مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أوباما في أفغانستان.. الفخّ الكبير؟

بلغ تعداد القوات الأجنبية في أفغانستان حوالي 130 ألف جندي ثلثاهم أمريكيون AFP

انشطرت أمريكا، أغنى وأقوى دولة في العالم، ولا تزال، إلى أمريكيتين حِـيال ما يجِـب فِـعله في الحرب مع أفقَـر دولة على وجه البسيطة، وهذا الإنقسام شمل الإدارة الديمقراطية والكونغرس بمجلسيه والأمّـة الأمريكية نفسها.

ففي جانبٍ، يقِـف الجمهوريون في الكونغرس بقِـيادة مرشح الرئاسة السابق جون ماكين، (ومعهم بعض الشيوخ الديمقراطيين)، الذين يدعَـمون “حسْـم المعركة، عسكرياً، مع طالبان والقاعدة”، مهْـما كلّـف الأمر.

وفي الجانب الآخر، يتخنْـدق نائِـب الرئيس بايدن وإلى جانبه عدد لا بأس به من الشيوخ الديمقراطيِّـين، الذين يرفضون الغوْص في وُحول أفغانستان، ويفِّـضلون قصر الحرب على الطائرات بدون طيار وعلى عمَـل وحدات الاستخبارات على الحدود الأفغانية – الباكستانية.

وفي منتَـصف الطريق بين الجانِـبين، يبرز موقِـف وزير الدفاع غيتس، الذي يُـريد أن يشقّ طريقاً ثالثاً بين ماكين وبايْـدن، قِـوامه عَـدم قصر الحرب على “أجهزة التحكّـم عن بُـعد” (كما يُـطالب بايدن)، وفي الوقت نفسه، عدم دفع عشرات آلالف الجنود إلى المعمعة (كما يريد ماكين).

أما الشعب الأمريكي، فقد دلّـت كل الاستطلاعات الأخيرة على أنه منقسِـم هو الآخر حول هذه القضية، مع وجُـود غالبية تَـعتبِـر أن هذه الحرب ليست ضرورية للحِـفاظ على الأمن القومي الأمريكي.

حيرة “أوبامية”

أيْـن الرئيس أوباما من هذه الفوْضى الأمريكية، التي تذكّـر الكثيرين بالنِّـقاشات الحامية حول جدوى حرْب فيتنام في ستينيات القرن الماضي؟ إنه في حيْـرة كاملة من أمره.

ولا عجب. فحرب أفغانستان ستكون هي الحدَث الذي سيحدِّد، ليس فقط وضعِـيته في التاريخ، بل أيضاً(وهذا الأهَـم بالنسبة إليه)، مصير ولايته الثانية في البيت الأبيض. فهو، إذا ما قَبِل منطق نائِـبه بايدن ثمّ اندلعت أعمال إرهابية جديدة في الأرض الأمريكية، فإن كِـيانه سيتزلْـزل بفعل الحمَـلات الواسِـعة التي ستُـشنّ ضدّه وتتّـهمه بأنه هو المسؤول عن انكشاف الأمن القومي الأمريكي عبْـر تهاوُنه في الحرب ضدّ القاعدة وطالبان. وهو (أوباما)، إذا ما رضخ لمطالب ماكين والعسكر، فسيغرق في مُـستنقع حرب لا نهاية لها تؤدّي بدوْرها إلى إفقاده الولاية الثانية، خاصة إذا ما بدأت أكياس جُـثث الجنود الأمريكيين تتدفّـق على المطارات الأمريكية.

ماذا إذن؟ ماذا سيفعَـل؟ كل الدّلائل خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت تّـشي بأن أفغانستان ستتحوّل بالفعل إلى بُـؤرة الصِّـراع الرئيسية في الشرق الأوسط الكبير وقارّة أوراسيا، خاصة في حالِ نفّـذ أوباما وعوده بسَـحب القوات الأمريكية بسُـرعة في العراق، “للتركيز على حرب أفغانستان”، كما قال مِـراراً خلال حملاته الانتخابية.

وكل الدّلائل كانت تُـشير أيضاً إلى أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان، ستكون محفُـوفة بالمخاطر، لسببيْـن إثنين: الأول، التعقيدات الإقليمية والدولية الضّـخمة التي تحيط بالأزمة الأفغانية، والتي حوّلت هذه البلاد المنكُـوبة إلى ساحة قتْـل وصِـراع مفتوحين بين العديد من القِـوى الخارجية.

والثاني، استِـمرار تردّد الولايات المتحدة، حتى في ظِـلّ الإدارة الأمريكية الجديدة، حِـيال الأسلوب الأمثل لتحقيق “النّـصر” في أفغانستان، على رغم قَـرار أوباما الأخير بإرسال 30 ألف جندي أمريكي إضافي إلى هناك.

بالطبع، كِـلاَ السّـببان مُـترابطان في شكلٍ وثيق وكلاهما يستدْعي وجود إستراتيجية أمريكية عُـليا قادِرة وحْـدها على الإحاطة بكلّ جوانب الأزمة، كي تتمكّـن من توفير حلٍّ شاملٍ هناك. فهل سيكون أوباما في وارِد بلْـورة مثل هذه الإستراتيجية؟

“اللّـعبة الكبرى”

سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل، لكن قبل ذلك، فلنستعْـرض معاً طبيعة الصِّـراعات الخارجية المُـحرِّكة للأزمات الداخلية في أفغانستان. إرتبط اسم أفغانستان في التاريخ بتعبير “اللّـعبة الكبرى”، التي استخدمها الإمبرياليون البريطانيون لوصْـف التنافُـس الروسي – الإنجليزي في القرن التاسع عشر على لوحة شطرنج أفغانستان وآسيا الوسطى.

بيْـد أن هذه “اللّـعبة الكبرى” آنذاك، تضمّـنت أساليب صغيرة، اقتَـصرت على عمليات استخبارية محدودة وحروب قصيرة شُـنَّـت بالبنادق ومن على ظهور الخيْـل بين الرّوس والبريطانيين، ووقَـف خلالها الشعب الأفغاني في صفوف المتفرِّجين.

والآن، وبعد أكثر من قرن، لا تزال هذه اللّـعبة مستمرّة، لكن عدد اللاّعبين هذه المرّة شهِـد انفجاراً كبيراً وأصبحت بيادِق اللّـعبة (الشعب الأفغاني)، مُـنغمسة في الصِّـراع وبات لهيب المعارِك في هذه البلاد العصِـية على السيْـطرة، يُـهدَِّد بمُـضاعفاتٍ تمَـسّ كل قارّات العالم، كما أثبتت ذلك بوضوح أحداث 11 سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك.

باكستان تُـعتبر اللاّعب الإقليمي الرئيسي في أفغانستان، والرئيس برويز مشرّف دعَـم الغزْو الأمريكي لأفغانتسان عام 2001، لأنه رأى أن مِـن مصلحته الاشتراك في الحرب ضدّ تنظيم القاعدة، مع مُـواصلة دعْـم حركة طالبان كورقة ضغْـط على أفغانستان. وقد استمرّ هذا الوضْـع لخمْـس سنوات، إلى أن شهِـد صيف عام 2006 تصاعُـداً كبيراً في عمليات طالِـبان، بعد أن فسَّـرت إسلام أباد وطالبان قرار واشنطن بنقْـل القيادة العسكرية إلى حِـلف الأطلسي، على أنه تمهيدٌ لسحْـب القوات الأمريكية، هذا يوضِّـح أسباب تصاعُـد أعمال العُـنف الطالباني في المناطق القبلية الباكستانية على الحدود، وما تبِـعها من عمليات كوماندوس أمريكية في هذه المناطق.

بالطبع، هذا لا يعني أن طالبان مجرّد دُمْـية في يَـد إسلام أباد ولا يعني أن هذه الأخيرة لها الكلمة العُـليا الأخيرة على الأولى. كل ما في الأمر، أن أجهزة الأمن الباكستانية تعيش هاجِـس وجود مؤامَـرة هندية – أمريكية للسيْـطرة على أفغانستان، تمْـهيداً لتقسيم باكستان نفسها إلى دُويلات مُـتصارعة، ولذا، فهي تدعَـم طالبان سرّاً لعرْقلة هذه المخطّـطات.

أما الهند، فهي الطرف الثاني المُـهِـم في اللّـعبة. فهي افتتحت قُـنصليات في مُـعظم المدن الأفغانية كغطاء تعمَـل تحته مُـخابراتها العسكرية (التي يُـطلق عليها اسم “جناح التحليل والابحاث”)، لإضعاف النفوذ الباكستاني في البلاد، وهي تنفق الأموال بغزارة لدعْـم حكومة قرضاي وتشجيعها على التصدّي لإسلام أباد.

إيران، هي القوة الإقليمية الثالثة التي تنشُـط في أفغانستان على جبهتيْـن متناقضتيْـن. فهي من جهة تدْعم واشنطن في حربها ضدّ القاعدة وطالبان، وهي من جِـهة أخرى، تدعم القاعدة لمنْـع واشنطن من التّـمركز العسكري بشكل دائم في البلاد، خوفاً من أن يلِـي ذلك إجتياح أمريكي لاحق لأراضيها. ثم هناك المملكة السعودية، التي تلعب هي الأخرى لُـعبة مُـزدوجة مُـماثلة مع كل من باكستان – طالبان ومع أمريكا – حلف الأطلسي.

وعلى الصعيد الدولي، ثمّـة ثلاث قِـوى رئيسية ناشطة في أفغانستان. فإلى جانب الولايات المتحدة، هناك الصين، التي تملك نفوذاً هائلاً على باكستان (على مستويَـيْ التّـسليح العسكري والدعم السياسي) وتقف معها، لمُـوازنة القوة الهندية الصاعدة. ثم هناك روسيا، التي تعتَـبِـر الوجود العسكري الأمريكي الدائم في أفغانستان، تهديداً مُـباشراً لأمنها القومي ولمناطق نُـفوذها في آسيا الوسطى، في الوقت ذاته، الذي تدعَـم فيه جهود ضرْب الأصولية الإسلامية في البلاد.

لوحة معقّـدة للغاية، أليس كذلك؟

حتماً، وهي تزداد تعقيداً حين نضَـع في الاعتبار الانقِـسامات الإثنية في أفغانستان، حيث نِـصْف السكّـان (في الجنوب والغرب) من الباشتون، والنِّـصف الآخر، خليطٌ من الإثنيات الناطقة باللّـغتين الفارسية والتركية، بيْـد أن هذه الانقِـسامات على خُـطورتها، لم تمنَـع الأفغان على مدار التاريخ من رفض كلّ المحاولات الأجنبية لاحتلال بلادهم.

ففي عام 1838، حاول البريطانيون غزْو أفغانستان لضمِّـها إلى إمبراطوريتهم، لكن الأفغان العاديِّـين (وليس الأمراء الإقطاعيين) تصَـدّوا لهم وذبحوا كل الجيش البريطاني الغازي، فإضطرّت لندن إلى وقْـف الغزو.

وفي عام 1878، غزا الإنجليز مجدّداً، ومجدّدا جاءت المُـقاومة من الأفغان العاديِّـين، فاضطر البريطانيون إلى الانسحاب، ولكنهم سيْـطروا على المناطِـق الحدودية وعلى السياسة الخارجية للبِـلاد.

في عام 1919، نشبت الحرب الأفغانية الثالثة، حين تقدّم الجيش الأفغاني نحو المواقِـع الإمبراطورية البريطانية في الهِـند، ممّـا أجبر واشنطن على الاعتِـراف باستقلال أفغانستان. وفي عام 1979، نشبَـت الحرب الأفغانية الرّابعة بعدَ الغزْو الرّوسي، ممّـا أدّى إلى قتل وجرْح وتشريد رُبع الشعب الأفغاني. وقد إنتهت الحرب بانسحاب الرّوس وبدَء انهيار إمبراطوريتهم.

والآن، تستمِـر الحرب الأفغانية الخامِـسة، التي شـنّـتها الولايات المتحدة. فهل سيكون مصيرها أفضل من سابِـقاتها؟

شروط الحلّ

نعود الآن إلى سؤالنا الأول: هل سيكون الرئيس أوباما قادِراً على صياغة إستراتيجية عُـليا جديدة للخروج من نفَـق الحرب الأفغانية؟ الأمر سيعتمد على الطّـرف الذي سينتصِـر في الجدل الداخلي، الدائر الآن بين دوائر صُـنع القرار الأمريكي. فإذا ما انتصر الجناح المتصلّـب الذي يرى الحلّ في مُـواصلة الصِّـراع حتى الثَّـمالة، ستكون أفغانستان ومعها باكستان وكلّ منطقة أوراسيا، على موعِـد مع إنفجار كبير جديد.

أما إذا ما انتصَـر الجناح المُـعتدل، فسنشهَـد تحرّكاً دبلوماسياً ضخْـماً يتمحْـوَر حول مجلس الأمن ويكون هدفه الرئيسي:

 طمأنة الباكستانيين على أمْـنهم الداخلي ومصالِـحهم في أفغانستان، والعمل في الوقت ذاته على حلّ مشكلة كشمير، لنزْع فتيل التّـفجير مع الهند، تمهيداً لتحيِـيد أفغانستان عن صراعات نيودلهي – إسلام أباد.

 القِـيام بخُـطوات مُـماثلة مع إيران وروسيا عبْـر التّـأكيد لهما بأن واشنطن لا تخطِّـط لإقامة قواعِـد عسكرية دائمة في أفغانستان.

 تشجيع الصِّـين والسعودية على لعِـب أدوار اقتصادية أكبَـر في آسيا الوُسطى، في إطار خطّـة نُـهوضٍ اقتصادي شامِـلة في المنطقة.

 إجراء مُـصالحات داخلية في أفغانستان، يتِـم خلالَـها دمْـج طالبان في نظامٍ سياسي جديد، يُـفترَض أن ينشَـأ بعدَ انسحاب القوات الأطلسية من البلاد.

قد تبدو هذه التوجّـهات طوباوية أو مِـثالية، لكنها في الواقع، المدخَـل الوحيد للخروج من المأزَق الأفغاني، وهو بالمناسبة، مأزَق قد ينقلِـب قريباً إلى ورْطة إستراتيجية كُـبرى لكلّ الأطراف المنغمِـسة حالياً في هذه “اللّـعبة الكُـبرى” الجديدة، أو هذا على الأقل، ما يراه الكاتب البريطاني تشارلز فيرنديل، الذي كتَـب في صحيفة “الغارديان”:

“يقول لنا الجنرال بيرايوس، مكرِّراً ادِّعاءات أوباما وبراوْن، إن حرب أفغانستان هي حرْب ضرورية وأن هدفها تجنُّب العمليات الإرهابية، انطلاقاً من تلك البلاد، لكن هذه مبرِّرات زائفة كُـلِـياً”. فيرنديل على حقّ بالطبع.

فقوات حِـلف شمال الأطلسي تقتُـل اليوم عشرات آلاف الأفغان، بذريعة حِـماية أرواح عشرات الغربيين الذين “قد” يُقتَـلون غداً أو بعد عشرين سنة على يَـد إرهابيين، يُـفترَض أنهم يخطِّـطون لهجماتهم في أفغانستان، لكن، هل التّـخطيط في عصْـر الإنترنت والهاتف النقال (الجوّال، المحمول) والنقل الجوّي السريع، يجعل المرء في حاجة إلى اللّـجوء إلى الجِـبال كالنساك أو الرّهبان، للقيام بالمهمة؟ أليست “السي. أي. إي” (التي تتعرّض الآن إلى المُـساءلة في أمريكا حوْل ممارساتها التّـعذيبية)، هي التي أقامت مدارِس التّـدريب الجوّي في فلوريدا، التي تخرّج منها منفِّـذو عملية 11 سبتمبر؟ ثم، حرب الضرورة هذه تخُـاض ضدّ مَـن؟ الأطلسيون يقولون إنها ضدّ تنظيم طالبان، الذي يعيش من وراء زراعة الأفيون وتمنح “القاعدة” الملاذ الآمن، لكن هذا أيضاً تبرير واهٍ، إذ ليس هناك في الواقِـع تنظيمٌ طالباني واحد، بل 14 تنظيماً مُـختلفاً يحمِـلون الإسم نفسَـه من دون أن تتوافَـر لهُـم هيْـكلية تنظيمية مركزية واحدة، كل ما يجمعهم هو العداء للاحتلال الأجنبي ولحكومة قرضاي التابعة له.

أما زراعة الأفيون، فالوقائع تُـشير إلى أن طالبان قضت عملياً على هذه الزراعة في مِـنطقة هيلماند في الفترة ما بين 1996 و2001 وأن مَـن يقوم بالتّـرويج لهذه الزراعة الآن (كما يؤكِّـد فيرنديل)، هي حكومة قرضاي نفسها، التي اتّـهمها المُـعارضون الأفغان، بالقِـيام بأكبر عملية تزْوير في التاريخ في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وماذا عن احتضان “القاعدة”؟

الأدقّ أن يُقال هنا، أن هذا التنظيم يُـمكن أن يتواجد في أفغانستان بسبب الحرب الأطلسية فيه، لا العكس، وأن انتهاء هذه الحرب، سيُلغي فُـرص وجوده فيها. فأفغانستان المستقِـرة والمُـسالِـمة والمستقلّـة، والتي تُـصَـبّ فيها الأموال الغربية (وغير الغربية!) الهائلة لخِـدمة المجهود الحربي، لا يمكن أن تكون ملاذاً للقاعدة، فيما حكومتها الوطنية مُـنهمِـكة في إخراج البلاد من لَـعنة كونها أفقر دولة في العالم، وهذا ما استنتجه التقرير الشّـجاع الذي بثّـته “البي.بي. سي” الأسبوع الماضي، وقالت فيه، إنه لو خصّص الغرب بلايين الدولارات التي ينفِـقها لتمويل “حرب الضرورة” على حلّ مشكلة الفقر والفقراء في أفغانستان، لَـمَـا كانت ثمّـة حرب هناك. بيْـد أن الغرب لن يفعل ذلك، وهو إذا ما قرّر الإنفاق، فسيُـخصصه للمَـجهود الحربي الذي تتغذّى منه صناعاته العسكرية الضّـخمة.

ولأن الأمر على هذا النّـحو، لن يتمكّـن أوباما، حتى لو أراد، من طَـيِّ صفحة الحرب الأفغانية بهدوء، بل هو سيكون مُـضطراً إلى زيادة عديد القوات الأمريكية هناك أكثر ممّـا فعل مؤخراً، وهذا ما سيجعله يغرق، وبالتدريج، في الفخّ الأفغاني الذي بات يُـشبِـه إلى حدٍّ بعيد ما كانه الفخّ الفيتنامي للرئيسيْـن كينيدي وجونسون، وهذان الأخيران، للتذكير، كانا ديمقراطيين أيضاً.

سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

واشنطن (رويترز) – قبل تسعة أشهر عرض الرئيس الامريكي باراك أوباما على المسلمين “بداية جديدة” مع الولايات المتحدة في كلمة ألقاها بالقاهرة كانت محور جهوده لتحسين صورة بلاده على مستوى العالم.

واليوم يعبر الموظف الحكومي الكويتي يعقوب حسين (45 عاما) عن خيبة الامل التي يشعر بها الكثير من المسلمين خاصة في الشرق الاوسط بسبب ما يعتبرونه فشلا من ادارة أوباما في الوفاء بهذا الوعد.

وقال حسين “كنا متفائلين لكن لم تتحقق نتائج.”

ويتبنى مساعدو أوباما موقفا دفاعيا تجاه هذه الانتقادات ويشيرون الى مبادرات علمية وتعليمية وتكنولوجية أطلقت بعد خطاب القاهرة فضلا عن قمة لرجال الاعمال المسلمين من المقرر عقدها في ابريل الى جانب عزم أوباما سحب جميع القوات الامريكية من العراق بحلول نهاية عام 2011 .

لكن المحك بالنسبة للكثير من المسلمين هو التقدم في عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية المتوقفة التي حاول أوباما تحريكها العام الماضي. ولم تحقق هذه الجهود أي شيء بعد أن رفضت اسرائيل مطلبه وهو التجميد الكامل لبناء المستوطنات.

وقال ستيفن جراند خبير العلاقات الامريكية الاسلامية في واشنطن “ربما يكون الخطاب قد زاد التوقعات اكثر من اللازم فيما يتعلق بما تستطيع ادارة شابة انجازه في العام الاول في مشكلة صعبة ومعقدة جدا.”

وتحاول الادارة الان تدشين محادثات غير مباشرة بين الجانبين لكن هذه الجهود الجديدة واجهت انتكاسة الاسبوع الماضي حين أعلنت اسرائيل خططا لبناء 1600 منزل في القدس الشرقية المتنازع عليها مما أثار تنديدا صريحا على نحو غير معتاد من قبل واشنطن الغاضبة.

وسواء بحق او بدون حق يعتبر الكثير من المسلمين أن أوباما متهاون مع اسرائيل بينما يضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعودة الى محادثات السلام.

وقالت ميشيل ديون من معهد كارنيجي للسلام الدولي “المسلمون كانوا يتوقعون أن يمثل أوباما شيئا جديدا بسبب ما يمثله في السياسات الامريكية. لم يروا هذا. ما رأوه بالفعل هو عودة الى الدبلوماسية التقليدية.”

وبعد أن ألقت المواجهة النووية مع ايران والحرب في أفغانستان بظلالها عليها عادت محاولة أوباما للتواصل مع العالم الاسلامي الى دائرة الضوء حيث يستعد للتوجه الى اندونيسيا اكبر دولة مسلمة في العالم من حيث عدد السكان الاسبوع القادم.

ويلقي أوباما كلمة في جاكرتا يبرز فيها اندونيسيا كدولة يغلب على سكانها المسلمون وكواحدة من اكبر الديمقراطيات في العالم. وقال مساعدون انه سيقدم ايضا عرضا للتقدم الذي أحرز منذ ألقى خطابه في القاهرة.

وتعتقد الولايات المتحدة أن تحسن علاقاتها مع العالم الاسلامي يعزز أمنها القومي ويساعد في بناء تحالفات في مواجهة ايران ويقوض الدعم لجماعات مثل القاعدة.

وقال جراند الذي شارك في منتدى امريكا والعالم الاسلامي بالدوحة في فبراير شباط حين عبرت الوفود المسلمة عن غضبها من السياسات الامريكية بالشرق الاوسط انه يجب أن يؤكد أوباما في جاكرتا “أنه ليس هناك تعارض بين الاسلام والديمقراطية.”

ووجد الوفد الامريكي الارفع مستوى الذي يحضر هذا التجمع السنوي على الاطلاق نفسه في موقف الدفاع.

واعترفت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون بمخاوف المسلمين من أن التزام الولايات المتحدة غير كاف او غير مخلص.

وقال جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكي “لا نستطيع الحديث بصراحة في منتدى كهذا دون الاعتراف بالاحباط المنتشر على نطاق واسع الذي يشعر الكثير من الناس به. معظمه مبرر. وبعضه غير مبرر.”

ويقول الكاتب فؤاد الهاشم الذي يكتب لصحيفة الوطن الكويتية اليومية ان تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين شارع من اتجاهين.

وأضاف أنه يجب الا يلقى كل اللوم على أوباما وأن العالم العربي بحاجة الى اتخاذ عشر خطوات نحو أوباما اذا اتخذ أوباما خطوة واحدة.

وفي غرفة اجتماعات بالبيت الابيض عدد نائب مستشار الامن القومي بن رودز الانجازات التي حدثت منذ خطاب القاهرة وأبرزها خفض الوجود الامريكي بالعراق.

وقال “خطاب (القاهرة) يأخذ نظرة بعيدة لما نحاول تحقيقه. ما نأمل أن نفعله هو اظهار جهود ثابتة ومتضافرة وتقدم في تلك القضايا السياسية والامنية وفي الوقت نفسه بناء هذه الشراكات الاوسع نطاقا في مجالات مثل التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار.”

وتابع أن الادارة ما زالت ملتزمة باستئناف محادثات السلام بالشرق الاوسط وأن “دليل التزامنا سيثبته أننا سنستمر على الرغم من الصعوبات. لن نسمح للانتكاسات التي لا مفر منها التي تصاحب هذا الصراع بأن تعوق سعينا من أجل السلام.”

في غزة حيث يشعر الكثير من الفلسطينيين بالاحباط بسبب عدم احراز تقدم تساءلت ملصقات للاعلان عن مناسبة اعلامية في يناير كانون الثاني للاحتفال بذكرى مرور عام على تولي أوباما الحكم عما تغير بعد مرور عام على أ وباما.

يقول سكان غزة انه لم يتغير الكثير. غير أنه ربما يأمل كثيرون في أن يحاول أوباما من خلال الخطاب الذي يلقيه في جاكرتا أن يجيب عن سؤال مختلف هو “ماذا بعد..”

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 مارس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية