مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المساعدات التنموية تواجه تحديات جديدة في ظل تغيّرات متسارعة

يحتاج ما يزيد عن 11 مليون نسمة من سكان القرن الإفريقي مساعدات غذائية عاجلة Reuters

في تحول عن المرحلة السابقة، تتجه الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون لالتماس المساعدة من الشركات متعددة الجنسيات من أجل مواجهة أفضل التحديات القديمة/الجديدة والمتمثلة في الجوع والحروب والكوارث الطبيعية.

وبعد مرور خمسين سنة على إنشاء هذه الوكالة التي تعد حجر الزاوية في الجهود التنموية السويسرية، يشرح مارتين داهندن، مدير الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، كيف يتطوّر عمل هذه الوكالة في ظل عالم متغيّر.

وتسلط الأضواء حاليا على شرق إفريقيا حيث يفرّ أسبوعيا عشرات الآلاف من السكان من المجاعة في الصومال إلى أثيوبيا وكينيا المجاورتيْن. ويقول داهندن إن الظروف هناك صعبة للغاية.

swissinfo.ch: ما هو التأثير الذي تتركه عليك الصور المروّعة للمجاعة في الصومال؟

مارتين داهندن: تحزنني كثيرا الصور والتقارير الواردة من منطقة القرن الإفريقي. وعندما أسمع عن الأشخاص الذين لقوا حتفهم بينما كانوا في طريقهم إلى مراكز المساعدة الطارئة، فإن ذلك يجعلني أفكّر كيف أنه من الصعب في كثير من الأحيان جمع مبالغ محدودة من المال لتقديم المساعدات الطارئة على أرض الواقع.

ما هو النهج الذي تتبعه الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في التعامل مع هذه المشكلة؟

م. داهندن: العثور على الحلول شيء. ولكن للتأكّد من أن تلك الحلول قد وضعت موضع التنفيذ شيء آخر. وسويسرا تحافظ على تقاليدها الإنسانية، وهي ملتزمة بذلك. ولكن وسائلنا الخاصة وإمكانياتنا لوحدها لا تكفي لتغطية الاحتياجات الهائلة في تلك المنطقة.

وفي مقدمة ذلك، علينا أن نفكّر في تقديم العون والمساعدة على المدى البعيد: كيف يمكننا وقف اسباب هذا الوضع، ولا سيما الصراعات في تلك المنطقة؟ وعلينا أن نرى الناس يحصلون على العمل، وعلى دخل، عندها فقط يمكنهم التغلّب على هذه الأزمة.

ما طبيعة العمل الذي تقوم به سويسرا في الصومال؟

م. داهندن: أوّلا، سويسرا نشطة على مستوى مشروعاتها الخاصة. وبالإضافة إلى ذلك، تقدم الدعم إلى المنظمات الدولية، أوّلا وقبل كل شيء، إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكذلك برنامج الغذاء العالمي، والمفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين. هذه المنظمات تحاول في ظل ظروف صعبة للغاية حماية الناس والقيام بأعمال ذات مغزى.

تريد الوكالة السويسرية التعاون الوثيق في المستقبل مع الشركات متعددة الجنسيات. مع أي منها؟

م. داهندن: نحن نعيش في زمن العولمة والتغيّرات المتسارعة. وهناك تحديات جديدة تواجهنا في مستوى التعاون من أجل التنمية، ولا يمكن معالجتها إلا عن طريق الدخول في شراكات جديدة.

هذا الأمر يخص بلدانا مثل الهند والصين، اللتان تلعبان أدوارا متزايدة الأهمية في مجال التعاون الإنمائي.

كذلك هذا الأمر يخص ايضا القطاع الخاص، وفي هذا المستوى، نحن نعمل جنبا إلى جنب مع الشركات السويسرية الناشطة على الساحة الدولية مثل نوفارتيس، وشركة نيستله، أو مؤسسة زيورخ للخدمات المالية.

كيف تستفيدون من هذا العملية؟

م. داهندن: الأساس في ذلك هو المصلحة المشتركة. والشركات متعددة الجنسيات عادة ما تكون في جعبتها مهارات وخبرات، هي مفيدة بالنسبة لنا، وقد لا يكون لدينا علمٌ بها، كالخبرات في مجال التأمين، على سبيل الذكر.

أما مساهمتنا في هذه الشراكة فتتمثّل في المعرفة الدقيقة بالأوضاع الميدانية، وبالجماعات السكانية التي تعيش في ظل الفقر. بهذه الطريقة يتم إنجاز هذه الشراكة.

هل بالإمكان تقديم مثال لتوضيح ذلك ؟

م. داهندن: عادة ما يتم التخلي عن الأنشطة الاقتصادية، والأنشطة الهادفة إلى خلق مواطن الرزق لأنها تمثّل مغامرة كبرى بالنسبة للأشخاص المعنيين، كخطر فقدان كل شيء بسبب تدمير المحاصيل. وفي البلدان النامية، فإن تأمين المحاصيل أمر غير متعارف عليه.

لقد دخلنا في شراكة مع شركة زيورخ للخدمات المالية في هذا المجال. ونحن نحاول إيجاد حلول لهذه المخاطر المحددة، والتي هي في نفس الوقت في متناول الناس. إن الأمر لا يتعلّق بالترويج لخدمات التأمين الموجودة.، فنحن نريد المساعدة في خلق الأنشطة الاقتصادية التي توفّر فرص عمل، وتدر موارد الرزق للسكان المحتاجين.

ألا يجب أن تكون أيضا مجدية ومفيدة بالنسبة لشركة التأمين؟

م. داهندن: بكل تأكيد. علينا أن نبحث عن الحلول التي تعتمد على الدعم الذاتي، وتجعل من الممكن لنا افنسحاب في النهاية. وبالمناسبة، فهذه ليست فكرة جديدة. كانت هناك مبادرات مماثلة في العصور الوسطى عندما كانت أولى شركات التأمين بصدد التشكّل. خذ على سبيل المثال المخاطر التي تحدق بمالك إحدى السفن الكبيرة جدا. هذا الوضع يتطلب إيجاد أشكال من التأمين قادرة على التعويض عن الخسائر الممكنة.

هل هناك قواعد تستوجب الشراكة مع الشركات متعددة الجنسيات الإلتزام بها؟

م. داهندن: نعم، نحن لا نتعاون مثلا مع الشركات التي تنتهك حقوق الإنسان أو لا تحترم حقوق العمّال. في المقابل، نشارك في المبادرات التي تلتزم شروط التنمية المستدامة، والمسؤولية الإجتماعية، ولا تنتهك معايير حقوق الإنسان.

وأبرز هذه المبادرات، مبادرة الإتفاق العالمي التابعة للامم المتحدة، والتي تضمّ في إطارها العديد من الشركات متعددة الجنسيات. وبمجرد أن تصبح عضوا في هذا النادي حتى تصبح موضع مراقبة إلى حد ما.

ما الذي برأيك يخبّؤه المستقبل للمساعدات التنموية؟ وما الذي سوف يتغّيّر؟

م. داهندن: العالم يتغيّر، وكذلك ظاهرة الفقر. وسوف يكون علينا في المستقبل العمل في ظل أوضاع أكثر صعوبة، تغلب عليها التوترات والنزاعات. ولقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك خلال السنوات الاخيرة أن المعركة ضد الفقر في هذه المناطق قد باتت عمليا من المستحيل.

علينا أيضا التعامل في المستقبل مع قضايا عالمية جديدة: التغيرات المناخية، والهجرة العالمية، والأمن الغذائي، وندرة الموارد، كالماء الصالح للشرب مثلا. هذه المشكلات من الصعب إيجاد حلول لها عبر مشروعات محلية معزولة.

علينا أيضا القيام بعمليات وأنشطة تشترك فيها البلدان النامية، لجعلها جزءًا من الحل. وتحقيقا لهذه الغاية، فإننا نعمل بالتعاون مع بلدان أخرى، ومع منظمات دولية، ومنظمات غير حكومية، ومراكز بحث.

هذه التحديّات سوف تغيّر وجه الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، لكن ليس كل شيء. فهذه الوكالة ظلت مؤسسة مبتكرة وخلاقة منذ تأسيسها، وعملت دوما، وبشكل وثيق مع المجموعات السكانية المتضررة، وكانت متفهّمة لمشكلاتهم. وسيبقى هذا التوجّه الأساسي مهما أيضا في المستقبل.

يعاني حوالي 12 مليون نسمة من المجاعة في كل من أثيوبيا والصومال، وكينيا، وجيبوتي، والسودان. ومن بين صفوف هؤلاء 2.5 مليون طفل.

في الصومال، يعاني 3.7 مليون من آثار المجاعة، واضطر 1.4 مليون صومالي من بين 9.1 مليون نسمة إلى مغادرة ديارهم، ولجؤوا إلى البلدان المجاورة

تعاني الصومال، التي يصفها البعض بالدولة الفاشلة، من حالة من الجفاف لم تعرفها منذ 60 سنة، فضلا عما تشهده من نزاعات وحروب اهلية مسلحة منذ عدّة عقود.

يعيش حاليا في مخيّم داداب في كينيا حوالي 400.000 لاجئ صومالي في ظروف قاسية جدا.

قررت الحكومة الفدرالية يوم الأربعاء 17 أغسطس 2011 تخصيص 20 مليون فرنك كمساعدات إضافية إلى ضحايا المجاعة والجفاف في القرن الإفريقي.

يشغل مارتين داهندن المولود سنة 1956، منصب مدير الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون منذ مايو 2008.

عمل قبل ذلك رئيسا لقسم الموارد بشبكة السفارات والقنصليات السويسرية بالخارج، كما ترأس المركز السويسري لنزع الألغام الذي يوجد مقره بجنيف.

خبير في المجال الإقتصادي والتجاري، وله تجربة مهمة في مجال الخدمات الدبلوماسية في أماكن متعددة.

(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية