مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استقالة رئيس الوزراء الأردني تضع المشهد السياسي في عنق الزجاجة

يوم 26 أبريل 2012، كلف العاهل الأردني فايز الطراونة بتشكيل الحكومة الجديدة بعد استقالة عون الخصاونة المفاجئة. swissinfo.ch

فاجأت استقالة رئيس الوزراء الأردني، د. عون الخصاونة، قبل أيام الجميع، إذ جرت العادة في الأردن أن يكون رئيس الوزراء هو آخر من يعلم داخل مراكز القرار المهمة في الدولة، وربما بعد الإعلاميين، عن خبر تقديمه الاستقالة وقبولها من قبل الملك..

إلاّ أنّ الخصاونة أصر هذه المرة على كسر هذه القاعدة، عبر تقديم استقالته، وهو في تركيا، عبر أحد الوزراء، وبلغة تخلو من التمجيد والتبجيل التقليدي، فالرئيس خرق أكثر من تقليد بضربة واحدة.

في المقابل، بدت حالة من الإنزعاج واضحة لدى العاهل الأردني، الذي ردّ برسالة لا تخلو من التأنيب واللوم لرئيس الوزراء ما اعتبره الملك تباطؤاً مقصوداً من قبل الرئيس في القيام بالمهمة الأساسية له وهي إعداد القوانين والإجراءات التي تهيء البلاد لانتخابات نيابية مبكّرة، ملمحاً أن الرئيس يُصرّ على تأجيل الإنتخابات إلى العام القادم.

الهدف من إشارة الملك إلى سبب الإختلاف مع الرئيس يكمن بقطع الطريق أمام استغلال المعارضة للإستقالة ولرسالة الرئيس للتدليل على أنّه لا توجد نية حقيقية للإصلاح لدى الملك، بينما ما يريد الملك قوله في الرسالة أن سبب الخلاف الجوهري مع الخصاونة هو أن الملك مُصرّ على الإنتخابات المبكرة بينما رئيس الوزراء يصر على تأجيلها.

خلاف هنا.. وخيبة أمل هناك

هذا الخلاف بين الرئيس والملك ليس سرّاً، فقد أصبح معروفاً ومتداولاً في الأوساط السياسية والإعلامية، بل والشعبية، وهو تحديداً حول موعد إجراء الانتخابات النيابية، إذ يستشعر الملك أن الرئيس يؤخر عملية إقرار القوانين المهمة، وينشغل بأمور غير مهمة على حساب الأولويات، وهي إقرار قانون الهيئة المستقلة الجديدة للإشراف على الانتخابات لضمان نزاهتها بخلاف ما حدث في الانتخابات قبل الأخيرة بصورة كارثية، وقانون انتخاب توافقي تجري عليه الانتخابات ويضمن تحسين صورة مجلس النواب ودوره، وصولاً إلى ما أعلنه الملك أكثر من مرة إلى “حكومة برلمانية” أو شبه برلمانية تتشكل عبر القوى السياسية المشكلة في البرلمان.

وبالرغم أن رئيس الوزراء، عون خصاونة، محسوب على التيار الإصلاحي والليبرالي سياسياً، وقد جاء بخطاب نقدي حاد تجاه الطريقة التي كانت تدار فيها الأمور في البلاد، فانتقد الفساد بقسوة، وأعلن عن نيته وضع حد لتدخل جهاز المخابرات في الشأن العام، ودافع عن مبدأ “ولاية الحكومة” الدستورية، والتمسك بصلاحياتها، وفتح حواراً مع الإخوان المسلمين والمعارضة، وقدم مواقف متقدمة فكرياً وسياسياً، في المشهد العام، إلاّ أنّ هذا الخطاب “الجميل” لم ينعكس على أرض الواقع بصورة واضحة!

على النقيض من ذلك، شعر الإصلاحيون في الأيام الأخيرة بخيبة أمل كبيرة من الرئيس، إذ جرت اعتقالات طاولت عدد من الناشطين السياسيين، مع تقارير عن انتهاكات وتعذيب في السجون، وهو سلوك عقابي من الأجهزة المختلفة في الدولة ضد الناشطين في الحراك الشعبي، لما تعتبره القيادات الرسمية تجاوزاً للخطوط الحمراء التقليدية، إذ أصبح سقف الشعارات يصل إلى انتقادات صريحة وضمنية للعاهل الأردني وأفراد عائلته.

دهشة..

خيبة الأمل الكبرى كانت بتقديم عون الخصاونة قانون انتخاب للبرلمان يحتفظ بالطريقة التقليدية للدولة في تصميم القوانين تحت ضغط الفزّاعات التقليدية، مثل الصراع مع الإخوان وتحجيم المعارضة، وهو مشروع قوبل بالرفض فوراً من أحزاب المعارضة، مثل جماعة الإخوان والجبهة الوطنية للإصلاح وعشرات مؤسسات المجتمع المدني، وأغلب القوى السياسية، واعتبروه أقل بكثير من الطموحات السياسية، ولن يؤدي إلى تحقيق الوعود بحكومة برلمانية بعد الانتخابات.

مما زاد من دهشة مراقبين وإصلاحيين أنّ الرئيس بالرغم من ردود الأفعال السلبية الواضحة، ضد المشروع، أصرّ على عدم سحبه من مجلس النواب، وطلب من الجميع الحوار مع مجلس النواب لتعديله، رغم علمه أن مجلس النواب سيعمد إلى المماطلة بإنجازه وربما إضعاف القانون الجديد، لأنه يعلم أنّه فور ما ينتهي منه، سيقوم الملك بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة.

المفارقة أنّ استقالة الخصاونة جاءت احتجاجاً على صدور قرار من العاهل الأردني بتنسيب من الوزراء في ظل غياب الخصاونة خارج البلاد في زيارة إلى تركيا، لتمديد الدورة البرلمانية الحالية بهدف إنجاز قانون الانتخاب، وصولاً إلى حل البرلمان فانتخابات نيابية مبكرة، بينما كان الخصاونة يريد فض الدورة البرلمانية، وتأجيل الدورة الاستثنائية، ما يعني بالضرورة أن الانتخابات النيابية القادمة، التي من المعول عليها أن تدخل الأردن في أجواء الربيع العربي، ولو جزئياً، ستتأجل حكماً إلى العام القادم.

“السهل الممتنع”

الآن، بعد أن طويت صفحة الخصاونة، فإنّ السؤال هو عن سيناريوهات المرحلة القادمة؟

المفاجأة غير السارة للتيار الإصلاحي جاءت عبر اختيار رئيس وزراء محافظ، فايز الطراونة، إلاّ أن البعض يبرر ذلك بالقول أن مدته ستكون قصيرة جداً، نظراً لأن مهمته الرئيسة تتمثل في سحب قانون الانتخاب واجراء مفاوضات سريعة عليه مع المعارضة، ثم إعادته إلى البرلمان، وصولاً إلى إقراره، خلال أشهر قليلة، بعد ذلك ينسب الرئيس بحل المجلس، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو ما يقتضي وفق التعديلات الدستورية الجديدة، أن يقدم استقالته وتأتي حكومة أخرى، وتجري الانتخابات، وتستقبل لتأتي حكومة أخرى بعد الانتخابات، فسنكون أمام حكومتين فقط من هنا إلى نهاية العام أو الموعد المفترض للانتخابات النيابية القادمة.

بالرغم من أن المهمة تبدو واضحة إلا أنها من طراز ما يسمى بـ”السهل الممتنع”، فهي تقتضي الوصول إلى اتفاق مع المعارضة والقوى السياسية المختلفة على القانون المطلوب، وذلك يحتاج من الرئيس إلى قدرة سياسية ومرونة كبيرة، لإقناع المعارضة بالمشاركة، وسيدخل في حزمة الاتفاق تسمية الرئيس المرتقب للهيئة المستقلة التي ستدير الانتخابات القادمة، للمرة الأولى، إذ ستكون شخصيته مؤشراً مهماً على مصداقية الدولة.

هذا الإرتباك السياسي لعبور الأردن المرحلة الانتقالية يتوازى مع نذر أزمة اقتصادية خطرة، يحذّر وزراء أردنيون كانوا في مفاوضات مؤخراً مع البنك الدولي أنها الأكثر صعوبة على البلاد، منذ العام 1989 حين وقعت أحداث الجنوب، نتيجة احتقانات اجتماعية ضد الفساد والوضع الاقتصادي، وأدّت إلى العودة للحياة الديمقراطية، وإجراء أفضل انتخابات في تاريخ البلاد.

أجرى رئيس الوزراء الاردني المكلف فايز الطراونة الاحد مشاورات لتشكيل حكومته التي اكد انها ستكون “انتقالية هدفها تعبيد طريق الاصلاح”، محذرا من ان المرحلة التي تمر بها البلاد حاليا هي مرحلة “دقيقة وحساسة وصعبة”.

ونقلت وكالة الانباء الاردنية الرسمية عن الطراونة قوله بعد لقائه الكتل البرلمانية في مجلس النواب ان “المرحلة التي يمر فيها الاردن في هذه الظروف هي مرحلة دقيقة وحساسة وصعبة، لكن تجاوزها ليس بالامر المستحيل كما يصور البعض وان الاردن سيبقى الحلقة الاقوى على الدوام وان الربيع الاردني سيبقى ربيعا اخضر ولن يكون ربيعا احمر ابدا”.

واوضح ان حكومته “حكومة انتقالية هدفها تعبيد طريق الاصلاح وهذه المرحلة هدفها انجاز جملة القوانين الناظمة للاصلاح السياسي منها قانون الانتخاب وقانون المحكمة الدستورية وقانون الاحزاب”.

وكان الطراونة بدأ السبت 28 أبريل مشاوراته من اجل تشكيل الحكومة الاردنية الجديدة بعقد لقاءين منفصلين مع رئيسي مجلس النواب عبد الكريم الدغمي والاعيان طاهر المصري، وفق ما اكد مصدر رسمي اردني.

وكلف العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني الخميس 26 أبريل الطراونة تشكيل الحكومة الاردنية الجديدة خلفا لحكومة عون الخصاونة التي قدمت استقالتها.

وتولى الطراونة (63 عاما) رئاسة الوزراء في العامين 1998 و1999، وشهد عهده وفاة الملك الحسين بن طلال وانتقال السلطة للملك عبد الله الثاني بن الحسين. كما تولى الطراونة منصب رئيس الديوان الملكي ومناصب وزارية كالخارجية والصناعة والتجارة.

كذلك شغل الطراونة الحاصل على دكتوراه في علم الاقتصاد منصب عضو مجلس اعيان لدورات عدة اضافة الى مناصب اخرى.

ويأتي تكليف الطراونة بهذا المنصب بعد استقالة الخصاونة (62 عاما)، القاضي السابق في محكمة العدل الدولية، من منصبه بعد نحو ستة اشهر من تكليفه في بلد يشهد منذ يناير 2011 تظاهرات واحتجاجات تطالب باصلاحات سياسية واقتصادية ومكافحة الفساد.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية فرانس برس بتاريخ 29 أبريل 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية