مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

غضب في إسرائيل بعد تشكيل مجلس حقوق الإنسان لجنة تحقيق في المستوطنات

على غرار هذه الصورة التي التقطت يوم 8 يناير 2012 في مستوطنة بيزغات زئيف في ضواحي القدس الشرقية، يتواصل تشييد المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية. swissinfo.ch

قررت إسرائيل يوم 26 مارس الجاري قطع علاقاتها مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد أربعة أيام من إعلانه اعتزامه التحقيق في المستوطنات الإسرائيلية، بحسب ما أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية.

وأثار هذا المجلس استياء إسرائيل بعد أن أعطى يوم 22 مارس 2012 الضوء الأخضر لإنشاء أول بعثة تحقيق دولية مستقلة حول تداعيات بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية. 

ومن سنغافورة، صرح وزير الخارجية ليبرمان للإذاعة الإسرائيلية العامة أن “هذه الهيئة المنافقة لا علاقة لها بحقوق الانسان. من الواضح أنها منحازة وغير موضوعية وليس لدينا أي سبب يدفعنا للتعاون معها”. وأضاف “لن نكون طرفا في هذه المهزلة لأن 70% من قرارات هذا المجلس معادية لإسرائيل. نعتزم الطلب من الدول الحرة مثل الولايات المتحدة الإنسحاب منها”.

وكان المجلس أدان اعتزام إسرائيل بناء وحدات سكنية جديدة للمستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية قائلا “إن ذلك يُقوّض عملية السلام ويشكل تهديدا لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة الأجزاء”. وطالب القرار بإرسال “بعثة تحقيق دولية مستقلة (…) لتقصي الحقائق بشان تداعيات المستوطنات الإسرائيلية على الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني”.

وقد جرى تبني القرار بأغلبية 36 صوتا وامتناع 10 عن التصويت ومعارضة الولايات المتحدة. ومع أن الدولة العبرية ليست عضوا في مجلس حقوق الإنسان في الوقت الحاضر، لكن يحق لها إبداء الرأي في بعض الحالات، ولا يمكنها التصويت فيه أو تقديم مذكرات.

غضب إسرائيلي

في السياق نفسه، بدت إسرائيل غاضبة وحانقة وغير قادرة على كظم غيظها، بل راحت تتصرف بهستيرية إزاء القرار الذي اتخذه مجلس حقوق الانسان في جنيف وسمح، ولأول مرة منذ احتلال الأراضي الفلسطينية، بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول الإستيطان في الضفة الغربية.

التوتر الذي تلى قرار المجلس التابع لهيئة الأمم المتحدة، أصاب مختلف مستويات أركان الحكومة الاسرائيلية، بدءا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومرورا بوزراء ومسؤولين سواء كانوا كبارا أو صغارا.

ولم يتوانى نتنياهو عن توجيه انتقادات قاسية وشخصية للمجلس ومسؤوليه، في الوقت الذي سارع فيه وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان لإصدار تعليماته إلى ممثل اسرائيل في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، بقطع كافة العلاقات فورا مع المجلس التابع للامم المتحدة ومع المفوضة السامية لحقوق الانسان الجنوب افريقية نافي بيلاي.

وتتضمن القرارات الإسرائيلية التي نشرتها صحيفة “هاآرتس” منع لجنة تقصي الحقائق من الوصول الى اسرائيل وعدم التعاون معها بشكل مطلق ولا مع مجلس حقوق الانسان. ونقلت الصحيفة عن مصدر إسرائيلي قوله، إنه لن يتم الرد على الإتصال التلفوني من اللجنة الدولية، وأن إسرائيل سوف تقطع كافة العلاقات مع المفوضة نافي بيلاي، وتحمّلها مسؤولية تشكيل لجنة تقصي الحقائق في الإستيطان الاسرائيلي على أراضي الضفة الغربية.

المفاجأة – الصدمة

في الواقع، لم تكن هذه المرة الأولى التي تتلقى فيها اسرائيل ضربة دولية بشأن سياستها الإحتلالية ضد الفلسطينيين، ولكن الصدمة كانت كبيرة نظرا لصدورها هذه المرة من قبل مجلس حقوق الانسان حيث يُتوقع أن يتم التحقيق جديا على مستوى دولي بشأن عمليات الإستيطان التي قطّعت أوصال الضفة الغربية وجعلت خيار قيام دولة فلسطينية أمرا شبه مستحيل.

وحسب الكاتب الإسرائيلي عكيفا الدار، فإن قرارات مجلس حقوق الانسان، وبالرغم  من أنها لا تتمع بقوة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، إلا أنها ستجعل من الصعب على نتنياهو الإدعاء بأن الضفة الغربية غير محتلة.

   

وفي حديث إلى swissinfo.ch، قال فايز عباس، الكاتب المتخصص في الشؤون الاسرائيلية: “يبدو أن القرار أفقد إسرائيل أعصابها والسبب في ذلك أنها – وهي التي تمارس وتنفذ سياسية الإستيطان على الأرض الفلسطينية دون رقيب أو حسيب منذ العام 1967 – تفاجأت بقرار تشكيل اللجنة”.

ويرى عباس أن اسرائيل بدأت بالفعل بممارسة ضغوط كبيرة لإفشال تشكيل اللجنة، كما أنها ستجيّر كل قواها وإمكانياتها وأدواتها من أجل العمل على إفشال عمل اللجنة الدولية لتقصي الحقائق حول الإستيطان، ويذهب إلى أن الأمر سيتخطى بكثير ما فعلته إزاء تقرير ريتشارد غولدستون حول الحرب الأخيرة على غزة.

      

وعمليا، طاردت اسرائيل القاضي غولدستون الذي خلُص تقريره حول حرب إسرائيل على غزة، إلى أن تل أبيب “ارتكبت جرائم حرب”، إلى وقت طويل حتى بعد صودر القرار. وقد ذهبت السلطات الإسرائيلية إلى حد منع غولدستون من دخول أراضي الدولة العبرية لحضور حفل “بلوغ” حفيده.

هروب من المواجهة

في غضون ذلك، يبدو أن إسرائيل المنفعلة والغاضبة حاليا، ستعمل بكل طاقتها للهروب من الإستحقاقات التي يمكن أن تترتب على النتائج المتوقعة لعمل لجنة تقصي الحقائق الدولية.

ولا يُعرف بالتأكيد حتى الآن كيف يمكن أن تتطور عملية تشكيل اللجنة وماهية الضغوط التي يمكن أن يمارسها أصدقاء وحلفاء اسرائيل داخل مجلس حقوق الانسان، بالرغم من الظروف الدولية المواتية لاسيما القرارت الصادرة عن المجلس وهيئات الأمم المتحدة المختلفة حول التغيرات والثورات الجارية في المنطقة.

الولايات المتحدة لم تضيّع وقتا في التصدي للمسألة، إذ بادر السفير الأمريكي في إسرائيل دان شابيرو إلى التصريح بأنه “ثمة قضايا أكثر إلحاحا على مجلس حقوق الإنسان لتتعامل معها”. 

ومن بين الأسباب التي قد تبرر القلق والمخاوف الإسرائيلية من قرار تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول الإستيطان، تزامن ذلك مع إصرار القيادة الفلسطينية على عدم استئناف المفاوضات مع إسرائيل إلا بشرط تجميد الإستيطان. وقد تجلّى ذلك في مسارعة إسرائيل للتهديد بتجميد تحويل العوائد الضريبية والجمركية إلى السلطة الفلسطينية.

من جهته، قال النائب العربي في الكنيست الاسرائيلي جمال زحالقة: “إن إسرائيل سبق وأن رفضت تقرير غولدستون، كما رفضت التعاون مع لجنة التحقيق، وهي تعرف أنها تخرق القانون الدولي وحقوق الإنسان، ولذلك ترفض التحقيق لأنها تعرف أنها مذنبة”.

وأكد زحالقة، أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة “هي التي تبني المستوطنات، وأنفقت 100 مليار دولار على المستوطنات خلال الـ 40 سنة الماضية، وتتعامل مع المستوطنين كمواطنين مُدللين، وترفض حتى إزالة البؤر الإستيطانية التي تعتبرها هي غير قانونية وفق قوانينها”.

قدمت اسرائيل احتجاجا ضد بلجيكا والنمسا وستقدم احتجاجا ضد النرويج وسويسرا بعد التصويت في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في جنيف لصالح اطلاق تحقيق في الاستيطان بحسب ما اعلنت مصادر رسمية اسرائيلية.

وقال مسؤول حكومي اسرائيلي طلب عدم الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس بان الاحتجاج الاسرائيلي تم تقديمه لسفراء بلجيكا والنمسا في اسرائيل اللذين استدعتهما وزارة الخارجية في القدس يوم الاثنين 26 مارس.

وتابع “سنقدم احتجاجا ايضا للنرويج وسويسرا”، بدون توضيح ما اذا كان سيتم ايضا استدعاء ممثلي البلدين الدبلوماسيين.

واوضح المسؤول ان “غالبية الدول الاخرى التي صوتت لصالح انشاء هذه اللجنة هم جزء من الغالبية الاسلامية المعادية دائما لاسرائيل”.

وقررت وزارة الخارجية الاسرائيلية قطع كافة الاتصالات مع مجلس حقوق الانسان يوم الاثنين 26 مارس. وهذه المرة الاولى التي يتم فيها اطلاق تحقيق دولي في الاستيطان مما اثار غضب الاسرائيليين.

من جهته اكد سفير الولايات المتحدة في اسرائيل دان شابيرو للاذاعة العامة الاسرائيلية بانه يفهم القرار الاسرائيلي قائلا “افهم المشاعر الاسرائيلية تجاه هذا المجلس. إنه مؤسسة مهووسة باسرائيل وتركز بشكل غير عادل على اسرائيل”.

وتابع أن المجلس “يستثني العديد من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان التي تستدعي الاهتمام” منددا بالموقف “الأكثر نفاقا” الذي اتخذه المجلس.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 27 مارس 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية