مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا يمكن العيش كالرحل دون عنوان ثابت”

بالنسبة لماريا مير في الصورة، مديرة مركز ثقافة الغجر، كان التوطين القسري في عام 1850 علامة فارقة في تاريخ نضال الرحل.
بالنسبة لماريا مير، مديرة مركز ثقافة الغجر، شكل التوطين القسري في عام 1850 علامة فارقة في تاريخ نضال الرحل. swissinfo.ch/Helen James

من يتصور أن حياة الرّحّل أو “الغجر” في سويسرا تتسم بالحرية وروح المغامرة، فهو مخطئ. فهؤلاء أيضا ليسوا أحرارا من قيود البيروقراطية والقوانين. كما أنهم يتعرضون بشكل يومي تقريبا لتحديات وأحكام مسبقة، يكاد يصعب على المقيمين تصورها.

 على مساحة أرض تقع على جانب الطريق السريع في منطقة هاردتورم بمدينة زيورخ استقرت ماريا مير مع عائلتها وأسر أخرى من الرحل بقافلتهم المكونة من عشرات من سيارات السكن (كارافان)، حيث كانوا يستضيفون مهرجان “أيام ثقافة الغجر”رابط خارجي. عادة ما تتنقل ماريا مير، مع حوالي 15 إلى 20 سيارة من مكان إلى آخر، لكن المكان يحتضن الآن عددا أكبر من سيارات السكن والكثير من الخيام والأكشاك.

ماريا مير هي أيضا مديرة المركز الثقافي للغجررابط خارجي، وهي صاحبة الكلمة الفصل في هذا المكان، فإليها يتوجه الرجال للسؤال عن المواقع، التي يتعين تركيب الإضاءة فيها والأطفال يسألونها عن المكان المسموح فيه باللعب في الساحة التي تعج بالناس والحركة.

الرّحّل السويسريون

تعترف سويسرا بعرقيتي الينيش والسنتي كأقليتين قوميتين. ووفقا للمكتب الفدرالي للثقافة يشير مصطلح “الرحالة” إلى أسلوب الحياة المتنقل لعرقيتي الينيش والسنتي وأيضا الروما وهي لا تنتمي للأقليات المعترف بها في سويسرا. 

كان مصطلح “الرّحّل” يُعتبر محايدا في الماضي، مقارنة بمصطلح الغجر المُهين. أما اليوم فينظر لمصطلح الرحل على أنه ضيق لأنه يستبعد أبناء هذه الأقلية من المقيمين. لذا قررت الحكومة الفدرالية تجنب استخدام مصطلح الرّحّل في المستقبل.

في هذا السياق أكدت ماريا مير، رئيسة المركز الثقافي للغجر، أن الهدف من هذا المهرجان: القضاء على الأحكام المسبقة وقضاء أمسية لطيفة مع الناس ليتعرفوا بشكل أفضل على الرحل وحياتهم وذلك عبر الموسيقى وحلقات النقاش وحتى عن طريق تذوق أكلات مطبخهم المميز.


أثناء تواجدي في المكان نظرت إليّ فتاة صغيرة وهي تمسح الطاولات وطلبت منا بلطف أن نحافظ على نظافة المكان. بدا من كلام الطفلة الصغيرة وكأن الجيل الجديد واع تماما بالأحكام المسبقة وإلى ضرورة توخي الحذر ولا سيما خلال هذه الأيام، حيث يأتي زوار من كل مكان للتعرف على ثقافة الرحل.

ووفقا للمكتب الفدرالي للثقافة، يعيش حوالي 30 ألف شخص من عرقية الينيش في سويسرا اليوم، وما يزال هناك حوالي 3 آلاف  منهم يعيشون حياة الرحل متنقلين من مكان إلى آخر، إذ يقيمون بعربات السكن خلال فصل الشتاء في مكان ثابت ويتنقلون بقية أيام السنة.

تعترف سويسرا رسميا بعرقيتي السنتي والينيش كأقلية قومية ومنحتهم حق الحصول على مكان للعيش في فصل الشتاء وآخر للتنقل في عام 2003 وبدأت في تخصيص مساحات لهذا الغرض.  ومع ذلك، فالرحل في سويسرا في عملية بحث دائم عن مكان للإقامة فيه بسياراتهم.

أما بالنسبة لماريا مير، البالغة من العمر 74 عاما، فإن هذا الحق المكتسب من الحكومة السويسرية لا يعكس بالضرورة واقع حياتهم اليومية، إذ تقول “نحن في بحث دائم عن مكان للسكن، لدينا مرضى وكبار في السن يتمنون البقاء لفترة أطول في سياراتهم السكنية دون الحاجة إلى الإنتقال إلى شقة. كما أن بيننا أطفال من الأفضل أن يستقروا في مكان ما بين فصلي الخريف والربيع حتى يمكنهم الذهاب إلى ذات المدرسة، ليتنقلوا بعدها في فصل الصيف”. 

في الواقع، تُعدّ مسألة إيجاد ساحات لركن عربات السكن والعيش فيها، أكبر تحد يُواجه الرحل، فرسوم الركن عادة ما تكون مُكلفة جدا وكذلك تكلفة إيجار المكان والكهرباء. وتوضح ماريا مير أن بعض البلديات تملك ساحات خالية تستخدم من وقت للآخر لاستضافة مدن الألعاب أو معرضا لكن تكلفة هذه الساحات غالية جدا ولا يمكنهم تحملها. 

المزيد

المزيد

اقترب أكثر لتعرف أكثر!

تم نشر هذا المحتوى على هل تريد التعرف على ثقافة الرحل عن كثب؟ إلقاء نظرة على حياتهم الخاصة في عربات السكن والرقص على أنغام موسيقاهم وسماع قصصهم، هذا ما يتيحه أيام الغجر الثقافية خلال انعقاده كل عام في مدينة زيورخ. حيث يسعى الرحل إلى تعريف السكان المقيمين بطبيعة حياتهم وبالقضاء على الأحكام المسبقة. وحسب القائمين على المهرجان فإن الهدف من…

طالع المزيداقترب أكثر لتعرف أكثر!

 “لسنا أحرارا كالغجر”

من يتصور أن حياة الرحل في سويسرا تعني التخلص من الفواتير والرسائل الواردة من المصالح الحكومية والضرائب فهو خاطئ، فحياة الرحل اليوم ربما تكون أكثر تعقيدا من حياة المقيمين. من جهته، يوضح ألفريد فيرو من مركز الغجر الثقافي أنه “يتحتم علينا أيضا امتلاك رقم الضمان الإجتماعي ودفع التأمينات وتقديم الإقرار الضريبي وامتلاك عنوان ثابت وإلا فلا يُمكننا شراء سيارة والتنقل من مكان لآخر. حياة الرحل الحقيقية على ظهر عربات الحصان أصبحت جزءا من الماضي وضربا من الخيال. كل شيء أصبح إلزاميا اليوم”.

يؤكد الفريد على صعوبة إيجاد مكان لركن سيارة السكن في سويسرا، فعادة ما يسمح القائمون على المكان بركن السيارة ولكن دون العيش فيها وهذه هي المفارقة. كما أن أغلب مواقف السيارات مسموح فيها بالركن لمدة 24 ساعة فقط وتحظر القوانين أيضا العيش بسيارة سكن في الغابة. ويضيف الفريد ساخرا “أفضل الحلول أن تأخذ حديقة منزلك معك، حتى يُمكنك ركن سيارة السكن”.

رغم كل هذه الصعوبات، يؤكد ألفريد أنه غير مستعد للتنازل عن أسلوب حياة الترحال، على غرار مئات الرّحّل الآخرين في سويسرا. ويُشير إلى أن أطول مدة أقام فيها في شقة لم تزد عن ثلاثة أسابيع قائلا: “نشأت هكذا، حياة الترحال تجري في عروقي كالدماء”. 

اللغة

يتحدث أبناء أقليتي الينيش والسنتي إلى جانب الألمانية السويسرية أيضا لغتهم الخاصة بهم وهي الينيش والرومان. والينيش قريب من اللغة الألمانية من حيث تركيبته النحوية. 

يتحدث أبناء قومية السنتي الرومان، وهي لغة هندية آرية مع خليط من اليونانية والجرمانية والسلافية واللغات البلطيقية. 

يؤكد المكتب الفدرالي للثقافة أنه معنيّ بتحسين الظروف المعيشية للينيش والسنتي وأنه يقدم الدعم المالي لمؤسسات الأقليات المعنية للحفاظ على لغاتهم وثقافتهم.  

 فصل مظلم في تاريخ سويسرا

بدورها، تعتبر ماريا مير أن رحلة نضال “الرحل” بدأت مع توطين سويسرا لأبناء هذه الأقلية في أماكن تواجدهم في عام 1850 ضد إرادتهم. ورغم قوانين التوطين، استمر الرحل في التنقل من مكان إلى آخر. ليس هذا فحسب فقد تم نزع ما لا يقل عن 600 طفل من أبناء الرحل من أسرهم قسريا وإيداعهم لدى مؤسسات أو أسر وتعرض عدد منهم لسوء المعاملة واعتداءات جنسية. وتتذكر ماريا هذه الفترة الكئيبة قائلة “عندما كنا صغارا، كنا نختبئ دائما من هذه المنظمات، حتى لا ينتزعونا من أسرنا واضطررنا في بعض الأحيان إلى الإختفاء عن الأنظار”.

إثر ذلك، بدأت المجلس الاتحادي في دفع تعويضات للمتضررين من عمليات التبني القسرية وفي عام 1986 قدمت الحكومة السويسرية اعتذارا رسميا لأبناء عرقيتي السنتي والينيش عما لحق بهم.

 الأحكام المسبقة باقية

رغم الاعتراف الرسمي بأبناء هاتين الأقليتين، فإن الاحكام المسبقة لم تختف،  كما يقول الفريد فيرو، البالغ من العمر 58 عاما “لن يتقبلنا المجتمع بشكل كامل، رغم أننا مواطنون سويسريون، نؤدي الخدمة العسكرية وندفع الضرائب كغيرنا. وهذا أمر صعب علينا”. 

وبالنسبة لماريا مير فهناك من يريد التعرف على ثقافتها وآخرون يرفضون التقارب معهم من حيث المبدأ ” الأحكام المسبقة باقية حتى لو نظمت فعاليات للتقارب مع الناس لمدة خمسين عاما”. ورغم كل شيء، فهناك دائما زائرون يغيرون نظرتهم للرحل “عندما يرون كيف نعيش ويبدأوا في تقبل هذا الأسلوب من الحياة” وتضيف ماريا “كم سيكون جميلا أن يتقبلنا الآخرون ببساطة. نحن لا نفعل شئيا خطأ، نتنقل فقط من مكان إلى آخر. هذا كل شيء”. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية