The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

الأدوية السويسرية بين مطرقة الرسوم الجمركية الأمريكية وسندان خفض الأسعار

الرسوم الجمركية
بالنسبة إلى شركات الأدوية الصغيرة، قد تكون زيادة التكاليف التشغيلية بنسبة 10% مدمرة لها. Keystone / Gaetan Bally

يستغل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الرسوم الجمركية كوسيلة للضغط على صناعة الأدوية. ومع تداول شائعات بشأن إمكانية إعفاء الشركات السويسرية، يحذر بعض الخبراء من أن هناك خطرًا أكبر يتمثّل في سياسات تسعير الأدوية.

خلال الأسابيع الماضية، تناقلت صفحات الإنترنت شائعات عن معاملة تفضيلية قد تحظى بها الصادرات الدوائية السويسرية إلى الولايات المتحدة. وفي الأثناء، فرضت الإدارة الامريكية رسوما جمركية قياسية على الصادرات السويسرية بنسبة 39%، وقد بدا العمل بها بالفعل يوم الخميس الماضي. ونقلت وكالة بلومبرغ عن مصادر مجهولة، أن واشنطن تنظر في إعفاء قطاع الأدوية السويسري من الرسوم الجمركية، لكن هذا الأمر مازال قيد الدراسة.

ولم يتحدَّث ترامب عن إعفاء سويسرا، عندما أعلن قبل أسبوعين الرسوم الجمركية على واردات الأدوية. وأكَّد، آنذاك، أن الجمارك الأمريكية ستبدأ، مطلع أغسطس، فرض رسوم جمركية، ستتدَّرج لتصل إلى 200% خلال عام إلى عام ونصف.

وصدر القرار بعد تحقيق أجرته الإدارة الأمريكية في منتصف أبريل، بهدف معرفة ما إذا كانت واردات الأدوية تشكل تهديدًا للأمن القومي. وقد كانت الأدوية، منذ اتفاقية منظمة التجارة العالمية لعام 1995، معفاة من الرسوم الجمركية.

جوهر الموضوع:

* الرسوم الجمروكية أداة للضغط على شركات تصنيع الأدوية

* التهديد بخفض أسعار الأدوية وتبعاته

* نقل التصنيع إلى الولايات المتحدة، هل يحل المشكلة؟

وأرسل دونالد ترامب يوم الخميس رسائل إلى 17 شركة أدوية – من بينها نوفارتيس وجيننتك (الشركة التابعة لشركة روش في الولايات المتحدة) – يطلب منها خفض أسعار الأدوية التي تباع في الولايات المتحدة تحت طائلة التعرض لعقوبات. وردت الشركتان بأنهما ستدرسان رسالة الرئيس الأمريكي.

ومنذ بداية العام، تعهّدت شركات صيدلانية سويسرية ودولية باستثمارات ضخمة في السوق الأمريكية، في خطوة تبدو محاولةً لإرضاء إدارة ترامب. ولعلَّ هذه التحركات تعود إلى الدور الاقتصادي المحوري لقطاع الأدوية. ففي سويسرا، تسهم صناعة الأدوية بنحو 40% من إجمالي الصادرات، ما يجعلها القطاع التصديري الأكبر، وتتجه أكثر من نصف هذه الصادرات (60%) إلى الولايات المتحدة.

وفي السياق، تحدّثت سويس إنفو (Swissinfo.ch) إلى مجموعة خبراء أكَّدت أن إدراج قطاع الأدوية السويسري في الصفقة النهائية، أو استثنائه منها، لن يُغيّر كثيرًا، فشركات الأدوية الكبرى قادرة على استيعاب التبعات المالية، بفضل هوامش أرباحها الكبيرة. ووفقًا للخبراء، فأنَّ الرسوم الجمركية أقل ضررًا من خفض الأسعار، وهو هدف آخر يسعى إليه ترامب، ويستخدمه كورقة تفاوضية.

ويقول فابيان فينر، محلّل الأسهم في بنك “يوليوس باير” (Julius Bär): “لا شكَّ أن احتمال معاملة تفضيلية لسويسرا يتصدّر العناوين. لكنه أقل أهمية مما نتصور، لأنه لا يضمن إعفاءً كاملًا من الرسوم، التي ستصبح نافذة إذا لم تقدّم الشركات تنازلات على مستوى الأسعار”.

ويستخدم ترامب الرسوم الجمركية ورقة ضغط على شركات الأدوية، لتنقل مصانعها إلى الولايات المتحدة، في مسعى للسيطرة على سلاسل التوريد وتعزيز الإنتاج المحلي.

“الرسوم الجمركية أهون الشرَّيْن”

بالإضافة إلى الرسوم الجمركية، يولي الرئيس الأمريكي اهتمامًا خاصًا بخفض أسعار الأدوية في بلاده، حيث تعتبر الأعلى على مستوى العالم. على سبيل المثال، تصل تكلفة علاج السرطان باستخدام عقار “كيترودا” (Keytruda) من شركة “ميرك” (Merck) في الولايات المتحدة إلى حوالي 191 ألف دولار سنويًا، بينما تبلغ في فرنسا 91 ألف دولار، أي أقل من نصف السعر في الولايات المتحدة. ويعود هذا الفرق إلى اتفاقات سرية بين شركات الأدوية والحكومات، والتي تعتمد على معايير اقتصادية وتنظيمية وسريرية، مثل دخل الدولة والجرعات المطلوبة.

ووفقًا لفينر، يعود ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة إلى سببين. أولهما، أن شركات الأدوية تسجّل منتجاتها هناك ابتداءً، باعتبارها السوق الدوائية الأكبر عالميًّا. وبذلك، تطرح السوق الأمريكية أحدث العلاجات قبل غيرها. أمَّا السبب الثاني، فيتعلق بالتكاليف الضخمة الناتجة عن الدعاوى القضائية الجماعية والتسويات، التي تسجلها الولايات المتحدة بمستويات هي الأعلى عالميًا.

وفي محاولة لخفض الأسعار، يسعى الرئيس ترامب، منذ ولايته الرئاسية الأولى، إلى اعتماد سياسة محلية على غرار سياسة “الدولة الأولى بالرعاية”. وتهدف هذه السياسة إلى مواءمة أسعار الأدوية في الولايات المتحدة مع أدنى الأسعار عالميًا. ويرى الخبراء أن هذه الخطوة قد تقلّص أرباح شركات الأدوية، وتلحق ضررا بها، على المدى الطويل.

ويعلّق فينر، قائلًا: “الراجح أن تكون الرسوم الجمركية أهون الشرَّيْن. وستلاقي قبولًا أكبر من شركات الأدوية مقارنة بخفض الأسعار. لأن الأسعار إذا انخفضت، يصعب رفعها مجددًا”.

ويضيف أن إدخال سياسة “الدولة الأولى بالرعاية” يحتاج إلى موافقة الكونغرس، وهو أمر صعب المنال. فخفض الأسعار ستكون له تداعيات واسعة، وقد تطال تأثيراته سوق الوظائف الأمريكية.

العملاقتان السويسريتان غير قلقتان

ويشير فينر إلى أن “شركات القطاع لا تبدي قلقًا بشأن الرسوم الجمركية”. ويرجع ذلك إلى سببين: أولهما تطبيق الرسوم تدريجيًا، والثاني امتلاك معظم الشركات الكبرى قدرات إنتاجية في الولايات المتحدة. وتشمل هذه الشركات “روش” و”نوفارتيس”، اللتين توجّهان، أصلًا، نسبة كبيرة من مبيعاتهما إلى السوق الأمريكية، خلافًا لشركات مثل “ميرك”، و”باير” (Bayer)، و”سانوفي” (Sanofi). وظهر هذا الاطمئنان في ارتفاع مؤشر شركات الأدوية الكبرى في بورصة نيويورك، بنسبة 1%، بعد أسبوع من تصريحرابط خارجي ترامب.

وخلال مؤتمر الإعلان عن أرباح روش للربع الأوّل، صرّح رئيسها التنفيذي، توماس شينيكر، بأن أربع أدوية في محفظة الشركة تشكّل 92% من التكاليف المحتملة للرسوم الجمركية. وأضاف أن روش ستنقل تصنيع هذه الأدوية إلى الولايات المتحدة، حيث لا تتجاوز طاقتها التشغيلية هناك حاليًا 50%.

وفي مطلع أبريل، أعلنترابط خارجي شركة “نوفارتيس” عن خطط لاستثمار 23 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة. وأوضحت أنها ستنشئ مركزين للابتكار وأربعة مصانع، وستوفّر ألف وظيفة. وتهدف نوفارتيس من هذه الخطوة إلى ضمان “إنتاج جميع الأدوية الأساسية لمرضى الشركة في الولايات المتحدة محليًّا”.

معضلة المواد الفعَّالة

وعلى المدى المتوسط، لن يتيح نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة لشركات الأدوية تجنب تكاليف استيراد المكونات الفعالة (APIs). غالبًا ما يتم إنتاج هذه المواد في دول مختلفة عن تلك التي تتواجد فيها شركات الأدوية، وهذا ينطبق أيضًا على الشركات الموجودة في أمريكا. بشكل عام، تعتبر هيئة الجمارك الأمريكية أن بلد المنشأ للدواء هو البلد الذي يتم فيه إنتاج المادة الفعالة، وليس المكان الذي يتم فيه التصنيع النهائي.

وهذا ما يؤكده جوناثان بوميلر، مدير قسم الضرائب غير المباشرة والتجارة العالمية في شركة “إرنست آند يوند” (EY)، فرع سويسرا. ويضيف، قائلًا: “ستظل شركات الأدوية شديدة الاعتماد على الإنتاج الخارجي للمواد الخام، إلى حين رفع طاقتها الإنتاجية في الولايات المتحدة”.

وتكشف بيانات دستور الأدوية الأمريكي لعام 2024 مدى الاعتماد على الخارج في إنتاج المواد الفعالة. ووفقًا لهذه البيانات، يأتي أكثر من نصف هذه المواد من الهند (32%)، ودول الاتحاد الأوروبي (20%). وباستثناء السوائل الوريدية التي تنتج الولايات المتحدة كميات كبيرة منها، فإن الإنتاج المحلي لا يتجاوز 12% من إجمالي إنتاج المواد الفعالة.

محتويات خارجية

ووفقًا لبوميلر، فإن الفترة التي تبلغ حوالي 18 شهرًا قبل تطبيق الرسوم بشكل كامل، ليست كافية لنقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة. وتظهر محادثات أجرتها شركة “إرنست أند يونغ” مع شركات الأدوية أن هذه الشركات تفكر في جدولة زمنية تتراوح بين خمس إلى ست سنوات. وذلك لأن إعادة هيكلة سلاسل التوريد عملية معقدة، وتتطلب الحصول على مجموعة من الموافقات التنظيمية.

في الأثناء، يبدو أن الشركات ستواصل استيراد الأدوية الجاهزة إلى الولايات المتحدة، وهي تكلفة تستطيع الشركات الكبرى تحمّلها، دون التأثير على أسعار المستهلك. أمَّا الشركات الأصغر، فقد تكون زيادة التكاليف التشغيلية بنسبة 10% قاتلة. وينطبق هذا بشكل خاص على شركات الأدوية الجنيسة العاملة بهوامش ربح أقل، مقارنة بشركات الأدوية المشهورة. ويحذّر الخبراء من أن عجز هذه الشركات عن تغطية التكاليف قد يؤدي إلى نقص في الأدوية.

+ كيف يمكن للرسوم الجمركية الأمريكية تعطيل سلسلة توريد الأدوية الجنيسة؟

من يدفع الفاتورة؟

واستنادًا إلى بيانات عام 2024، تقدّر شركة “إرنست أند يونغ” أن زيادة الرسوم الجمركية بنسبة 10% سيؤدي إلى زيادة التكاليف على مستوى الصناعة بنحو 14،39 مليار دولار. وبالنسبة إلى التبعات، تبرز عدة سيناريوهات: أن تتحمّل الشركات الدولية المستوردة التكاليف، أو أن ترتفع أسعار الأدوية، فيتحمَّل المستهلك النهائي الأعباء، أو أن تغطيها الشركات الأمريكية التي تعتمد على الواردات لغياب بدائل محلية الصنع.

وفي الوقت الراهن، تسعى الشركات إلى تخزين منتجاتها في الولايات المتحدة قبل صدور القرار النهائي. ويقول بوميلر: «تسعى الشركات إلى ضمان إمداد متواصل من منتجاتها في السوق الأمريكية». ولكن، يحذِّر الخبراء من أن الرسوم، وإن ساعدت على توطين التصنيع، وخلق وظائف في الولايات المتحدة، لن تكون الأداة الوحيدة في يد ترامب للضغط على الشركات من أجل خفض الأسعار.

تحرير: فرجيني مانجان

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية