مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في اليمن: مجزرة “تعِـز” ثمنٌ للتَّـسوية أم نهاية لها؟

15 نوفمبر 2011: متظاهرون في العاصمة اليمنية صنعاء يطالبون باستقالة الرئيس علي عبد الله صالح. Keystone

لم تعمل زيارة السيد جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن على إيقاف نزيف الدّم الذي يَـسيح في هذه البلاد العربية من أجساد المحتجّـين والمدنيين منذ عشرة أشهر.

فبالتَّـزامن مع زيارته، شهدت مدينة تعِـز مجزرة جديدة، فيما كان يواصل جهوده بين أطراف المعادلة السياسية من أجل نقل السلطة بمُـقتضى المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2004، الذي حثّ الأطراف على نقْـلها بمُـوجب تلك المبادرة.

فقد نُـفِّـذت المجزرة أثناء إجازة عيد الإضحى وأسفرت عن سقوط 15ضحية وعشرات الجرحى، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، كانوا داخل منازلهم أو يُـؤدّون الصلاة. وخلّـفت المجزرة استِـنكاراً واسعاً واستفزّت كل اليمنيين.

فإلى جانب أنها لم تحترم قُـدْسية أيام عيد الأضحى للمسلمين ووُجِّـهت ضدّ نِـسوة مسالمات يؤدّين شعائِـر صلاة الجمعة، وقتلت خمسٌ منهن بطريقة بشِـعة، وتابع العالم هوْل الواقعة عبْـر شاشات التلفزيون بمنظر إحداهن وهي تتلوّى كطائر ذبيح وأخرى تسقط هي وطفلها، كما شاهدوا قذائف أسلحة ثقيلة تخترِق جُـدران المنازل وتحيل أجساداً إلى أشلاء متناثرة، حصل ذلك بعد أن ظلّت أحياء المدينة منذ مهاجمة ساحة الحرية في مايو 2011، عُـرضة لقصف عشوائي يومي من قِـبل قوات الأمن والجيش الموالي لصالح وتعيش حالة حرب.

تعِـز “منبع الثورة”

وتباينت التفسيرات لمهاجمة المحتجّـين والمدنيين في المدينة، في هذا التوقيت بالذّات وبالوحشية التي ظهرت عليها. فثمة مَـن اعتبرها محاولة لصرْف اهتمام المبعوث الأممي عن الهدف الرئيسي من زيارته، وهو التوصّل إلى التوقيع على نقل السلطة وآلية تطبيق المرحلة الانتقالية، فيما يرى آخرون أن الغاية من تلك المجزرة، تحويل مسار الثورة السِّـلمية، بتهييج المشاعر الجِـهوية واستِـفزازها، كي تنجرّ إلى ردّ فعلٍ انتِـقامي بنفَـس مناطقي وجِـهوي، وبما يُـسقِـط عن الثورة البُـعد الوطني وإسكاتها في أهَـم معاقلها، في مدينة لا تتوقّـف فيها الاحتجاجات والمظاهرات، على الرغم مما تعرّضت له من قمع .

فهذه المدينة كانت لها الرِيادة في حمْـل لواء التغيير والتَّـنوير منذ خمسينات القرن الماضي، إذ قادت نُـخبها الأكثر تعليماً، الحركات السياسية الثورية والتنويرية، علاوة على أنها كانت السبّـاقة إلى إشعال فتيل الثورة الشبابية بُـعيْـد سقوط  نظاميْ زين العابدين ومبارك.

ويسري داخل الدوائر والأوساط السياسية والعسكرية والأمنية والقبلية والإعلامية، الموالية للنظام، اعتقاد بأن لم تكُـن قناعات راسخة يجري تكريسها داخل تلك الأوساط، بأن تعِـز هي منبع الثورة وأنه إذا ما جفّـف ذلك المنبع، ستتراجع الاحتجاجات الشعبية في بقية مناطق البلاد، ولذلك، وطبقاً لهذا التوصيف الشائع في الأوساط الرسمية، تعرّضت في مايو الماضي ساحة الاعتصامات فيها إلى اقتحام  بالأسلحة الثقيلة من قِـبل قوات الأمن والجيش الموالية لصالح وأحْـرقت خِـيامها بمَـن فيها، إلا أن الثوار استعادوا الساحة ووسّـعوا نطاق احتجاجاتهم واعتصاماتهم السِّـلمية، رغم القمع الذي وُجِّـه للشباب الثائر منذ البداية، ورغم ضراوة الضربات المكثّـفة التي تتعرّض لها الأحياء السكنية في المدينة منذ إحراق ساحة الحرية، وأكّـد صمود المحتجين مدى الصعوبات التي تواجه النظام في تجفيف منبَـع الثورة وإطفاء جذوة اشتعالها.

“شرعنة” قمع الثوار

الناشط حسين السهيلي، عضو لجنة الاتصال والتواصل بالمكوِّنات الثورية في ساحات الاعتصامات قال لـ  swissinfo.ch: “الضربات الوحشِـية التي وُجِّـهت لهذه المدينة، هي جزء من مخطّـط  يرمي إلى هدفيْـن. الأول، القضاء على الثورة من مدينة تعِـز، كونها مصدَر للضَـخّ الثوري في الساحات الأخرى، لأن سكانها ينتشِـرون في جميع أنحاء البلاد ويحْـلمون بدولة مواطنة مدنية. أما الهدف الثاني، فيرمي إلى استِـدراج المدينة إلى مربّـع العُـنف والزجِّ بها في صِـراع مسلّـح من أجل “الشرعنة” لقمع الثوار وتبرير استِـهداف المدنيين المُـتواصل منذ شهر مايو الماضي، بُـغية تحريف الثورة عن مسارِها السِّـلمي، الذي رفعه صنّـاعها منذ البداية كخِـيار استراتيجي، لا تراجُـع عنه حتى سقوط النظام”.

  

ويرى الناشط الشبابي الدكتور عبد العزيز راجح، أن توصيف النظام للثورة بهذا الشكل، محاولة لنكران حقيقة أن المدّ الثوري ضدّه اليوم، هو مدٌّ وطني لم تجتمِـع له كل ألوان الطَّـيف الوطني من قبل، مثلما اجتمعت اليوم. فالاحتجاجات تعُـم  أكثر من 30 مدينة منتشِـرة، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، ووصلت إلى داخل التكتّـل القبلي الذي استند إليه صالح طِـوال فترة حكمه، ولذلك، فالتبسيط واختزال الثورة في جهة أو منطقة أو حزب أو جماعة، هو استمرار للأساليب والتكتيكات التي حكَـم بها صالح اليمن لأزيد من ثلاثة عقود، وهي تقوم على اللعب على ضرب طرف سياسي بآخر وإقصاء قبيلة أو منطقة بأخرى، ليخلو له الملعب السياسي لوحده، لكن هذه الأساليب، حسب راجح، لم تعُـد مُجدِية اليوم.

فالذين خرجوا للساحات وانخرطوا في الثورة وما زالوا صامدين منذ عشرة أشهر، عملوا ذلك  ضدّاً على تلك الأساليب التي اتّـبعها صالح من أجْـل ديمومة حُـكمه، وهم يتطلّـعون للخلاص  من دولة الغلَـبة القبلية أو الجهوية أو الطائفية والدِّينية، التي ظلّـت سِـمَـة تميّـز التاريخ السياسي اليمني، قديماً وحديثاً.

الأولوية للإنتقال السلمي للسلطة

في السياق نفسه، يرى المراقبون أن تعِـز، كما غيرها من المدن الأخرى، تتحمَّـل وِزْر الرِّهان على التسوية السياسية على مستوييْـن. الأول، المساومة على الثورة. والثاني، في التغاضي طبيعة الجرائم التي تمارَس ضدّ الشباب والسكان العُـزّل. ويذهبون إلى أن الشارع اليمني يسبق السياسيين والناشطين الحقوقيين بأميال كثيرة، إذ أنه  يتخطّـاهم في مطالبته بمحاكمة منفِّـذي جرائم القتل، فيما القِـوى الأخرى، كالمعارضة وهيئات ومنظمات المجتمع المدني، وإن جاءت بياناتها وتقاريرها مشبِـعة بكثير مما يصنّـف تلك الأعمال في عدد جرائم الحرب وقتل المدنيين، إلا أن التحرك الإجرائي والعملي في هذا الشأن، ليس بالقوة ذاتها، بسبب تعويل كلّ الأطراف المعنية على نقل السلطة بمُـوجب المبادرة الخليجية وتسابقهم على حجْـز مواقعهم فيها.

وطِـبقاً لأولئك المراقبين، فأحزاب المعارضة التقليدية المُـنضَـوِية في تكتّل “اللقاء المشترك”، أصبحت مواقفها منذ قَـبُـولها التّـسوية بموجب تلك المبادرة، تدور حول مطلب التوقيع على المبادرة الخليجية من قِـبل صالح، ولذلك، لم يُـثيروا مسألة الملاحقة الجنائية لمُـرتكبي تلك الأعمال ضدّ المحتجين، لأن أولَـوِياتهم هي نقل السلطة وِفقاً لتلك المبادرة، أما المنظمات والهيئات الحقوقية المعنية بهذا الملف، فعلى الرّغم من أنها عمِـلت على رصْـد وتوثيق تلك الانتهاكات والجرائم واعتبرتها مستوجبة للملاحقة الجنائية، إلا أنها على ما يبدو، تتردّد هي الأخرى في الانتقال بها إلى أبعَـد من الضغط على السلطات لدفْـعها إلى التوقيع على نقل السلطات.

ومن الواضح أن كل الأطراف تعطي الأهمية في الوقت الحالي للانتقال السِّـلمي للسلطة بمُـقتضى المبادرة الخليجية، التي منحت الحصانة لصالح وأركان نظامه، ولذلك، فهُـم حذِرون في الإشارة إلى الملاحقة الجنائية، خِـشية أن تؤدّي إثارتها إلى إعاقة نقْـل السلطة بتردّد صالح عن التوقيع أو تفويضه لنائبه، وِفق ما استقرّت عليه الجهود الأممية الأخيرة، ولا يميلون حتى الآن إلى التصعيد الحقوقي والجنائي، والذي يفسِّـره عدم القيام بأي خطوات عملية وإجرائية لإثارة الموضوع أمام المحكمة الجنائية الدولية مباشرة عبْـر رئيسها أو بطريقة غيْـر مباشرة، عن طريق مجلس الأمن أو من قِـبل الدول الأطراف، وِفقاً لنظام روما، الذي حصر تحريك الدّعوى بتلك الأطراف.

لكن الملاحظ، أن جميع الأطراف، بمن فيها الرُّعاة الإقليميين والدوليين، لم يصدر عنهم ما يُـوحي بالسيْـر في هذا الطريق، ربما لتوافقهم على ضرورة إفْـساح المجال لحظوظ التسوية السياسية، وبما لا يؤدّي إلى ممانعة صالح ونظامه على نقْـل السلطة، خِـشية من تَـبِـعات الملاحقات التي قد تَـطالُـهم، في حالة ما إذا خرج الأمر عن إطار التسوية الإقليمية، كما تقترحها المبادرة الخليجية، وعدم تضييق الخِـناق على النظام بتطويقه بمصير المحكمة الجنائية الدولية، ما قد تدفعه إلى التشبّـث والرِّهان على الحسْـم العسكري وجرّ البلاد إلى حرب أهلية لا طاقة لها بها، وهي في أسوء وضع اقتصادي.

لا مفاوضات ولا صفقات

المؤكّـد، أنه في ظل تعثُّـر جهود نقل السلطة كما تبدو من بُـطء خطواتها حتى الآن، ستسيل المزيد من الدِّماء، خاصة ولِـسان حالِ الثوار في الساحات وِفق ما عبّـروا عنه لـ swissinfo.ch أن “الثورات لا تدخل في مفاوضات.. ولا تهادُن أو تحاوُر.. ولا تنتهي إلى إبرام صفقات”، لاسيما بعد تزايُـد سقوط الضحايا وقنْـص النساء وإعلان الحرب على المدنيين كما يردون بغضب وإصرار على الوفاء لمَـن يقولون إنهم سقطوا بجانبهم وأمام نواظرهم وأن دِماءهم لن تكون مجرّد ضريبة أو ثمن للتسوية السياسية، وهو ما يُـشاطرهم فيه كل الذين خرجوا ويخرجون في بقية المدن تضامناً مع هذه المدينة اليمنية الحالِـمة بالمواطنة والتغيير والعدالة.

يبحث مجلس الامن الدولي الاثنين 21 نوفمبر 2011 الوضع في اليمن في ظل رفض الرئيس علي عبد الله صالح التنحي عن السلطة واستمرار دورة العنف، كما افاد مصدر دبلوماسي.

ويوم الخميس 17 نوفمبر، التقت الفائزة بجائزة نوبل للسلام لعام 2011 توكل كرمان، وهي قيادية في الحراك الشعبي المطالب بتنحي صالح، في مقر الامم المتحدة في نيويورك عددا من رؤسات البعثات الدبلوماسية، وذلك في اطار حملة تقودها في نيويورك ضد الرئيس اليمني. ومن المقرر ان تقود كرمان الجمعة 18 نوفمبر، تظاهرة امام مقر الامم المتحدة للمطالبة باسقاط صالح.

وكان مجلس الامن أصدر في 21 اكتوبر وباجماع اعضائه الـ 15 قرارا حمل الرقم 2014 دان فيه الهجمات ضد المتظاهرين المناهضين للنظام ودعم بقوة خطة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تنص على آلية لانهاء حكم صالح المستمر منذ 33 عاما.

ويرفض صالح توقيع هذه الخطة التي تنص خصوصا على ان يسلم السلطة الى نائبه عبد ربه منصور هادي في مقابل حصوله وعائلته على حصانة.

والتقت كرمان الخميس مندوب فرنسا في الامم المتحدة جيرار آرو وبحثت واياه الوضع في بلدها حيث قتل المئات منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد النظام في يناير.

وقال متحدث باسم البعثة الفرنسية في الامم المتحدة ان كرمان وآرو شددا على انه “رغم نداءات المجتمع الدولي، ولاسيما تلك الصادرة عن مجلس الامن، فان العنف وانتهاكات حقوق الانسان لم تتوقف” في اليمن. وأضاف المتحدث الفرنسي ان “عملية الانتقال السياسي المنصوص عليها في القرار 2014 لم تبدأ بعد”.

واذ نوه المتحدث بان السفير آرو “جدد التأكيد على دعم وتقدير فرنسا لعمل كرمان”، اشار الى ان اجتماع مجلس الامن قد “يبحث في الخطوات التالية وسبل تطبيق القرار 2014”.

واوضح ان موفد الامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر سيطلع مجلس الامن الاثنين على نتيجة المباحثات الاخيرة التي اجراها مع الرئيس صالح في اليمن.

وكان بن عمر قال الثلاثاء 15 نوفمبر انه يمكن التوصل الى “تسوية” بين السلطة والمعارضة لايجاد مخرج للازمة التي تعصف بالبلاد منذ حوالى عشرة اشهر.

واوضح بن عمر الذي يقوم بمهمة في صنعاء منذ 10 نوفمبر لمتابعة قرار مجلس الامن حول اليمن انه “ثمة تفاهم على الخطوط العريضة لتسوية، لكن تبقى مسائل عالقة بحاجة الى حل”.

واكد بن عمر “لقد فعلنا الكثير. هناك اتفاق حول تنظيم ادارة الفترة الانتقالية”، لكنه اشار الى “استمرار التباينات حول بداية المرحلة الانتقالية وخصوصا صلاحيات نائب الرئيس ووضع الرئيس صالح”.

من جهة اخرى في اليمن اعلن مصدر في الشرطة الخميس مقتل ضابط في الاستخبارات اليمنية بالرصاص الاربعاء في عدن كبرى مدن جنوب البلاد. وافاد المصدر ان مجهولين اطلقوا النار من رشاش كلاشنيكوف على سيارة العقيد عبد الحكيم محمد علي قائد وحدة محلية في جهاز المخابرات، في حي الشيخ عثمان. واصيب العقيد بجروح خطيرة فنقل فورا الى المستشفى حيث توفي متأثرا بجروحه، بحسب مصدر طبي.

ولم تتبن اي جهة العملية، علما ان تنظيم القاعدة ينشط في جنوب اليمن وتنسب اليه هجمات على قوى الامن.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 18 نوفمبر 2011).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية