مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأوضاع الفلسطينية تتجه إلى منعطف خطير

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يغادر مكتب رئيس الوزراء سلام فياض في رام الله في أعقاب الإجتماع الأسبوعي لحكومة تصريف الأعمال يوم 25 نوفمبر 2008 Keystone

يذهب الوضع الفلسطيني نحو المجهول في آفاق من السوداوية تهيمن على مختلف الاوساط هنا في رام الله، بعد أن بات الانقسام الفلسطيني كأنه قدر لا مفر منه وأضحت المفاوضات مع الدولة العبرية تدور في حلقة مفرغة لتصبح عملية "مفاوضات من أجل المفاوضات".

من المعروف أنه في أي صراع يسعى كل طرف، عبر وسائل الحرب أو من خلال السلم، إلى كسر إرادة الطرف الآخر، وحين تكون اللحظة التاريخية مؤاتية لاتفاق ما يؤجّـل الصراع ولا يحله، يضع كل منهما أهدافا غير معلن عنها، لم يستطع تحقيقها عن طريق الحرب، لعله يحققها من خلال الاتفاق.

اتفاق أوسلو الفلسطيني – الاسرائيلي الموقع في سبتمبر 1993، لا يخرج عن هذا السياق الذي تكرر على مدى التاريخ، إذ كان الطرف الإسرائيلي يريد آنذاك أن يؤكد للعالم أن الفلسطينيين ليسوا شعبا موحدا وأن نخبتهم السياسية غير قادرة على إقامة دولة مستقلة وتدبيرها.

رهان الدولة العبرية كان على خلافات فلسطينية فلسطينية حول الإتفاق ومشروعيته ومدى قدرته على تحقيق الطموحات التاريخية للشعب الفلسطيني وأن تتحول هذه الخلافات إلى صراعات مسلحة تؤدي إلى شرذمة الفلسطينيين وبالتالي إنهاء قضيتهم الوطنية والتفاهم مع أطراف إقليمية لتدبير شؤونهم الحياتية والإجتماعية.

منعطف خطير

وخلال السنوات السبع الأولى التي مرت على اتفاق أوسلو الذي منح الفلسطينيين حكما ذاتيا مؤقتا ترافق مع إقامة سلطة فلسطينية تسير المناطق التي تُترك لهم لتدبيرها، فشل الفلسطينيون في إقامة إدارة وجهاز يدبر شأنهم العام بشكل سليم وتحدثت تقارير عديدة عن الفساد الذي دب بمؤسساتها والعجز في تدبيرها.

ثم جاءت انتفاضة الأقصى في خريف عام 2000 في أعقاب فشل مفاوضات كامب ديفيد واتسمت بإصرار إسرائيلي على مواجهة دموية لتحركاتها وضرب جميع المؤسسات التي وُلدت نتيجة لاتفاقية أوسلو وبعد ذلك رحل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات نهاية 2004 والوضع الفلسطيني في أضعف حالاته وحركة فتح (الحزب الرئيسي في السلطة) في وهن وإرباك تنظيمي، ما أعطى حركة حماس فرصة تاريخية للوصول إلى أغلبية مريحة في المجلس التشريعي (البرلمان الفلسطيني) ولتدخل القضية الوطنية الفلسطينية برمتها في منعطف خطير لم تخرج منه حتى الآن.

كانت البنية السياسية الفلسطينية والوضع الاقليمي والدولي لا يحتمل تولي حركة حماس الأصولية السلطة في مرحلة يُعلن فيها العالم الحرب على الإرهاب فضُرب حصار سياسي واقتصادي على السلطة المضعضعة أصلا وأمكن لإسرائيل أن تحقق هدفها من اتفاق أوسلو بنشوب معارك سياسية (أساسا بين حركتي حماس وفتح) ورغم المحاولات التي بذلتها أطراف عربية ودولية عديدة لتخفيف حدة هذه الخلافات، فإنها توجت في يونيو 2007 بمواجهات مسلحة أدت إلى سيطرة حماس على قطاع غزة واستبعادها من تدبير الشأن العام في الضفة الغربية وتشكيل حكومة مؤقتة لا زالت تمارس ليصبح للحكم الذاتي الفلسطيني حكومتين (حكومة مُقالة لتصريف الاعمال في غزة وأخرى مؤقتة في رام الله) وإلى ملاحقات أمنية واعتقالات هنا وهناك وانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان وحملات إعلامية واتهامات بكل الأساليب واللغات والألفاظ لم تهدأ حتى الآن.

نحو مزيد من التشتت والفرقة

في المقابل، يبدو أن الفلسطينيين مقبلون الآن على مرحلة أشد خطورة يكون فيها للحكم الذاتي رئيسان بدلا من رئيس واحد معترف به من كل أطراف العمل السياسي الفلسطيني.

ففي التاسع من يناير المقبل تكون قد مرت أربع سنوات على انتخاب محمود عباس (ابو مازن) رئيسا للسلطة الفلسطينية. وفيما تقول حركة حماس إنها الولاية القانونية للرئيس حسب القانون الأساسي للسلطة، تؤكد حركة فتح أن القانون ينص على تزامن الانتخابات الرئاسية والتشريعية أي عند نهاية ولاية الرئيس عباس يوم التاسع من يناير.. 2010.

ومن المنتظر أن يؤدي استمرار تباين الرؤى حول ولاية الرئيس عباس إلى إدخال الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في حلقة جديدة من مسلسل انهيارها ستكون سمتها الأساسية ترسيخ الانقسام بين الضفة والقطاع وسيكون للحكم الذاتي الفلسطيني رئيسين وحكومتين وعاصمتين تُحاول كل منها أن تؤمّن دعما إقليميا ودوليا.

ويرى الدكتور عبد المجيد سويلم الباحث السياسي والأستاذ بجامعة بيرزيت في تصريح لسويس انفو أن “الخلاف حول موعد التاسع من يناير ليس خلافا في الفقه القانوني بل خلاف – منذ بداية النقاش حوله – ذو طابع سياسي ويحمل في كثير من الأحيان طابع المماحكة السياسية”.

ويضيف الدكتور سويلم أن “عدم الوصول الى تفاهمات بين رام الله وغزة حول ما بعد 9 يناير سيؤدي إلى اتساع الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، وسيحاول كل طرف اتخاذ إجراءات أحادية تكرس الانقسام والتشرذم وتعمّق هوة الخلاف وتؤدي إلى المزيد من التشرذم لتصبح حالة دائمة وتشتت الكيانية الفلسطينية وتُنهي الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة”.

وبالنسبة للدكتور عبد المجيد سويلم فإن الخلاف بين حركتي فتح وحماس “سيستمر لأن القرار الفلسطيني لم يعد مستقلا، كما أن أطراف الفعل السياسي الفلسطيني باتت رهينة لحسابات واعتبارات إقليمية ودولية وشكلت بوصلة التفكير السياسي الفلسطيني وتوازناته حيث أن كل طرف سيتمسك بـ “إمارته” محاولا الحفاظ عليها بانتظار حدوث تحولات وبروز توازنات إقليمية وعالمية يفرزها صراع الإرادات المطل برأسه على المنطقة من أجل تحسين وضعه التفاوضي مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومكانته ودوره.

شعب فلسطيني بلا مشروع؟

في ظل هذا الوضع القائم ورغم ما يكتنفه من مأساوية، تتواصل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من خلال مراهنة السلطة في رام الله على إمكانية أن تكون 2009، سنة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

وتجري هذه المفاوضات منذ فترة بوتائر مختلفة ترتبط بالحسابات الاسرائيلية الداخلية ومفاوضاتها المباشرة وغير المباشرة مع أطراف إقليمية دون أن تدخل القضايا الأساسية في جدول أعمالها (وضع القدس، عودة اللاجئين،..) وفق قرارات الأمم المتحدة ودون أن تُوقف إسرائيل – في الأثناء – توسعها الاستيطاني وتقسيم أراضي الحكم الذاتي إلى كانتونات ممزقة يسهل محاصرتها من خلال مئات الحواجز (يناهز عددها حاليا 650 حاجز) التي تنشرها بين مناطق الضفة، ومكرهة المفاوض الفلسطيني على الأخذ بعين الاعتبار مصلتحها الأمنية وفق رؤيتها وحساباتها الخاصة.

وحسب الباحث الفلسطيني عبد المجيد سويلم فإن هناك أطرافا فلسطينية تعتقد أن نجاح باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية الامريكية سيؤدي إلى تسريع عملية السلام في الشرق الأوسط بعد أن فشل الرئيس جورج بوش في تحقيق رؤيته بالإعلان عن دولة فلسطينية قبل نهاية 2008 لذلك “لا بد من الاستمرار بالمفاوضات”، حسب رأي هذه الأطراف.

ويصف سويلم هذه الرؤية بـ “الإرتهان الحقيقي للحسابات غير الواقعية في السياسة الدولية التي لا زالت متماهية مع السياسة الإسرائيلية القائمة على تكريس الإستيطان وتوسيعه واعتبار الجدار حدودا نهائية واقتطاع القدس والأغوار من أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة واعتبار أن المفاوضات تبدأ من هذه النقطة”.

ويقول الدكتور سويلم لسويس انفو: “إن المفاوضات الحالية ليست حالة مقاومة بل حالة ارتهان لا تؤدي إلى سلام حقيقي وعادل يضمن للمنطقة أمنها واستقرارها لتكون النتيجة فشل مشروع المقاومة الفلسطينية المسلحة وفشل مشروع تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في المفاوضات ليصبح الشعب الفلسطيني بلا مشروع يحقق له أهدافه الوطنية المشروعة”.

محمود معروف – رام الله

رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – قالت حكومة الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الاثنين 1 ديسمبر 2008 انها تعتزم تعيين لجان لتتولى مهام المجالس المحلية في الضفة الغربية في خطوة استنكرتها حركة المقاومة الاسلامية (حماس).

وحققت حماس مكاسب في انتخابات المجالس المحلية في عامي 2004 و2005 قبل ان تلحق هزيمة بحركة فتح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير كانون الثاني عام 2006.

وقال وزير الاعلام الفلسطيني رياض المالكي ان اللجان التي ستعينها الحكومة ستتولى مهمة إدارة المجالس المنتخبة بعد انتهاء فترة ولايتهم الانتخابية “لتسيير عمل هذه المجالس” الى حين التمكن من اجراء انتخابات المحلية.

واتهم فوزي برهوم المتحدث باسم حماس عباس باتباع نهج استبعاد حماس والاخرين في سبيل حكم الحزب الواحد.

ونقلت وكالة الانباء الفلسطينية (وفا) عن المالكي قوله ان تعيين لجان لإدارة المجالس المحلية بعد انتهاء المدة الزمنية لانتخابها يتفق مع القانون الفلسطيني “حيث أن الظروف الحالية التي تمر بها الاراضي الفلسطينية لا تسمح بإجراء انتخابات مجالس محلية.” وكان عباس قد عين سلام فياض رئيسا للحكومة بعد ان استولت حماس على قطاع غزة في يونيو حزيران عام 2007.

وتصاعد التوتر بين الفصيلين مرة اخرى الشهر الماضي بعد ان قاطعت حماس محادثات مصالحة توسطت فيها مصر.

وتصر حماس على انه يتعين ان تنتهي مدة ولاية عباس في التاسع من يناير كانون الثاني وقالت انها لن تعترف بشرعيته بعد هذا التاريخ. ويقول عباس ان فترة ولايته تنتهي عام 2010.

وهدد عباس بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ابريل نيسان بسبب اعتراضات حماس.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 ديسمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية