مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قصّة نجاح بدأت في القامشلي وتواصلت في زيورخ

شْڤان عثمان في محلّ عمله
بعد حصوله على صفة لاجئ، قرّر شْڤان عثمان فتح ورشة خاصة لإصلاح الهواتف النقالة في مدينة زيورخ ما مكّنه وأسرته من تحقيق استقلالهم الماديّ وتجنب الإعتماد على المساعدات الإجتماعية. swissinfo.ch

قبل اندلاع الأزمة في سوريا في عام 2011 لم يكن شْڤان عثمان، المولود في عام 1984 في القامشلي لأبٍ وأُمٍّ كرديين، يفكر بترك سوريا والتوجه إلى أوروبا، أو إلى سويسرا على وجه التحديد، رغم أن أخاه الأكبر كان قد سبقه إلى هنا بعدّة سنوات، وذلك لأن شڤان لم يكن ناشطًا سياسيًّا، فهو لم يتعرض لأي مطاردة، كما أنه كان يتمتع بوضعٍ مهني يدرُّ عليه مدخولاً جيّداً.

بدايات ناجحة

في الرابعة عشرة انتقل عثمان مع أسرته من القامشلي إلى حلب بسبب عمل والده. وهناك، وإلى جانب عمله مع أشقائه في تطريز الأقمشة، أكمل في العام 2003 دراسته الثانوية المهنية في فرع الكهرباء. في هذه الأثناء لفتت نظره ظاهرة بدء انتشار الهواتف الجوالة، وبناءً على نصيحةٍ من عمِّهِ دخل دورةً لتعلّم صيانة الهواتف ثمَّ التحق بمعهد تابع لجامعة المأمون الخاصة للعلوم والتكنولوجيا (اسمها الحالي جامعة قرطبة الخاصة) درس فيه قواعد الإلكترونيات وحصل بعد سنتين على الدبلوم بدرجة جيد جداً.

سلسلة تجارب مهنية

يطرح حلول الإنسان بمكان لم يألفه من قبل تحديات ومصاعب جمة، قد يسعفه الحظ في بعض الأحيان، فيستأنف رحلة حياته المهنية من حيث توقّف قطارها في بلده الأصلي بيسر وسلاسة.. وقد يجبره الواقع الجديد على بداية المشوار من نقطة الصفر، إن لم يظل يراوح مكانه لسنوات طويلة. وضع المهاجرين العرب في سويسرا ليس استثناءً في هذا الباب، وتكاد تتباين مساراتهم بعدد شخوصهم. swissinfo.ch اختارت الحديث إلى عيّنة منهم، فكانت هذه السلسلة من البورتريهاترابط خارجي.

بعد الحصول على الدبلوم قرر شڤان عثمان أن يعود إلى القامشلي ويبدأ حياته العملية هناك. وتمكّن من فتح محل في مركز المدينة بمساعدة عائلته، فكان أول محل فيها لصيانة الهواتف الجوالة. وعندما قررت جامعة المأمون أن تفتح فرعًا لها في القامشلي صار عثمان، بناءً على خبرته النظرية والعملية، معلمًا في دورات الصيانة التي تقيمها الجامعة، وذلك مع استمرار عمله في المحل. 

خلال سنوات معدودات نجح عثمان في اشتراء بيت واسع وسيارة والزواج من هوليا مراد، رغم التكاليف الباهظة للزواج، فوُلدت لهما سُلاف في العام 2007، ورشوان في العام 2009، وحين بلغت سلاف سن المدرسة اختارا لها الدراسة في مدرسةٍ خاصة، كما استطاع شڤان عثمان أن يقدم الدعم المادي لعائلته وأن يسافر بشكلٍ منتظم إلى تركيا لمزيد من الخبرات في مجال الصيانة كون الهواتف النقالة استخدمت في تركيا قبل استخدامها في سوريا بسنوات، وقد تعلم من خلال زياراته المتكررة لتركيا شيئًا من التركية إلى جانب لغته الإنـجليزية التي كان يستخدمها في التواصل مع مختصين هناك، وفي بلدانٍ أُخرى كالصين وباكستان وغيرهما، وذلك عبر شبكة الإنترنت.

طريق اللجوء

يقول عثمان : «كانت أوضاعنا ممتازة، ولم نكن نفكر بمغادرة سوريا والبحث خارجها عن مأوىً آخرَ، لكنْ عندما اندلعت الأزمة كان واضحًا لنا أنها ستطول، وعندما تحولت إلى مواجهاتٍ عسكرية وبلغت منطقة الشمال في النصف الثاني من عام 2012 صار وضعنا حرجًا.»

يضيف عثمان: «نحن من عائلةٍ تنبذ ثقافة الحرب، كنا ندعم التظاهرات السلمية من أجل المطالب العامة أو تلك التي تتعاطف مع تظاهرات المدن الأخرى التي تتعرض لقمع النظام، لكننا لم نكن على استعداد للقتال مع هذا الطرف أو ذاك.»

هذا الموقف، أو هذه الثقافة خلقت لعثمان شخصيًّا مشاكل سياسية مع قوى الأمر الواقع لم يشأ الحديث عنها. مشاكل اضطرته إلى التخفي في بيت أحد أصدقائه ودفعته إلى التفكير في مغادرة سوريّا نهائيًّا في العام 2013 والتوجه إلى أوروبا عن طريق تركيا بهدف الوصول إلى سويسرا حيث يقيم شقيقه.

يقول عثمان: «اتخذت قراراً بالخروج لوحدي أولاً، لإنني لم أكن على استعداد للمجازفة في عبور الحدود بعائلتي، خصوصًا أن الأوضاع في القامشلي وفي عموم أقصى الشمال السوري ما زالت في ذلك الحين آمنة نسبيًّا. أبلغتُ زوجتي بالقرار ولم أترك مجالاً للمناقشة، لكنني زرعت لديها الأمل بأن نلتقي بعد عامٍ أو عامين على أبعد تقدير.»

في ذلك الحين لم تكن الضغوطات على طرق التهريب قد بلغت مداها، ورغم أن الرحلة كانت مضنية إلا أنها كانت سهلة قياسًا إلى من اضطروا لقطعها في السنوات اللاحقة، خصوصًا لمن ليس لديهم قدرة مادية، ولأن عثمان لم يكن يعاني من سوء أحوال مادية فقد بلغ سويسرا في وقت قصير ولم يتكبد عناءً كبيراً. 

فور وصوله في سبتمبر 2013 تقدم بطلب اللجوء السياسي وحصل على ترخيص بالإقامة من فئة N الخاصة بطالبي اللجوء، وأُحيل إلى كانتون غْراوبُندن، لكن كان على أسرته في سوريا أن تنتظر لحين البت بطلب لجوئه كي يتمكن من المضي قدما في إجراءات لم الشمل، وذلك يتطلب في العادة سنواتٍ عدّة، غير أن المفاجأة حصلت عندما اتخذت سويسرا في ذات الوقت قراراً بالسماح للمقيمين فيها من السوريين أو مواطنيها من أصل سوري بدعوة أقاربهم من الدرجتين الأولى والثانية المقيمين في مناطق الخطر في سوريا، فتقدم شقيقه بطلبٍ  في هذا الصدد، ولم يطل الأمر أسبوعًا حتى صدرت تأشيرة دخول لزوجة شڤان عثمان وأطفاله فوصلوا في نهاية 2013 إلى زيورخ،  وحصلوا فوراً على ترخيص إقامة  من فئة F (إقامة مؤقتة تسمح للشخص بالإقامة في سويسرا إلى حين إستقرار الأوضاع في البلد الأصلي) في الكانتون فجرى نقله هو على هذا الأساس من كانتون غْراوبُندن إلى حيث إقامتهم في زيورخ، وبعد عشرة أشهر حصل عثمان على حق اللجوء، ومُنح هو وأفراد عائلته إقامة من فئة B (تمنح للأشخاص الحاصلين على صفة لاجئ أو الحاصلين على عقود عمل قانونية تسمح لهم بالعمل في سويسرا).

قرار صعب كان ضروريا

لم يمضِ عامٌ ونصف العام على وجوده في سويسرا وخمسة أشهر على حصوله والعائلة على حق اللجوء حتى تمكن شڤان عثمان من تأسيس شركة خاصة لصيانة الهواتف النقّالة مقرّها مدينة زيورخ.

يقول عثمان متحدثا إلى swissinfo.ch: «على مدى الأشهر التي قضّيتها بانتظار قدوم أسرتي والبت في طلب اللجوء الذي تقدمت به، عكفت على تعلم اللغة الألمانية وبناء شبكة من العلاقات مع أوساط وأشخاص من أبناء مهنتي، وقد ساعدتني في ذلك معارفي اللغوية ذات المستويات المختلفة في العربية والكردية والإنـﮔليزية والتركية وحتى الروسية، بالإضافة إلى الجديد الذي كنت أكتسبه في اللغة الألمانية حيث ساعدني شقيقي في دفع تكاليف دراسة المستوى اللغوي A1، وذلك قبل حصولي على حق اللجوء حيث لا يسمح القانون في هذه الفترة بتغطية نفقات الدراسة.»

وفي السياق نفسه يضيف: «وبناءً على ما خبرته من مستويات مهنية من خلال تلك العلاقات، كنت أتوقع حصولي على وظيفة في هذا المجال فور حصولي على ترخيص الإقامة من فئة B، غير أني فوجئت بالرفض من كل الشركات التي تقدمت لها. لم يعترفوا بخبراتي ولا شهاداتي، وطُلب منّي أن أدرس الاختصاص في سويسرا من جديد، وكان ذلك سيتطلب ثلاث سنوات. لكنني لم أكن على استعداد لأعود إلى مقاعد الدراسة بينما كنت معلمًا تخرَّج من تحت يدي حوالي 180 طالبًا في القامشلي، ولم أكن على استعداد لأنتظر سنواتٍ ثلاث معتمدا على المساعدات الاجتماعية.»

شْڤان عثمان وأسرته على مشارف بحيرة زيورخ
شْڤان عثمان برفقة زوجته هوليا مراد، وإبنيْهما سلاف ورشوان على مشارف بحيرة زيورخ. swissinfo.ch

لمواجهة هذا الوضع، اتخذ عثمان قرارا جريئا ردّا على التحديّ المصيري الذي وجد نفسه أمامه، ويشرح ذلك قائلا: “قررت تأسيس شركة خاصة بناءً على ما أملكه من خبرات. وبعد تخطيطٍ وبحثٍ مضنٍ عن المكان المناسب دام أشهراً وجدت ضالتي في مركز مدينة زيورخ. عندها جمعت كل إمكانياتي وطلبت مساعدة الأهل والأقارب في داخل سوريا وخارجها حتى أن بعض أقاربي جاءوا من ألمانيا ليساعدوني في تأثيث المحل بما لديهم من مهارات يدوية، فأثثناه بشكلٍ بسيط لم يكلفنا كثيراً، ثم بدأت العمل بعد تسجيل شركة فردية خاصة باسم Handycare»

لا أرباح من دون أتعاب

وعن وضع الشركة اليوم بعد مرور أقل من ثلاثة أعوام على تأسيسها يقول عثمان: «هذا العام فتحنا فرعًا في راﭙّرزڤيل يعمل فيه موظفان بعد أن وظفت في مدينة زيورخ إلى جانب زوجتي موظفَيْن آخرَيْن. في العام الماضي بلغت مداخيل الشركة 450 ألف فرنك سويسري وحولنا وضعها القانوني من شركة فردية إلى شركةِ مساهَمَة بضمانات محدودة GmbH وبرأس مال 20 ألف فرنك سويسري، أما النصف الأول من هذا العام فقد بلغت المداخيل 300 ألف فرنكًا.»

ويستطرد شڤان عثمان: «بالإضافة إلى ذلك صُرنا نستورد قطع الغيار مباشرةً من الصين، وصار لدينا Onlineshop، ووقعنا عقداً مع شركة التأمين الصحي السويسرية Helvetia، كما سددت ديوني لأهلي وأقاربي.» ثم يضيف ضاحكًا: «وطبعًا غيَّرنا الأثاث البسيط الذي بدأنا به، لكننا ما زلنا بسطاء، كما نحن.»

أما الأهداف والطموحات فيحصرها عثمان في العام 2018، ثمَّ يلخصها بالتالي: «الحصول على عقود مع شركاتٍ كبيرة مثل Swisscom و Sunrise وتحويل العمل إلى عمل مؤسسي لا يعتمد دائمًا على وجودي أو وجود زوجتي.»

أما عن حياته وحياة عائلته في سويسرا فيقول: «إننا نشعر بالنشوة، فبالإضافة إلى نجاحنا في تأسيس الشركة وتطويرها، هاهما طفلانا سلاف ورشوان فور وصولهما إلى سويسرا يذهبان إلى المدرسة، وهما مندمجان الآن في مجتمعهما المدرسي وصار لهما أصدقاء ولا يشعران بأي فروقات. لقد أدهشني ما رأيته في اليوم الأول عندما أوصلت سلاف إلى المدرسة. كانت هنالك يافطات في المدخل وفي غرفة الدرس:  مرحبًا سلاف.»

ثمَّ يُنهي شڤان حديثه مخنوقًا بالعَبَرات: «لقد تذكرت الحرمان الذي عشته في طفولتي، وما بين تذكر هذا الحرمان والأمل بحياة مختلفة لأطفالنا عدت إلى البيت مخنوقًا، فبكيت بمزيجٍ من الحزن والفرح، كي أتنفس.»

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية