مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الثورات العربية: أمـل وقـلـق ودمـاء.. وصـراعُ إرادات مُـحـتـدم

طفل سوري لجأت عائلته تركيا هربا من قمع السلطات السورية يستطلع الأجواء بشيء من التوجس خارج الخيمة. (تاريخ الصورة: 14 يونيو 2011) Keystone

الربيع العربي تفسده من حين لآخر سُحب داكنة وأمطار متفرقة، وأحيانا زوابع رعدية وصواعق خلفت وراءها ولا تزال ضحايا كثيرة في الأرواح وخسائر مادية.

وإذا كان الإنتقال الديمقراطي في كل من تونس ومصر يمرّ بصعوبات حقيقية جعلت الشعبين في قلق متجدد، فإن الأوضاع في ليبيا واليمن وسوريا تتسم بشدة التعقيد وبكلفتها العالية. إنه المخاض العربي الصعب تتقاطع حلقاته في مفاصل مشتركة، وتبقى الخصوصيات المحلية هي المحددة للمسارات والتداعيات.

في الوقت نفسه، يتابع مئات الملايين من المواطنين العرب بكثير من الغضب والدهشة الشراسة التي كشفت عنها أنظمة الحكم بالعالم العربي، واستعداد ما يُطلق عليهم “القادة العرب” لاستعمال كل وسائل الإرهاب والقتل والتدمير من أجل البقاء على حساب حقوق شعوبهم في الحرية والإختيار.

كما أن الأخبار التي أصبحت متداولة بين الجميع حول حجم فساد الفئات الحاكمة وحواشيها، والبنية العائلية لأنظمة الحكم، جعلت شعوبا عربية بكاملها تعتبر أنها محكومة بدول فاسدة بامتياز، وقامعة إلى حد العظم. مع ذلك، فإن المشهد الراهن للثورات العربية متفاوت من حالة إلى أخرى.

تونس.. شكوك وضباب

ففي تونس، يلاحظ بأنه كلما طالت حالة غياب الشرعية إلا وصاحب ذلك اضطراب سياسي وأمني يبلغ أحيانا درجة الخطورة، ويفتح المجال للحيرة العامة والخوف من وجود أطراف قد تصبح قادرة على فرض أجندة متناقضة مع خارطة الطريق التي تم التوافق عليها خلال الفترة القليلة الماضية. وبالرغم من أن موعد فتح باب الترشحات لانتخابات المجلس التأسيسي يحل بعد أقل من شهر ونصف، إلا أن أصواتا بدأت تتصاعد هنا وهناك تثير الشكوك حول احتمال تأجيل موعد الإنتخابات المقررة ليوم 23 أكتوبر القادم.

هذه الشكوك مؤسسة على ثلاث مؤشرات:

أولا: استمرار الأزمة داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، وذلك بعد أن قرر حزب حركة النهضة  الإنسحاب منها إلى جانب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وآخرين. لقد أخفقت الجهود التي بذلت من أجل تطويق الخلاف، بما في ذلك المسعى الذي قام به السيد الباجي قايد السبسي، وهو ما زاد في تشخيص الخلافات وتسميم الأجواء، وأضعف من قدرة الجميع على تحقيق التوافق الأدنى بين مختلف الأطراف. ويُخشى في هذا السياق أن تنهار هذه الصيغة التوافقية التي مكنت طيلة المرحلة الماضية من إيجاد حالة من التوازن الهش بين الحكومة والمعارضة.

ثانيا: ارتبطت أزمة الهيئة العليا بقرار اتخذته بعض الصفحات التونسية على الفايسبوك وأيدته بعض الأحزاب السياسية والقاضي بتنظيم ما أطلق عليه تسمية “اعتصام القصبة 3” الذي كان يفترض أن ينطلق يوم الجمعة 15 يوليو، من أجل ممارسة الضغط على الحكومة، واحتجاجا على ضعف أدائها ومطالبتها بمراجعة تعيين بعض الوزراء. لكن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح بسبب عاملين أساسيين، وهما من جهة إحجام أطراف عديدة عن المشاركة لأسباب سياسية وأخرى تتعلق بعمومية المطالب التي رفعت، والعنف المفرط الذي قامت به قوى الأمن من أجل تفريق المعتصمين من جهة أخرى. وهو العنف الذي أثار ردود فعل واسعة في مختلف الأوساط السياسية والحقوقية.

ثالثا: على إثر ما حدث بساحة القصبة، وبالأخص إقدام قوات الأمن على انتهاك حرمة أحد المساجد بقذف المعتصمين داخله بالقنابل المسيلة للدموع، اندلعت أحداث عنف متفرقة بعدد من البلدات التونسية، مما أدى إلى سقوط طفل بمدينة سيدي بوزيد والإعتداء الشديد على بعض من أعوان الأمن، وحرق مقرات أمنية ومؤسسات إدارية واقتصادية بمناطق أخرى. ورغم أن هذه الأحداث اكتست في غالبها طابعا إجراميا، إلا أنها زادت من حالة الاحتقان السياسي، خاصة بعد أن اتهم الوزير الأول أحزابا لم يُسمّها بمحاولة تعطيل العملية الإنتخابية. وهو ما جعل الكثيرين يعتقدون بأن الخلاف مع حركة النهضة لم يعد مقتصرا على رئاسة الهيئة العليا أو مجموعات اليسار، وإنما اتسع ليشمل أيضا الحكومة ورئيسها الباجي قايد السبسي.

في هذه الأجواء المشحونة، ومع بطء عملية تسجيل الناخبين في القوائم الإنتخابية، هيمنت على الساحة التونسية أحاسيس متناقضة، لكنها زادت بالتأكيد من حجم الإرتباك التي يُعاني منها التونسيون منذ فرار الرئيس السابق، وأضعفت من حماسهم وانخراطهم الجدي في عملية الإنتقال الديمقراطي.

مصر: مخاوف من الجيش والإسلاميين

هناك نقاط تشابه كثيرة بين الحالة المصرية والحالة التونسية، سواء من حيث بطء التغييرات، أو ضعف الحكومة، أو هشاشة الوضع الأمني والإقتصادي. لكن الحالة المصرية تتميز بالدور المحوري الذي تقوم به المؤسسة العسكرية في ضبط وتيرة الإنتقال الديمقراطي في البلاد. ويبدو أن هذا الدور قد أخذ يثير مخاوف لدى القوى السياسية الثورية العلمانية، التي أصبحت تخشى من وجود خطة ترمي إلى احتواء الثورة من المجلس العسكري لاستمرار هيمنة الجيش على السلطة في مصر.

وتمتزج هذه المخاوف مع توجس متزايد لدى هذه القوى من تزايد حجم انخراط معظم الفصائل الإسلامية في الشأن السياسي، بما في ذلك جناح من السلفيين اختاروا تأسيس حزب أطلقوا عليه اسم “حزب النور”، بل إن التيّار الصّوفي، الذي كان من قبل أبعد ما يكون عن العمل السياسي، قرّر هو أيضا أن يحتل موقعا في المشهد السياسي الجديد.

هذا التحول في مواقف الأطراف الدينية زاد من حجم مخاوف العلمانيين من هيمنة محتملة للإسلاميين على السلطة والفضاء العمومي. وهو ما زاد في تغذية الإنقسام حول أولويات المرحلة الإنتقالية، خاصة فيما يتعلق بالدستور. ولا شك في أن وجود مصر على خط التماس مع إسرائيل من شأنه أن يفسر حجم العقبات الإضافية التي ستواجه الثورة المصرية خلال المرحلة القادمة.

ليبيا : سيناريو الإستمرار إلى النهاية

في ليبيا يبدو الوضع مختلفا تماما حيث تقف الثورة الليبية في منتصف الطريق. فهي لم تتمكن من حسم الموقف العسكري لصالحها بعد أن أثبت نظام القذافي قدرته على الصمود طوال الفترة السابقة، رغم الخسائر الكثيرة التي منيت بها الكتائب المسلحة التابعة له.

اتضح أن الدولة الريعية تملك القدرة على شراء الذمم وإطالة الأزمات من خلال تـحـكـمـها في مدّخـرات الوطن، كما أن القذافي قادر على تدمير ثلثي ليبيا مقابل البقاء في السلطة مدة أطول. أما الغرب، فيبدو أنه يلعب في ليبيا لعبة مُـزدوجـة في انتظار أن ينهار البلد بكامل أجزائه، وتأتي ساعة الحقيقة والمحاسبة، لكن الليبيين لم يعُد لهم اختيار آخر غير مواصلة الحرب حتى ينهار ما تبقى من أركان النظام. ويبدو أن الأسابيع القادمة ستكون حاسمة.

اليمن: هذا البلد المُعلق

اليمن تحول إلى بلد مُعلق. فلا النظام بقي قادرا على إدارة شؤون البلاد، ولا قوى الثورة تمكنت من حسم الصراع نهائيا لصالحها.

لم يبق لعلي عبد الله صالح إلا رهان وحيد وهو جـرّ اليمنيين إلى حرب أهلية، وذلك من خلال الدفع في اتجاه عسكرة الثورة، ظنا منه أن ذلك من شأنه أن يثير مخاوف شرائح واسعة من شعبه، وأن يدفع بالقوى الإقليمية والدولية نحو مساندته بحثا عن الإستقرار بحجة أنه سيكون الأكثر قدرة على الإنتصار في أي نزاع مُسلح بين الدولة والشعب، بفضل الأجهزة العسكرية المتعددة والتي يقودها أفراد أسرة الرئيس صالح.

سوريا: هل تسير نحو السيناريو الليبي؟

أخيرا توجد الثورة السورية في مفترق طرق. فهي وإن كشفت عن إرادة فولاذية لمواطنين عزل قرروا التمرد على نظام حكم البلد بيد من حديد، وضمنت من جهة أخرى هذا الإمتداد الجغرافي الذي يكاد يشمل كل المدن السورية، إلا أن ذلك لا يعني حتى الساعة أن نظام دمشق قد أصبح على شفا جرف هار. فحالة المواجهة لا تزال في بدايتها رغم مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة. كما لا يزال النظام السوري يتمتع بقدرة واسعة على البقاء وضمان الإستمرارية بوسائل متعددة، وفي المقابل يُصرّ الشعب على المقاومة، لكن إلى متى سيتمسك السوريون بالمنهج السلمي؟ ومن جهة أخرى، فمن شأن موقع سوريا الإستراتيجي أن يغدذ التنازع الداخلي، ويزيد من حجم الأطماع الدولية والإقليمية.

هذا حال الثورات العربية، لم يسلم أي منها من مخاطر داخلية وأخرى خارجية، كما أن جميعها، بما فيها تلك التي سقط فيها رأس النظام لم تتضح بعد معالم الطريق التي من شـأنها أن تساعد الشعوب على قطع خط الرجعة نهائيا بوجه قوى الردة والإلتفاف والإرتكاس إلى الوراء.

لكن مع كل هذا الحجم الكبير من الخسائر المادية وفي الأرواح البشرية، فإن الشعوب العربية – وبدون أي استثناء – لم تعد مستعدة للعودة إلى الخلف رغم صعوبة المخاض، أو هكذا تبدو الصورة في اللحظة الراهنة.. على الأقل.

سوريا: سقوط المزيد من القتلى والإحتجاجات تعمّ البلاد

قال مقيمون يوم الجمعة 22 يوليو 2011 ان خمسة مدنيين على الاقل قتلوا خلال الليل اثناء هجوم بالدبابات على أحياء في مدينة حمص في اطار حملة على الاحتجاجات المتصاعدة المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الاسد. وتشهد مدينة حمص الواقعة على بعد 165 كيلومترا شمالي العاصمة دمشق حملة عسكرية مكثفة في الاونة الاخيرة لسحق احتجاجات تفجرت منذ اربعة اشهر ضد الحكم الشمولي للاسد. وقال مقيمون ونشطاء انه بمقتل هؤلاء الخمسة يرتفع الى 38 عدد المدنيين الذين قتلوا خلال حملة القمع العسكري على الاحياء السكنية للمدينة هذا الاسبوع.

من جهة أخرى، قال نشطاء وشهود ان عشرات الالاف خرجوا الى الشوارع في مختلف أنحاء سوريا عقب صلاة الجمعة احتجاجا على حكم الرئيس السوري بشار الاسد في تحد لحملة قمع عسكرية مكثفة ضد الانتفاضة. وقال النشطاء ان المحتجين المطالبين بانهاء حكم الاسد خرجوا في حي الميدان بدمشق ومدينة حمص المحاصرة ومدينة اللاذقية الساحلية ومدينة درعا الجنوبية ومحافظة دير الزور في شرق البلاد على الحدود من العراق.

وفي مدينة القامشلي التي تقطنها أغلبية كردية، ذكر شهود ان مئات من رجال الشرطة والميليشيات الموالية للرئيس السوري بشار الاسد استخدمت الهراوات لمهاجمة الاف المحتجين المطالبين بالديمقراطية. وذكر الشهود ان الشرطة اطلقت الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين وان عددا من الاشخاص اصيبوا في اول حملة لقمع متظاهرين أكراد منذ اندلاع الانتفاضة ضد الاسد منذ اربعة اشهر. وقال الشهود لرويترز ان المتظاهرين رددوا شعارات مطالبة بالاصلاح السياسي وانهاء التمييز ضد الاقلية الكردية.

في مصر: الألوف يهتفون بسقوط المجلس العسكري ويطالبون بإعدام مبارك

هتف ألوف المصريين يوم الجمعة 22 يوليو بسقوط المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد منذ الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية في فبراير الماضي. ويطالب محتجون معتصمون منذ أسبوعين في ميدان التحرير بالقاهرة وفي مدن أخرى بالاسراع بالاصلاح ومحاكمة المتهمين بقتل مئات المتظاهرين خلال الانتفاضة يتقدمهم مبارك ووزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي ورئيس مجلس الشعب المنحل فتحي سرور ورئيس مجلس الشورى المنحل صفوت الشريف.

وعقب صلاة الجمعة هتف المحتجون في ميدان التحرير “يسقط يسقط حكم العسكر احنا الشعب الخط الاحمر” و”يللا (هيا) يا مصري انزل من دارك لسه فيه (يوجد) مليون مبارك” و”الطنطاوي هو مبارك” في اشارة الى المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة. وأكد المحتجون رفضهم لتعديل أجري هذا الاسبوع شمل نصف أعضاء مجلس الوزراء ورددوا هتافا يقول “شالوا وزير وحطوا وزير دا يا مشير مش التغيير”.

وفي مدينة الاسكندرية الساحلية هتف مئات المحتجين “يسقط يسقط حكم العسكر” و”يا طنطاوي خد قرارك (بالتغيير) يا تتحاكم زي مبارك” و”يا طنطاوي قول الحق انت معانا ولا لا”.

في ليبيا: “لا مكان للقذافي في عملية مقترحة لنقل السلطة”

وفي لندن، قال دبلوماسي أوروبي كبير لوكالة رويترز يوم الجمعة 22 يوليو إن مبعوث الامم المتحدة الى ليبيا يقترح وقفا لاطلاق النار يعقبه على الفور تشكيل سلطة انتقالية تقتسم بالتساوي بين الحكومة والمعارضة مع استبعاد الزعيم الليبي معمر القذافي وأبنائه.

وأضاف الدبلوماسي أن السلطة الانتقالية ستعين رئيسا وتهيمن على الشرطة والقوات المسلحة والاجهزة الامنية وتشرف على عملية مصالحة تقود الى انتخاب جمعية وطنية تضع الدستور.

واستعرض الدبلوماسي الذي طلب عدم نشر اسمه أو موقعه الافكار التي بحثها عبد الاله الخطيب المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة بان جي مون الى ليبيا.

ويتشبث القذافي بالسلطة في مواجهة هجمات المعارضة التي تسعى لانهاء حكمه الممتد منذ 41 عاما ورفض مقترحات بتنحيه كما تطالب المعارضة. واستبعد الزعيم الليبي يوم الخميس 21 يوليو اجراء أي محادثات مع المعارضة ليلقي بظلال من الشك على سلسلة من الجهود الدبلوماسية لانهاء الصراع.

(المصدر: وكالات الأنباء)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية