مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خبير عربي: “مصر وغـزّة.. بوّابةُ تركيا لحصار إسرائيل سياسيا”

يوم 5 سبتمبر 2011، أجرى نبيل شعث (على الشمال) مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس محادثات في أنقرة مع وزير الخارجية التركي داوود أوغلو. Keystone

أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء 6 سبتمبر أن بلاده "ستعلق تماما" علاقاتها مع اسرائيل فيما يتصل بالصناعات الدفاعية بعد أن خفضت العلاقات الدبلوماسية معها.

وقال أردوغان للصحفيين في أنقرة “سنعلق تماما العلاقات التجارية والعلاقات العسكرية فيما يتصل بالعلاقات في مجال الصناعات الدفاعية، وسنتبع هذا من خلال وسائل مختلفة”.

وكان رئيس الوزراء التركي قال في وقت سابق من نفس اليوم إن بلاده ستطبق مزيدا من العقوبات على اسرائيل مضيفا أن “سفننا ستشاهد بصورة أكثر تكرارا في تلك المياه”، مشيرا إلى شرق البحر المتوسط. وأضاف اردوغان للصحفيين بأنه ربما يزور غزة وأنه سيقرر ما إن كان سيتخذ هذه الخطوة بعد محادثات مع مصر التي يعتزم زيارتها خلال هذا الشهر.

وفي سياق التعليق على التطورات الدراماتيكية في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، أوضح المحلِّـل السياسي المصري أحمد تهامي، الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن القرار التركي بتخفيض التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في أنقرة إلى درجة سكرتير ثانٍ وتعليق الإتفاقيات العسكرية مع إسرائيل، هو قرار جريء، تأخَّـر تنفيذه لمدة طويلة من أجل إعطاء الفرصة للأمريكيين للتدخُّـل والضغط على الطرف الإسرائيلي، لتقديم الإعتذار المطلوب كي يحفظ ماء الوجه للدولة التركية”، مشيرا إلى أن “العلاقات الدبلوماسية لا تعكِـس حقيقة علاقة التعاون والصِّـراع من المنظور الاستراتيجي”.

وقال تهامي، الباحث الملتحق ببرنامج الدكتوراه في كلية الحكومات والعلاقات الدولية بجامعة درهام بالمملكة المتحدة، في حديث خاص لـ swissinfo.ch: “الفرض الأكثر احتمالا، هو اشتداد الصِّـراع على مناطق النفوذ بين البلدين، وقيام تركيا بمحاولات لحصار إسرائيل سياسياً من خلال تعزيز التعاون مع مصر ومحاولات فكِّ الحصار عن غزّة ودعم الحوار الفلسطيني/ الفلسطيني”، معتبرا أن “هناك سيناريو التصعيد والتوتر في العلاقة بصورة تشبِـه الحرب الباردة بين القوتين الإقليميتين، إذا استمرت سياسة العناد فيما بينهما”.

وأضاف تهامي: “السياسة التركية تجد صدىً قوياً في الشارع العربي والإسلامي، بما يُـعيد تقديم تركيا كقائدة للمنطقة، ليس فقط في مواجهة إسرائيل، ولكن كحائط صدّ ضدّ الزّحف الشيعي على منطقة المشرق العربي”، موضحًا أن “استقرار الوضع الداخلي التركي، على الصعيد المؤسساتي والاقتصادي، هو الرّكيزة الأساسية التي تفسر جرأة وإقدام القيادة التركية على اتخاذ قرارات بهذا الثقل في هذا الملف الشائِـك والخطير”. مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي.

swissinfo.ch: كمحلِّـل سياسي.. كيف تقرأ القرار التركي بطرْد السفير الإسرائيلي من أنقرة وتعليق الاتفاقيات العسكرية؟

أحمد تهامي: من ناحية توصيف القرار، فهو قرار جريء فِـعلا ويعكس ذروة التوتُّـر في العلاقات التركية الإسرائيلية. فقرار طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، أشد تأثيرا من قرار سحْـب السفير التركي من تل أبيب. وتُـعَـد خطوة طرد السفير، من أعلى القرارات وأخطرها، من المنظور الدبلوماسي. فإذا أضفنا إلى ذلك تعليق الاتفاقات العسكرية، فإنه يعني انتهاء حِـقبة تاريخية كاملة من التعاون العسكري والدبلوماسي بين البلدين، الذي وصل ذروته بالمناورات العسكرية المشتركة والسماح للطيران الإسرائيلي بالتحليق والتدريب في الأجواء التركية في فترات سابقة.

وماذا عن توقيت صدور القرار التركي؟

أحمد تهامي: التوقيت مُـرتبط بتقرير اللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة التي أصدرت تقريراً بارداً بدا وكأنه يصب في صالح الجانب الإسرائيلي، ويمكن القول أن القرار قد تأخر تنفيذه لمدة طويلة من أجل إعطاء الفرصة للأمريكيين للتدخُّـل والضغط على الطرف الإسرائيلي لتقديم الإعتذار المطلوب، كي يتم حِـفْـظ ماء وجه الدولة التركية، وهو ما آل في النهاية إلى الفشل.

وحول التوقيت وأسبابه أيضاً، يمكن إضافة عاملين آخرين مهمَّـين: أولهما، حصول القيادة التركية على مزيد من القوة والنفوذ بعد إزاحة كبار القادة العسكريين من قمة الجيش التركي، بصورة وحَّـدت قرار صُـنع السياسة الخارجية في يَـد حزب العدالة والتنمية ممثلة في رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية. ثانيهما: الإستفادة من التوتر الإقليمي المتزايد في المنطقة من أجل ممارسة الضغوط على إسرائيل، خصوصاً في موضوع غزة والتوتر المصري الإسرائيلي المتصاعد في أعقاب عملية إيلات.

وهل تعتقد أن مصر يمكنها أن تتَّـخذ قرارا شجاعا مثل هذا؟ ولماذا؟

أحمد تهامي: السياسة الخارجية المصرية تُـعاني من فقدان البَـوْصلة وغياب القدرة والإرادة على اتخاذ قرارات جريئة ومهمّـة في كل ملفات الأمن القومي، وقد ظهر ذلك في ضُـعف الموقف المصري في مساندة الثورة الليبية أو السورية، رغم أهميتها البالغة للعمق الاستراتيجي المصري، وذلك على عكْـس السياسة التركية التي تميّـزت بالديناميكية والحيوية والجُـرأة في اتخاذ المواقف.

كما تبدو السياسة المصرية مُـرتبِـكة وفاقدة لنقطة التوازُن بسبب طبيعة السلطة الانتقالية الحاكمة وعدم وجود صلاحيات أو شرعية شعبية حقيقية لها، كما تعاني من تضارب في اتخاذ القرارات والتوجهات، ظهر في قضية سحب السفير المصري من تل أبيب، وهي خطوة أقل قوة بكثير من الموقف التركي. ويبدو أنه على المصريين الانتظار والترقُّـب، حتى يتم تشكيل حكومة ذات شرعية منتخبة يمكنها أن تتخذ قرارات إستراتيجية، مثل الحكومة التركية.

برأيك ما هي احتمالات تطوّر الموقف بين أنقرة وتل أبيب؟

أحمد تهامي: بالتـأكيد، هناك سيناريو التصعيد والتوتر في العلاقة بصورة تُـشبه الحرب الباردة بين القوتيْـن الإقليميتين إذا استمرت سياسة العناد فيما بينهما، وخصوصاً أن الدولة التركية لا تزال تشعُـر بجرح غائِـر في كرامتها، وقد يتطوّر الأمر إلى مواجهات عسكرية محدودة في البحر المتوسط بين دوريات بحرية تركية والأسطول الإسرائيلي حول موضوع غزة وحقول الغاز في المتوسط.

وفي المقابل، هناك سيناريو التَّـهدئة وضبط النفس، خصوصاً وأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يسمحا بتطوّر الأمور على هذا النحو العصيب، وبالتالي، تكون هناك ضغوط خارجية علي البلدين للوصول إلى تسوية ما، تحفظ ماء الوجه التركي وتضمن أن لا تتأذى إسرائيل من هذا النِّـزاع، خصوصاً في ظل توتر الأجواء الإقليمية وانفتاح المنطقة على كل الاحتمالات.

وإلى أي مدىً يُـمكن أن تتطوّر الأحداث؟

أحمد تهامي: حالياً، أعتقد أن تركيا تتَّـبع سياسة “حافة الهاوية” مع إسرائيل، وهي (تركيا) في وضع إقليمي أفضل الآن منذ عامٍ مضى، ويُـراود السياسيين الأتراك تصوُّر أن إسرائيل ينبغي أن تذْعـن للضغوط التركية في ظل تغيُّـرات البيئة الإقليمية الجديدة، التي لا تعمل في صالح إسرائيل، ولذلك، سيُـمارسون الضغط بكلّ قوة، ولكن ليس هناك ضمان بأن تنتهي الأمور وِفقاً للسيناريو التركي، أي تحقيق كامل الأهداف، دون خسائر.

وعلى المدى البعيد، يُـدْرك الأتراك أنهم يستفيدون من تصاعُـد التوتر مع إسرائيل، باعتباره تأكيد على هوية الدولة وعمقها التاريخي المتمثل في الدولة العثمانية، التي كانت تقوم بحماية شعوب المنطقة، وهذه السياسة تجِـد صدىً قوياً في الشارع العربي والإسلامي، بما يُـعيد تقديم تركيا قائدة للمنطقة، ليس فقط في مواجهة إسرائيل، ولكن كحائط صدّ ضد الزّحف الشيعي على منطقة المشرق العربي، وهذا كفيل بتحقيق الكثير من المصالح والمكاسب السياسية والاستراتيجية والمعنوية، بصورة تُـعوِّض خسارة الحليف الإسرائيلي القديم، ولكن يبقي العامل الأمريكي بالتّحديد، باعتباره القيد الأهم والقادر نسبيا على لجْـم جماح الدبلوماسية التركية.

وبالطبع لدى إسرائيل أيضاً بعض أدوات الضغط، التي يمكن أن تستخدمها ضدّ تركيا، خصوصاً في الملف الكردي، وعلاقتهم بحزب العمال الكردستاني وأكراد شمال العراق، كما أن الوضع في سوريا يحد من التطلُّـعات التركية في الوقت الرّاهن، لأن تركيا لا يمكنها أن تخُـوض غِـمار صراعين خطريْـن، أحدهما على حدودها البرية مع الجارة سوريا، والآخر في البحر مع إسرائيل.

وهل يمكن أن تصل الأمور إلى حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية تماما بين البلدين؟

أحمد تهامي: لا أعتقد أن العلاقات الدبلوماسية ستكون الموضوع الأكثر إثارة في العلاقة بين البلدين، ولكن نقاط التنافس والصراع في المنطقة، والتي يمكن أن تصل إلى نوْع من الحرب الباردة، حتى لو استمرت العلاقة الدبلوماسية قائمة كمجرّد قنوات اتِّـصال. وفي هذا الصدد، يلاحَـظ أن العلاقات الدبلوماسية لا تعكس حقيقة علاقة التعاون والصِّـراع من المنظور الإستراتيجي.

ففي ذروة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، كانت العلاقات الدبلوماسية قائمة، رغم إمكانية وصول الصراع في بعض الأحيان إلى حالة الحرب الشاملة، ولكن الأكثر احتمالا هو اشتِـداد الصراع على مناطق النفوذ وقيام تركيا بمحاولات لحصار إسرائيل سياسياً، من خلال تعزيز التعاون مع مصر ومحاولات فكّ الحصار عن غزة ودعم الحوار الفلسطيني.

وهل يمكن أن تضحّـي تركيا بهذه العلاقات الاقتصادية الضخمة، سواء في القطاع العسكري أو المدني، من أجل إصرار إسرائيل على عدم الاعتذار لتركيا؟

أحمد تهامي: القضية ليست مجرّد اعتذار دبلوماسي، ولكن الجرح الغائر الذي أصاب الدولة التركية وطموحها السياسي، الذي يصطدم بالضرورة مع مصالح اسرائيل، ولذلك، فالمسار العام للعلاقات في ظل الشروط الحالية، هو مزيد من التوتر والتصعيد، إلا إذا تدخلت أمريكا بقوة للضغط على إسرائيل لتقديم اعتذار، يرتبط بالسماح لتركيا بممارسة دوْر أكبر في المنطقة، وخصوصا في ملف غزة.

وقد يكون التمهيد لذلك، هو تغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية لصالح حكومة إسرائيلية جديدة أكثر اعتدالا في سياستها الخارجية، وربما يكون ذلك هو الحل المؤقت لتهدِئة الصراع في المدى القريب.

وفيما يخص العلاقات الاقتصادية، أعتقد أن تركيا لديْـها بدائل اقتصادية أهم، متمثلة في الأسواق العربية في الخليج ومصر وليبيا. فالرد يدور حول أن قضايا الكرامة والثأر ومصالح الأمن القومي، أهم من المصالح الاقتصادية، كما أن تركيا لديها بدائل في الملف الاقتصادي، ولكن نقطة الضعف ربما تكون في التقنيات العسكرية.

وماذا عن الرأي العام التركي.. هل تعتقد أنه سيقف مع القرار أو ضده؟ ولماذا؟

أحمد تهامي: الرأي العام التركي، هو مصدر قوة الحكومة التركية التي تستنِـد على شرعية دستورية وانتخابية حقيقية، وهو السَّـند الأساسي لأي تحرُّك تصعيدي تركي تُـجاه إسرائيل، إلى جانب أن الحكومة قد ضمنت ولاء الجيش بعد تعيين قادة جُـدد أكثر ولاءً للحكومة ولا يعملون ضدها، مثلما كان يجري الحال سابقا. فاستقرار الوضع الداخلي على الصعيد المؤسَّـساتي والاقتصادي، داخلياً، هو الركيزة الأساسية التي تفسِّـر جُـرأة وإقدام القيادة التركية في هذا الملف الشائك والخطير.

اعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يوم الثلاثاء 6 سبتمبر 2011 عن “تعليق كامل” للعلاقات العسكرية والتجارية مع اسرائيل التي ترفض تقديم اعتذارات عن قتل تسعة اتراك خلال مهاجمتها سفينة تركية كانت متوجهة ضمن اسطول انساني الى غزة.

وقال اردوغان للصحافيين كما نقلت عنه وكالة انباء الاناضول “نعلق بشكل كامل علاقاتنا التجارية والعسكرية وفي مجال الصناعة الدفاعية”.

كما اعلن اردوغان انه قد يتوجه الى غزة في اطار زيارة ينوي القيام بها الاسبوع المقبل الى مصر، مشيرا الى انه لم يتخذ بعد اي قرار نهائي.

وقال اردوغان للصحافيين الذين سألوه هل ينوي ايضا التوجه الى قطاع غزة على هامش زيارته الى مصر، “نجري مناقشات مع الجانب المصري حول هذا الموضوع. ولم يتقرر شيء حتى الآن”.

وتأتي هذه الزيارة، اذا ما تمت، في سياق العقوبات التي اعلنتها انقرة ضد اسرائيل بسبب رفضها تقديم اعتذار عن هجوم شنته مجموعة كوماندوس اسرائيلية في 31 مايو 2010، على سفينة تركية كانت متوجهة الى غزة (أسفر عن تسعة قتلى اتراك). وحذر اردوغان من ان “تدابير عقابية اخرى” ستتخذ ضد اسرائيل.

وقد اعلنت تركيا يوم الجمعة الماضي 2 سبتمبر طرد السفير الاسرائيلي وتجميد الاتفاقات العسكرية الثنائية وبدء اجراء قضائي للاعتراض على قانونية الحصار الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة.

فيما اكد مسؤول كبير في وزارة الدفاع الاسرائيلية الثلاثاء ان الملحق العسكري في السفارة الاسرائيلية في انقرة باق في منصبه بالرغم من الازمة الدبلوماسية بين الجانبين.

وقال عاموس جلعاد مسؤول الشؤون السياسية والامنية في وزارة الدفاع للاذاعة العامة “لا يوجد قطيعة مع تركيا، والدليل هو ان ملحقنا العسكري في انقرة باق في منصبه وان الخدمات القنصلية (في انقرة) ما زالت تعمل”.

وأضاف “لا بد من ايجاد حل لهذه الازمة من خلال استخدام هامش مناورة باق، وخصوصا من خلال دور للحلف الأطلسي وعلاقات تركيا مع الولايات المتحدة واوروبا”. ورأى جلعاد أن “تركيا ستخسر الكثير بانتهاجها سياسة متطرفة”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 6 سبتمبر 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية