مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الــتدريس المنزلي يــشق طريقه بتواضع في سويسرا

يشدد مؤيدو التعليم المنزلي على أن معظم الوقت يُستثمر في التركيز على التعليم بدل حل المشاكل (الصورة لأسرة أمريكية تدرس أطفالها في تينيسي، 2 أبريل 2009) Keystone

رغـم أن نمو الظاهرة ليس مُذهلا في سويسرا مثلما هـو الحال في الولايات المتحدة أو في بريــطانيا، فإن الأكـيد أن عدد الآبــاء الذيـن يُفضلـون تدريــس أطفالـهم في البيـت بات يتجه نحو الإرتفاع.

ويظل الإستياء المُتزايد من نظام التدريس العمومي، والتأثيرات السيئة في المدرسة، وضُعف التعليم الأخلاقـي والديني، فضلا عن تكاليف المدارس الخاصة المرتفعة، من بين الأسباب الرئيسية التي تحث المزيد من الآباء على اختيار التدريس المنزلي.

في الولايات المتحدة، ارتفع عدد الأسر التي تُدرّس أطفالها في المنزل بثلاثة أضعاف بحيث قفز من 850000 في عام 1999 إلى أكثر من 2 مليون حاليا. وفي بريطانيا، يُقدر عدد الأبناء الذين يتلقون تعليمهم في المنزل اليوم بــ 50000، لكن هذا الــرقم آخذ في التــزايد بسرعة.

أما في سويسرا، فيبقى نمو هذه الـظاهرة أشد تواضعا، إذ يُعتقد أن ما يقرب من 1000 طفل يدرسون حاليا في البيوت.

ويقول فيلي فيليغر، من الجمعية السويسرية للتدريس المنزلي: “هناك اتجاه تصاعدي، بحيث ارتفع العدد على نحو لا بأس به منذ أوخر عقد الثمانينات، لكـن (الأمر لا يتعلق) بـحركة واسعة”.

ويـَعتــمد قبول التدريس المنزلي على كانتون الإقــامة، لأن كل كانتون في سويسرا يدير نظامه التـعلـيمي الخاص به. ويُلاحـَظ أن الكانتونات الروماندية (الناطقة بالفرنسية) عموما تتبنى الموقف الأكثر ليبرالية إزاء هذا النوع من التعليم، بينما يُحظر تماما في سويسرا المتحدثة بالإيطالية، وتظل الآراء مُنقسمة بشأنه في المناطق المتحدثة بالألمانيـة.

وحيث يُسمح بتلقين التدريس المنزلي، ينبغي على الأسر إبلاغ السلطات التعليمية المحلية وتزويدها بجملة من الوثائق مثل برامج التعليم السنوية أو الأسبوعية. كما يمكن أن تتلقى هذه الأسر زيارة سنويـة من طرف أحد الممثلين الرسميين للمدرسة العمومية، وهي خطوة باتت شائعة إلى حد ما. وفي بعض الكانتونات، يُطلب من الوالدين التوفر على مؤهلات تعليمية محددة.

لــماذا التدريــس في المنزل؟

في عام 2006، كشفت دراسة استقصائية أجرتها وزارة التربية والتعليم الأمريكية أن 31% من الآباء الذين اختاروا التعليم المنزلي فعلوا ذلك انطلاقا من قلقهم إزاء البيئة المدرسية. وتشمل هذه المخاوف شكوكا حول السلامة، والمخدرات، وكذلك الضغط السلبي الذي يمكن أن يـُمارس على أطفالهم من قبل أقرانهم.

وبرّر نحو 30% من الآباء اختيارهم بالرغبة في تزويد أبنائهم بتعليم ديني أو أخلاقي، بينما أكد 16,5% أن السبب يعود لعدم الرضا عن التعليم الأكاديمي.

السيد فيليغر أوضح أن الأسباب تختلف في سويسرا قائلا: “بدأنا (التعليم المنزلي) في عام 2001 لأن الوضع في المدرسة المحلية لم يكن جيدا – لم يكن يوجد عدد كاف من المـُدرّسين، وحدثت تغييرات كثيرة، وشعرنا بأن الأطفال كانوا يتعرضون للإهــمال”. قبل أن يُضيف: “لقد أصبحت ابنتنا البكر تنفرنا بشكل من الأشكال، كما ساء أداؤها المدرسي. وشعرنا بأن تأثيرات المدرسة كانت تتعارض مع تربـيتنا المسيحية”.

من جانبه، قال ب.أ، الأب لأربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و15 عاما ويتلقون تعليمهم على يد زوجته: “أنا لست ضد التعليم العمومي بتاتا”، وتابع هذا الأب الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “لكن الوقت الذي يُقضيه (الأطفال) في التعلم بالمدرسة يتــضرر بالمشاكل الاجتماعية”.

المزيد

المزيد

المؤتمر السويسري لمدراء التعليم العمومي في الكانتونات

تم نشر هذا المحتوى على يضم المؤتمر السويسري لمدراء التعليم العمومي في الكانتونات أعضاء الحكومات المحلية الـ 26 المسؤولين عن حقائب التربية والتكوين والثقافة والرياضة. يقوم المؤتمر بالتنسيق على المستوى الوطني في جميع المجالات المتعلقة بسياسة التعليم والسياسة الثقافية.

طالع المزيدالمؤتمر السويسري لمدراء التعليم العمومي في الكانتونات

حركــية الأســـرة

ويقول أنصار المدرسة المنزلية إن الأطفال يستفيدون بشكل هائل من النهج المرن للتعلـيم، بحيث يؤكد فيليغر الذي يتلقى أبناءه العشرة تعليمهم في البيت: “لدينا أسلوب تدريس فعال جدا. ففي السنوات القليلة الأولى، تدل زوجتي الأطفال (على مضمون) المناهج الدراسية. وبعد ذلك، ينبغي عليهم الإعتماد على أنفسهم، وتدريجيا، يتمكنون من العمل بشكل مُستقل لحل المشاكل… إنهم يحبون ذلك”.

“إن حركية الأسرة مهمة جدا”، يضيف من ناحيته الأب ب. أ، مُستكملا: “إن الأطفال يحترمون بعضهم البعض ويتعلمون من بعضهم البعض. فالكبار يساعدون الأصغر منهم، وعندما يُدَرِّسونهم يتعلمون هم أيضا وبشكل أفضل. ثم إن الوقت الذي يُنفَق في التركيز على التربية أكثر من ذلك الذي يُخصـَّص لحل النزاعات، كما يسمح (التعليم المنزلي) للأطفال بمواكبة اهتماماتهم الخاصة”.

فيليغر مسرور بتحــُّسن المستوى التعليمي لأطفاله، إذ يقول: “عندما أخرجنا ابنتي البكر من المدرسة في عام 2001، كانت قد فقدت تقريبا أي شعور بالإلتزام المدرسي، وفي ظرف عامين، تغيـّر سلوكها التعليمي تماما، وأنـهت الامتحان النهائي في المدرسة الحكومية بنتائج ممتازة”.

وبفخر تابع قائلا: “ما كان ذلك ليكون ممكنا أبدا إذا كانت قد بقــِيَت في المدرسة العمومية. وفي شهر أغسطس، ستبدأ دراستها في الجامعة. وخلال نصف عام، سيـُكـمل إبنيّ الكبيران أيضا تأهيلهما للذهاب إلى الجامعة”.

مخاوف

ومن أكبر المخاوف التي تتردّد حول التعليم المنزلي ضياع الحياة الاجتماعية من الأطفال وعدم تعريضهم لمجموعة الآراء (المتنوعة والمتعددة) التي تـُكون المجتمع الديمقراطي.

وتقول آن-ماري ريمون، المسؤولة عن الإشراف على الأطفال الستين الذين يتلقَّون تعليمهم في المنزل بكانتون فو: “إن الأطفال يكونون أفضل حالا رفقة أطفال آخرين في المدرسة حيث يمكنهم الاختلاط بأناس من طبقات اجتماعية أخرى”.

وتضيف “يمكن أن (يطرح ذلك) بعض المشاكل لأن بعض الأطفال يندمجون جيدا في مجموعات خارج نطاق الأسرة، والبعض الآخر لا يستطيع القيام بذلك على الإطلاق. كما يمكن ملاحظة الأطفال الذين ينعزلون تماما، وهذا يمكن أن يكون مصدرا للقلق”.

ويُـقِر فيلـيغر بأن عدم الاختلاط بالآخرين قد يكون نقطة ضعف في التعليم المنزلي، لكنه يقول: “عليك مواجهة الأمر والنظر إليه كشيء يتعين عليك إيجال حل له. إنه من مسؤوليات الوالدين جعل الاتصالات ممكنة خارج الأسرة”.

غير أن الملاحظات التي أجريت في الولايات المتحدة بشأن سلوك الأطفال الذين يتلقون تعليمهم في البيت، أثناء لعبهم مع الآخرين، أظهرت أنهم يعانون من مشاكل أقل أثناء التفاعل الإجتماعي مقارنة مع أطفال المدارس العمومية، كما أنهم يشاركون في مجموعات أوسع من الأنشطة خارج المنزل.

مسألة تكوين الآباء

ويتساءل بعض المُنتقدين أيضا عن قيمة المواد التي تُدَرَّس في المنزل بما أن معظم الآباء والأمهات لم يتلقوا أبدا تدريبا يؤهلهم للتدريس.

وقال أنتون ستريتماتر، من الجمعية السويسرية للمعلمين، في تصريح لصحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” (الرصينة التي تصدر بالألمانية في زيورخ): “تنتابني ريبة شديدة إزاء الأشخاص الذين يُدَرسون في المنزل بدون المؤهلات (التي يتوفر عليها) المُعلمون”، مضيفا أن “رخصة التعليم هي المعيار الوحيد الذي يمكن التحقق منه لضمان الجودة”.

غير أن السيد فيليغر يرد على مثل هذه الانتقادات بالإشارة إلى أن العصر الحديث أتاح دمقرطة التعلـُّـم، وقال: “إذا كان الآباء والأمهات على استعداد للتعلم مع أطفالهم، فإنهم لا يحتاجون لأية مؤهلات بما أن المعلومات أصبحت في متناول الجميع في أيامنا هذه. فيمكنك العثور على بيئات تعليمية جيدة جدا على الإنترنت، وحتى المواد التدريسية التي تنشرها الدولة تُقدِّم مجموعة متنوعة من الكتب التي تتناسب جيدا مع التعليم المنزلي”.

ورغم أنه بدأ التدريس المنزلي “وهو يرتجف خوفا”، فإن السيد فيليغر يقول إن هذه الخطوة “كانت من أفضل القرارات التي اتخذناها على الإطلاق. نحن نتمتع بوحدة ثمينة للغاية داخل الأسرة، ولدينا شعور بأننا نسير على الطريق معا، مثل الرواد”.

لا تتوفر سويسرا على وزارة للتعليم، فكل كانتون يدير نظامه التعليمي الخاص به بالتنسيق على الصعيد الوطني مع مؤتمر مدراء التعليم العمومي في الكانتونات.

تمول الكانتونات والبلديات بنسبة تتجاوز 85% من نفقات التعليم.

في سويسرا، يُـكمل 95% من الأطفال تعليمه الأساسي الإلزامي في مدرستهم العمومية المحلية.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية