مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“السّند الأوّل لنا هم أبناء الجالية التّونسية أنفسهم”

أسهم انتصار الثورة التونسية في تجديد اهتمام التونسيين المقيمين في سويسرا ببلادهم (في الصورة: مظاهرة شارك فيها المئات يوم 15 يناير 2011 في جنيف بعد فرار بن علي إلى السعودية) Keystone

شهدت سويسرا خلال الأشهر القليلة الماضية جدلا حول المدى الذي يجب أن تتكفّل فيه الدولة بحماية رعاياها في الخارج ومساعدتهم عند الحاجة. وجاء ذلك إثر تكرّر عمليات خطف رعايا سويسريين في العديد من مناطق الخطرة التي تشهد نزاعات وعدم استقرار.

وذهب بعض السياسيين إلى حد مطالبة المستفيدين من تلك الخدمات بالتعويض عن كل ما أنفقته الدولة من أجل تأمين إطلاق سراحهم وتلبية احتياجاتهم.

ولتسليط الضوء في المقابل على الخدمات التي تقدمها السفارات العربية لرعاياها المقيمين الدائمين أو الزائرين إلى سويسرا، اتصلت swissinfo.ch بالعديد من هذه السفارات أو البعثات سواء في العاصمة الفدرالية برن أو في جنيف، فلم تحصل إلا على ردّ يتيم من السفارة التونسية.

وفي ما يلي تفاصيل الحوار الذي أُجري مع السيد مختار التريكي، مسؤول الشؤون الإجتماعية بالسفارة التونسية ببرن.

swissinfo.ch: بداية، ما هي مهمّة الملحق الإجتماعي بالبعثات الدبلوماسية والقنصلية التونسية بالخارج؟

مختار التريكي: تتلخّص هذه المهمّةُ في الاشتغال على كلّ ما هو اجتماعي وثقافي تربوي يمسّ التّونسي في ديار الهجرة، سواء ما تعلّق منه بالخلافات الأسريّة بين أبناء الجالية التونسية أو بوضعية الإقامة بالنسبة للتونسيين في سويسرا، وأيضا تكوين الجمعيات وأنشطتها وعلاقة هذه الجمعيات وأفراد الجالية بشكل عام ببلد الإقامة أو بالبلد الأصلي، وكيف يمكن أن نجعل من هذه الجالية التّونسيّة تعيش في انسجام وتناغم مع البيئة الجديدة التي هي تعيش فيها، وتمدّ أفضل جذور التّواصل مع الوطن الأم سواء كان بالمساعدة على الاستثمار أوبالبحث عن مدى قابليّة دول الاعتماد لاستقبال وتشغيل الكفاءات التّونسية، وكذلك البحث عن الكفاءات التّونسيّة الموجودة في هذه البلدان ومحاولة توظيف خبرتها وموقعها المتميّز لمصلحة تونس، ولا ننسى متابعة العرائض التي يوجّهها أفراد الجالية إلى مختلف الإدارات في تونس. ومن المهام الموكولة إلى الملحق الاجتماعي تأمين دروس اللّغة العربيّة للأجيال الجديدة للهجرة ومواكبة مختلف الأنشطة الثّقافيّة الموجّهة إلى الجالية.

هل هناك ملفّات مستجدة أو طارئة تحظى باهتمامكم، وتحتلّ الأولويّة في أشغالكم؟

مختار التريكي: فعلا، طرأ علينا في الأشهر الأخيرة وبشكل ضاغط استأثر بمعظم العمل الاجتماعي في السّفارة ملفّ المهاجرين غير الشرعيين، الذين لديهم العديد من المشاكل مع سلطات بلد الإقامة. البعض من هؤلاء في السّجون، والبعض الآخر يقاسي شظف العيش في مجتمع الغربة، وهم في حالة من الفاقة والتشرّد. ونحاول البحث عن هؤلاء ونزورهم في أماكن تواجدهم، سواء في السجون أو مراكز الإيواء أو في المستشفيات، نمدّ لهم يد العون، ونتوجه إليهم بالإرشاد والنصح، أوّلا عبر البحث عن جمعيات إنسانية في بلد الإقامة لمساعدتهم ماديا ونفسيا، كما نقوم من ناحية ثانية بربط الصّلة بينهم وبين أهاليهم، لأن اتصال هؤلاء بعائلاتهم عادة ما يكون متقطّعا وفي أغلب الأحيان معدوما. نحن نتّصل بتلك العائلات، ونطمئنُهم على أبنائهم. وإذا عبّر هؤلاء المهاجرون عن رغبتهم في العودة إلى تونس، نوفّر لهم الوثائق المطلوبة، وتذكرة السفر، وحتّى بعض المساعدات المادّية، حتّى وإن كانت يسيرة وبسيطة، وعادة ما نجد الدّعم في هذا المجال من لدن جمعيّات سويسريّة ومن التّونسيين.

هذا الدعم، وهذه المساعدة هل تتمّ بطلب من هذه الفئات المستفيدة، أم بمبادرة منكم؟

مختار التريكي: من الجهتين: هناك البعضُ يطلب زيارته، وهناك من تتّصل عائلته لاستجلاء أمره، وفي عدّة حالات أخرى نقوم نحن أيضا بالتّفتيش والبحث عنه، بالإستعانة بأفراد الجالية الموزّعين على كل المناطق السويسريّة. نقوم بذلك لأنّ البعضَ يُحجم عن طلب المساعدة ظنّا منه أنّ الإاتّصال بالسّفارة قد يُعقّد وضعيّة إقامته، في هذه الحالة نذهب إليه على عيْن المكان، ونُطمئنه عن طريق جمعيّات وأفراد من الجالية التّونسيّة في أغلب الأحوال.

منذ ثورة 14 يناير 2011، دخلت تونس في طور جديد، كيف انعكس هذا الوضع على برنامج عملكم، وهل انخفض الطّلب على خدماتكم أم زاد؟

مختار التريكي: خلال السّنة والنّصف الأخيرة، تضاعف الطّلب وزاد حجم تدخّلنا. ولدى سلطة الإشراف (أي وزارة الشؤون الإجتماعية) حاليّا توجّه إلى إعادة هيكلة العمل الإجتماعي ومزيد دعم عمل الملحقين الاجتماعيين وتعزيز دورهم، خاصّة مع إحداث كتابة الدّولة للهجرة والتّونسيين بالخارج بعد الثّورة، ويجري حاليّا عمل حثيث في هذا المضمار، وبطبيعة الحال تونس تمرّ حاليا بمرحلة انتقاليّة، وهناك أفواج من المهاجرين غير الشّرعيين غادروا البلاد في ظروف صعبة متوجّهين إلى بلدان الضّفّة الشّماليّة للبحر الأبيض المتوسّط، ظانّين أنّهم سيعثرون على الفردوس المفقود، فيجدون أنفسهم ضحايا مضايقات عدّة، وفي أوضاع صعبة وأحيانا مزرية: عدم اندماج، عدم معرفة باللّغة، غياب الإمكانات المادّية، انعدام السّند الإجتماعي، انقطاع الرابط العائلي،…وتشير المصادر الرّسمية للمكتب الفدرالي للهجرة في برن إلى بلوغ عدد طالبي اللّجوء (لأسباب اقتصاديّة) الذين قدموا من تونس بعد الثّورة إلى موفّى السّنة الفارطة 2574 شخصا، لكن هذه النّسبة انخفضت بشكل كبير بعد ذلك، وعاد الكثير منهم إلى تونس، حيث سلّمت السّفارة المئات من وثائق السّفر، ويبذل أعوان السّفارة جهدا استثنائيّا للإستجابة للطّلبات المتنامية، هذا فضلا عمّن كانت لديهم وثائقهم الخاصّة أصلا. وقد تراجعت أعداد هذه الفئة بشكل كبير. وقد تمّ يوم 11 يونيو 2012 إبرام اتّفاقيّة تعاون في مجال الهجرة بين تونس وسويسرا، يُنتظر أن تحلّ عديد الإشكالات في مجالي الهجرة والتّنقّل بين البلدين.

نظرا لقلّة الإمكانات، وكثرة الإشكالات، هل تربطكم أي شراكة مع مكوّنات المجتمع المدني السويسري أو التّونسي لمساعدتكم في تحمّل هذا العبء الكبير؟

مختار التريكي: السّند الأوّل لنا هم أبناء الجالية التّونسية أنفسهم. والتّونسي بطبعه متعاطف وكريم مع من يحتاج إلى دعمه خاصّة في الخارج. فخلال جلّ الزّيارات التي نقوم بها، يأخذنا أبناءُ الجالية في سيّاراتهم الشّخصيّة، ويوصلوننا إلى الأفراد الذين يحتاجون إلى الدّعم، ويقدّمون لنا العون، خاصّة الذين يعملون في منظّمات الإغاثة وجمعيّات الصّليب الأحمر. نحن لا نعمل بمفردنا، والميزانيّة المرصودة للعمل الاجتماعي متواضعة جدّا، ولكن بفضل جهود المجتمع المدنيّ والأفراد الموزّعين على كامل التّراب السويسريّ، أمكننا مساعدة وإنقاذ العديد من المهاجرين، كما أنّ السّيّد كاتب الدّولة للهجرة يقوم بمتابعة الإعتداءات التي يتعرّض لها التّونسيون بشكل شخصي ومباشر.

بعد إقراركم بأهمّية الدّور الذي تلعبه مؤسّسات المجتمع المدني، هل هناك جهود من هذا القسم لإعادة هيكلة الجالية التّونسيّة على أساس المواطنة والمساواة بعيدا عن الولاءات الحزبيّة السّابقة؟

مختار التريكي: هذا هو فعلا الإتجّاه الذي يشتغل عليه ديوان التّونسيين بالخارج والسّفارة، وقد حثّ سعادة السّفير كافّة الجمعيّات التّونسيّة العاملة في سويسرا على توثيق أواصر التّعاون والتّكامل بينها، وهناك محاولة جادّة لإنشاء ما يشبه “كنفدرالية للجمعيّات التّونسيّة” في سويسرا، ونأمل أن يتحقّق هذا في المدى المنظور. يذكر أنّ هذه الجمعيّات تكاثرت بعد الثّورة، وأصبح عمَلُها ذا جدوى، ولم يعد وجودا صوريّا. فهناك جمعيّات تنشط فعليّا وميدانيّا في سويسرا، وأخرى تساهم بشكل جيّد في مجهود التّنمية الوطنيّة في تونس، سواء عبر خلق مواطن شغل، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين. وعلى سبيل الذّكر لا الحصر قامت السّفارة التّونسيّة ببرن يوم 7 مارس 2012 بدور محوريّ في نقل تسع حافلات كبيرة الحجم أهدتها شركةُ نقل جنيف إلى الإتّحاد التّونسيّ للتَّضامن الاجتماعي مرفقة بكمّيّات كبيرة من قطع الغيار، والهبات متواصلة باستمرار. كذلك تعكفُ السّفارةُ حاليّا على إيصال العشرات من الحواسيب التي جمعتها جمعيّةُ “Tunesالتي أنشأها بعد الثّورة طلبةٌ تونسيّون يدرسون في جامعات سويسرا. وسَتُوَزَّعُ تلك الأجهزةُ على العديد من المؤسّسات التّعليميّة في المناطق الدّاخليّة التي عانت من التّهميش في العهود السّابقة.

ينظّم قسم الخدمات الاجتماعيّة دروسا في اللّغة العربيّة، ما الهدف من هذه الدّروس؟ وما تقييمكم لمردودها؟

مختار التريكي: الهدفُ من هذه الدّروس هو ثقافيٌّ وحضاريٌّ، نسعى من خلالها إلى ربط الأجيال الجديدة التي ولدت في المهجر بهويّتها العربيّة والإسلاميّة، وقد نجحنا في ذلك إلى حدّ كبير. فالكثير من الأبناء الذين يزاولون هذا التّعليم أصبحوا يتقنون اللّغةَ العربيّةَ كتابةً ونطقاً ومخاطبةً، وصار بإمكانهم التّواصل مع مجتمعهم وعائلاتهم بشكل أيسر وأسهل، والتّعرّف على تاريخهم وجذورهم الحضاريّة وهذا التّمشّي يقع تعزيزه بالأنشطة التّعليميّة والتّرفيهيّة التي يؤمّنها ديوان التّونسيين بالخارج بالتّعاون مع وزارة التّربية أثناء العودة الصّيفيّة لهؤلاء التّلاميذ. يجدر التّنويه هنا إلى أنّ السويسريّين أنفسهم يشجّعوننا على مثل هذا التّعليم لأنّهم يعتقدون أن الطّفلَ الذي يتقن أكثر من لغّة يتمتّع بمرونة وقدرة ذهنية أكبر على استيعاب الثّقافات الأخرى. هذه العمليّةُ التّعليميّةُ نعتبرها ناجحةً، ولكنّها بحاجة إلى مزيد الدّفع، فالأطفال المسجّلون الآن يبلغ عددهم حوالي 300 طفل موزّعين على أهمّ الكانتونات التي تتمركز بها الجالية من جملة 4000 طفل تونسي مقيم في سويسرا، ونأمل أن تتوفّر لنا الإمكانيّات في المستقبل حتى نصل إلى تغطية أكبر عدد ممكن من التّلاميذ، كما نتطلّع أيضا إلى إدخال إصلاحات على البرامج، وصولا إلى تعليم أكثر جدوى ونجاعة.

ولد في 1963.05.20 بالبئر الأحمر بولاية تطاوين.

متزوّج وأب لثلاثة أطفال (ولدان وبنت).

متحصّل على الأستاذيّة في علوم اللّغة العربيّة وآدابها.

متحصل على ديبلوم التّعمّق في اللّغة الفرنسيّة.

حاصل على شهادة في تقنيات التّواصل الكتابي(بالفرنسيّة).

يعمل حاليا بخطة ملحق اجتماعي بسفارة تونس ببرن (رتبة مستشار للشّؤون الخارجيّة).

ينظّم ديوان التّونسيين بالخارج مصائفَ لفائدة التّونسيين المقيمين بالخارج (بما في ذلك سويسرا) من العائلات المعوزة خلال هذه الصّائفة، وذلك على امتداد ثلاث دورات تبدأ الأولى منها في 2 يوليو، وتنتهي الدورة الثالثة في 22 يوليو 2012.

الغرض الأساسي من هذا المصيف تعزيز روابط الإنتماء إلى البلد الأم والتعريف بمزاياه وتراثه وتاريخه، خاصة وأن الثقافة السائدة في بلد الإقامة تختلف جذريا عن ثقافة البلد الأصلي.

وقد حُدّدَ سنّ المشاركة من 9 إلى 14 سنة، ومن 15 إلى 17 سنة ( بالنّسبة للأطفال ) و 60 سنة فما فوق ( بالنّسبة للمسنّين ).

تتحمّل الجهات المنظمة كامل تكاليف تذكرة السّفر ذهابا وإيّابا مع التّعهّد بالإقامة كاملة ونقلهم إلى المراكز المدرجة أعلاه.

اما الشروط الواجب توفرها في المؤهلين للمشاركة، فهي:

 أن يكون المشارك من عائلة معوزة أو محدودة الدّخل أو وفيرة العدد.

 أن يكون من الشّرائح العمريّة المدرجة أعلاه.

 تمنح الأولويّة للمترشّحين الّذين لم تسبق لهم المشاركة في مصائف الدّيوان.

علما وأنّ الحصّة المخصّصة لسويسرا هي 10 مشاركين (02 مسنّين – 05 أطفال – 03 طلبة ).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية