مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في سويسرا.. أصبح القرار الآن بأيدي الأخصائيين

تعمل سويسرا على تعزيز قوانينها من أجل توفير مزيد من الحماية للطفولة والشباب. AFP

ارتفع حجم الإجراءات المتعلقة بحماية الطفولة في سويسرا بحوالي 80% منذ عام 2002، في إشارة إضافية إلى أن عددا متزايدا من الآباء تتجاوزهم الأحداث أكثر فأكثر. وابتداء من أول يناير 2013، تقرر أن تؤول سلطة القرار في هذا المجال إلى خبراء محترفين وإلى هياكل متعددة الإختصاصات.

في إحدى الأيام، استدعيت الشرطة للتكفل بطفل لم يتجاوز الخامسة من العمر عُثر عليه في مسبح عمومي فقامت بإعلام السلطات المُكلفة بالوصاية على الأحداث. الطفل أوضح أنه لم يعد يرغب في العودة للإقامة في بيت أمه التي تزوّجت مرة ثانية، بل يفضّل الذهاب للعيش مع والده.

بعد فترة وجيزة، سارع كفيل الطفل بالكشف عن الحالة مُعبّرا عن انزعاجه من مغادرة الطفل للبيت العائلي لوحده. وتبعا لذلك، قررت البلدية المعنية على الفور (وبدون إجراء أي تحريات)، إيداع الطفل في مؤسسة لرعاية الطفولة.

هذه الحادثة ليست معزولة مثلما تقول أندريا فايك، المسؤولة عن مكتب الأحداث في كانتون برن، التي تشير إلى أنه “في بعض الحالات، تميل البلديات التي تتوفر على مصالح وصاية خاصة (للأطفال والأحداث) إلى اتخاذ قرارات قاسية جدا وغير متناسبة، نظرا لافتقارها للمعارف المهنية الضرورية”. وفي حالة الطفل ذي السنوات الخمس، قامت والدة الطفل على الفور بتقديم شكوى ضد قرار سحب حق الحضانة منها، وأنصفتها المحكمة في استعادة هذا الحق.

الصنف الثاني من الهفوات المرتكبة من قبل السلطات بسبب تراكم الأعباء والمهام على المصالح العمومية المعنية بهذا الصنف من القضايا، يسير في الإتجاه المعاكس تماما. فعلى سبيل المثال، أبلغت مؤخرا مجموعة حماية الطفولة في مستشفى “إينسل Insel” بمدينة برن، مكتب الأحداث في الكانتون عن حالة والدة قدمت إلى قسم طوارئ الأطفال بالمستشفى للإبلاغ عن شكوكها بتعرض طفليها إلى اعتداءات جنسية من طرف الأب، إلا أنها لم تتمكن من تقديم أدلة قاطعة تثبت هذه الشكوك. وبعد مُحاورة الأم، تشكل لدى أعضاء المجموعة شعور بأنها تُعاني من اضطراب نفسي.

هذه الإنطباعات تم تأكيدها تاليا من طرف الجهات المعنية بحماية الطفولة وطبيبة الأطفال. فقد اتضح أن الأم خضعت في نفس العام إلى حصص علاج نفسي، كما يبدو أنها توقفت من تلقاء نفسها عن استخدام الأدوية الموصوفة لها. وعلى الرغم من توصل سلطات حماية الطفولة بالعديد من الشكاوى والتحذيرات، إلا إنه لم يتم اتخاذ أية قرارات بالتكفل بها أو معالجتها.

في السياق نفسه، أفادت بعض الملاحظات أن الأم كانت تحكم على الأطفال من منظورها غير المتوازن، حيث ترى على سبيل المثال، أنهم يعانون من زيادة في الوزن، وتقوم تبعا لذلك للتقليل من كمية الغذاء المقدم لهم أحيانا. ومع ذلك، لم يُتخذ أيّ إجراء ضدها.

موّلت جمعية “الصندوق السويسري لمشاريع حماية الطفولة” دراسة علمية بعنوان “أنظمة حماية الطفولة: مقارنة دولية بين الممارسات الجيّدة” تضمنت مقارنة بين الأنظمة المعمول بها في خمسة بلدان (أستراليا، وألمانيا، وفنلندا، والسويد، وبريطانيا) تتوفر على نظم اقتصادية واجتماعية مشابهة لما هو قائم في سويسرا، وبلورت توصيات مُوجّهة للأطراف المعنية بالملف في الكنفدرالية.

بعد إنجاز الدراسة، خلُص الخبراء في تحليلاتهم إلى أن الأنظمة الحديثة في مجال حماية الطفولة ترمي أساسا إلى توفير القدرة على التدخل الطارئ من طرف متخصّصين من أصحاب الخبرة والكفاءة بعد أن تكون الأزمة قد اندلعت، من جهة، وإلى تحديد هوية المجموعات السكانية المُهددة، من أجل اتخاذ إجراءات وقائية تحُول – تحديدا – دون اللجوء إلى استخدام نظام الطوارئ، من جهة أخرى.

نظام “الميليشيات”.. انتهى!

حتى نهاية عام 2012، كانت المصالح المعنية بحماية الأحداث في بعض الكانتونات متكونة في أغلبها من عناصر تعمل حسب نظام الميليشيات (أي أن أسلوب العمل فيها أشبه ما يكون بالعمل في صفوف الجيش). ففي أغلب الأحيان، كان المجلس البلدي المنتخب بأعضائه المنحدرين من فلاحين، وخبازين، ومُحاسبين، هو الذي يتولى مهمة مصلحة حماية الأحداث، ولكن هذا التصرف انتهى الآن. فمنذ أول يناير 2013، أسندت صلاحية اتخاذ القرارات في القضايا المتعلقة بحماية الأحداث والبالغين إلى سلطات متخصصة تضم بين أعضائها مهنيين متخصّصين في شتى القطاعات (علم النفس، والعمل الإجتماعي، والبيداغوجيا، والقانون..).

أندريا فايك، العاملة في قسم حماية الأحداث في كانتون برن أبدت ترحيبا بهذه الإجراءات الجديدة. وبهذا ستصبح مثل تلك الهفوات التي تمت الإشارة إليها سابقا، أمرا مستحيل الحدوث من قبل مصالح متخصصة. “ففي حالة الطفل ذي الخمس سنوات، كان على الجهة المختصة أن تستقي المعلومات عن ظروف الحضانة. كما كان عليها أن تستفسر عن سبب الخلاف لكي تعرف جيدا سبب تصريحات الطفل من أنه لا يرغب في الإستمرار في العيش مع والدته. كما كان من المفروض التعرف على ظروف العيش مع الوالد قبل اللجوء الى الإجراء النهائي، أي وضع الطفل في حضانة مؤسسة خارجية”.

وحتى في الحالة الثانية المشار إليها آنفا، تشير أندريا فايك إلى أنه كان “على مصلحة متخصصة أن تقوم بتقديم حماية أفضل للطفلين”. إذ كان على السلطات أن “تتحقق على الفور، وعلى أساس الإشعارات الخطيرة التي توصلت بها، ما إذا كانت الأم بسبب مرضها النفسي مازالت قادرة على حضانة طفليها، أو أن ذلك قد يشكل خطرا عليهما”. وفي حالات مماثلة، لا يستطيع اتخاذ قرار الفصل في مثل هذه القضايا سوى المختصون، وهو ما يُيسّر الوصول إلى اتخاذ قرارات تسير في صالح حماية الأطفال.

المزيد

المزيد

صحوة ضمير

تم نشر هذا المحتوى على اعتاد “مأوى ضفاف نهر الرون” منذ ثلاثين عاما على استقبال شبان مدمنين على المخدرات. وعلى مدى يوم كامل، تابعت swissinfo.ch بالصوت والصورة نشاطات الشاب كزافيي. ت، وتحركاته في المؤسسة المتواجدة في منطقة سالفان Salvan. (إنتاج: بيتر سيغنتالر، كريستوف بالسيغر، دانيال فيلر، swissinfo.ch)

طالع المزيدصحوة ضمير

حماية الطفولة من خلال مقارنة دولية

ابتداء من أول يناير 2013، لم يقتصر الأمر في سويسرا على مجرد دخول قانون حماية الطفولة والبالغين حيز التنفيذ، بل بدأ العمل أيضا بالقانون الجديد المتعلق بدعم الطفولة والشباب. وتأتي هذه الحصيلة لإجراءات جديدة في مجال السياسة الخاصة بالطفولة والشباب نتيجة لوعي متزايد ظهر خلال السنوات الأخيرة، مثلما تقول مانويلا كراسنيكي، المساعدة العلمية المتخصصة في قضايا الطفولة والشباب لدى المكتب الفدرالي للتأمينات الإجتماعية. 

وجوابا على سؤال: هل تقدم سويسرا حماية لأطفالها أحسن أو أسوأ مما هو متوفر في بلدان أخرى؟ تجيب مانويلا كراسنيكي، بأنه من الصّعب تحديد قائمة بترتيب الدول حسب نسبة الأطفال المعرضين للخطر مقارنة مع نسبة السكان، نظرا لعدم توفر معطيات من هذا النوع. في الأثناء، توفر الدراسة التي قام بها الصندوق السويسري لرعاية الطفولة (انظر المادة المُصاحبة على اليسار) مقارنة بين النظام السويسري وما هو معمول به في بلدان تتمتع بمستويات اقتصادية واجتماعية مُشابهة”.

وتقول مانويلا كراسنيكي: “إن المقارنة سمحت بالتوضيح بأن بلدانا مثل بريطانيا، وكندا، واستراليا تلجأ أكثر الى تدخل الدولة في قضايا العائلات التي تعرف مشاكل متأزمة. أما في بلدان الشمال (الدول الاسكندنافية، وألمانيا) يتم التركيز بالدرجة الأولى على تقديم دعم مدروس، ومبكر، للعائلات وهذا قبل بلوغ مرحلة التأزم”.

ويُجمع الخبراء على المستوى الدولي، على تفضيل أن يكون هناك مزج بين الأسلوبين: أي اتباع نظام متوازن يشتمل من جهة على تدخل مبكر لدعم العائلات، والتوفر من جهة أخرى، على مصالح مُتخصّصة  بإمكانها أن تتدخل بحكم صلاحياتها عندما تتأزم الأمور. وهذا ما عملت سويسرا على استدراكه بإدخال القانون الجديد المتعلق بحماية الطفولة والكبار حيز التنفيذ.

يدعم الصندوق السويسري لحماية الطفولة مشاريع الوقاية والتكوين في مجال حماية الطفولة. كما يدعم مشاريع البحث التي تهدف لسد النقائص في مجال عمل وقاية الطفولة .

يعمل اتحاد الصندوق السويسري لرعاية الطفولة على الجمع بين مجموعات البحث العلمي، والشبكات القائمة في مجال حماية الطفولة سواء في القطاع العمومي او الخاص.

من بين المشاركين في هذا الاتحاد ، مؤسسة Oak، ومؤسسة UBS Optimus، بالإضافة الى المكتب الفدرالي للتأمينات الاجتماعية. ويحصل الاتحاد على مشورة من قبل مسؤولين مشرفين على مصالح حماية الطفولة والشباب في الكانتونات.   

(نقله من الألمانية وعالجه: محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية