مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تفاصيل إضافية عن “مفاوضات إيفيان” بعد فتح الأرشيف

.مسيرة حاشدة في شوارع القصبة بالجزائر العاصمة يوم 19 مارس 1962 بعد يوم واحد من التوقيع على اتفاقيات إيفيان Keystone

بعد فتح أرشيف الجزائر وسويسرا بوجه الباحثين، أُضيفت تفاصيل جديدة لما هو معروف عن مفاوضات إيفيان بين فرنسا والجزائر والتي توسطت فيها سويسرا.

هذه التفاصيل الجديدة كانت محور الملتقى الذي احتضنته مؤخرا جامعة فريبورغ، وهو ما سمح بإلقاء ضوء إضافي على الظروف التي دفعت سويسرا إلى لعب هذا الدور، وبالأخص قضية النائب العام الفدرالي “ديبوا”.

بمبادرة من سفارة الجزائر في سويسرا وبمشاركة الساهرين على الأرشيف في كلٍّ من الكنفدرالية والجزائر، وبدعم نشِـط من جامعة فريبورغ، تمّ يوم 25 مارس 2013 تنظيم ملتقى دراسي، تحت عنوان “سويسرا واتفاقيات إيفيان: التاريخ وشهادة شخصيات عايشت الحدث”.

وكان اللقاء بالفعل فرصة للتعرف على ما احتوى عليه أرشيف البلدين من مستندات خاصة بهذه العلاقة التي اختلطت فيها المصالح الجزائرية – السويسرية في مراحل مختلفة من القرنين الماضيين، ومناسبة أيضا للإستماع لشهادات شخصيات جزائرية وسويسرية، إما كانت فاعلة في تلك الفترة أو وجدت نفسها في مرحلة من المراحل مهتمة بملفات وأرشيف هذه الفترة في كِـلا البلدين.

سفير الجزائر في سويسرا السيد الحواس رياش، ذكّـــر بأن هذه التظاهرة التي تأتي في سياق الإحتفالات بالذكرى الخمسين للإستقلال، تمثل “فرصة للتذكير بالدور الذي لعبته الجالية الجزائرية في الخارج، وبالدور الذي قام به رجال ونساء، مبدأ وعقيدة من هذا البلد (سويسرا)، اختاروا التخلي عن رفاهيتهم وأمنهم في بلدهم، من أجل الإلتزام طواعية وفي مواجهة بعض المخاطر، إلى جانب الشعوب الراغبة في الحرية، يقودهم في ذلك حبهم للعدالة والحرية ورفضهم التزام الصمت عما ترتكبه القوى الاستعمارية من ظلم وعنف وانتهاكات”.

من جهته، أشار السيد جورج مارتان، ممثل السلطات الفدرالية ونائب كاتب الدولة للخارجية في هذه التظاهرة، إلى أن المشاركة تأتي “للتشديد من ناحية على علاقات ثنائية عريقة عرفت فترات توافق متفاوتة بالأمس، وقد يكون الأمر كذلك في المستقبل، ولكنها تشجعنا دوما على إيجاد الحلول مع أصدقائنا الجزائريين. ومن الناحية الأخرى، ما تم أثناء مفاوضات إيفيان، وما قدمناه من دعم في تلك المفاوضات والذي يدخل في إطار سياسة المساعي الحميدة. وهو أحسن مثال عما نطمح للإستمرار في القيام به، وما وُجدت من أجله سويسرا”.

swissinfo.ch

علاقات تعود إلى عام.. 1915!

على غِـرار الملتقى الذي نظِّـم في الجزائر عام 2005، تكمُـن أهمية ملتقى فريبورغ في إتاحة المجال للساهرين على الأرشيف الوطني، في كلٍّ من الجزائر وسويسرا، لعرض ما تمكنوا من جمعه من وثائق عن العلاقات بين البلدين عبْـر التاريخ، وبالأخص ما تم توثيقه عن مفاوضات إيفيان أو على الأقل ما سُمح بفتحه أمام الباحثين لحد اليوم.

في هذا السياق، سرد السيد عبد المجيد شيخي، المدير العام للأرشيف الوطني في الجزائر، قصة أول علاقة جزائرية سويسرية، وأفاد بأنها تعود إلى بداية القرن العشرين، حيث “تواجدت في مدينة لوزان السويسرية ما بين عامي 1915 و1916، مجموعة من الشباب الجزائري الفارّين من الخِدمة العسكرية، والتي حاولت القيام بعملٍ ما لصالح الجزائر (الواقعة آنذاك تحت نير الإحتلال الفرنسي). وبحُـكم هذه التجربة في لوزان، قرروا القيام بانتفاضة في منطقتهم، وعبؤوا أهاليهم وأقاربهم لغرض الإعلان عن قيام الجمهورية الجزائرية. وقد تم ذلك في قرية تسمّـى الجزّار، تقع بالقرب من مدينة المسيلة، وأرسلوا أربعة فُـرسان في الإتجاهات الأربع، من أجل الإشعار بذلك. وكان من نتائج ذلك أن تم تنظيم انتفاضة كبرى، استُخدم فيها مدفع من صنع محلي، ما لبث أن انفجر على مستخدميه بعد الطلقة الثانية..”.

على صعيد آخر، أسهب السيد عبد المجيد شيخي في توضيح تفاصيل اتفاقية إيفيان من منظور جزائري. فقد اعتبر أن فرنسا لجأت إلى المفاوضات في “محاولة أخيرة للحفاظ على ما لم تستطع الحفاظ عليه بالوسائل الأخرى”، التي رافقت فترة الإستعمار من 1830 إلى تاريخ انطلاق مفاوضات إيفيان. ومن ثم، اعتبر أن الإتفاقيات التي تم التوصل إليها، تمثل “انتصارا لهذا الشعب الذي سُلبت حقوقه طوال الفترة الإستعمارية لحد أن خطب الجنرال ديغول بمناسبة توقيع اتفاقية إيفيان، وتحدّث عن إعادة السيادة للمؤسسات الجزائرية الشرعية، وليس عن استقلال الجزائر”، على حد قوله.     

المرحلة الأولى

يونيو 1960: اتصال الحكومة المؤقتة الجزائرية بالدبلوماسي السويسري أوليفي لونغ عبر محاميين من جنيف وهما جون فلافيان لا ليف، وريمون نيكولي.    

16 ديسمبر 1960: حصول أوليفي لونغ من وزارة الخارجية السويسرية على تفويض بالقيام بمهمة الوساطة.

10 يناير 1961: قيام اوليفي لونغ بأول زيارة سرية إلى باريس للإلتقاء بوزير الدولة الفرنسي المكلف بالقضايا الجزائرية لوي جوكس الذي كانت تربطه به علاقة صداقة.

18 فبراير 1961: بعد اتصالات شخصية مكثفة، وجّه الجنرال ديغول رسالة لكل من جورج بومبيدو وبرونو دول لوس لتوضيح معالم وحدود المهمة التي كُلفا بها في هذه الإتصالات.

20 فبراير 1961: تنظيم أول لقاء سري في مدينة لوتسرن السويسرية بين ممثلي الحكومة الفرنسية، ومبعوثيْ الحكومة الجزائرية المؤقتة، الطيب بولحروف وأحمد بومنجل.

5 مارس 1961: تنظيم ثاني لقاء بين نفس المندوبين الفرنسيين والجزائريين، لكن هذه المرة في مدينة نوشاتيل، حيث سهر الجانب السويسري على تأمين الإجتماع وضمان السرية دون التدخل في المفاوضات مباشرة والإكتفاء بالحصول على ملخّص من كل طرف بعد انتهاء الجلسات.

بعد هذه الجلسة، تم الإعلان عن تنظيم مفاوضات علنية في مدينة إيفيان الفرنسية، لكن ذلك أدى في 31 مارس 1961 إلى اغتيال رئيس بلدية المدينة على يد متطرفين من أنصار بقاء الجزائر فرنسية.

14 أبريل 1961: تلقى رئيس الشرطة في كانتون جنيف المكلف بحماية الوفد الجزائري رسالة تهديد للتعبير عن “القلق  لإيواء بلد معروف بسياسته الإنسانية، لمجموعة من القتلة والإرهابيين… وإذا لم يتم التراجع عن إيواء أعضاء ما يسمى بالحكومة المؤقتة الجزائرية، فإننا سنلجأ لتفجير المباني العمومية والمقرات الحكومية…”.

في نفس الوقت، عبّر القنصل السويسري في الجزائر عن قلق السويسريين المُعمّرين في الجزائر الذين كانت غالبيتهم تؤيد بقاء الجزائر فرنسية،حيث اعتبروا أن الرعاية السويسرية لمفاوضات إيفيان هي بمثابة “انتهاك لحياد الكنفدرالية”.

20 مايو 1961: اجتياح قنصلية سويسرا في وهران من قبل متظاهرين غاضبين مناصرين لبقاء الجزائر فرنسية، قاموا بتحطيم مكاتبها.

في 13 يونيو 1961: فشل المرحلة الأولى من مفاوضات إيفيان وتعليق المفاوضات.

المرحلة الثانية 

صيف 1961: استمر الوسيط السويسري أوليفي لونغ في إجراء المشاورات مع ممثلي الدول العربية والإفريقية لمحاولة استئناف المفاوضات.

28 أغسطس 1961: لقاء سري بين المبعوث الجزائري الطيب بولحروف وأوليفي لونغ، تلته لقاءات سرية في 25 ثم في 30 سبتمبر.

2 أكتوبر 1961: أوليفي لونغ يتوجه إلى باريس للقاء الفرنسيين ومحاولة العودة للمفاوضات.

5 سبتمبر 1961: الجنرال ديغول يعلن في ندوة صحفية عن اعتراف فرنسا بسيادة الجزائر على المناطق الصحراوية. وهي النقطة التي كانت أحد أسباب فشل الجولة الأولى من مفاوضات إيفيان، ويعرب عن الرغبة في العودة للمفاوضات. 

27 أكتوبر 1961: استئناف اللقاءات السرية بين الطرفين الفرنسي والجزائري.

ما بين 10 و 19 فبراير 1962: بداية مفاوضات سرية في المرحلة الثانية من مفاوضات إيفيان بمنطقة لي روس بنفس الفريق الجزائري المفاوض في المرحلة السابقة وبإضافة محمد يزيد.

6 مارس 1962: اكتشاف الصحفيين للوفد الجزائري في مطار جنيف، بعد عودته من مشاورات في طرابلس، وإعلان السلطات السويسرية علانية للصحفيين بداية مفاوضات قد تطول.

18 مارس 1962: التوقيع على النص النهائي لاتفاقية إيفيان.  

الدور السويسري: تواطُـؤ من جهة.. وتعاطُـف ودعم من جهة أخرى     

في عرضه، تطرَّق مارك بيرنو، المسؤول عن الأرشيف الدبلوماسي السويسري إلى الظروف التي مرّت بها العلاقات السويسرية الجزائرية، وبالأخص للفترة التي عرفت تضييق الخناق على النشطاء الجزائريين في فرنسا ولجوئهم الى سويسرا.

وفي هذا السياق، استشهد بإثناء الرئيس أحمد بن بلة أمام الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، بالدور الذي قامت به سويسرا، حيث قال في حفل استقبال الجزائر المستقلة كعضو جديد في المنتظم الأممي يوم 9 أكتوبر 1962 “الإعتراف باسم الشعب والحكومة الجزائريين بجميل الحكومة السويسرية التي تحملت لأكثر من عام جهود تقريب وجهات النظر بين الطرفين، الفرنسي والجزائري، مما سمح بنجاح المفاوضات السلمية”.

ويرى المسؤول السويسري أن “حصول الإعتراف بهذه الوساطة أمام الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، خوّل لسويسرا مكانة خاصة”، وهذا ما أعاد الرئيس الجزائري التذكير به في الجزائر العاصمة في ديسمبر 1962 لدى استقبال أول سفير سويسري لدى الجمهورية الجزائرية المستقلة، الذي سارع إلى نقل الإنطباع الذي تشكَّـل لدى الجزائريين من خلال هذه الوساطة في مفاوضات إيفيان، حيث قال: “إن الجزائريين يعتبرون بأن ما قامت به سويسرا تعدّى ما كانت تقوم به عادة في وساطاتها التقليدية”.

ولكن من أجل الوصول إلى هذا الوضع، مرت مواقف السلطات السويسرية بمراحل مختلفة، عددها المسؤول عن الأرشيف الدبلوماسي السويسري بـ “مرحلة أولية تمثلت في مراقبة مشدّدة على النشطاء السياسيين والطلبة الجزائريين، وعلى الصحفيين والمتعاطفين السويسريين وغير السويسريين، المناهضين للحرب الإستعمارية. وقد تم في عام 1960 إحصاء ما بين 500 و800 جزائري مقيم في سويسرا، وحوالي 150 طالبا جزائريا مسجلا في الجامعات السويسرية”.

تلتها بعد ذلك مرحلة تعزيز المخابرات الفرنسية لرقابتها على تحركات النشطاء الجزائريين وشبكات دعمهم فوق التراب السويسري، وهي الفترة التي انتهت إلى تورط النائب العام للكونفدرالية، روني ديبوا، في عملية  تنصت على اتصالات السفارة المصرية في العاصمة الفدرالية برن وتقديم تلك المعلومات للمخابرات الفرنسية.

هذه الفضيحة التي انتهت بانتحار النائب العام، كانت محور أطروحة أعدها الطالب السويسري داميان كارون الذي سرد في ملتقى جامعة فريبورغ، تفاصيل عملية التجسس على السفارة المصرية التي كانت نقطة اتصال النشطاء الجزائريين. وكيف تم اكتشاف الشبكة التي كانت تسهر على نقل تلك المعلومات لعملاء المخابرات الفرنسية في سفارة فرنسا في برن. 

وإذا كان مارك بيرنو، المسؤول عن الأرشيف الديبلوماسي السويسري، قد خصّص مكانة بارزة للصحفي السويسري شارل هنري فافرو، باعتباره أول من قام بنقل رسائل بين الحكومة الفرنسية والحكومة الجزائرية المؤقتة (لم يتمكن من الحضور في ملتقى فريبورغ بسبب المرض)، إلا أنه أورد الواقعة التالية مشيرا إلى أنه “في إحدى زيارات فرحات عباس (رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك) إلى سويسرا في نوفمبر 1958، عبر هذا الأخير لموظف سويسري، عن “ضرورة التوصل الى حوار مع الفرنسيين. وأن على الجنرال ديغول التسريع بذلك لتجنب تعاظم قوة المتطرفين اليمينيين من جهة، أو سقوط المقاومة الجزائرية بين أيدي داعمين من المعسكر الشيوعي”.

وهو ما علق عليه الموظف السويسري في التقرير الذي بعث به إلى السلطات الفدرالية بقوله: “إن فرحات عباس يرغب في التخلي عن الوساطة التونسية أو المغربية، ويُفضل أن تجرى المفاوضات في بلد محايد، كسويسرا إذا أمكن الأمر، ولكن بدون اللجوء إلى الأمم المتحدة”. في المقابل، اكتفت السلطات الفدرالية بـ “تسجيل هذا الإنفتاح المبكر الذي عبر عنه فرحات عباس دون الرد عليه”، حسب خبير الأرشيف السويسري.

سويسرا التي كانت ترغب من جهة في عدم إغضاب جارتها الكبرى فرنسا بسبب السماح للنشطاء الجزائريين بالعمل فوق ترابها، ومن جهة أخرى في عدم إثارة غضب مجموعة الدول الأفرو آسياوية بتشديد الخناق على هؤلاء، وجدت نفسها مقحمة في الصراع الجزائري على عدة أصعدة: تهريب أسلحة، مرور نشطاء فارين من فرنسا، تمرير أموال لحساب الثورة الجزائرية عبر من كانوا يُلقبون بحاملي الحقائب وفي مرحلة لاحقة عبر بنوك سويسرية، كملجإ للفارين من الخدمة العسكرية الفرنسية ومن قوات اللفيف الأجنبي، وكساحة للمجموعات اليمينية المتطرفة المطالبة ببقاء الجزائر فرنسية ومن بينهم بعض المتعاطفين السويسريين وبالأخص في منطقة فالي.

أمام كل هذه التحديات – دائما حسب وثائق الأرشيف الديبلوماسي السويسري – بدأ وزير خارجية سويسرا آنذاك، ماكس بوتي بيار، في تحديد معالم سياسة خارجية لبلاده ترتكز على حياد نشيط، إذ شرع منذ شهر مايو 1956 في التعبير، في أوساط خاصة، عن قناعته بأن “الحل يكمُن في منح الجزائر استقلالها”.

وفي رد على استجواب برلماني في يونيو 1959 بخصوص المجازر المرتكبة في الجزائر ومحاولة منع شبان سويسريين من الإلتحاق بقوات اللفيف الأجنبي الفرنسية، أجاب ماكس بوتي بيار: “إن قوات اللفيف الأجنبي مورطة اليوم في معارك أكثر ضراوة، وفي أحداث يبدو أن لا أحد يكترث فيها بالإلتزام بقوانين الحرب، إذ هناك أعمال عنف، ولجوء إلى التعذيب، ولا يتم تجنيب المدنيين ويلات الحرب، وهو ما دفع إلى قلق الرأي العام الفرنسي نفسه. ومع أنه ليس من حقنا إصدار أحكام على الحرب في الجزائر، فإن من واجبنا إدانة  كل الأعمال اللاإنسانية مهما كان الطرف المسؤول عنها. ونأمل في أن يجد الصراع الجزائري حلا وفقا للقيم الإنسانية”. وهو ما أدى إلى صدور جملة من ردود الفعل المنتقدة من داخل سويسرا وخارجها لحد اتهامه من طرف البعض بـ “السقوط ضحية دعاية الثوار الجزائريين، والميل إلى تصورات المعسكر الشيوعي”.

رغم ذلك، وجد ماكس بوتي بيار الواعي آنذاك بـ “دخول العالم في حرب باردة”، والمقتنع بـ “عقلانية نظرة الجنرال ديغول”، تجسيدا لهذا الدور السويسري بعد فشل مفاوضات إيفيان الأولى في مولان في يونيو 1961، وبعد اتصال الحكومة المؤقتة الجزائرية عبر محامييْن من جنيف (وهما جون فلافيان لا ليف، الذي كان يشغل منصب الأمين العام لمنظمة الحقوقيين الدوليين وريمون نيكولي)، بأوليفيي لونغ، ممثل سويسرا لدى الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر، الذي أصبح لاحقا راعي مفاوضات إيفيان من الجانب السويسري ورافقها حتى التوقيع النهائي عليها في 19 مارس 1962.

swissinfo.ch

شهود يجب التسريع بتوثيق شهادتهم

المُـلفت في ملتقى فريبورغ أنه جمع عيِّـنة من الشخصيات الجزائرية والسويسرية، التي لعبت بشكل من الأشكال دورا على الساحة السويسرية، للتمهيد لهذا الدور الذي قامت به سويسرا في مفاوضات إيفيان، إذ استعرض السفير الجزائري السابق والمناضل في الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين علي عبد اللاوي، تجربته وتجربة زملائه الذين قرّروا بعد إضراب عام 1956، مقاطعة الجامعات الفرنسية، وإما الالتحاق بالثورة الجزائرية أو البحث عن مواصلة التكوين في جامعات غير فرنسية.

وهكذا، قَـدِم السيد عبد اللاوي إلى لوزان في اغسطس عام 1957 لتحرّي إمكانية تسجيل الطلبة الجزائريين. وبعد جولة قادته إلى كل من جامعات زيورخ ونوشاتل ولوزان وجنيف، حيث شرح الصعوبات التي تعترض الطلبة الجزائريين.

وبفضل دعم اتحاد الطلبة السويسريين، استطاع الحصول على تعهّـد بتسجيل الطلبة الجزائريين في الجامعات السويسرية، حتى قبل وصول ملفّـاتهم، وقيام الجامعات فيما بعد، بمطالبة الجامعات الفرنسية بإرسالها. وهكذا بدأ الطلبة الجزائريون يتوافدون منذ شهر ديسمبر 1957 على جامعات لوزان ومدن أخرى، حتى بلغ عدد المسجلين آنذاك 135 طالبا.

وبعد حل الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في عام 1958، انتقل الاتحاد ليتَّخذ من لوزان مقرا له، وحيث قام بنشاطات عبْـر سويسرا وأوروبا وبقية أنحاء العالم، للتعريف بالثورة الجزائرية. وبعد مؤتمر عام 1960، تم نقل مقر الاتحاد إلى تونس. ولكن هذه التجربة، أثمرت تكوين إطارات أصبح لها في جزائر الاستقلال دور قيادي، وقال عنها فرحات عباس في افتتاح مؤتمر تونس “لقد استطاعت الثورة الجزائرية في سنوات الحرب الثمانية ، تكوين عدد من المهندسين الجزائريين، يفوق بكثير ما كوّنته فرنسا طوال 130 عاما من الاحتلال”.

نيلس اندرسن، الناشر الفرنسي المتعاطِف مع الثورة الجزائرية والذي سهر على طبع العديد من المنشورات الجزائرية أو المتعاطفة مع الثورة الجزائرية، كان أيضا حاضرا في ملتقى فريبورغ للإدلاء بشهادته حول دور الناشرين في دعم الثورة الجزائرية، وفي مقدمتهم جيروم لاندون الذي سهر على نشر كتاب “القضية LA QUESTION” والذي يرى أنه “بدون هذه الجُـرأة، لم يكن بإمكان الرأي العام الفرنسي التعرف على الجرائم المُرتكبة في حق الجزائريين في السجون الفرنسية من تعذيب وعنف وإعدامات”.

وقد أعاد نيلس أندرسن طبع كتاب “القضية”، ولكن هذه المرة في سويسرا التي كان لديها بعض دور النشر المعروفة بنشر الكُتب الممنوعة، سواء في نوشاتيل أو إيفيردون وغيرها، وبعد أن استطاع جمع الأموال الضرورية لذلك. وقد استمر في نشر الصحف والمنشورات المتعلقة بالثورة الجزائرية، التي كانت تفضح كل ما يُـرتكب من انتهاكات في حق الجزائريين، لحد أنه كان يعتبر ذلك بـ “مثابة أرشيف المواطنين”.

لكن نيلس أندرسن أشاد أيضا بدور شبكات الدعم السويسرية التي سهرت، على تهريب إما الفرنسيين الفارين من الخدمة العسكرية أو النشطاء الجزائريين والسجناء الجزائريين الفارين من القمع الفرنسي، أو أولئك الذين ساهموا في حمل الحقائب لتمرير الأموال التي تدمعها فدرالية فرنسا من حوالي 250 ألف جزائري، لدعم الثورة الجزائرية، قبل أن يتولى ذلك مصرف اتحاد البنوك السويسري “يو بي إس” عبْـر وسيط من مدينة فريبورغ، مما أثار انتقادات أحد وزراء الحكومة الفرنسية ميشال دوبري في اتجاه البنوك السويسرية. ولم ينس نيلس اندرسن تجنّد سويسريين عاديين لدعم الثورة الجزائرية، إما بدافع إنساني أو تجند أيديولوجي أو  نقابي.

ومن بين هؤلاء، شهادة جون مايرا الذي قضى عاما في السجون الفرنسية بعد أن تم إيقافه على الحدود السويسرية – الفرنسية، وهو يحمل مطبوعات ميثاق الصومام وأعداد من جريدة المجاهد لتمريرها الى داخل فرنسا.

ومن هذا المنظور، شدد السيد عبد المجيد شيخي في حديثه مع swissinfo.ch على رغبة الأرشيف الوطني الجزائري في “تعزيز التعاون مع الجهات الرسمية والعلمية السويسرية، بعد تجربة عام 2005 في الجزائر”.

وكعربون عن هذا الإستعداد، أقيم معرض للأرشيف الوطني الجزائري في جامعة فريبورغ (بالتزامن مع انعقاد هذا الملتقى)، يعكس مراحل من ثورة الشعب الجزائري، كما يُبرز بالأخص الدور الذي لعبته سويسرا في مفاوضات إيفيان التي أدّت إلى الإستقلال.        

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية