مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تسارع وتيرة التوجه لفكرة إنشاء محكمة لمعالجة ديون الدول المفلِسة

خلال الإضرابات التي جرت يوم 5 اكتوبر 2011، قام المتظاهرون في اليونان بإستهداف وزارة الإقتصاد إحتجاجاً على التخفيضات و تدابير التوفير القاسية المفروضة على بلدهم من قِبَل الدائنين الأجانب Reuters

طالبت مُبادرة وَقَّـع عليها 28 نائِباً من مجلس الشيوخ السويسري، الحكومة الفدرالية بالنظر إلى مُقترح يدعو إلى دعم إنشاء إطار للتعامل الدولي مع الدول المُفلسة.

وتَدعم هذه المجموعة البرلمانية، التي تضم أطرافاً من جميع الأحزاب السياسية وعدداً من المنظمات غير الحكومية، مبادرةً تدعو الحكومة الفدرالية إلى تقديم مُقترح “عادل ومستقل”، لوضع آلية لإشهار إفلاس الدول المتأزِّمة المعنِـية.

وحَسب المُقترح، فإن من شأن آلية من هذا النوع، أن تُسهم في تَجَنّب حدوث أزمات الدّيون في المستقبل، بالإضافة إلى ضَمان إستقرار النّـظم النقدية والمالية. وعلاوة على ذلك، يُطالب المُقترح، الحكومة السويسرية “بالعمل على الدّعوة لهذا المشروع ودَعمه وتَطبيقه على نطاق دولي”.

وكانت المبادرة قد صدرت عن فيليكس غوتسفيلر، عضو مجلس الشيوخ عن كانتون زيورخ والمُنتمي إلى الحزب الليبرالي الراديكالي. ومن خلال مقترحه هذا، يضيف غوتسفيلر زخماً للجهود المبذولة من قِبَل المنظمات غيْـر الحكومية، لِوَضع هذه القضية على جدول الأعمال الدولي.

ووِفقاً للنائب غوتسفيلر، يُغذّي الإفتقار إلى وجود آلية دولية للتعامل مع الدول المُفلسة، حالةً من عدم اليقين في الأسواق المالية، كما يتّـضح في التقلبات الحالية التي تشهدها هذه الأسواق، والناتجة عن المضاربات حول قدرة اليونان من عَدَمها على سَداد الديون المُتراكمة عليها.

وفي تصريح لـ swissinfo.ch قال غوتسفيلر: “إذا لم تَعلَم الجهات المُقرِضة نوعية الإجراءات المُتّـخذة في حالة إفلاس دولة ما، فإن ذلك سيؤدّي إلى ارتفاع مستوى عدم اليقين، وهو ما يمكن أن يكون خطيراً جداً”.

وأضاف في نفس السياق: “يمكنك تقليل الشعور بعَدَم اليقين، من خلال تخفيضات واضحة وإجراءات مُحَدّدة، وهو أمرٌ هام بِحَدّ ذاته، كما أنه يجري في صالح أي قوة اقتصادية كُـبرى، سواء في أوروبا أو خارجها”.

منذ تسعينيات القرن الماضي

وكانت سويسرا قد أثارت المقترح المُتعلِّـق بِوضع قواعد دولية للتعامل مع الدول المُفلِسة مع شركاء دوليين منذ تسعينيات القرن الماضي، ولكنها اضطرت للتخلّي عن الفكرة، عندما اتَّـضح لها بأنَّ الدّعم الدولي حينها، لم يكن كبيراً.

وفي أعقاب الإعلان عن إفلاس الأرجنتين في عام 2001، حاول صندوق النقد الدولي حَشد الدعم الدولي، لإدخال آلية لإعادة هيكلة الديون السيادية وتضمينها في معاهداته، ولكن محاولته باءت بالفشل أيضاً.

من جهته، قال آندري روتينبوهلر، المدير العام لمنظمة “أداء المركز المالي سويسرا”  ActionFinance Place Switzerland  الغير حكومية، بأن “الوضع الرّاهن في اليونان قد أدى إلى تَجديد الدّعْم لإقامة قواعد دولية لإشهار إفلاس دولة ما”.

وأضاف روتينبوهلر أن النرويج تدعو إلى مثل هذه الخطة بالفِعل، وبأنَّ العديد من اللاّعبين البارزين في ألمانيا، وبِضِمنهم المستشارة أنجيلا ميركل، قد اتفقوا مع المبدإ الرئيسي، الذي يَحُثّ على إنشاء قواعد دولية للدول المُفلِـسة.

كما استطرد في معرض حديثه مع swissinfo.ch  قائلاً: “لقد أصبحت هذه الفكرة، وبشكل كبير، جزءاً من النقاش الدولي، ومن المؤكد بأن الوعي حول هذه القضية، هو أقوى بكثير الآن ممّـا كان عليه في أعوام التسعينيات”.

وأكد على أهمية إيجاد حلٍّ للمشكلة بالقول أن “امكانية تخلّـف دولة عن سداد ديونها، يحدث حالياً في أوروبا وليس في مكان آخر، إنها حالة كائنة في جوارنا”.

محكمة للديون

وقال روتينبوهلر إن مقترحات لوضع إطار لإشهار إفلاس دولة ما، تضمنت في المقام الأول، تَعيين حَكَم مُستَقِل “غير رسمي”، قبل تطوير النظام إلى محكمة دُيون دولية رسمية، للتفاوض بشأن إعادة هيكلة الدّيون بين الدول ودائنيها.

وأضاف بأن هذه العملية ينبغي أن تتضمن وضع معايير يستوجب على الدول الوفاء بها، قبل البدء بإجراءات التحكيم المُستقلة. وينبغي أن تكفل القواعد بقاء الدول المُعسرة قادرة على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها.

واستطرد المدير العام لمنظمة “أداء المركز المالي سويسرا” قائلاً: “في الماضي، وكذلك في يومنا هذا، تقع الدولة التي تواجه صعوبة في سداد ديونها، تحت رحمة الدائنين في مُعظم الأحيان”.

من ناحيته، قال النائب غوتسفيلر بأنه يتوقّـع رداً إيجابياً على مُقترَحه من مُعظم الجهات المُقرِضة الخاصة. ولكنه أضاف بأن بعض صناديق التحوط وغيرهم من المستثمرين، مِمّـن يملكون مصالح في الدول الإفريقة الضعيفة، سيقاومون مُقترحات كهذه، ذلك أنهم يفضِّـلون لأنفسهم “المزيد من الحرية في اختيار وسائل الضغط، بدلاً عن وجودهم في سياق إطار دولي”.

“ولعل الجانب الأكثر صعوبة، يكمُـن في إمكانية إيجاد توافُـق دولي في الآراء حول هذه المناقشة” على حَدّ غوتسفيلر.

التأثير السويسري

ومن الواضح بأن الحصول على دَعمٍ دولي لآلية عَمَل كهذه في المقام الأول، ومن ثَمَّ الحصول على توافق في الآراء حول الكيفية التي ينبغي أن تُدار بها هذه العملية، ستكون أكبر التحديات التي تواجه إقامة هيكل دولي للدول المفلسة.

ولكن كلاً من غوتسفيلر وروتينبوهلر يُـجادلان بأن دوْر سويسرا كرائدة في المجال المالي، بالإضافة إلى عضويتها في المنظمات الدولية، مثل مجلس الاستقرار المالي (هو مجموعة استشارية انشأته مجموعة الـ 20 خلال قمّـتها في لندن في أبريل 2009 لدفع الاستقرار المالي الدولي من خلال تبادل المعلومات والتعاون الدولي بشكل أفضل)، بالإضافة، إلى البنك الدولي والأمم المتحدة، يعني بأنها في وضع مِـثالي للدفاع عن هذا المشروع وتأييده على الساحة الدولية.

ويعلَّق غوتسفيلر قائلاً: “إن موضع سويسرا جيِّـد للغاية في بعض المنظمات، التي يجب أن تدفع بهذه القضية”، مضيفاً بأنه يشعر بالتفاؤل حيال اعتماد الحكومة الفدرالية لمُقترحه لِتناول هذه القضية، قبل نهاية العام الحالي”. وكما يقول: “كمركزٍ مالي مهِـم في العالم، سيكون هذا المقترح جيدا لسويسرا لتَمييز نفسها”.

تمثل منظمة أداء المركز المالي سويسراAktion Finanzplatz Schweitz ، وهي شبكة مستقلة لمراقبة النظام المالي السويسري، إحدى المنظمات غير الحكومية العديدة المشاركة في حملة “نزع فتيل أزمة الديون”.

وتدعو هذه الحملة إلى إنشاء محكمة ديون عادلة ومستقلة، تعمل على ترسيخ شرعية مطالبات الديون للدول المفلسة، بالإضافة إلى التحكيم في إتفاقيات إعادة هيكلة هذه الديون.

وتقول الحملة بأن هذا التحكيم يجب أن يلغي الديون الجائرة أو تلك الديون التي تمنع الدول المفلسة المعنية من تقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها.

ويتضمن العمل الحالي، تقديم التماس حول هذا الموضوع إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بوصفه رئيس مجموعة العشرين لعام 2011.

“يُكَلَّف المجلس الفدرالي (الحكومة السويسرية) بتقديم مُقترح دولي لإطارٍ عادلٍ و مُستقل لإشهار إفلاس الدول المتأزمة المعنية، والذي يَشمل أيضاً المُستثمرين من القطاع الخاص ويسهم في تفادي أزمات الديون في المستقبل ولضمان استقرار الأنظمة النقدية والمالية. علاوة على ذلك، ينبغي على الحكومة السويسرية العمل على دَعم وتنفيذ هذا المقترح على المستوى الدولي”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية