مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مشروعات مدرسية ذات نفع للبحث العلمي

النظام البيئي
تلاميذ وتلميذات يستكشفون النظام البيئي في لايزِين LAS Alpine Institute

إذا لم تجد البيانات التي يتم جمعها أثناء إعداد المشروعات المدرسية بعد الدراسة طريقها إلى سلة المهملات، وإنما تمت المحافظة عليها وتبادلها على نطاق واسع، فقد ينشأ منها مصدر فريد وهائل يُثري العلم ويُفيد العلماء. 

في ذاك اليوم، الثامن من مارس 2017، كانت شوارع مدينة آيغل Aigle، الواقعة على بعد عدة كيلومترات شرقاً من ضفاف بحيرة ليمان جافة، إلا أنه بعد عشرين دقيقة من مكوثنا في القطار ذي التروس صعوداً نحو منتجع لايزِين (Leysin) بدأت ندف بيضاء تتساقط فوق الغطاء الثلجي الذي كان سميكاً بالفعل.

برغم حالة الطقس، لم يشأ تلاميذ وتلميذات أربع مدارس دولية بسويسرا التنازل عن المشاركة في اليوم الثالث الذي تنظمه مدرسة لايزِين الأمريكيةرابط خارجي بعنوان يوم الكرة الأرضية أو GLOBE Day، وهو مناسبة علمية، يتم خلالها تقديم مشروعات في مجالات العلم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وكذلك علم التعهد الجماعي. 

كانت صالة الألعاب الرياضية بالمدرسة الداخلية الدولية التي يتم فيها التدريس باللغة الإنجليزية، تعجّ بشباب تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والثامنة عشرة عاماً، كانوا يتأملون الملصقات الملونة الكثيرة الموضوعة فوق المناضد البيضاء.

جمع البيانات
قد يساعد جمع البيانات العلماء في دراساتهم للتغيير المناخي. LAS Alpine Institute

“يجب وضع ثلاثة إلى أربعة لافتات إرشادية في الطرق المؤدية إلى الجبل كي تشرح للجوالة كيفية تحميل تطبيق iNaturalistرابط خارجي“، يُوضّح هيرمان من الصف التاسع بمدرسة لايزِين الأمريكية، مشيراً إلى العرض الذي قام به.

ويضيفأن “هذا شيء مثير جداً للإهتمام. فيمكن للمرء إلتقاط صور للأشجار ومشاركتها مع آخرين عبر التطبيق. بعدها يقوم علماء من جميع أنحاء العالم بتقييم الصور ويستخلصون منها معلومات هامة”.

كذلك توضح آليكس، وهي أيضاً تلميذة بالصف التاسع، أنها وزملاؤها في المشروع يستخدمون أيضاً أحد تطبيقات الهاتف الذكي، لجمع بيانات موسمية حول أصناف الحيوانات المحلية.

“يُمكن إلتقاط صور لآثار الحيوانات، أو لفضلاتهم أو لأعشاشهم وداخلها قشر البيض. ثم يتم تحميل الصور على التطبيق. وإذا ما وقع خطأ في تصنيف الصور، فإن مشتركين آخرين في التطبيق كالعلماء مثلاً يمكنهم تصحيح الخطأ”، كما تشرح لنا آلكس.

ولكن لماذا تصبح هذه المعلومات دون غيرها ذات أهمية كبرى بالنسبة للعلم؟ يوضح المدرس دان باترون أن هذه المشاهدات هي جزء من مشروع دراسي طويل الأمد حول بيئة غابة “بو ريفيّ” Beau Réveil. ومن خلال القياسات المختلفة يتعيّن رصد التغيرات التي تطرأ على كثافة الأشجار وأنواعها وارتفاعها.

“هدفنا هو تحقيق دراسة طويلة الأمد، كي نتمكن من مراقبة التغيرات التي نشأت عن التغير المناخي أو عن طريق الأنواع المجتاحة”، كما يشرح باترون لفريق swissinfo.ch. 

يوم الكرة الأرضية 

يتولى جون هارلين مهمة تنسيق يوم الكرة الأرضية أو GLOBE Day بالمدرسة الأمريكية بلايزِين. وهو يشرف على برنامج المدرسة المسمى بـ “المعهد الأمريكي لعلوم جبال الألبرابط خارجي” أو Alpine Institute. ويقوم هذا المشروع على التعليم في الهواء الطلق وينتهج نهجاً جديداً في توصيل العلم.

يوضح هارلين لفريق swissinfo.ch أنه “في العادة يقوم الأطفال بعمل تجربة بيولوجية أو يكتبون بحثاً علمياً وحينما ينتهون منه يتم إلقاء النتائج حرفياً في القمامة”، ثم يُضيف “صحيح أن التجارب تكون قيّمة، وتهدف إلى تعليم التلاميذ والتلميذات شيئاً جديداً، إلا أنها لا تقدم إسهاماً علمياً”.

مشهد لجبال الألب
نظرة من داخل حرم المدرسة الأمريكية بلايزِين. swissinfo.ch

يشارك هارلين كذلك في رئاسة فريق عمل “التعليم والتعلم” التابع لـ “الجمعية الأوروبية لعلم التعهد الجماعيرابط خارجي“، التي تساعد المدارس والمدرسين في إدماج مجموعات البيانات والتحليلات العلمية الصحيحة داخل المناهج الدراسية.

“إن الصفة المميزة للتعهد العلمي تكمن في الإحتفاظ بالبيانات المستخدمة ومشاركتها وربما ربطها ببيانات أخرى. وبهذا تكون هناك فائدة من وراء النتائج ويشكل هذا الإسهام العلمي الملموس حافزاً للشباب أثناء التعلم”، بحسب قول هارلين.

في يوم الكرة الأرضية أو GLOBE Day، تقتدي المدرسة الأمريكية بلايزِين بالبرنامج الذي تنظمه وكالة الفضاء الأمريكية NASAرابط خارجي والذي يحمل نفس الإسم. وتتألف كلمة GLOBE من الأحرف الأولى لعبارة Global Learning and Observation to Benefit the Environment أي “التعليم العام والملاحظة لفائدة البيئة”. وتتبع هذه المناسبة العلمية في تكوينها نفس الطريقة التي يتألف منها أي مؤتمر علمي مصغر: فجزء من الشباب يُشرف على أماكن العرض ويشرح المشروعات عن طريق الصور، والجزء الآخر يطرح أسئلة عليهم. وبعد نصف ساعة يتم قرع جرس فيتبادل الجميع الأدوار.

طبقاً لقناعة هارلين، فإن شكل المؤتمر والمشاركة في علم الجميع يساعدان الشباب على تحقيق المزيد من الإلتزام في عملهم، حيث يدركون أن هذا العمل يفيد آخرين أيضاً وأنه جزء من شيء أكبر.

“إسهام شخصي في حل مشكلات كونية”

في خلفية علم التعهد الجماعي تكمُن الفكرة القائلة بأن البحث لا يجب أن يظل حكراً على العلماء، بل إن كل فرد يمكنه المشاركة في دراسة العالم الذي يعيش فيه.

بشكل عام، يُمكن أن تمتد مشروعات علم التعهد الجماعي من متابعة سلوك الطيور المهاجرة إلى تحديد نوع النباتات وحتى رصد الكواكب ومراقبة أحوال الطقس.

في المدرسة الأمريكية بلايزِين على سبيل المثال، يرأس دان باتون برنامج LETSرابط خارجي (وتعني حروفه اختصاراً Local Environmental Transect Survey أي دراسة البيئة المحلية المحيطة)، حيث يقوم التلاميذ والتلميذات في إطاره بتصنيف أنواع مختلفة قدر الإمكان في مكان محدد وهذا في اليوم السنوي لجمعية هواة علم الحشرات والذي يطلق عليه تسمية “فلاش بيولوجي”رابط خارجي أو “Bioblitz”. وعن طريق بيانات هذا اليوم يمكن للعلماء أن يلموا بسهولة أكثر بالمواعيد التي تحدث فيها تغيرات موسمية على مدار العام، مثل مواعيد تفتح الزهور، أو سقوط الأوراق أو تغير فراء الحيوانات. أما على المدى البعيد، تكشف هذه المعلومات للباحثين عن حجم التغير المناخي وتداعياته. 

“إن هدفنا يكمُن إلى حد كبير في إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الأبحاث التي نمارسها هنا فوق هذه المنحدرات المرتفعة، كي تستمر لسنوات طويلة، حتى بعد اختفائنا. فبعد عشرات السنين، ستكون لدينا دراسة حقيقية للمناخ على المدى البعيد، والتي لن تتوفر سوى عن طريق الإلتزام طويل الأمد من قِبَل المدرسة”، بحسب تصريحات هارلين.

وطبقاً لأقوال باتون، فإن التحدي الأكبر يكمُن في وضع البيانات المجموعة في صيغة تجعلها متاحة بسهولة ومفيدة للجميع. ويجري العمل على تحقيق هذا التحدي بالإشتراك مع باحثين في عين المكان. كما يأمل في أن يتمكن يوماً ما من استخدام البيانات في كتاب مطبوع.

ولكن إذا ما كانت هذه البيانات بهذه الأهمية للعلماء، فلماذا لا يقومون بجمعها بأنفسهم؟

يوضح جون فرانسيس، المتحدث الأساسي في يوم الكرة الأرضية GLOBE Day بالمدرسة الأمريكية بلايزِين، لـ swissinfo.ch أن “قوة علم التعهد الجماعي تكمن في قدرته على استغلال فضول الناس حول العالم ـ والذين قد يتواجدون في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ـ لأغراض علمية”.

“إن جزءًا كبيرأ من تكاليف جمع البيانات السنوية يعود إلى الكلفة اللوجستية، التي يحتاجها الأمر كي تصل البيانات إلى المكان الصحيح. وبهذا تثبت الفاعلية العالية لعملية تحفيز وتكليف المشاركين في علم التعهد الجماعي”، كما يوضح فرانسيس، الذي كان يشغل حتى وقت قريب منصب نائب رئيس قطاع البحث العلمي والحوار والإستكشاف في جمعية “ناشيونال جيوغرافيك” الأمريكية.

كما ألقى كريس ماك أوين، الباحث في علوم البحار بمركز UNEP العالمي للرصد ولحماية البيئة وفي جامعة كامبريدج، كلمة هامة في يوم الكرة الأرضية GLOBE Day. وفي رأيه أنه من الخطأ بمكان ترك مهمة حل المشكلات الكونية للعلماء وحدهم.

“إننا نعتمد على أن هناك رجال بيض وفي منتصف العمر، يرتدون معاطف المعمل، سيقومون بحل المشكلات التي لا نتمكن نحن من حلها ـ مثل ارتفاع معدلات الصيد والتلوث في البحار”، بحسب قول ماك أوين. “وبدلاً من هذا علينا أن نحث الأطفال والشباب وكذلك البالغين ونمكنهم من المشاركة في تحقيق هذا الهدف. ويمكن النجاح في هذا بالفعل عن طريق علم التعهد الجماعي”.

إن جمع البيانات ليس سوى البداية. إذ يخطط هارلين إلى إدماج تقييم البيانات مستقبلاً داخل المنهج الدراسي الخاص بعلم التعهد الجماعي في المدرسة الأمريكية بلايزِين، وهذا سعيا منه لإتمام المنهج العلمي التربوي.

“إن هذا يمثل أحد تحدياتنا هنا: بمعنى ألاَّ يكون المرء فقط جامعاً للبيانات، بل أن تتاح له الفرصة كي يُقَيِّم بيانات التلاميذ وأن يناقشها”، كما يوضح هارلين.

علم التعهد الجماعي في سويسرا

تتولى شبكة علم التعهد الجماعي بسوسرارابط خارجي مهمة تصنيف ونشر مشروعات التعهد الجماعي في المناطق الناطقة باللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية، ويدير هذه الشبكة مركز التمكن للحوار بين الأكاديميات العلمية بسويسرا والمسمى العلم والمدينةرابط خارجي 

إن برنامج “ناسا غلوب NASA GLOBE” الذي تم إدراجه عام 1995 كـ “شبكة تعاون على مستوى العالم، تضم تلاميذ ومدرسين وباحثين وكذلك مهتمين بهدف فهمٍ أفضل للعلاقات داخل نظامنا الأرضي، والحفاظ عليها باستدامة وتحسينها وهذا على المستوى الإقليمي والعالمي”، لديه كذلك فرع أوروبي. 

الفرع الأوروبي يضم شبكةرابط خارجي من المشروعات السويسرية والمدارس، ومنها معهد المدرسة الأمريكية بلايزِين لعلوم جبال الألب.

مدارس دولية في سويسرا

بخلاف الإبتكار والتعهد الجماعي تتمتع سويسرا بتراث عريق من المدراس الدولية.

قامت المجموعة السويسرية للمدارس الأجنبية رابط خارجيبتصنيف 44 مؤسسة تعليمية من أعضائها على مستوى سويسرا، ومنها المدرسة الأمريكية بلايزِين. 

تقدم هذه المؤسسات محتويات دراسية مختلفة في إطار الدراسة الإبتدائية والإعداداية لأطفال وشباب من جميع أنحاء العالم، سواء كانت المدرسة يومية أو داخلية. 

توفر العديد من هذه المدارس مسارات تعليمية بلغتين أو ثلاثة، كما تتيح الحصول على وثائق تخرج وشهادات إتمام دراسة معترف بها على المستوى العالمي.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية