مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تونس ما بعد الإنتخابات: احتقان.. واحتمالات.. وانتظارات

الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أثناء أدائه لليمين الدستورية لفترة خامسة يوم 12 نوفمبر 2009 أمام النواب والمستشارين في مقر مجلس النواب بضاحية باردو قرب العاصمة التونسية Keystone

في أول خطاب يلقيه بعد أدائه اليمين الدستورية بمناسبة انتخابه لدورة خامسة، أعلن الرئيس بن علي أن "تونس بقدر ما تقبل النقد البناء والإختلاف النزيه وترحب بهما، بقدر ما تتمسك باستقلاليتها وسيادتها وحرية قرارها، وترفض أي تدخل في شؤونها، ولا تسمح لأي كان بالتطاول عليها وتشويه سمعتها زورا وبهتانا"..

جاء ذلك ردا على أطراف خارجية عديدة، وفي مقدمتها الحكومة الفرنسية ممثلة في وزير خارجيتها برنار كوشنار، الذي صدرت عنه مرة أخرى تصريحات اعتبرها الطرف التونسي تدخلا غير مقبول في شؤونه الداخلية.

لكن السؤال المطروح الآن، كيف تحولت الإنتخابات الرئاسية والتشريعية التي نظمت بتونس يوم 25 أكتوبر الماضي إلى أزمة مفتوحة مع باريس، الشريك التجاري الرئيسي للبلاد؟ وما هي اتجاهات الريح في الفترة المقبلة؟

حملة رسمية مضادة

كانت الأوساط الرسمية تتوقع أن تلجأ بعض وسائل الإعلام الغربية وحتى العربية التي تصفها بـ “المناوئة” إلى توجيه بعض الانتقادات للنظام بمناسبة الانتخابات، لكنها فُوجئت – حسبما يبدو – بحجم هذه الإنتقادات وشدتها أحيانا.

وجاءت ردة الفعل التونسية قوية، حيث أطلقت في المقابل حملة إعلامية وسياسية مضادة، شملت إلى جانب قناة الجزيرة القطرية، كبرى الصحف الفرنسية، وبالأخص صحيفة لوموند. كما طالت تلك الحملة شخصيات بارزة في المعارضة والمجتمع المدني، التي تم تخوينها ووصفها بكونها تمثل “حزب فرنسا” أي طابورها الخامس داخل تونس. بل إن بعض هذه الصحف تجاوزت الخلافات السياسية لتنال من أعراض عدد من الذين تم اتهامهم بـ “الإستئساد بالخارج”، والذين راجت أخبار عن احتمال تعرضهم للمحاكمة.

ومما زاد من تأزيم العلاقة بين السلطة وجزء من الطبقة السياسية والإعلامية الفرنسية اعتقال الصحفي المعروف توفيق بن بريك على إثر مقالات ساخرة ولاذعة في لهجتها نشرها في سبتمبر وأكتوبر الماضيين في وسائل إعلام فرنسية، إلى جانب اعتقال الناشط زهير مخلوف والإعتداء على الصحفي سليم بوخذير من قبل مجهولين، وعرقلة صدور عدد من صحف المعارضة مما اضطر ثلاثة منها إلى الاحتجاج والإحتجاب الجماعي عن الصدور لمدة أسبوع. وتدور حاليا مشاورات لتشكيل “لجنة وطنية للدفاع عن حرية الصحافة”.

مطالبة فرنسا بتعويضات؟

وفي هذا السياق تعددت احتجاجات ونداءات بعض الوجوه الفرنسية البارزة، من بينهم شخصيات تعتبر صديقة لتونس مثل عمدة باريس برتران دولانويه وجون دانيال، مؤسس ورئيس تحرير مجلة لونوفيل أوبسرفاتو، إلى جانب الحزب الاشتراكي الفرنسي وحزب الخضر. وعندما انخرطت الخارجية الفرنسية في هذا الضغط السياسي، جاء رد الفعل الرسمي التونسي قويا، وربما غير مسبوق حيث قررت الدبلوماسية التونسية عرض هذه المسألة لأول مرة على رئاسة كل من الإتحاد المغاربي والإتحاد الإفريقي “لاتخاذ الموقف الملائم والتصدي لهذه الخروقات التي تتنافى مع مبدإ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها”، كما جاء على لسان الرئيس بن علي في خطابه الأخير.

من جهة أخرى، استخدم أحمد الإينوبلي، الأمين العام للإتحاد الوحدوي الديمقراطي (أحد المرشحين في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة) مجموعة من المفردات مستقاة من قاموس وسائل الإعلام الجزائرية ويتم اللجوء إليها عندما يحتد الخلاف بين الجزائر وفرنسا، وطالب فرنسا بتقديم تعويضات لتونس مقابل المرحلة الإستعمارية.

وبالرغم من أن هذه الدعوى صدرت عن هذا الحزب الصغير ذي التوجهات العروبية إلا أن أوساطا فرنسية وأخرى تونسية تعتقد بأن هذا التصعيد اللفظي ضد باريس جاء بتحريض خفي، وهو ما تنفيه الجهات الرسمية التونسية.

العلاقة مع بروكسل على المحك

اللافت للنظر أن هذه التطورات الإعلامية والسياسية غطت على القرار الرئاسي بإطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي الذي مر مرور الكرام رغم أهميته، بل إن السلطة لم تستفد منه – على عكس ما كان منتظرا – سياسيا.

في سياق متصل، تتزامن هذه التطورات مع المساعي الحثيثة التي تقوم بها الدبلوماسية التونسية من أجل الحصول على صفة الشريك المتقدم (أو المميز) مع الإتحاد الأوروبي التي ينفرد بها المغرب إلى حد الآن، والتي من شأنها أن توفر لمن يحصل عليها عددا من الإمتيازات والعلاقات التفاضلية مع الاتحاد الأوروبي.

ولا تعطى هذه الصفة إلا في ضوء توفر جملة من الشروط السياسية تتعلق أساسا باحترام حقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية. ومن المنتظر أن تعقد لجنة المغرب الكبير التابعة للبرلمان الأوروبي اجتماعا لها يوم 5 ديسمبر المقبل للنظر في هذه المسألة. كما أنه من المقرر أن تتخذ المفوضية الأوروبية قرارها بهذا الخصوص يوم 19 يناير 2010، قبل أن تتم مراجعته نهائيا من قبل البرلمان الأوروبي في حدود الثامن من شهر فبراير القادم.

وفيما كانت الجهات الرسمية التونسية مطمئنة فيما يخص حصول تونس على هذه الصفة المتقدمة مع الإتحاد الأوروبي الذي ترتبط معه باتفاقية شراكة منذ عام 1995، إلا أنه – وبعد التطورات الأخيرة المتعلقة بملف الحريات – يبدو أن الأمر أصبح بحاجة إلى بذل جهود إضافية على الصعيد الدبلوماسي تكون مصحوبة باتخاذ خطوات عملية.

انفتاح محتمل.. أم أضغاث أحلام؟

في مقابل هذه التطورات، تضمن الخطاب الرئاسي جملة قصيرة استوقفت عديد المراقبين، ذكر فيها الرئيس بن علي أن يديه “ممدودة لكل التونسيين والتونسيات دون إقصاء أو استثناء لأحد”. ومع أن بعض المعارضين اعتبروا هذه الجملة عادية وخالية من أي بعد سياسي، رأى فيها البعض الآخر رسالة مقصودة لمن يهمه الأمر.

وهو ما جعل رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين إسماعيل بولحية يؤكد لصحيفة “لابريس” الحكومية أنه “يتوجب على كل ذوي النوايا الطيبة أن يعملوا من أجل الوفاق الوطني، ومن أجل إيجاد الحلول للملفات التي تستحق الحل”. كما فوجئت الأوساط السياسية بمقال غير مسبوق نشر بصحيفة الصباح تحت عنوان “قلب مفتوح وأياد ممدودة” يحمل توقيع رجل الأعمال المعروف وصاحب النفوذ القوي بلحسن الطرابلسي دافع فيه بحماس عن الخطاب الرئاسي، واعتبره بمثابة “صياغة متجددة للميثاق الوطني”.

وفي سياق مواز، انطلقت بعض المساعي للتخفيف من حدة الإحتقان السياسي، وأخذت تروج أخبار عن احتمال التعجيل بحل بعض القضايا العالقة، مثل ملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي استأنفت هيئتها المديرة اتصالاتها بعدد من الأعضاء الذين استصدروا أحكاما لمنع الرابطة من عقد مؤتمرها السادس. وفيما لا يستبعد البعض أن تنفتح السلطة حتى على بعض أوساط المعارضة، يطرح آخرون السؤال التالي: هل يمكن أن يكون الإسلاميون جزء من هذه الأوساط؟ وهل هم المقصودون بعبارة “دون إقصاء أو استثناء لأحد”؟.

في هذا السياق تجدر الإشارة إلى تصريح سابق للسيد زهير المظفر وزير الوظيفة العمومية أكد فيه عدم ممانعة السلطة في التعامل مع “حزب يقوده إسلاميون سابقون”، وهي الإشارة الملتبسة التي فتحت المجال للتأويل والافتراض. لكنها في الغالب لم تكن عبارة عفوية، وقد تفصح عن نقاش رسمي يجري بعيدا عن الأضواء حول أفضل وسيلة لإدماج الحالة الإسلامية في السياق السياسي الراهن.

وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث افترضوا إمكانية حصول تحالف أو تقاطع بين شق من الإسلاميين القريبين من حركة النهضة، وبين رجل الأعمال الشاب الصاعد صخر الماطري، مؤسس إذاعة الزيتونة وبنك الزيتونة الإسلامي والرئيس الحالي للجنة الإعلام بمجلس النواب. وهو احتمال لا يستبعده البعض، لكنه بدأ يثير في المقابل مخاوف جزء من الطبقة السياسية التحديثية، لما قد يترتب عنه من “خلط كبير لكل الأوراق والحسابات” حسب رأيهم.

صلاح الدين الجورشي – swissinfo.ch – تونس

زين العابدين بن علي، عن التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم): (89،62%)

محمد بوشيحة، عن حزب الوحدة الشعبية: (5،01%)

أحمد الإينوبلي، عن الإتحاد الديمقراطي الوحدوي: (3،80%)

أحمد ابراهيم، عن حزب التجديد (الشيوعي سابقا): (1،57%)

تونس (رويترز) – قال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي يوم الخميس 12 نوفمبر 2009 إن بلاده طالبت رئاسة الاتحاد الافريقي واتحاد المغرب العربي باتخاذ موقف حازم ضد ما أسماه “تدخلات خارجية في شؤون بلاده” في ما يبدو أنه أكبر احتجاج من نوعه على انتقادات فرنسية لتونس بسبب سجلها في مجال الحقوق الانسان.

وكان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر عبر هذا الأسبوع عن خيبة أمل بلاده إزاء توقيف صحفيين وطالب تونس بالافراج فورا عن الصحفي توفيق بن بريك المعروف بانتقاده لبن علي. كما انتقد الحزب الاشتراكي الفرنسي مُعاملة تونس للصحفيين المستقلين.

وردت وزارة الخارجية التونسية على كوشنر بالقول انها ترفض التدخل في شؤونها مؤكدة تشبثها بسيادتها.

كما ذكر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم الحزب الاشتراكي الفرنسي بأن تونس مستقلة منذ عام 1956.

وقال بن علي في خطاب بمناسبة اداء القسم أمام البرلمان “إن هذا التدخل تجاوز المساس بسيادة بلادنا لينال كذلك من سيادة المغرب والاتحاد الافريقي اللذين ننتمي اليهما وقد أحلنا الموضوع على رئاسة كليهما لاتخاذ الموقف اللازم والتصدي لهذه الخروقات التي تتنافى مع مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها”.

لكن رد بن علي وهو الاول له على هذه الانتقادات كان الأكثر حزما.

وترأس ليبيا الاتحاد الافريقي. والزعيم الليبي معمر القدافي هو صديق لبن علي وقد هنأه بالفوز الساحق في انتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي.

اما اتحاد المغرب العربي الذي يضم تونس والمغرب وليبيا والجزائر وموريتانيا فيرأسه التونسي الحبيب بن يحي وزير الخارجية التونسي الأسبق.

وفرنسا أول شريك تجاري لتونس حيث تنشط نحو ثلاثة الاف مؤسسة تشغل الاف العمال اضافة الى أكثر من مليون سائح فرنسي يتدفقون على البلاد كل عام من اصل سبعة ملايين سائح يأتون لتونس.

كما هاجم بن علي بشدة بعض معارضيه متهما اياهم باللجوء للخارج والاستقواء بالاجنبي على حساب مصالح بلادهم.

وقال “يخال بعض الافراد ان الصفات التي يمنحونها لانفسهم تتيح لهم مخالفة قوانين البلاد والاساءة اليها حتى اذا وقعوا تحت طائلة القانون لجأوا الى غطاء سياسي يبررون به أفعالهم في حين ان هذه الافعال تدخل في اطار افعال حق عام وليست لها أي علاقة بانتماءاتهم وأفكارهم”.

ويُعتقد على نطاق واسع ان بن علي كان يشير الى الصحفي توفيق بن بريك الذي يقول انه معتقل منذ نهاية الشهر الماضي بسبب مقالاته لكن وزارة العدل قالت انه اعتقل بسبب اعتدائه على امرأة في الشارع.

وقال بن علي “اشير هنا الى ان مبدأ المساواة أمام القانون قد أقره الدستور وهو ما يتعارض مع اي استثناء او حصانة يمكن ان يتعلل بها هؤلاء فالقانون فوق الجميع والجميع أمامه سواء”.

واضاف منتقدا على ما يبدو معارضين لهم صلات بمنظمات وبلدان أجنبية ” الوطني الحقيقي هو الذي لاينتقل بالخلاف مع بلاده الى الخارج للتشويه والاستقواء بالاجنبي فهذا السلوك مرفوض أخلاقيا وسياسيا وقانونيا وهو لايجلب لصاحبه الا التحقير حتى من اولئك الذي لجأ اليهم لتأليبهم على بلاده كما ان هذا السلوك لا يمنح اي حصانة”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 نوفمبر 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية