مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“كـانـوا لاجـئـيـن يـومـا مـا..”

في العديد من الأحيان يبقى طالبو اللجوء المتواجدون بسويسرا في انتظار من يُـصغي لهم Keystone

الحروب الأهلية والاحتلال الأجنبي والاضطهاد السياسي والهروب من الذّعر، كل ذلك جرّبه آلاف السويسريين. "كانوا يوما ما لاجئين"، عُـنوان كِـتاب صدر حديثا، يضمّ حِـوارا مع تِـسعة أشخاص يُـقيمون في سويسرا، وتعود أصولهم إلى بلاد مُـختلفة، وهم يمثِّـلون بذلك عيِّـنة لعدّة آلاف من الأشخاص، الذين وفَـدوا إلى سويسرا في الفترة ما بين 1950 و1990، حيث استَـوطنوا واستقرّ بهم المقام.

أما القاسم المُـشترك بينهم، فهو أن مَـجيئهم إلى سويسرا، كان بحسب نِـظام الحِـصص المعتمد من قِـبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والذي تقوم بمُـوجبه الدّول الغنية، باستقبال وتوطين أعداد محدّدة من المهاجرين من مَـواطن الاضطرابات، ثم إن هناك ما يجمَـع بينهم، وهو شعورهم بالانتماء إلى سويسرا ويَـروْن أن مُـستقبلهم مُـرتبط بها.

ولكنهم من جانب آخر، يختلفون في تجارِبهم، كما جاء على لِـسان بعضهم في النّـدوة التي نظّـمتها في برن، المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة.
فـ “غاردن تيثونغ”، ولِـد في سويسرا من أبويْـن من التِّـبت قدِما للعمل في البيت التِّـبتي في قرية بستالوتْـزي، شرق البلاد.

مُـعظم التِّـبتيين، الذين انتهى بهم المَـطاف إلى أن يستقِـروا في سويسرا، كانوا قد غادروا وطنهم في عام 1959 على إثر فشل انتفاضَـتهم ضدّ السّلطات الصِّـينية. وفي سويسرا، أسّـسوا لأنفسهم قاعدة قوية، ليس فقط في قرية بستالوتْـزي، بل كذلك في مركز التِّـبت في بلدة ريكون، بالقرب من زيورخ.

تيثونغ هي الآن محامية، متزوِّجة من سويسري وتحمل الجنسية السويسرية، إلا أنها تحرِص كلّ الحِـرص على هوِيَّـتها التِّـبتية وتسعى إلى غرسِـها عند أبنائها. وبالنسبة لها، فإن ترعْـرُعها في مُـحيط التِّـبتيين ووسط الثقافة التِّـبتية، فرصة ذهبية وعامل إيجابي ساعدها في الحِـفاظ على الشعور بالانتماء إلى وطنِـها الأمّ.

حاجز اللّـغة

على النقيض من ذلك، نجِـد جانينا بولومسكي، التي قدِمت مع زوجها عام 1975 من بولندا، إلا أنهما لم يجِـدا قاعدة ثقافية بولندية في سويسرا. وقد غادرا بولندا بشكل قانوني عن طريق تأشيرة “فيزا” سياحية، ولكنهما كانا عاقِـدين العَـزْم على عدَم العودة، نظرا للقيود والمُـضايقات المفروضة عليهما من قِـبل الدولة، فلَـجِـئا إلى أحد مُـخيمات اللاّجئين في إيطاليا، وهناك وُضِـعا على قائمة الانتظار، ثم تمّ تحويلهما إلى سويسرا، ليكون فيها استقرارهما، وسُـرعان ما حصلا على عمل، فقد كانا في ريعان شبابهما وكانا يتمتّـعان بالمستوى العِـلمي.

قالت بولومسكي في الندوة: “لقد كان من الصّـعوبة بمكان بناء حياة جديدة من الصِّـفر، ولم تكُـن هناك قاعِـدة من العلاقات مهيّـأة لنا، وإلاّ لكَـان الأمر أهْـوَن، ولقد وجَـدنا أنفسنا مضطرّين إلى المسارعة في الاندماج”.

لقد كان حاجِـز اللّـغة عقبة رئيسية عند بولومسكي، شأنها شأن أكثر اللاجئين غيرها ممّـن تضمّـنهم الكِـتاب، الأمر الذي عبّـرت عنه بولومسكي قائلة: “وما قِـيمة الإنسان بدُون لغة!”.

ثقافتان

في نظر مؤلِّـف الكِـتاب مايكل فالتر، أن الاندماج لا يعنِـي أن يتخلّـى المرء عن ثقافته الأصلية، ولذلك، فإنه يقول: “يُـمكن للمرء أن يستوعِـب ويعيش بثقافتين”.

ويتفق معه فرهاد مانباري، وهو كُـردي من إيران قدِم إلى سويسرا عام 1995، حيث يقول: “أنعت نفسي بسويسري كُـردي، فسويسرا هي بلدي، أعيش فيها وفيها أولادي، ولكن يبقى في قلبي أنّـي كُـردي”.

كما أن في رأي فالتر، أن اندماج المرء في بلد أجنبي يؤثِّـر على هويَّـته الأصلية، فيقول شارحا: “عندما يأتي المرء إلى هنا، حيث الثقافة مختلفة، فيحصل أن تتعارض الثقافتان أحيانا”، ويضيف: “فيجِـد المرء نفسه أمام مُـوازنة، فربّـما ينهج النّـهج السويسري حِـيال أمر ما، ثمّ هو يحتفظ بنهجِـه الأصلي حِـيال غيره من الأمور، فهناك بلا شك حيِّـز لكُـلٍّ من النّـهجيْـن”.

هذه كارينا كاستيلو، قدِمت من شيلي بصُـحبة زوجها عام 1976، ووجدت نفسها أمام مفارقة كبيرة، فهي تربّـت وترعرعت في وسط ثقافة رِجالية، ثمّ أنها وجدت في سويسرا الفُـرصة السانحة كي تبنِـي شخصيتها وتعتد بحقوقها، وهي تقول: “وجدت أن الحال في غاية الإيجابية بالنِّـسبة لي كامرأة”، إلا أن إصرارها على الدِّراسة ورفضها أن تبقى حبيسة المنزل كأمّ أو ربّـة بيت، أدّى إلى عدم استمرار حياتها الزوجية.

الأبناء

غالِـبا ما تبدو مسألة الهوية في عُـيون الأطفال مختلِـفة، فمن السّـهل عليهم تعلّم اللغة، وكذلك من السّهل عليهم تكوين صداقات في المدرسة.

فأطفال مانباري ولِـدوا في سويسرا وهم ما يزالون صِـغارا، ولُـغتهم هي السويسرية الألمانية، وإن كانوا يتكلّـمون الكُـردية في البيت. “أولادي يرْون أنفسهم بأنهم سويسريون لا غير”، هكذا قال أبوهم لسويس انفو.

أما أطفال كاستيلو، فهم الآن كبار، وقد استطاعت أمّهم أن تستعيد لهم جوازات سفرهم، على إثر انتهاء عهد الديكتاتورية في شيلي، وقد تمكّـنت الأسرة عام 1989 من القِـيام بزيارة لبلدِها الأصلي، إلا أن أحدا من الطِّفلين يرغب في ترك سويسرا، ففيها صحبتهما، هذا الموقف حاسِـم بالنسبة للولد، أما بالنسبة للبنت، فعندها شعور مُـختلط، حيث أن بشرتها داكِـنة وقد عانَـت من بعض التصرّفات أو النظرات العنصرية.

أحكام مُـسبقة

قد لا ينجُـو الطفل اللاّجِـئ من المواقِـف المبنِـية على أحكام مُـسبقة، حتى ولو كان الأفضل اندِماجا، إلا أن كاستيلو تتعامل مع مثل هذه المواقف، التي تحصل لابنتها، بأن تشرح لها بأنه ما مِـن بلد إلا وفيه الأشخاص الذين يفهمون ويتأدّبون، كما فيه مَـن لا يفهم ولا يتأدّب.

أما مؤلِّـف الكتاب فالتر، فإنه مقتنع بأن الشعب السويسري بشكل عام لديه الاستعداد التامّ لقبول ومساعدة كل من يحتاج إلى الحماية والرعاية، إلا أنه يُـقرّ بأن الأمور لم تعُـد كما كانت، ويقول: “قد يصعُـب علينا تصوّر تلك الحفاوة التي استقبلت بها جموع أولئك المهاجرين، لا شك أن الأوضاع السياسية تغيّـرت ولم يلاقي المجَـرِيون والتشيكوسلوفاكيون، ذات الأنانية السياسية القاتمة”.

وتشك كاستيلو في أن ينال اللاّجئون القادِمون من مناطق الخَـطر هذه الأيام، نفس المعاملة التي سعدت بها أيامها، وهي تستغرب الأمر وتقول: “مِـن المُـؤسف أن لا تكون حقوق الإنسان في صُـلب اهتماماتنا هذه الأيام”.

وتستطرد: “عندما تمُـر بذات التجربة التي مرَرْت بها، تحسن بقيمة الحياة البشرية، والآن ينتابُـني حزن عميق وأحسّ بالعار وأشعر بالسّخط، لا بل وأشعر بالعجْـز والحيرة لِـما يمكن فعله”.

وبالنسبة لكاستيلو، أنه من المهِـمّ أن ننقُـل للآخرين ما معنى أن يكون الإنسان لاجِـئا، ولهذا السبب، قبِـلت أن تُـجرى معها مقابلة لتُـدَوَّن في هذا الكِـتاب.

وتلفت النظر إلى أن: “في ذلك تفتيح للجُـروح بالتأكيد، ويبقى الإنسان يتجرّع آلام التّجارب الأليمة طِـوال حياته، ولكنه يتعلّم كيف يعيش بجُـروحه وكيف يتغلّـب عليها”، وتختم حديثها قائلة: “هذه هي المرّة الأولى التي أتكلّم فيها عن تجربتي، لقد تعلّمت من خلالها الكثير وعرفت كيف أزِن الأمور وأن أواجِـه نفسي، مخاطبة بأنها كانت تجربة مفيدة وأن هذا الإنسان مليئ بالأنعام والأفضال”.

سويس انفو – جوليا سلـيتر

صدر الكتاب “كانوا يوما ما لاجئين”، بتكليف من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ونُـشر في زيورخ باللغة الألمانية من قِـبل دار النشر كرونوس فيرلاغ، وتجرى ترجمته حاليا إلى اللغة فرنسية.
تضمّـن الجزء الأول من الكِـتاب، تِـسع عيِّـنات من اللاجئين من تِـسع دول مختلفة، يحكون قصتهم للصحفيين ولمؤلِّـف الكتاب مايكل فالتر.
بينما يشرح الجزء الثاني من الكِـتاب، تاريخ السياسة السويسرية في قبول اللاجئين، عملا بنظام الحِـصص في الفترة ما بين 1950 و1990.

بموجب نظام الحِـصص المعتمَـد من قِـبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تقوم الدّول الغنية باستقبال وتوطين أعداد محدّدة من المهاجرين.
كان لسويسرا مشاركة في هذا النظام طِـوال الفترة ما بين عامي 1950 و1990.

استفادت من هذا النظام، أعداد من المهاجرين من بِـقاع مختلفة من العالم، مثل المجر وتشيكوسلوفاكيا والتِّبت وشيلي وفيتنام.

تُـمنح الأولوية في هذا النظام، لمخيمات اللاجئين في بلاد العالم الثالث، حيث تسعى المفوضية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، لتأمين مواطِـن جديدة لاستقرارهم وتوطينهم.

تخلّت سويسرا عن العمل بهذا النظام، بعد أن تدفّـقت عليها – بشكل فردي – أعداد كبيرة من اللاجئين الهاربين من الحرب في يوغوسلافيا.

تحاول كل من المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين والمفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين، الضغط على السلطات السويسرية من أجل العودة إلى نظام الحِـصص.

يوجد حاليا في العالم حوالي 560 ألف لاجِـئ ينتظرون في المخيّمات، القريبة في العادة من مناطق النزاع، ويأملون في أن يُـعاد توطينهم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية