مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العقيد القذافي يتعهّـد بعودة السويسريّين الـمُـحـتـجـزيْـن

AFP

مثّـل اللقاء، الذي طال انتظاره بين الرئيس السويسري والزعيم الليبي في نيوررك، بادرة مثيرة للتفاؤل، لتجاوُز الخضّـة التي شهِـدتها العلاقات بين برن وطرابلس في أعقاب إيقاف نجل العقيد القذافي وزوجته في جنيف في يوليو 2008.

الإجتماع الذي لم يتأكّـد إلا في اللحظات الأخيرة، انعقد في مقرّ إقامة الزعيم الليبي في مقر بعثة الجماهيرية في نيويورك مساء الأربعاء 23 سبتمبر، واستمرّ 40 دقيقة كاملة. وخلال اللقاء، طالب الرئيس السويسري هانس – رودولف ميرتس، “بعودة فورية لرجُـلَـيْ الأعمال المحتجزيْـن في ليبيا التي وعدت بذلك في مناسبات عديدة”، مثلما جاء في البيان الصادر عقِـب اللقاء عن الحكومة السويسرية.

وأضاف البيان “طالب ميرتس بعودة فورية لرجلي الأعمال السويسريين المحتجزين في ليبيا التي وعدت بذلك في مناسبات عدة”، وقال “أكد زعيم الثورة (الليبية) للرئيس ميرتس أنه ملتزم شخصيا بالإفراج عنهما”.

وفي تصريحات أدلى بها مساء الخميس 24 سبتمبر إلى القناة الأولى الناطقة بالفرنسية للتلفزيون السويسري، أشار ميرتس إلى أن المحادثات مع نظيره الليبي، كانت “حميمية”، لكنه شدّد على أن عودة مواطِـنيْـه “هي الشرط الذي لابدّ منه، لتطبيق الاتفاق (المبرم) بين سويسرا وليبيا”.

وكان البيان الحكومي قد أشار بدوره إلى أن “تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين، كان مِـحور المحادثات” بين الرجلين، وأضاف بأن “الجانبيْـن أكّـدا إرادتهما في الإسراع بتطبيق الإتفاق المُـبرم بين الدولتين يوم 20 أغسطس 2009″، لدى تحوُّل السيد ميرتس إلى طرابلس.

وطِـبقا لهذا الاتفاق، يُـفترض أن تعود العلاقات بين البلدين إلى سالف عهدها في غضون ستين يوما من توقيعه، أي حوالي 18 – 20 أكتوبر، مثلما ذكّـر بذلك رئيس الكنفدرالية، الذي استدرك قائلا: “لكنني أنتظر عودة السويسرييْـن قبل هذا الموعد بكثير”.

واعتبر هانس – رودولف ميترس أنه “في نهاية المطاف، سنتصالَـح، حتى وإن كان الأمر يتطلّـب جُـهدا أكبر مما كُنت أظُـنّ في البداية”.

الرواية الليبية

وخلال الزيارة التي قام بها في شهر أغسطس الماضي، قدّم الرئيس السويسري “اعتذارات” علنية ووقّـع على اتفاق، يرمي إلى تسوية الخلاف الذي اندلع بين برن وطرابلس في أعقاب إيقاف هانيبال القذافي، أحد أبناء الزعيم الليبي، وزوجته في منتصف يوليو 2008 في جنيف، بعد اتهامهما بسوء معاملة خادمين يعملان لديهما.

وكان هذا الإيقاف سببا في نشوب أزمة خطيرة بين البلدين، تخلّـلتها إجراءات عقابية من طرف طرابلس، التي تحتجِـز لديها منذ 19 يوليو 2008 رجُـليْ أعمال سويسرييْـن.

وطِـبقا لما أوردته وكالة الجماهيرية للأنباء الرسمية (جانا)، فإن السيد ميرتس شدّد خلال لقائه مع العقيد القذافي نيويورك، على “إلتزام سويسرا بتنفيذ ما تعهدت به في محضر الاتفاق الموقع بين البلدين والخاص بمعالجة الحادثة غير المبررة في حق الدبلوماسي الليبي هانيبال معمر القذافي وأسرته والذي أعلنت فيه إعتذارها وإلتزامها بعدم تكرار هذه الحادثة مستقبلاً تجاه المواطنين أو المسؤولين الليبيين، وأن تحسن معاملتهم وتسهل إجراءاتهم”. كما عبّـر أيضا عن “حرص ورغبة سويسرا في تطوير العلاقات بين البلدين في إطار الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة”، حسب وكالة (جانا).

وفيما أشارت الوكالة الليبية الرسمية إلى أن الرئيس السويسري “هنأ الأخ القائد على الخطاب الصريح والواضح الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة”، لم تُورد في المقابل، أي إشارة إلى رجُـليْ الأعمال السويسرييْن، اللذيْن يُـعتبران من طرف العديد من وسائل الإعلام السويسرية، “رهائن” لدى طرابلس.

بداية الحلّ أم إشارات متضاربة؟

الرئيس السويسري، الذي سبق له أن صرّح يوم 17 سبتمبر أنه مستعِـدّ لمقابلة معمر القذافي في نيويورك لإيجاد حلٍّ نهائي للخلاف، اعتبر في تصريحات نُـقلت عنه يوم الخميس 24 سبتمبر، أن ما حدث لا يُـعتبر “لقاءً حاسما”، مشيرا إلى أن الطرفين “سيواصلان” بذل الجهود “من أجل حلّ” الأزمة القائمة بين البلدين، وهو ما يعني أن الأمور “لا زالت في بدايتها” على حدّ رأي حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط (مقره جنيف)، الذي اعتبر في تصريحات لصحيفة سويسرية أن حدوث اللقاء بين رئيسيْ الدولتين، “إشارة إلى أن العقيد القذافي أقلّ غضبا” من السابق.

في السياق نفسه، ذكر الرئيس هانس – رودولف ميرتس في تصريحاته للقناة الأولى الناطقة بالفرنسية للتلفزيون السويسري، أن معمر القذافي ذكّـر ضيوفه السويسريين بأنه لم يتقبّـل بعدُ إيقاف نجله هانيبال العام الماضي في جنيف، كما اعتبر الزعيم الليبي نشر صحف للصور التي التُـقِـطت لابنه من طرف الشرطة لدى إيقافه، إهانة. مع ذلك، حرِص ميرتس على التأكيد بأن العقيد القذافي عبّـر عن موقِـفه “بطريقة ملائمة”، دون توجيه اتهامات إلى سويسرا.

ولدى سؤاله عن مصير رجليْ الأعمال، اللذين تقول السلطات الليبية إنهما ممنوعان من مغادرة البلاد بسبب مخالفات لقوانين الهجرة، نقلَ رئيس الكنفدرالية عن الجانب الليبي القول بأنهما نُـقِـلا الأسبوع الماضي بتعِـلّـة إجراء فحوص طبية، إلى “مكان آمن”، ويبدو أن طرابلس تخشى أن تلجأ سويسرا لاستخدام القوة لإعادة مواطنيْـها، مثلما تردّد في وسائل الإعلام السويسرية وعلى لسان بعض السياسيين.

الرئيس هانس – رودولف ميرتس حرِص على التأكيد على أن “اللقاء كان مهمّـا، لإقامة الدليل لمعمّـر القذافي بأن سويسرا لا تعتزِم اللجوء إلى القوة لتسوية هذه المشكلة، لكننا مستعدّون لتطبيع العلاقات على أساس الاتفاق المُـبرم في أغسطس” الماضي. في المقابل، كرّر رئيس الكنفدرالية في التصريحات التي أدلى بها مساء الخميس في نيويورك أكثر من مرة، أنه ينتظر الآن “نتائج” من الجانب الليبي.

في انتظار القاضي الثالث

اللقاء بين ميرتس والقذافي، تزامن مع الإعلان في جنيف عن تعليق الشكوى الليبية، التي رُفِـعت في شهر أبريل الماضي ضد سلطات جنيف، إثر طلب من جميع الأطراف المعنية، حيث كان من المقرر أن تُـعقد جلسة يوم الخميس 24 سبتمبر أمام محكمة الدرجة الأولى في جنيف.

وأشار باتريك بيكير، الأمين المساعد للسلطة القضائية في جنيف، إلى أن ليبيا والزوجيْـن هانيبال وألين القذافي والحكومة المحلية للكانتون، قد طالبوا جميعا بهذا التعليق، لكنه لم يُـحدِّد ما إذا كانت هذه الخطوة مُـرتبطة بإنشاء الهيئة القضائية التحكيمية، التي نصّ عليها اتفاق 20 أغسطس بين البلدين.

ويطالب الزوجان بمبلغ 475000 فرنك، كتعويض مادي و50000 فرنك كتعويض أدبي، وتطرّقت الشكوى المرفوعة إلى عدم تناسُـب الوسائل المُـستخدمة من طرف شرطة جنيف لإيقاف هانيبال القذافي وزوجته وإلى انتهاك مزعوم لمعاهدة فيينا حول العلاقات الدبلوماسية والمبلغ المرتفِـع جدّا (500000 فرنك) للكفالة، التي دُفِـعت مقابل الإفراج عنهما يوم 17 يوليو 2008.

وكانت ليبيا قد قطعت إمداداتها من النفط إلى سويسرا وسحبت أكثر من 5 مليارات دولار من أصولها المودعة في البنوك السويسرية، بعد اعتقال نجل القذافي وزوجته الحامل ألين في فندق فخم في جنيف. وفي وقت لاحق، أسقط الادّعاء القضية بعد أن تنازل الخادمان عن دعواهم، إثر التوصّـل إلى تسوية مع ابن القذافي وزوجته، لم يُـعلن عن تفاصيلها.

swissinfo.ch مع الوكالات

أعلنت وزارة الخارجية السويسرية يوم الخميس 24 سبتمبر 2009 أن رئيس المحكمة المكلّـفة بالتحكيم في الخلاف القائم بين سويسرا وليبيا، لم يُـعيّـن بعدُ.

وينُـص الاتفاق المبرم بين برن وطرابلس يوم 20 أغسطس 2009، على أن يقوم رئيس محكمة العدل الدولية (مقرها لاهاي) بتعيينه، في صورة عدم توصّـل العضوين المعيّـنين من طرف سويسرا وليبيا، إلى اتفاق بشأنه.

وسبق لسويسرا وليبيا أن اختارتا، السيدة إليزابيت ويلمشورست والسيد سعد جبّـار، لتمثيلهما في الهيئة، لكن الأجل الذي حُـدِّد لاختيار رئيس الهيئة التحكيمية، انتهى في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، دون الاتفاق على تعيينه.

ومع أن الاتفاق المُـبرم بين سويسرا وليبيا ينُـصّ على أن رئيس المحكمة العدل الدولية (الياباني هيساشي أووادا)، يقوم في هذه الحالة بتعيين القاضي الثالث، إلا أن متحدثا باسم المحكمة في لاهاي، لم يرغب في الإجابة عن سؤال طرحته عليه وكالة الأنباء السويسرية بهذا الخصوص.

نشرت الإدارة الفدرالية للجمارك مؤخرا، أحدث الإحصائيات المتعلِّـقة بالتجارة الخارجية السويسرية، واتّـضح أن مقتنيات سويسرا من النفط الليبي تراجعت بنسبة 97% في الفترة الممتدة من أغسطس 2008 إلى أغسطس 2009. في المقابل، تضاعفت مقتنيات سويسرا من منتجات الطاقة من آذربيجان أربع مرات في الفترة نفسها.

أفادت مجلة Privat Banking الشهرية الاقتصادية في عددها لشهر أكتوبر 2009، أن صندوق الاستثمارات الليبي LAP (suisse)، المملوك للحكومة الليبية، قد يغادر الكنفدرالية، نتيجة التوترات القائمة بين البلدين.

وقالت المجلة إن الفرع السويسري للمحفظة الليبية الإفريقية (LAP)، التي تُـدير أكثر من 5 مليار دولار “بصدد البحث عن مغادرة جنيف قبل موفى العام، بسبب التوترات الحالية” بين برن وطرابلس. ويبدو أن المبرِّر الحقيقي للمغادرة، يرتبط بـ “الأوضاع الصعبة التي قد يمرّ بها العاملون في هذا الصندوق الليبي في سويسرا” حسب المجلة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية