مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حملة شعبية لإسقاط قانون مراقبة “المتحايلين” وللحد من صلاحية المحققين

مجموعة من النّاس في برن يتحدّثون لمرأة
5 أبريل 2018: المؤلفة الألمانية - السويسرية سيبللي بيرغ تخاطب المؤيدين لحملة الاستفتاء المناهض لتعيين "محققين اجتماعيين" في برن. Keystone

ليس تعيين ما يسمى بالمحققين الاجتماعيين لتتبع المتحايلين على نظام الرعاية الاجتماعية بالأمر الجديد في سويسرا. لكن القانون الذي تم تمريره مؤخراً، والذي يقضي بمنح هؤلاء المحققين المزيد من الصلاحيات، أسفر عن نشوء حركة غير مسبوقة بين عدد من المواطنين المعارضين لهذا القرار.

الأمر بدأ على موقع تويتر. ففي يوم 16 مارس، وبعد وقت قصير من صدور قرار غرفتي البرلمان الفدرالي بِمَنح المُحققين في مجال الرعاية الاجتماعية سلطات واسعة لمراقبة وتتبع المُستفيدين من المساعدات الإجتماعية، عبَّرت المؤلفة سيبيللي بيرغ عبر تغريدة لها عن اشمئزازها بهذا الشأن، وتساءَلت عما يمكن فعله بهذا الصدد. ولم  تنتظر بيرغ طويلاً، حتى جاءها الرد من ديميتري روغي، الناشط الشاب من الحزب الديمقراطي الإشتراكي من إنترلاكن، والذي أجاب بكلمات مُختصرة وواضحة “أود المساعدة”!

بعد يوم واحد فقط ، توسّع الفريق ليصبح مكوناً من أربعة أشخاص – بالإضافة إلى مُبرمج – تكفل بإنشاء موقع للحركة على شبكة الإنترنت. وبعد انقضاء أسبوع، تم جمع نحو 12,000 تعهد بتقديم الدَعم. وبالنتيجة، وفي يوم 5 أبريل، أطلِقَت الحملة الرسمية الداعية لإجراء استفتاء على القانون في برن.

وكما يقول روغي معلقاً: “لم تشهد سويسرا قيام حركة بمثل هذا الحَجم والسُرعة من قبل”.

وكانت اللجنة الرباعية، التي لم تَلتَق وجهاً لوجه إلّا بعد أسبوع من بدء الحملة، قد حدَّدَت عتبة الداعمين عبر الإنترنت الذين سيستمدون منهم الثقة لإطلاق حملة رسمية عند 5000 شخص. لكن ما حصلوا عليه كان يفوق ضعف هذا العدد.

وقد تركت مشاعر الحماس التي تولدَت في أعقاب التأييد المتأخر للحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري، روغي متفائلاً جداً بشأن جمع التوقيعات الـ 50,000 المطلوبة لتنظيم الإستفتاء قبل يوم 5 يوليو القادم.

لكن لماذا تسليط الأضواء على هذه القضية بالذات وفي هذا الوقت دون غيره؟ روغي يفسر عامل الوقت بحقيقة أن أحداً من الأحزاب السياسية الراسخة لم يكن راغباً بإطلاق أو دَعم استفتاء ضد القانون الجديد بالأصل. فمن جانبهم، كان الإشتراكيون مُترددين في تسييس قضية حَسّاسة بالفعل، كما أن حزب الخضر، وبحسب الأخبار المتواردة، يعاني من مشاكل مالية. وكان هذا يعني أن الساحة أصبحت مفتوحة، وبحاجة إلى تحَرُّك ومشاركة أوسع من جانب المواطنين، كما يقول.

على الرغم من مشاركته في السياسة المحلية ضمن الحزب الديمقراطي الإشتراكي، إلّا أن روغي لا يحب أن يصف نفسه بالسياسي، ويفضل تسمية الناشط والمدافع عن قضية ما كما يقول، وهي كلمات تتناغم مع طبيعة النداء الشامل الذي ألهمته هذه “الحركة الاجتماعية”. كما أن ما يقوم به ينسجم مع آليات التعهيد الجماعي الحديثة: “أنا أؤمن بالحشود، والحركات الإجتماعية، وليس بأفراد يغيرون العالم بأسره”.

“التعدي على الخصوصية”

قليلة هي القضايا التي تثير ردود أفعال مشابهة في حدتها لقضية الإحتيال على منظومة المساعدات الإجتماعية. وكان من شأن القانون الجديد، الذي جاءَ كَرَدٍ على الانتقادات الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 2016، أن يسمح للمحققين الخاصين الذين تستأجرهم هيئات التأمين الاجتماعي، بتتبع ومراقبة مُتلقي المساعدات الإجتماعية المشتبه بهم، وتسجيل مقاطع فيديو، أو إجراء تسجيلات صوتية لهم في أي مكان عام.

الأمر الأكثر إثارة للجدل في هذا القانون، هو سماحه لهؤلاء المخبرين بالإستعانة بأجهزة تتبّع تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي اس” (GPS)، والتي يقول الناشطون إنها قد تفتح إمكانية استخدام أجهزة مثل الطائرات بدون طيار للتجسس على الناس (على الرغم من الذهاب إلى مثل هذا الحد سوف يتطلب الحصول على إذن من المحكمة).

ردود  الأفعال الصادرة من أحزاب اليسار جاءت حادة. ” وكما قالت ريبيكا رويتس من الحزب الديمقراطي الاشتراكي في أعقاب التصويت: “يبدو أننا سنتخذ المزيد من الإجراءات في تعقب المُحتالين المُحتملين على نظام المساعدات الإجتماعية بدلاً من تعقب الإرهابيين، أو المستغلين للأطفال جنسيا، أو القتلة المُحَتَملين”.

أما روغي فيذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، بقوله إنّ القانون يتعارض مع الديمقراطية والدستور السويسري،  ولا سيما المادة 13، التي تنص على الحق في حرمة الحياة الخاصة للفرد – باستثناء ظروف معينة.

“أنا ضد الاحتيال وضد إساءة استخدام النظام”، كما يقول الناشط الشاب. “لكن السؤال الكبير هنا هو ‘الكيفية’ التي يطبق بها القانون”.

وهو يقول إن إعطاء المحققين الخاصين نفس السلطات الموكلة إلى الشرطة والمحققين الرسميين تقريباً، إنما يقوض سيادة القانون، مضيفاً أن لدى النظام القضائي وسائل للتعامل مع المحتالين بالفعل. وبرأيه، ترتقي هذه الأساليب الجديدة إلى درجة “انتهاك الخصوصية”، وتعطي شركات التأمين – التي مارست ضغوطاً “قوية” لتمرير هذا القانون – سلطة غير متكافئة.

إذا لم يكن لديك شيء تخفيه …

يعتبر موضوع المساعدات الإجتماعية بشكل عام، والاحتيال بشكل خاص، قضية ساخنة دائماً – ولكن هل تتناسب الأرقام المُعلَنة [عن مثل هذه الحالات] مع كل هذه الضجة بالفعل؟ الآراء تختلف هنا من شخص لآخر.

وفقاً للتلفزيون السويسري العمومي الناطق بالفرنسية (RTS) تبلغ نسبة “المعاقين المحتالين” [الذين يحصلون على معاشات من صندوق التأمين ضد العجز (IV)] في سويسرا حوالي 1% أو أقل. وقد يؤدي قَطع المساعدات عن هذه الفئة إلى توفير ما يصل إلى 60 مليون فرنك سويسري (62,8 مليون دولار) سنوياً.

 وكما قال رايموند كلوتو من حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ لصحيفة 24 ساعة (24 Heures) اليومية الناطقة بالفرنسية: “الانتهاكات تحدث، ويجب معاقبة من يرتكبونها”.

وأضاف قائلاً: “إذا لم يكن لدى شخص ما يخفيه، فلن تكون هناك أي مشكلة حتى لو تم تعقبه. لقد تغير المجتمع. نحن نعيش في عالم مترابط اليوم، ومن الطبيعي أن يتم تكييف الأدوات المستخدمة [في تنفيذ مهمة المراقبة]. كما أن أحداً ليست لديه مشكلة عندما يتعلق الأمر بنشر حياته الخاصة على موقع ‘فيسبوك’”.

من جانبه، دافع أندرياس دومّيرموث، رئيس صناديق تعويض الكانتونات، التي تقوم بتنسيق مدفوعات الرعاية الاجتماعية، عن القانون أيضاً، قائلاً إن هذه المساعدات لم تُوَفَّر لغرض “الانتقاء والاختيار”.

وفي تصريح للتلفزيون السويسري الناطق بالألمانية (SRF)، قال دومّيرموث إن نظام التأمين الاجتماعي هو البنية التحتية الأكثر تكلفة في البلاد، مُشيراً إلى إنفاق سويسرا لحوالي رُبع ناتجها المحلي الإجمالي على صناديق الضمان الاجتماعي كل عام. كما أوضح أن قواعد القانون الجديد “واضحة” ، وبأن فحص حالات التحايل سوف يتم على أساس دراسة كل حالة على حدة. “المسألة هنا لا تتعلق باستخدام بنادق لصيد العصافير”.

التجريب في عصر الديمقراطية الرقمية

بدوره، يقول دانييل غراف، آخر المُنضمين إلى اللجنة الرباعية للاستفتاء، ان القضية ذات أهمية جوهرية، وهو ما أدّى إلى مثل هذا الإهتمام بالتالي. “كل شخص لديه تأمين”، كما يقول (التأمين الاجتماعي المنسق من قبل الدولة هو أمر إلزامي في سويسرا). ويعني ذلك أن كل شخص قد يكون معرضاً إلى التأثر بمثل هذه التدابير في أحد الأيام.

وكما يقول: ” إنها قضية وجودية للغاية. هناك دائما الخوق من فقدان حياتك الخاصة إلى منظمة تجارية”.

ولكن غراف، الخبير في علوم السياسة، والهاوِ للديمقراطية الرقمية في هذا الرباعي، يهتم بالقدر نفسه بإمكانيات مثل هذا التحرك الذي يحظى بمشاركة فئة كبيرة من المواطنين، لمستقبل السياسة والديمقراطية في البلاد.

وفي سياق كهذا، ليس الفشل أو النجاح هو المقصود دائماً من الاستفتاء، لكن الهدف يكمن في تجربة أشياء جديدة يمكن أن تزدهر ثم تهدأ بسرعة، كما يقول. الأمر يتعلق بالديمقراطية “الحية وهذا هو دافع قوي جدًا”.

وكما يضيف، فإن ما يجعل هذا المشروع مختلفاً، هو مستوى التزام الأشخاص الذين تعهدوا بدعم هذا الاستفتاء. وبدلاً من مجرد إضافة أسمائهم إلى عريضةٍ على الإنترنت، تعهد المؤيدون بتقديم دعم ملموس، من خلال وعدهم بتأمين توقيعات عدد معين من الأصدقاء مثلاً، وعن طريق المساعدة في طباعة المنشورات وتوزيعها، أو من خلال التبرع بالمال، حيث تم جمع حوالي 30,000 فرنك لهذا الغرض.

ويؤشر هذا  التفاعل إلى تحول من الاستخدام السلبي لوسائل الإعلام الإجتماعية إلى الاستخدام الإيجابي للنشاط الرقمي، الأمر الذي يقول غراف أنه لاحظه في الحملة الإنتخابية الشعبية للمرشح الأمريكي برني ساندرز، والتي نقلت رسالة مفادها “أن أهم شيء في تنظيم حملة سياسية هو إعطاء الناس شيئاً يفعلونه”.

الشيء الآخر الذي يرى غراف أنه جديد وواعد – هو أن الجزء الأكبر ممن تولى تنظيم الحركة لم يكن من مستخدمي التقنية الرقمية المخضرمين، ولكنهم أشخاص تتراوح أعمارهم بين 40 و 60 عاماً. وهؤلاء لا يعملون بالضرورة من خلال وسائل التواصل الاجتماعية فحسب، ولكن أيضاً من خلال نقل المعلومات شفوياً في “الفضاءات غير المتصلة بالإنترنت”، وهي وسيلة لازالت محتفطة بأهميتها، كما يقول.

لكن ماذا عن مستقبل التنظيم السياسي – هل يعني مثل هذا النشاط نهاية للأحزاب السياسية التقليدية؟ غراف لا يعتقد ذلك. وهو يرى أن الأحزاب، باعتبارها هياكل راسخة، مهمة بالنسبة للاستقرار والأصوات على المدى الطويل، بينما تمنح الديمقراطية الرقمية المزيد من السلطة للشعب لطرح مقترحاته.

وكما يقول مختتماً: “إن طريقتي التشريع هذه مكملة لبعضها البعض، والأمر هنا لا يتعلق بالقضاء على الوسيط”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية