مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تشاد.. مصدر توتر إضافي بين برن وطرابلس

AFP

تحاول الدبلوماسية السويسرية منذ عدة أشهر التوصل إلى استتباب السلام في تشاد. لكن هذه المبادرة تثير غضب العقيد الليبي معمر القذافي الذي يعارض بشدة أي تدخل في منطقة يعتبرها جزءً من محيطه الحيوي (أو حديقة خلفية له).

وبينما يظل رجلا أعمال سويسريان محتجزين في ليبيا منذ أكثر من عام، يُعتبر ملف تشاد مصدرا إضافيا للتوتر القائم بين برن وطرابلس منذ حادثة اعتقال نجل القذافي في جنيف في صيف 2008.

في الأسبوع الماضي، تجمع عدد كبير من المعارضين للرئيس التشادي إدريس ديبي في جنيف استجابة لدعوة من سويسرا. ووافق أحدهم على التحدث إلى swissinfo.ch، لكنه طلب عدم الإفصاح عن هويته.

وقال هذا المتمرد المقيم حاليا في أوروبا: “نحن نقبل بالحديث مع السـويسريين، لكننا لـم نحسم بعدُ مسألة فتح مفاوضات مع نظام نجامينا. وإذا كنا نتقاتل بالسلاح، فلأن النزاع حاد بما فيه الكفاية!”.

وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-ري راهنت بجرأة على إسكات بنادق كلاشنيكوف في تشاد قبل الإنتخابات التشريعية لعام 2010 (التي تليها الانتخابات الرئاسية عام 2011). وجدير بالتذكير أن المعارضة المُسلحة، القادمة من الحدود بين تشاد والسودان، كانت قد وصلت إلى العاصمة نجامينا في بداية عام 2008، حتى أنها حاصرت القصر الرئاسي قبل أن يسارع الجيش الفرنسي إلى مساعدة الرئيس إدريس ديبي.

ويشدد المعارض التشادي المدعو من قبل سويسرا على أن “فرنسا ادّعت دائما أن جيشها لم يتدخل في المعارك. وهذا خطأ لأنها أطلقت النار علينا بالفعل، كما قُتل جنديان فرنسيان على الأقل في المواجهات”.

وكان يُفترض أن يسبق هذا اللقاء في جنيف اجتماعان في مايو ويوليو في نفس المدينة السويسرية. ويُعتقد بأن المفاوضات تجري في مقر إحدى المنظمات غير الحكومية في شارع “لوزان”.

التزام في إطار سياسة السلام

وقد طلبت swissinfo.ch تأكيد هذه اللقاءات من طرف مكاتب السيدة ميشلين كالمي-ري، لكن أعوان الوزيرة أجابوا على لسان المتحدثة نادين أوليفييرو لوزانو، وبدون نفي النبأ، بأن “وزارة الخارجية السويسرية لا تتكلم عن هذا الموضوع”.

في المقابل، تـُقر الوزارة بدون أي تردد بأن “سويسرا درست إمكانيات الالتزام في إطار سياسة السلام في تشاد، واعتمدت هذا المبدأ كجزء من استراتيجية التزاماتها في إفريقيا الوسطى والغربية (2009-2011).

وتوضح الوزارة في هذا السياق بأن برن تقوم بأنشطة أيضا في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى والكاميرون “من أجل المساهمة في تعزيز قدرات الفاعلين الرئيسيين في عملية السلام”.

رئيس الاتحاد الإفريقي

لكن العقيد الليبي معمر القذافي، الذي يترأس حاليا الاتحاد الإفريقي، يعتبر تشاد منطقة تعود له مهمة الحفاظ عليها. ويجب أن نتذكر هنا بأن قتالا عنيفا دار في عقد الثمانينات بين حسين حبري الذي كان مدعوما من باريس، وغوكوني عويدي الذي كانت تسانده طرابلس. وإذا لم يكن بإمكانه أن يتحدى عسكريا الوجود الفرنسي، فإن الزعيم الليبي باستطاعته، في المقابل، ممارسة الضغط على بلد صغير مثل سويسرا.

وما قد يزيد الطين بلة هو مشاعر العداء التي تكنها المعارضة التشادية غالبا لمعمر القذافي وإدريس ديبي. ويؤكد المعارض الذي حاورته swissinfo.ch: “من الواضح أن الليبيين لم يستحسنوا وجودنا في جنيف؛ ليس فقط لأنهم لا يتحمـّلون أن يضع الأوروبيون أنفهم في هذه المنطقة من إفريقيا، بل لأنهم مستاؤون من اتخاذ برن لمبادرات دون التشاور معهم”.

توقيت غير مناسب

بعبارة أوضح، هذا الإلتزام السويسري من أجل السلام في تشاد لا يتم في أفضل الأوقات، خاصة وأن الحكومة الفدرالية تحاول جاهدة إخراج مواطنيها المحتجزين في طرابلس منذ يوليو 2008.

وقد اعتبَر السويسريون احتجاز رجلي الأعمال كرد فعل انتقامي على اعتقال نجل الزعيم الليبي، هانيبال القذافي وزوجته آلين، على يد شرطة جنيف في صيف 2008 لمدة يومين، بتهمة سوء معاملة اثنين من خدمهما العرب.

وعما إذا كانت هذه المهمة في تشاد ستتحول إلى مصدر إضافي للتوتر بين برن وطرابلس، قالت وزارة الخارجية السويسرية إنه “لا تعليق لديها على هذا الموضوع”. وقد بعثنا أيضا برسالة إلكترونية إلى محامي ليبيا في قضية هانيبال القذافي، السويسري شارل بونسي المتواجد حاليا في طرابلس، في محاولة للحصول منه على المزيد من التوضيحات، لكنه لم يرد بعد.

مهمــة خطــيرة

يمكن القول إذن أن المهمة التي التزمت سويسرا بتنفيذها محفوفة بالمخاطر، لاسيما أن الرئيس التشادي استقبل في نهاية شهر يونيو الماضي أبرز المعارضين للعقيد معمر القذافي.

في الوقت نفسه، استضاف الزعيم الليبي في طرابلس أشد معارضي إدريس ديبي. وبعد استعراض القوة هذا، يبدو أن الزعيمين توصلا إلى تفاهم، بحيث هدأ معارضو القذافي وتخلوا رسميا عن الكفاح المسلح. أما بالنسبة لبعض المعارضين التشاديين المعتدلين، فقد التحقوا بحكومة الرئيس ديبي.

يان هاميل – swissinfo.ch

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

15 يوليو 2008: توقيف هانيبال القذّافي أحد أبناء الزعيم الليبي معمر القذافي وزوجته الحامل في شهرها التاسع بفندق فخم بجنيف على إثر اتهامهما من قبل اثنين من الخدم الخاص بسوء المعاملة والضرب.

19 يوليو 2008: السلطات الليبية توقف شخصين سويسريين بتهم مزعومة تتعلق بعدم احترامهما قوانين الإقامة والهجرة وغيرها.‏

29 يوليو 2008: الإفراج عن السويسريين المعتقلين، مقابل دفع كفالة مالية لكن السلطات رفضت السماح لهما بمغادرة الأراضي الليبية.

9 أبريل 2009: ليبيا ترفع دعوى مدنية أمام العدالة في كانتون جنيف.

20 أغسطس 2009: رئيس الكنفدرالية هانس-رودولف ميرتس يقدم اعتذاره للسلطات الليبية في ندوة صحفية في طرابلس بعد زيارة خاطفة، ويوقع على اتفاق مع رئيس الوزراء الليبي البغدادي علي المحمودي لحل الأزمة.

25 أغسطس 2009: توجهت طائرة تابعة لسلاح الجو السويسري الى ليبيا بعد الحصول على موافقة السلطات من أجل إعادة المواطنيين السويسريين المحتجزين واللذان حصلا بالفعل على جوازي سفرهما وعلى تأشيرة الخروج من ليبيا.

31 أغسطس 2009: عودة الطائرة بدون الرهائن رغم تأكيدات خطية من الوزير الأول الليبي.

يوجد نوعان من المعارضة في تشاد: معارضة معترف بها “مصادق عليها”، وتتكون من حوالي خمسين حزبا سياسيا من بينها أحزاب لا يتعدى عدد أفرادها بضعة العشرات من الأعضاء.

“تنسيق الأحزاب السياسية للدفاع عن الدستور” (CPDC)، وهو التحالف الرئيسي لهذه المعارضة، يتفاوض حاليا مع السلطة. ولا تمثل هذه الأحزاب، المكونة من مثقفين، سوى قلة قليلة لا وزن كبير لها على المستوى الانتخابي.

في المقابل، تُعتبر المعارضة المسلحة قادرة على تنفيذ انقلاب ضد الرئيس إدريس ديبي (57 عاما)، الذي كان قد وصل إلى السلطة أيضا بالقوة عام 1990.

المنظمة الرئيسية هي “اتحاد قوى المقاومة” الذي يسيطر على أجزاء شاسعة من مناطق الصحراء بالقرب من الحدود بين تشاد والسودان. في حالات الخطر، يمكن للمتمردين التراجع نحو إقليم دارفور حيث تعيش نفس المجموعات الإثنية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية