مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نظارات غوغل الذكية بين آمال التطوير ومحاذير التطبيق

Reuters

لم تصل نظارات غوغل الذّكية إلى الأسواق الإستهلاكية بعدُ، ولكن المُطوّرين – بمن فيهم حفنة من الخبراء النشطين في سويسرا – يتسارعون لوضع تطبيقات للجهاز الجديد بهدف عدم التخلف عن ركب ما يأملون أن يتحول إلى "ابتكار المُستقبل".

لدى لقائي به في مدينة سيير بكانتون الفالي، فتح بونوا غولي غطاء علبة مربعة بيضاء ومنحني نظارات المستقبل المزودة بتأطير معدني، والمُجهزة على الجانب بشاشة إلكترونية بحجم طابع بريدي. مدير تطوير الأعمال في معهد الأبحاث المعلوماتية Icare (وهو مركز غير ربحي في سيير تابع للكانتون)، قال مُبتسما: “أقـرُّ بأن هذه النظارات تشبه قليلا معدات روبوكوب”.

وضعتُ النظارات بعناية على عينيّ، وطبطبتُ على الإطار البلاستيكي. وسرعان ما ظهرت شاشة صغيرة عليها عبارة “Ok Glass” تطفو على بُعد بضعة سنتمترات على الجانب الأيمن من وجهي. عندما تُطبطب مرة ثانية على الإطار أو تعيدُ كلمتي “Ok Glass” (بالإنجليزية فقط)، تَظهر لك – في الوقت الحالي – قائمة خيارات محدودة مثل “التقاط الصور” أو “تحديد الإتجاهات”.

لكي تعمل النظارات، يجب أن يكون مرتديها مرتبطا بهاتف ذكي، عبر اتصال لاسلكي أو بلوتوث. هي خفيفة الوزن، تماما مثل نظاراتي، ولا يبدو لي أن الشاشة تؤثر على مجال رؤيتي. كما لا أشعر أن مظهري غريب بهذه النظارات، ولكن يجب أن أقول إنه لا يوجد أحد من حولي للحكم على هيئتي…

حاليا، يُجرب هذه النسخة الأولى من نظارات غوغل مُختبرون ومُطوِّرُون وعشاق التكنولوجيات الجديدة في الولايات المتحدة.

في شهر نوفمبر 2013، تمكّن معهد Icare من الحصول على نموذج بفضل اتصالاته في بلاد العم سام مُقابل 1500 دولار. ومنذ ذلك الحين، انشغل المطورون في كانتون الفالي باستكشاف إمكانيات لعبتهم الجديدة.

وفي شهر فبراير 2014، عرض معهد Icare أحدَ نموذجيْه للنظارات في المؤتمر العالمي للهواتف النقالة في برشلونة. ويتعلق الأمر بتطبيق يتيحُ للمُستخدم مسح الرموز الشريطية على أغلـِــفة المُنتجات للحصول على معلومات موثوق بها تتعلق بالمحتوى الغذائي أو بشأن وجود مواد مُسبّبة للحساسية.

وقد تم تطوير هذا التطبيق بالتعاون مع GS1، وهي الهيئة التي تدير نظام الرموز الشريطية المستخدم من قبل أكثر من مليون شركة على مليارات المنتجات في كافة أنحاء العالم، و”تحالف الجوال المفتوح”، الذي يُوحّد ويطور مقاييس مفتوحة لصناعة الهواتف النقالة.

المزيد

وفي الوقت الحاضر، تشهد التطبيقات الخاصة بالنظارات الذكية تزايدا سريعا إذ بات عددها يُقدر بأكثر من 100 تطبيق، رغم أن هذه النظارات ليست متاحة سوى لعدد محدود من المُستخدمين الجدد، معظمهم أمريكيون. ويتراوح عدد الأزواج المتداولة حاليا ما بين 40 و60 ألف. ومن المتوقع أن تصل هذه التكنولوجيا للسوق الإستهلاكية في نهاية عام 2014.

ونجد ضمن التطبيقات مثلا، برامج للتسوق الذكي، وأخرى تُعلم المُستخدم عن سرعته أثناء ركوب الدراجة، وتطبيقات تتيح مواكبة الأحداث، وأخرى للّعب ببساطة. كما تمّ تطوير تطبيقات للتثبت من رصيدك في البنك، أو لترجمة كتابات بلغة أجنبية، أو لتنبيهك عندما تغفو أثناء القيادة.

بصفته مطور تطبيقات، أوضح بونوا غولي أن معهد Icare لازال يُواجه مجاهيل كثيرة، قائلا: “نحن لا نعرف بالضبط متى ستصل هذه النظارات إلى أوروبا. ولا نعلم إن كنا سنتمتع بحرية نشر التطبيقات، وبأيِّ عدد، أو إن كان سيُخصَّصُ موقعٌ لهذه التطبيقات، أو أن شركة غوغل هي التي ستدير كل شيء”.

ولا يعتقد غولي أن هذه النظارات ستحل محل الهاتف النقال، ولكنه مقتنع بإمكانياتها، ويرى أنها ستتحول في المستقبل إلى التكنولوجيا المثالية للتعرف على الأشياء وتوفير المعلومات المناسبة في الوقت الملائم.

هذا الجهاز الذي يمكن ارتداؤه مثل النظارات يشتمل على وظائف عدة مثل الأوامر الصوتية، ونظام تحديد المواقع، والجيروسكوب، والبوصلة، والإرتباط اللاسلكي. وقال غولي إن العمل على هذه النظارات كان سهلا نسبيا، لأنها خفيفة ومتينة.

في المقابل، لازالت هنالك نقاط ضعف عديدة، مثل استقلالية البطارية التي تزعم غوغل أنها ستمددها إلى 3 أو 4 ساعات، بينما تقترب في الواقع من ساعة ونصف. وإذا ما استُخدم الجهاز بشكل مُكثف، فإن درجة حرارته تميل إلى الإرتفاع.

وأضاف مدير تطوير الأعمال بمعهد Icare أن “هناك أيضا مشاكل في الكاميرا التي تفتقر لضبط تلقائي للصورة، وبالتالي تجد صعوبة فيما يتعلق بالتحكم عن بعد”. فعلى سبيل المثال، لقراءة الشريط الرمزي لمنتوج ما، لا يتعين إبعاده عن العين أكثر من 25 سنتيمترا.

هذه المشاكل تُطرح أيضا لدى استخدام النموذج الثاني لمعهد Icare، وهو تطبيق يستطيع التعرف على لوحات أرقام السيارات. ويشدد غولي على أن هذا النظام لم يتم تطويره ليُستخدم من قبل الشرطة، قائلا: “هو ليس بتطبيق نخطط لتسويقه بل يمثل بالأحرى تحديا تقنيا”.

المزيد

في الأثناء، يبدو أن مدينة سيير السويسرية قد أصبحت مركزا لمطورين آخرين للنظارات الذكية. ففي جامعة العلوم التطبيقية والفنون غرب سويسرا (HES-SO)، تعمل فرق الباحثين على تطوير تطبيق للتعليم الإلكتروني، والعديد من التطبيقات الطبية التي يمكن أن توفر للأطباء معلومات أثناء فحصهم للمرضى، فضلا عن تجميع وتبادل الصور التشخيصية.

ويقول هينيغ مولّر، المسؤول عن وحدة التطبيب عن بعد في جامعة (HES-SO): “استخدام النظارات قد يسهم في التقليل إلى حد كبير من الطابع الإقتحامي للعمليات. فعلى سبيل المثال، يمكن للأطباء في المستشفى مشاهدة فيديو لما جرى في موقع حادث سير، والتعرف على عدد المصابين، وتجهيز غرف العمليات والمعدات وفقا لذلك”. ويهدف الفريق الجامعي إلى تجهيز نماذجه الأولية بحلول شهر يونيو القادم.

وقد شرع الأطباء بالفعل في الولايات المتحدة في استخدام تطبيقات الرعاية الصحية الخاصة بالنظارات الذكية. واختبرت جامعة كاليفورنيا برامج تجريبية تنقل مباشرة الفيديو والصوت من النظارات إلى الحواسيب، والهواتف واللوحات الذكية. وأصبحت هذه البرامج جاهزة للتشغيل في عيادات الرعاية الإسعافية في جنوب كاليفورنيا.

وفي شهر ديسمبر 2013، أنهى جراح قلب في المركز الاستشفائي الجامعي بسان فرانسيسكو سلسلة اختبارات استغرقت ثلاثة أشهر لاستخدام النظارات الذكية في غرفة العمليات، غير أن استنتاجاته لم تكن مُرضية.

الخصوصية وإشكالاتها

وإن كانت النظارات مفيدة من حيث توفير معلومات إضافية للطبيب، فلازال عليها قطع أشواط طويلة، إذ كشفت الإختبارات عن وجود مشاكل على مستوى الإتصال اللاسلكي، والرد على الأوامر الصوتية، فضلا عن صعوبة قراءة المعلومات على الشاشة في أحيان كثيرة، دون إغفال الجانب المرتبط بالحفاظ على سرية بيانات المرضى.

ومن المرجح أن تشكل هذه النقطة بالذات محورا رئيسيا في سويسرا بالنسبة لجميع مُطوري تطبيقات النظارات الذكية. وكان المفوض الفدرالي لحماية البيانات والشفافية ونظراؤه في بلدان أخرى قد كتبوا العام الماضي لشركة غوغل للتعبير عن مخاوفهم من هذه النظارات.

وقال الجانب السويسري إن الكاميرا وارتباطها بالإنترنت يطرحان مشكلة بما أن تسجيل أشرطة فيديو بشكل سري هو انتهاك للخصوصية والحميمية، وتصرف غير قانوني في سويسرا. مع ذلك، لا يتوقع أن تحظر الكنفدرالية استخدام النظارات الذكية لأن نطاق عمل المفوض الفدرالي يقتصر على شركات تخزين البيانات.

وشرح هينيغ مولّر أن التطبيقات التي طورتها وحدته يتعين التصديق عليها طبيا بالشكل الصحيح، بما أن المخاوف المتعلقة بالخصوصية واضحة وصريحة. وأضاف ضمن هذا السياق أنه “يجب بالتأكيد تفادي تخزين البيانات على سحابة غوغل”.

ووفقا لشركة “جونيبر” الأمريكية المختصة في شبكات الاتصالات، فإن السوق الإستهلاكية قد تزخر بحلول عام 2018 بأكثر من 130 مليون من الأجهزة الذكية التي يمكن ارتداؤها، وقد تكون من بينها 10 ملايين نظارة ذكية مثل نظارات غوغل.

حاليا، يدفع المُطورون مبلغ 1500 دولار أمريكي مقابل الحصول على زوج نظارات ذكية، ولكن شركة غوغل تؤكد أن السعر سيكون أرخص بالنسبة لعامة المُستهلكين. ويتوقع أن تصل النظارات إلى السوق الأمريكية في نهاية 2014، وإلى أوروبا في عام 2015.

في غياب ارتباط لاسلكي بالإنترنت، يجب وصل النظارات بهاتف محمول للإرتباط بالشبكة العنكبوتية.  وتُركّب الشاشة – التي لا يزيد حجمها عن أبعاد طابع بريدي – على الجانب الأيسر من إطار النظارات. وهي توفر معلومات للمستخدم الذي يمكن أن يستمع للصوت عبر سماعات مدمجة في الإطار نفسه.

في الوقت الحاضر، يمكن للنظارات التقاط الصور، وتسجيل الفيديوهات، والوصول إلى البريد الإلكتروني، وتلقي إرشاد المستخدم على الطريق، و إجراء مكالمات عبر Google+، واسترجاع معلومات معينة من شبكة الإنترنت.

من المرجح أن تواجه شركة غوغل عددا من المنافسين الذين يطورون النظارات الذكية، بما فيهم شركتا سامسونغ، ومايكروسوفت اللتين أعلنتا أنهم تطوران تكنولوجيات مشابهة.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية