط بإتاحة المعلومات”، ومطالبته بـ”رفع الوصاية عن وسائل الإعلام، من خلال رفع القيود المفروضة على حق إصدار الصحف للأشخاص؛ لتكون بالإخطار وليس بالترخيص، كأي بلد ديمقراطي في العالم”؛ يقر هجرس بأن “هناك فساد في وسائل الإعلام، وهناك إعلام مخصص لدعم وحماية الفساد”!.

الإصلاح السياسي.. الخطوة الأولى

وإذا كان الخضيري يرى أن “أهم شيء يجب البدء به هو إصلاح النظام السياسي؛ لأنه يضمن ألا يتبوأ شخص فاسد منصبًا، ويخول سلطة”، ويؤكد أن “الفساد السياسي أساس الفساد، والديمقراطية الحقيقية هي الحل، والديمقراطية الحقيقية أولها أن يختار الشعب ممثليه وحكامه اختيارا قائما على الحرية والمسؤولية، فإذا أساءوا عزلهم الشعب”.

ويستدرك الخضيري: “لكن في مصر اليوم أي مسئول لا يعنيه إلا إرضاء رئيس الجمهورية، لأنه هو الذي عيّنه، وهو الذي يملك عزله، وهو ما يؤكد أن أول ما يجب إصلاحه هو النظام السياسي؛ لأن الإصلاح السياسي هو قاطرة الإصلاح الشامل”؛ مشددًا على أنه “إذا حدث إصلاح سياسي بمصر دل هذا على وجود إرادة حقيقة للتغيير والإصلاح”.

ورغم اتفاقه مع الخضيري؛ يحذر خليل من أن استمرار “الحالة الحالية في مصر على هذا النحو”، سيفرز كارثة، خاصة بعدما أصبح كل شيء في المجتمع قابلا للبيع والشراء؛ حتى الذمم”؛ مشيرًا إلى أن “أحدًا لا يستطيع أن ينكر حالة الفوضى التي نعيشها في كل القطاعات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والإعلامية و…إلخ”.

روشتة مكافحة الفساد

ويشير الكاتب الصحفي سعد هجرس؛ مدير تحرير جريدة “العالم اليوم” إلى أننا “لا نتحدث عن خيال؛ وإنما عن واقع بلد اسمها مصر، في عام 2010، أكثر من 40% منها يعاني من الأمية (عدم القراءة والكتابة)، وأكثر من 40% منها يعيشون تحت خط الفقر”؛ موضحًا أن “مكافحة الفساد مرتبطة بالأجندة السياسية والاقتصادية والإجتماعية”.

وحول “روشتة” مكافحة الفساد؛ يقول هجرس؛ عضو اللجنة التطوعية للشفافية والنزاهة، التابعة لإشراف وزارة الدولة للتنمية الإدارية، في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”: “يجب التعجيل بسن تشريع قانوني يتيح تداول المعلومات، وقانون آخر لمحاسبة الوزراء أثناء وجودهم في السلطة، مع إنشاء مرصد لتعقب الفساد، إضافة إلى إحياء دور المجتمع المدني في تقديم العون اللازم لمكافحة الفساد”.

ويضيف هجرس: “مصر بحاجة إلى خطة ثلاثية لمكافحة الفساد؛ تتلخص في: محاربة الأمية، ومكافحة حقيقية للفقر، إضافة إلى مكافحة الفساد السياسي” مؤكدا على أنه “لا يمكن تصور حدوث نقلة موضوعية في مكافحة الفساد تدون تداول السلطة”، ومعتبرًا أن “هذه الثلاثية ضرورية لحدوث الإصلاح الحقيقي”. وهو ما يتفق معه فيه خليل؛ مشددا على أن “إحياء الضمير والوازع هو الضمانة الحقيقية لمقاومة ورفض الفساد”، متهمًا الحكومة بأن جزءًا من فكرها أنها “استطاعت تقسيم الشعب إلى معسكرين: معسكر اللصوص والنهيبة، ومعسكر المتسولين والمطحونين”.

في 9 ديسمبر 2003 وقعت الحكومة المصرية علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ثم صدقت عليها في فبراير 2005.

وطبقاً للمادة 65 من الاتفاقية تلتزم الحكومة المصرية بإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد تضم في عضويتها شخصيات مستقلة.

أنشأت الحكومة “لجنة الشفافية والنزاهة”، يرأسها وزير التنمية الإدارية الدكتور أحمد درويش، تتكون من 15 عضواً؛ ثلاثة منهم فقط هم من الحكومة؛ والباقي من خارجها.

أنشأت الحكومة (اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد)، برئاسة وزير العدل ممدوح مرعي، وتضم في عضويتها النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، وممثلين عن وزارات العدل والخارجية والداخلية والتنمية الإدارية، والنيابة العامة والمخابرات العامة وهيئة الرقابة والجهاز المركزي للمحاسبات.

كشف تقرير منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد في مصر؛ عن انتشار معدلات الفساد، وازدياد معدلات تضارب المصالح بسبب النفوذ المتزايد لرجال الأعمال في الحكومة والبرلمان المصريين. لكن مسؤولين في الحزب الوطني الحاكم اعتبروا التقرير مبالغا فيه، وقالوا إنه أغفل جهود الحكومة المصرية في مكافحة الفساد وتقديم الفاسدين للمحاكمة.

وبنظرة إلى «مؤشر مُدركات الفساد»، الذى تصدره مؤسسة الشفافية الدولية سنويا نجد أنه:
في عام 2005، سجلت مصر 3.4 نقطة، لتحتل المركز 70 من بين 159 دولة؛ وفى عام 2006، تراجعت لتسجل 3.3 نقطة، وفي عام 2007، تراجعت لتسجل 2.9 نقطة، وفي عام 2008، تراجعت لتسجل 2.8 نقطة، وفي تقرير 2009، تراجعت لتسجل 2.8 نقطة، ولتحتل المركز 110، وفي تقرير 2010، تقدمت لتسجل 2.8 نقطة، ولتحتل المركز 98 من بين 178 دولة.

في التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2009، عن مؤشرات الشفافية والنزاهة في العالم، حصلت مصر علي المرتبة “111”، من بين 180 دولة علي مستوى العالم.

كشف تقرير للبنك الدولى حول الحوكمة تحقيق مصر تراجعا فى قدرتها على تقليص الفساد خلال العقد الماضى، مشيرا إلى تدهور أداء مصر سنويا خلال الفترة من 1996 إلى 2008 فى مقياس مكافحة الفساد الذى يعده البنك، والذى يعتمد على قياس مدى تورط البرلمانيين والقضاة وموظفى الحكومة ومسؤولى الضرائب والجمارك فى الفساد.

أوضح الكاتب الصحفي سعد هجرس، عضو “اللجنة التطوعية للشفافية والنزاهة”، في ندوة عقدت بمعهد الدراسات السياسية بحزب “الوفد”، أن التقارير تؤكد أنه توجد في مصر قضيه فساد “كل دقيقتين”.

قدرت دراسة لمنظمات دولية علي رأسها الأمم المتحدة، التكلفة الإجمالية لظاهرة الفساد في الدول النامية والمتقدمة بتريليون دولار في السنة، وأشارت إلى أن الجهات التي تتورط في الفساد تأخذها من خلال غسيل الأموال.

حصل المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام المصري، على درجة الدكتوراة فى القانون، بدرجة جيد جدا مع مرتبة الشرف، من كلية الحقوق جامعة عين شمس، عن رسالة عنوانها: “المواجهة الجنائية للفساد فى ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريع المصرى”، اقترح فيها إنشاء محاكم متخصصة لقضايا الفساد، وعقوبات رادعة لجرائم القطاع الخاص.

كشف التقرير السنوي الأول لبرنامج نشطاء حقوق الإنسان عن تزايد معدلات الفساد الإداري في عام 2009 في مصر حيث بلغت حدا مخيفا ووصلت قضايا الفساد إلي معدل سنوي يقدر بـ 76 ألف قضية فساد، وأفادت أن الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يراقب 600 مليار جنيه نجح في كشف أكثر من 11 مليارجنيه اختلاسات وأكثر من 160 مليون دولار رشاوى.

أشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في دراساته إلي أن حجم الاموال التي تتداول سنويا كرشاوي تقدر بـ 500 مليون جنيه، وتقدر الاموال المستخدمة في عمليات غسل الأموال بحوالي 9% من الناتج القومي و30% من الاقتصاد غير الرسمي.

انتقد تقرير أعده مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالتعاون مع منظمة أوكسفام غير الحكومية الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر، وقال إنه “رغم مجموعة القوانين والأجهزة التي تكافح الفساد، ما يزال الفساد يمثل واحدة من الظواهر الخطيرة في مصر”، لافتا إلى أن هذه “الظاهرة لم تعد تقتصر على قطاعات أو مستويات بعينها، بدءا من تورط صغار الموظفين إلى تورط وزراء وأعضاء مجلس شعب في عمليات فساد كبيرة.

فى إطار الاستعداد لخوض انتخابات مجلس الشعب المقررة في 28 نوفمبر 2010، صرح جمال مبارك الأمين العام المساعد، وأمين السياسات بالحزب الوطني، بأن الحزب يتبنى قضية مكافحة الفساد؛ التى تأتى على رأس أولوياته مع الاهتمام بتحديد خطوات فعلية لتطوير قانون الإدارة المحلية لتفعيل اللامركزية.

تقول (المادة 158) من الدستور المصري: لا يجوز للوزير أثناء تولى منصبه أن يزاول مهنة حرة أو عملاً تجارياً أو مالياً أو صناعياً، أو أن يشترى أو يستأجر شيئاً من أموال الدولة، أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئاً من أمواله أو أن يقايضها عليه.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية